السبت، 29 يونيو 2024

نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (7)

 نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (7)

بقلم: مضر أبو الهيجاء

9/ إشكالية مركزية القضية الفلسطينية

من نافلة القول أن القضية الفلسطينية هي من أشرف قضايا الأمة، وذلك باعتبار وجود الأقصى المبارك على أرض فلسطين، وكذلك باعتبار احتلال الصهاينة لأرضها وهم المعادين لعموم شعوب الأمتين العربية والإسلامية.

أن تحتل فلسطين قيمة عليا لاعتبارات عدة فهذا معقول وله قرائنه وأسبابه، أما أن تتصف بالقضية المركزية فهذا فيه خلل شرعي وسياسي وأخلاقي، ولعل هذا التوصيف موروث من حقبة القومية العربية وارثها الأيديولوجي وليس انعكاسا للفهم الشرعي الصحيح، الأمر الذي جعله باطلا بني عليه باطل أكبر.

إن القضية المركزية هي الأمة والدين، وهو معنى لا ينقص من رفعة القضية الفلسطينية وتقدمها على غيرها من قضايا العرب والمسلمين، بل هو تأصيل يخدم القضية الفلسطينية ويزيد من فرص تحقق وإنجاز التحرير.

من الناحية الشرعية يمكن القول إن اعتبار البعض لمركزية القضية الفلسطينية دفعهم لتجويز كل أشكال أحلافها السياسية دون اعتبار واقع الأمة ولا النظر لمآلات تلك الأحلاف على شعوبها، ودون النظر في ارتداد تلك الأحلاف على هوية الأمة ودينها وثقافتها وواقعها، وذلك انطلاقاً من أن المركزية لفلسطين، الأمر الذي جعل غير الجائز في حق الآخرين جائز في حق القضية الفلسطينية.

أما من الناحية السياسية فإذا كان احتلال فلسطين -القضية المركزية- يؤذي الأمة دون شك، فإن احتلال مصر -القضية اللامركزية- يتلف واقع الأمة بشكل أكبر وأوسع من الجرح الغائر في فلسطين، كما لا يتصور عاقل أن يكون لفلسطين تحرير دون دور رئيسي لشعوب الأمة، وبالتالي فإن أي حالة اضعاف لشعوب الأمة وإيجاد ثغرات فيها وفيما بينها نتيجة حلف البعض مع أعدائها هو سبب في استبعاد التحرير وعزل للقضية الفلسطينية عن شعوب المنطقة المعول عليها في إنجاز التحرير وبالتالي هو تطويل عمر وزمن إحتلال فلسطين.

أما من الناحية الأخلاقية فإنه لا تجوز المفاضلة بين قضايا العرب والمسلمين ودمائهم، فهذا خلل أخلاقي يبني الغرور ويوغر الصدور ويضع أصحاب القضية تجاه سؤال أخلاقي ثوري محرج، فكيف للفلسطيني أن يطلب من عموم شعوب الأمة وخصوص الشعوب العربية المكلومة من الاحتلال الإيراني أن تتضامن معه وتسانده وتدعمه في دحر المحتلين الصهاينة فيما يتحالف هو مع محتل بلادهم وقاتل أطفالهم المحتل الإيراني!

إن مفهوم مركزية القضية الفلسطينية ذو دلالات ومآلات خطرة ولا تخدم القضية، وإذا كان الشنقيطي يرى جواز حلف حركة حماس مع المحتل الإيراني لبلاد عربية انطلاقا من مفهوم مركزية القضية الفلسطينية وتحقق مصالحها دون اعتبار ارتدادات ذلك الحلف على محيطها، فإن مآلات تلك التصرفات السياسية ستضعف تماسك الحاضنة العربية والإسلامية وتسبب خفوتا وتراجعا في دورها الواجب نحو الأقصى والقضية، وهو قصور مريع في النظر والتدبير لا يجوز في حق من يفكر.

إن تصحيح مفهوم مركزية القضية الفلسطينية ووضعه في محله السليم لتصبح الأمة والدين هما القضية المركزية بات أمرا ضروريا لإعادة تقويم الجسم والكيان الاسلامي والحفاظ على تماسك وحدته وسد الثغرات فيه، ثم إن كل وقاية وتقوية ومعالجة لزوايا الضعف في الأمة وحفظ دينها الذي هو سر وحدتها وبقائها سينعكس لا محالة على أول وأشرف قضاياها، القضية الفلسطينية والأقصى السليب.

أما إن فتح الباب للتحالف مع أعداء الأمة بالشكل الذي يطرحه ويسوغه الشنقيطي، وفي ظل تشريع وتجميل وتبرير الحلف مع المشروع الإيراني فإننا سنشهد في مستقبل الأمة حالة احتراب داخلي، إذ سيقوم بعض أطراف السنة -من العرب والمسلمين الذين يؤمنون بشرعية وأهمية حلف إيران- بالاعتداء والقتل على إخوانهم وشركائهم العرب والمسلمين الذين يرون وجوب قتال وإضعاف وتشويه وفضح العدو الإيراني المحتل لبلادهم، وما ذلك إلا انطلاقا من مفهوم مركزية القضية الفلسطينية وغياب مركزية شعوب الأمة ودينها سر قوتها ووحدتها.

وبكلمة يمكن القول إن التأصيل الذي يقوم به الدكتور الشنقيطي لتجويز الحلف بين حركة حماس والمحتل الإيراني هو نذير شؤم لن يتوقف عند حدود خلط المفاهيم وتغييب الحقائق وإضعاف الأمة وتفتيت وحدتها، بل إن طرحه الفاقد للهدى سيؤسس لحالة احتراب داخلي في الأوساط العربية السنية لتزيد من عذاباتها وتشظيها فوق ما تلاقيه بسبب الحروب الطائفية التي نظر لها وأوجدها الغرب وقام بتجسيدها ملالي إيران وامتداداتهم في بلادنا العربية والإسلامية.

إن طرح الدكتور الشنقيطي وتسويغه للتحالف مع المحتل الإيراني يكتسب درجة متقدمة وخطرة في إتلاف الوعي الإسلامي باعتباره عضوا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومن المفارقات أن هذا الطرح لم يقل به ولم ينظر له الدكتور عزمي بشارة المعروف بخلفيته القومية وانتمائه لغير دين الإسلام.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق