حكاية أبي جهل مع ممثل قام بدوره
ذات يوم رأيت ممثلا قام بدور أبي جهل في لقاء تلفازي، فوقع في حب الشخصية التي مثَّلها، فكان مما قال: «عيبه الوحيد أنه لم يؤمن بالنبي محمد»!
وأبو جهل لا شك شخص من سادات قريش، كريم سخي، فصيح مفوه، بار بأمه، ذكي سريع البديهة، وهو شجاع مقدام ذهب إلى حتفه بنفسه، وهو أيضا قوي الشخصية استطاع أن يحمل قريشا على رأيه وأن يكسر كل الآراء التي كانت تنادي بالتهدئة مع محمد صلى الله عليه وسلم أو تركه، وخضع لرأيه زعماء أكبر منه سنا وخبرة مثل عمه الوليد بن المغيرة ومثل عتبة بن ربيعة سيد عبد شمس، بل استطاع أن يقيم رجلا مثل أمية بن خلف سيد جُمَح من مكانه ليسير إلى حتفه في غزوة بدر.
والمواقف كثيرة، وليس هذا موضع مدح أبي جهل بما كان فيه فعلا!
لكن المشكلة التي اخترقت عقلي كالرصاصة الحارقة أن صاحبنا الممثل حين أحب الشخصية جعل من كُفر أبي جهل «عيبا وحيدا»!!
هذا يخبرك أحيانا إلى أي حد يتضاءل الأمر العظيم، ويتعاظم الأمر الضئيل!!
لقد تحول الكفر بالله، ومقاتلة النبي الذي قامت الأدلة على صدقه، إلى: عيب وحيد!!
لكي أحاول تقريب الصورة إلى أذهاننا المعاصرة.. سأقول لك جملة، واذكر لي كيف تتلقاها نفسك!
فلان وسيم، كريم، مفتول العضلات، حلو اللسان، يحب أولاده، يتغزل كل يوم في زوجته ويجعلها في هناء ونعيم.. عيبه الوحيد فقط أنه يتلذذ بتعذيب الأطفال واغتصاب البنات!!
هل تتقبل نفسك هذه العبارة؟!! وما رأيك بهذا العيب الوحيد؟!!
ماذا فعلت أنا الآن لتقريب الصورة؟ حاولت مخاطبة الأمور العظيمة في نفسك والتي لا زالت مقدسة لا يتقبل المرء الاقتراب منها.. وما ذلك إلا لأن الواقع وثقافته الغالبة صغَّرت مسألة الإيمان والكفر تصغيرا شديدا، حتى لم يعد الكفر يمثل جريمة عظيمة وخرقا لأقدس المقدسات!!
تعال نضرب مثالا آخر:
ما رأيك لو قال أحدهم عن نتنياهو أو عن بايدن بعد أن عدَّد محاسنه في خدمة وطنه: عيبه الوحيد فقط أنه شنَّ حرب غزة.. لقد كان أمرا مؤسفا!!
تذكرت هذا كله الآن وقد مرَّ على عدة منشورات، بعضها يحاول التهوين من جريمة ياسر برهامي وفئته الضالة بقولهم: «خلاف سياسي».. وبعضها يحول التهوين من جريمة البوطي بوقفته العظيمة مع بشار الأسد بقوله: «أخطأ في موقف سياسي»!!
إذا كان يمكن تسمية ذبح آلاف الناس وملايينهم، وسجن مئات الآلاف وما فوقهم، وتمكين الكفر والظلم في البلاد، وخيانة الله ورسوله والمؤمنين، وإلباس هذا كله ثوب الدين أو على الأقل: ثوب رضا الدين بما يصنع الطاغية الكافر.. إذا كان هذا كله مجرد “خلاف سياسي”.. فما هو هذا الدين؟!
ثم يأتيك ابن الطائفة البرهامية أو ابن البوطي ليحاسب الشاب على نظرة أو أغنية أو حتى زنية فيظل يرغبه ويرهبه ويأتيه بالوعد والوعيد!!!
والله إن الذي غرق في الخمر والزنا واللواط والربا منذ بلغ إلى أن مات لأقل جريمة عند الله من يوم واحد في الحكم كالذي يفعله السيسي وبشار وابن سلمان وابن زايد.. ووالله لا يخالف في هذه الجملة فقيه شم رائحة الدين!! فإن اليوم الواحد من حكم هؤلاء أعظم فسادا في الدين والدنيا من عمر هذا الزاني السكران بلا خلاف!!
إن لم يكن تأييد الطاغية السفاح الجبار الغشوم جريمة عظمى.. فلا معنى لهذا الدين كله.. ولو مددنا الخط على استقامته فاستطردنا وألزمنا اللوازم لما كان الفارق كبيرا بين قول هؤلاء وبين قول علي جمعة بأنه من الممكن أن يعفو الله عن جميع الناس يوم القيامة، ولا يدخل أحدا إلى النار!!
إذا كان الإسلام جاء فشدد على الذي نظر إلى امرأة، أو امرأة لم تلبس الحجاب، أو رجل أكل الربا.. ثم تساهل مع من جعلوا العري والانحلال والربا والخمر نظام حياة، فهذا هو أعظم صدٍّ عن سبيل الله وعن الدين كله! فإنه بهذا لا يستقيم في عقل عاقل بل لا يستقيم في فطرة جاهل!!
ما أشبه كلمة “الخلاف السياسي” هنا بكلمة الممثل عن أبي جهل “عيبه الوحيد أنه كفر بالنبي”!!!
إنه تهوين خطير خطير خطير، بل هو نسف للشأن العظيم والأصل الكبير والقضية الأساسية.. وساعتها لن تعظم في أعيننا جريمة ولن تكبر في ضمائرنا مصيبة!!
ومن يدري، ربما خرج علينا ممثل ذات يوم قام بدور إبليس، فجلس يقول والبراءة ملء عينيه: كان عيبه الوحيد أنه استكبر عن أمر الله؟!!
اتقوا الله في دماء المسلمين وبلاد المسلمين.. لا تكونوا شركاء للظالمين والسفاحين في ذنوبهم دون أن تقترفوها ودون أن تنالوا من الدنيا شيئا.. لا تلوثوا عقول الناس ولا تخرجوا أجيالا ترى الباطل حقا والحق باطلا.. لا تتحملوا وزر المظالم العظيمة والسنوات السوداء الطويلة التي سيتحملها هؤلاء الطغاة الجبارين..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق