الأربعاء، 26 يونيو 2024

"يا غائبا لا يغيب"!

"يا غائبا لا يغيب"!

أحمد عبد العزيز










لم أجد أبلغ من هذه الجملة- النداء عنوانا لهذا المقال.. وهي مطلع أغنية كتبها الشاعر فاروق شوشة، صاحب الفصحى المحببة للأذن، ومُعد ومقدم البرنامج الإذاعي الشهير "لغتنا الجميلة".. وهو (أي شوشة) نموذج فريد للتعايش مع الكذابين والأفّاقين والمنافقين.. ولا أعرف كيف ظل كل هذه السنوات يتردد على مفاعل الكذب النووي الشهير بـ"ماسبيرو"، ويقدم برنامجه بصوت هادئ رخيم، يوحي لك بأن كل شيء في مصر على ما يرام! لقد شارك فاروق شوشة بصوته "المطمئن" في خداع المصريين، عن غير قصد بالطبع، شأنه شأن آخرين..

قال شوشة في لقاء مرئي: لولا بُعدي عن مجال الكذب والفبركة (الأخبار) لما استطعت البقاء في ماسبيرو!

أما صاحب اللحن، فهو الملحن المبدع محمد الموجي.. وأما المطربة التي تغنت بكلمات شوشة، فهي ميادة الحناوي الموالية لنظام بشار الكيماوي، والتي "لم تنزل لي من زور" بالتعبير المصري الدارج، منذ ظهورها على الساحة الفنية؛ لسبب أجهله!

كان يمكن أن يكون عنوان المقال: "الغائب الحاضر".. أو "حضور رغم الغياب".. أو "غيَّبوه فلم يغب".. وحزمة أخرى من العناوين التي تحمل المعنى نفسه، غير أني اخترت "مطلع أغنية" ليكون عنوانا للمقال، تغنيها مطربة (لا أطيق رؤيتها) موالية لنظام دموي فاشي، وفي ذلك دلالات لا تخفى على قارئي اللبيب..

الرئيس المنتخب الذي سيظل مكانه شاغرا، حتى يختار المصريون من يشغله بملء إرادتهم وكامل حريتهم، كما اختاروه من قبل.. فمن جلسوا في سدة الرئاسة، قبل مرسي وبعده، ليسوا برؤساء، وإنما هم وكلاء للمحتل الذي لم يرفع يده عن مصر منذ حملة نابليون العسكرية على مصر، وإن تغير اسمه وعَلمه!


اخترت مطلع أغنية عنوانا لمقالي، وأنا الذي لم يعد لديه أدنى قابلية أو رغبة في الاستماع إلى الأغاني، حتى لو كانت من ذلك النوع "المباح"، ولا أقول "الحلال"! فالمآسي التي مرت بنا، أو مررنا بها، خلال العقد المنصرم، دمرت لدي لاقطات، أو لواقط، أو أجهزة استقبال الأغاني، حتى تلك التي كنت أطرب لها.. أما الذين حرَّموا علينا الاستماع إلى الأغاني في شبابنا، فألسنتهم تلهج (اليوم) بالدعاء لـ"ولي الأمر" الملهم المحدث الذي يقيم المهرجان الغنائي تلو المهرجان، على وقع أصوات القنابل الأمريكية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية التي لم تُبق (في غزة) حجرا على حجر.. تلك المهرجانات التي خُصصت لها ميزانية مفتوحة، بينما يموت أطفال غزة من الجوع حرفيا!

يا غائبا لا يغيبُ.. أنت البعيدُ القريبُ
مهما تغب عن عيوني.. فأنتَ أنتَ الحبيبُ..

إنه الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي حلت ذكرى اغتياله الخامسة في السابع عشر من شهر حزيران/ يونيو الجاري..

الرئيس المنتخب الذي سيظل مكانه شاغرا، حتى يختار المصريون من يشغله بملء إرادتهم وكامل حريتهم، كما اختاروه من قبل.. فمن جلسوا في سدة الرئاسة، قبل مرسي وبعده، ليسوا برؤساء، وإنما هم وكلاء للمحتل الذي لم يرفع يده عن مصر منذ حملة نابليون العسكرية على مصر، وإن تغير اسمه وعَلمه!

الرئيس المواطن الذي بقي مقيما في شقته المستأجرة، يذهب يوميا إلى عمله ويعود، كأي مواطن مصري كادح، ولو تُرك الأمر له لاختار أن يذهب إلى الرئاسة في سيارته المتواضعة، بلا موكب ودون حراسة. ويقيني أنه كان سيفعل ذلك يوما ما، لو استتب له الأمر، فقد كان عازما على محو صورة الرئيس "الفرعون"، ورسم صورة الرئيس "الأجير"، وفي ذلك خطر، وأي خطر، على حاملي جينات "الفرعنة" في مصر وفي الإقليم!

الرئيس العفيف الذي لم يمد يده إلى المال العام، حتى راتبه الرئاسي لم يكن يتقاضاه، ناهيك عن "عمولات الرئيس الرسمية" عن الصفقات والعقود التي تبرمها الدولة، وهي مسألة متعارف عليها، ومسلّم بها!

الرئيس الخلوق المتواضع الذي لم ينس أصله الريفي الكريم.. فإن كنت أنسى فلا أنسى مشهد الطفلة التي كانت تناديه في الزحام بصوت باكٍ: عمو مرسي.. عمو مرسي.. وتحاول الوصول إليه، وهو يخطب في لقاء جماهيري؛ لتسلمه طلبا من أمها.. وعندما نجحت في الوصول إليه، أخذ طلبها، وقبَّل رأسها، وربت على كتفها، ونادى على والدتها.. وصلت السيدة إليه وصافحته.. وعلى عادة أهل الريف (وأنا منهم) قبَّل "الرئيس" يده بعد مصافحتها.. ويُعد هذا السلوك عند أهل الريف تعبيرا عن الاحترام والتقدير للطرف المقابل، وإقرارا بعلو شأنه.. ابحثوا عن الفيديو وشاهدوه!

الرئيس المؤمن الذي يعرف معنى الولاء والبراء حق المعرفة.. فلم يوالِ عدوا لشعبه ولا لأمته، ولم يعادِ صديقا لشعبه وأمته..

الرئيس الذي لم يحلف قط ليصدقه الناس، ولم يزكِّ نفسه قط ليعلو في نظرهم.. فلم نسمعه يقول: والله والله.. ولم نسمعه يقول: أنا صادق أوي، وشريف أوي، وأمين أوي، ومخلص أوي.. ولم نسمعه يقول بعد كل عبارة: صحيح.. بتكلم جد!

الرئيس الحليم الذي لم يقصف قلما، ولم يكمم فما، ولم يغلق صحيفة ولا فضائية، وأتاح الفرصة لكل ذي رأي ليدلي برأيه، في الإعلام أو في حضوره، واستخدم صلاحياته وسلطاته في العفو عن صحفي تطاول عليه، وحُكم عليه بالحبس، فلم يمكث فيه ساعة من نهار!

أثر الإنسان أقوى منه، وأثر مرسي باقٍ، حتى لو خلت من ذكره كتب التاريخ المدرسية.. حتى لو رفعوا صورته من بين "رؤساء" مصر.. فمرسي كان "رئيسا منتخبا" من الشعب، ولم يكن "رئيسا معينا" من وزير المستعمرات، لذا كان من الصواب ألا يكون بينهم، وقد فعل أهل الخطأ والخطيئة الصوابَ.. عن غير قصد طبعا


الرئيس الغيور صاحب النخوة والشرف الذي قال: "أنا عايز أحافظ على البنات".. البنات اللائي يعانين (منذ سنوات) في السجون؛ لأنهن قلن للمنقلب: لا..

الرئيس المسلم العربي المصري المحب لفلسطين وأهلها الذي أوقف العدوان الصهيوني على غزة في 2012 بكلمة منه، وصارت شعارا للتضامن مع الشعب الفلسطيني يرفعها كل ذي ضمير حي على هذا الكوكب المبتلى بساكنيه: "لن نترك غزة وحدها"..

الرئيس الذي تصله الدعوات بالرحمة والمغفرة في كل وقت وحين، رغم أن شانئيه والمتآمرين عليه لم يمهلوه حتى ينجز ما يشار إليه بالبنان، تلك الدعوات المصحوبة (دائما) باللعنات على قاتليه.. فالكل كان يعلم إخلاص مرسي، وعزم مرسي، وحرص مرسي على النهوض بمصر وشعبها، ووضعها في المكان اللائق بها بين الأمم، لذا كان الخلاص منه مسألة حياة أو موت بالنسبة لدول وكيانات وأشخاص..

سيظل الرئيس مرسي مثار فخر لنا، وسيظل كابوسا للخونة، يحرمهم نعمة النوم، حتى وهو في قبره.. فأثر الإنسان أقوى منه، وأثر مرسي باقٍ، حتى لو خلت من ذكره كتب التاريخ المدرسية.. حتى لو رفعوا صورته من بين "رؤساء" مصر.. فمرسي كان "رئيسا منتخبا" من الشعب، ولم يكن "رئيسا معينا" من وزير المستعمرات، لذا كان من الصواب ألا يكون بينهم، وقد فعل أهل الخطأ والخطيئة الصوابَ.. عن غير قصد طبعا..

رحمك الله يا حبيبْ.. يا غائيا لا يغيبْ..

x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق