تأملات في قوله تعالى: ﴿إنّه لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾
نجد في هذه الآية قاعدة ربانيّة ماضية إلى قيام الساعة، ومهما اعتقد الظالم أنّه سيكسب من وراء الظلم منفعة عاجلة أو لذة فانية تافهة، فإن مآله هو الخسران المبين، وما أفلح ظالم أبداً في تاريخ البشريّة، ويدخل في سلك الظلمة كلّ من سلك سبيلهم لمن أحسن إليه، فما بالك لو جازى من أحسن إليه بأسوأ الإساءة.
وفي قوله: ﴿إنّه لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾، دليل على أنّ من الظلم هضم حق من أحسن إليك، ومقابلة إحسانه بالإساءة والخيانة، فكيف إذا كان ذلك في عرضه!؟
وقد يكون نفي الفلاح مع وصف الظلم ما يصلح أن يكون واعظاً لهذه المرأة الّتي عرضت عليه خيانة زوجها، فكأنه يقول لها بطريق التعريض: أنا امتنع من ذلك وإحسانه إليّ يسيرٌ بالنسبة لإحسانه إليك، فكيف تخونينه؟! أما علمت أنّ من يفعل ذلك لا يفلح.
ومما يُلفت النظر في لغة رد يوسف الصديق (عليه السلام) النصاعة والنظافة والرقيّ، والبُعد عن الأذى، والمهاجمة، والسبّ، والقذف، كما هو حال كثير من النّاس لو تعرّض لمثل هذا الموقف، بل على العكس من ذلك لا نجد كلاماً مباشراً ضدهاً، بل تعريضاً لطيفاً يفهم منه الرد.
﴿إنّه لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾: الّذين يَضعون الشيء في غير موضعه، فإذا وضعت الخيانة في موضع الأمانة كنت ظالماً، ولا فلاح للظالم ولا نجاح. وجاءت كلمات يوسف (عليه السلام) بغاية التناسق والحُسن، حيث ذكر في بدايتها حقّ الله تعالى، ووجوب رعايته، ومن ثمّ ذكر حقّ الرجل الّذي أحسن إليه، وقبح خيانته، وبعد ذلك، ذكر نفسه، وأنّ عليه أن يحفظها، ويصونها عمّا يشينها، ويؤذيها، فهذه اللذة القليلة يتبعها ضرر كبير في الدنيا، وعذاب شديد في الآخرة، وبهذا يكون ظالماً لنفسه ولا فلاح للظالمين.
- إنّ مآل الظلم والاعتداء والخيانة وكلّ تصرف غير أخلاقيّ، هو الخسران في الدنيا والآخرة.
- من أدب القرآن العظيم أنّه لم يذكر اسم المرأة الّتي راودته ولا أشار إلى زوجها وهو عزيز مصر، وفي ذلك توجيه للتحلّي بهذا الأدب الرفيع، وألّا يذكر في مثل هذا المقام إلّا ما يظهر الحقيقة فقط دون الخوض في التفاصيل.
- إنّ يوسف عليه السلام قدوة للشاب في التقوى والخوف من الله وألّا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقدوة في الوفاء والأخلاق العظيمة، وفي التفكير في المآلات، وفي تحمّل النتائج مهما كانت مؤلمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق