الخميس، 20 يونيو 2024

إفقار الشعوب الإسلامية مهمة غربية

 

إفقار الشعوب الإسلامية مهمة غربية


لم تكتف الدول الغربية باستعمارها لغالبية البلدان الإسلامية ونهب مواردها لعقود، ولكنها حرصت بعد خروجها وحتى الآن، على  قيام قيادات وكوادر محلية بنفس مهمة استنزاف تلك الموارد، وتحويل تلك الدول خاصة الكبيرة السكان منها إلى أسواق استهلاكية لمنتجاتها بدءًا من السلع الزراعية إلى المواد الوسيطة، والآلات والمعدات والسلع العالية التكنولوجيا والسلع الاستهلاكية.

واستعانت تلك الدول الغربية بوسائل الإعلام والإنتاج السينمائي والفني لتغذية النزعة الاستهلاكية، وعلى الجانب الآخر إحاطة مجال الإنتاج بالمعوقات البيروقراطية والرسوم والضرائب والجمارك، لدفع أصحاب رؤوس الأموال إلى تفضيل الاستيراد على الإنتاج، والاتجاه إلى مجالات المضاربات والسمسرة والوساطة الأسرع ربحا على حساب الإنتاج.

والنتيجة بلوغ قيمة الواردات السلعية للدول الإسلامية السبع والخمسين أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، العام الماضي 2 تريليون و538 مليار دولار تمثل نسبة 10.5% من الواردات السلعية الدولية، وزادت قيمة الواردات عن قيمة الصادرات في 33 دولة من تلك الدول، ولولا قيمة صادرات النفط والغاز ببعض تلك الدول لزاد عدد دول العجز التجاري عن ذلك.

وكانت أعلى دول العجز التجاري تركيا بقيمة 106 مليارات دولار، ومصر 39 مليار دولار والمغرب 27 مليار دولار وباكستان 22 مليار دولار، وأوزبكستان 17 مليار ولبنان 12 مليار وبنغلاديش 11 مليار دولار. ومن ناحية أخرى فقد انخفضت نسبة تغطية الصادرات للواردات ببعض الدول إلى نسب متدنية، بلغت 4.5% باليمن و5% بغامبيا و8% بجزر القمر و12% بالمالديف، و15% بأفغانستان و20% بكل من لبنان وفلسطين.

   استثمار مالي على حساب الاستثمار الإنتاجي

ومع نسب الاكتفاء الذاتي المتدنية من السلع الزراعية والصناعية، فإن الأمر يتطلب التوسع في الإنتاج الزراعي والصناعي، لكن أتباع الدول الغربية من حكام وقيادات محلية يتفننون في إحاطة مجال الإنتاج بالعديد من المعوقات، مثل صعوبات الحصول على الأراضي، وبطء عملية الحصول على التراخيص للعمل، وصعوبات توفير التمويل، ومشاكل النقل والتسويق، وفرض العديد من الرسوم والضرائب.

يقع ذلك وهم يقدمون الحوافز المتعددة للاستثمار المالي خاصة ببورصات الأوراق المالية، وهو النشاط الذي لا يضيف للناتج الإجمالي المحلي شيئا، لتصل قيمة التعامل بالبورصات العربية عام 2022 نحو 763 مليار دولار مقابل 831 مليار دولار بالعام السابق، ولنا أن نتخيل كم من السلع والخدمات كان يمكن إضافتها للاقتصادات العربية بتلك المبالغ الضخمة إذا تم ضخّها في مجالات إنتاجية.

وإذا كانت تعاملات الأجانب بالبورصات العربية خلال عام 2022 قد بلغت نحو 155 مليار دولار، فإن معظم تلك القيمة تدخل في حسابات الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ يعتبر صندوق النقد الدولي شراء الأجانب لنسبة 10% فأكثر من أسهم شركة محلية، ضمن الاستثمار الأجنبي المباشر، ونفس الأمر لمشتريات الأجانب للأراضي والعقارات التي يعيدون بيعها، وكذلك مع استحواذ الأجانب على شركات محلية.

وهو ما يعني أن نسبة كبيرة من أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر لا تعني دخول استثمار جديد، وبالتالي فإن ذلك يقلل من الإنتاج السلعي والخدمي الذي يتحقق من أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر المُعلنة، التي تفضل الدول الغربية أن يكون أغلبها بمجال استخراج النفط والغاز الطبيعي لتعويض نقص إنتاجها منه، وحصولها على مقابل نفقات الاستكشاف والتطوير ونسبة عالية من الإنتاج.

وعلى الجانب الآخر تشترط تلك الدول العديد من المواصفات الفنية والبيئية لقبول صادرات الدول النامية، كما تستقطب الكفاءات العلمية من الدول النامية؛ مما يبطئ تقدمها التقني والتكنولوجي، إلى جانب رعايتها المستترة لكل ما يثير عدم الاستقرار الداخلي، ودعم  الفصائل المتناحرة داخل العديد من البلدان سواء بشكل مباشر أو عن طريق وسطاء، حتى تضيع كثير من الموارد على تلك النزاعات بدلا من أن تساهم في التنمية، مثلما يحدث من إطالة لأمد النزاعات المسلحة باليمن وسوريا وليبيا والسودان والعراق والصومال ونيجيريا والنيجر وتشاد وأفغانستان وغيرها.

    استيراد التضخم يزيد الفقر

وتستورد الدول المعتمدة على الواردات التضخم الموجود بالدول الموردة لها، مثلما يحدث مع وجود شركات دولية تحتكر غالب تجارة السلع الزراعية، والنتيجة زيادة معدلات التضخم بالبلدان الإسلامية التي بلغت العام الماضي، حسب بيانات صندوق النقد الدولي، بالسودان 171.5% ونحو ذلك بلبنان، و54% بتركيا، و52% بسورينام، و48% بسيراليون، و41.5% بإيران، و29% بباكستان، و25% بنيجيريا و24% بمصر، الأمر الذي  يؤثر في القدرة الشرائية للسكان في ظل الدخل المتاح، وفي تراجع مبيعات الشركات وتراجع طاقات الإنتاج وفرص العمل  ومن هنا تزداد معدلات الفقر.

وها هي معدلات الفقر تصل إلى 82.5% بسوريا و70% بكل من نيجيريا وسورينام، و69% بغينيا بيساو، و55% بتوغو، و54% باليمن، و49% بغامبيا، و47 % بالسنغال، ونحو ذلك بالسودان قبل الحرب الأهلية، و46% بموزمبيق، و44% بغينيا، و43% بكل من جزر القمر وتشاد ومالي، و41% بكل من بوركينا فاسو والنيجر و38,5% ببنين، و37.5% بالكاميرون، كما زادت نسبة الفقر على 30% بكل من الغابون ومصر وقرغيزستان، وعلى 25% بكل من فلسطين -قبل حرب غزة- ولبنان وطاجكستان وموريتانيا.

ومع ضخامة العجز التجاري تضطر الكثير من تلك الدول إلى المزيد من الاقتراض الخارجي، وقد سقط الكثير منها بالفعل في فخ الديون التي أصبحت فوائدها وأقساطها تشكل المكون الأكبر من الإنفاق بموازناتها، مما يعني خفض المخصصات المتجهة إلى الاستثمارات الحكومية أو لتقديم الدعم السلعي والخدمي، أو لإمداد جهات تقديم الخدمات الحكومية من مستشفيات ومدارس وغيرها بالمستلزمات اليومية اللازمة.

وهو ما يزيد تدهور الأحوال المعيشية والغرق في المزيد من الاقتراض، وارتفاع نسب العجز بالموازنات الذي يتطلب اقتراضا جديدا لسداده؛ مما يزيد نسب الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، الذي وصلت نسبته العام الماضي إلى 316.5% بالسودان، وقرب ذلك بلبنان، و96% بمصر، و92% بموزمبيق، و81% باليمن.

وتضطر الكثير من تلك الدول إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض منه، لأنه يمنح قروضا بفائدة أقل من سعر الفائدة السائد بالأسواق الدولية، إلا أن قروضه مشروطة بتنفيذ برنامج اقتصادي، يركز على خفض الإنفاق الحكومي وبيع الشركات العامة، والمزيد من الضرائب والرسوم وخفض الدعم؛ مما يزيد معاناة الفقراء ويوقع المزيد من أسر الطبقة الوسطى في دائرة الفقر.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق