الجمعة، 21 يونيو 2024

قتلوا مرسي أولا.. ثم قتلوا أهل غزة

قتلوا مرسي أولا.. ثم قتلوا أهل غزة


كاتبة صحفية وباحثة سياسية

يونيو 20, 2024


“لقد احتُجز في ظروف لا يمكن وصفها إلا بأنها وحشية، ووُضع في الحبس الانفرادي لمدة 23 ساعة في اليوم، وأُجبر على النوم على أرضية خرسانية، وحُرم من العلاج المستمر لمرض السكري وارتفاع ضغط الدم والتهاب الكبد.. نمتلك أدلة موثوقة من مصادر مختلفة، تفيد بأنه هو وآلافًا من المحتجزين في مصر قد عانوا من انتهاكات جسيمة، لذلك فإن وفاته بعد تحمله كل هذه الظروف يمكن أن تصل إلى حد القتل التعسفي، والاغتيال الذي أقرته الدولة المصرية”.

كان هذا جزءًا من بيان صادر عن المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام التعسفي، “أنييس كالامار”، وفريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، بعد 4 أشهر من إعلان وفاة الرئيس المصري “محمد مرسي”، أثناء واحدة من جلسات محاكمته في قضية التخابر مع حماس بتاريخ 17 يونيو/ حزيران 2019.

جاءت الذكرى الخامسة لاستشهاد مرسي هذا العام مختلفة عما سبقها تمام الاختلاف، حيث تزامنت مع حرب إسرائيلية غاشمة متواصلة على قطاع غزة منذ ما يقرب من 9 أشهر حتى الآن، سالت فيها دماء الفلسطينيين أنهارا، وقُتل وجرح منهم ما يقرب من 120 ألف إنسان، ثُلثاهم من النساء والأطفال.

تذكرت الجماهير العربية بحسرة الرئيس الذي صرخ بقوله “لن نترك غزة وحدها”، فأوقف حربا شنها المحتل على قطاع غزة، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2012 بعد 8 أيام فقط من اندلاعها، حيث أرسل رئيس وزرائه هشام قنديل على رأس وفد رسمي وشعبي، لتقديم كل العون الممكن لأهل غزة، وهو الموقف الذي شجع دولا عربية وإسلامية عدة على أن تحذو حذو مصر، فأرسلت الوفود الرسمية والشعبية إلى غزة لإظهار الدعم والتأييد لأهلها.

إنه ذلك الرئيس الذي وجه تهديداته للمحتل الإسرائيلي بقوله: “إن مصر اليوم مختلفة تماما عن مصر الأمس، ونقول للمعتدي إن هذه الدماء ستكون لعنة عليكم، وستكون محركا لكل شعوب المنطقة ضدكم”، وخاطبهم قائلا: “أوقفوا هذه المهزلة فورا، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة”. 

وتمكّن من خلال إدارته معركة سياسية ودبلوماسية من إيقاف العدوان الإسرائيلي، وفق معاهدة للهدنة تمت برعايته.

بينما اليوم، وبعد شهور طويلة من صمت مخزٍ وتواطؤ كامل من الإدارة المصرية الحالية، وجهت تقارير صحفية عالمية لمصر تهمة مشاركة الكيان الإسرائيلي في جريمة الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة، بإحكام الحصار عليهم، وغلق معبر رفح منفذهم الوحيد، ومنع شاحنات المساعدات من الوصول لنجدتهم.

استعاد المصريون ذكرى وفاة الرئيس محمد مرسي، ما يجعلنا نستعيد بدورنا التقارير التي تحدثت عن ذلك، ومنها تقرير منظمة العفو الدولية، الذي نشرته بعد يوم واحد من وفاته، وقالت فيه: “نعرف بدقة ظروف اعتقال مرسي، حيث تعرض للاختفاء القسري لعدة أشهر بعد اعتقاله، قبل مثوله لأول مرة أمام قاضٍ في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013. واحتُجز في الحبس الانفرادي لمدة ست سنوات تقريباً، ما شكّل ضغطًا كبيرًا على صحته النفسية والبدنية، وانتهاكاً للحظر المطلق للتعذيب، وغير ذلك من ضروب المعاملة السيئة بموجب القانون الدولي. وخلال فترة السنوات الست هذه، عُزل فعليًّا عن العالم الخارجي، ولم يُسمح له سوى بثلاث زيارات عائلية، وكانت اللقاءات بين مرسي وأسرته تجري بوجود ضباط الأمن والشرطة، ومُنع من الاتصال بمحاميه أو الطبيب، ولدينا معلومات متوفرة عن حجم الانتهاكات التي تعرض لها، من خلال شهادات أفراد أسرته الذين التقوا به، والتقارير الدولية عن وضع سجن طرّة الذي كان نزيلاً فيه، والمعروف باسم سجن العقرب، وشهادة مرسي نفسه أمام المحكمة”.

ثم نتذكر أيضا أن الرئيس “محمد مرسي” في إحدى جلسات محاكمته في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، اشتكى للمحكمة من الإهمال الطبي، وتحدث عن ظروف اعتقاله القاسية وتأثيرها على وضعه الصحي، حيث تدهورت حاسة البصر لديه بشدة بسبب مرض السكري، وأنه قد طلب الرعاية الطبية عبر المحكمة، لكن سلطات السجن لم تقدمها إليه، كما أنه عانى من آلام في الظهر والعظام وقيل له إن ذلك يعود إلى تقدمه في العمر ونومه على الأرض، كما عانى من آلام في الرقبة، وأنه قد طلب استشارة طبيب عظام لكن لم يُردّ على طلبه، وأنه كان يعاني من مرض في الفكين واللثة، وتعرض لحالات إغماء عديدة بسبب انخفاض نسبة السكر في دمه، وعدم تناوله الطعام الصحي مع حرمانه من الدواء، وأنه قد تقدم بطلب للمحكمة للعلاج من مرض السكري في 8 أغسطس/ آب 2015، ورغم تصريحات المحكمة بانتداب طبيب متخصص، فإنه لم يحضر حتى وفاته.

وعلينا أن نسترجع كذلك حديثه الشهير أمام محكمة جنايات القاهرة، في يوليو/ تموز 2017، حينما عبَّر عن خشيته على حياته خلال إحدى جلسات إعادة محاكمته في قضية اقتحام السجون، عندما قال إن هناك جرائم تُرتكب ضده قد تتسبب في فقدانه حياته، وأنه تعرّض لغيبوبة كاملة يومي 5 و6 يونيو/ حزيران 2017، وأنه يتعرّض للتهديد المتواصل. 

بل ونتذكر التقرير الذي تنبأ بمقتل الرئيس مرسي في محبسه، وحذر منه، وطالب الحكومة المصرية باتخاذ اللازم لمنع تلك النهاية، حيث أصدرت لجنة برلمانية بريطانية في 5 مارس/ آذار 2018 تقريراً يقع في 53 صفحة، يشرح الظروف القاسية وغير الإنسانية لاعتقال الرئيس محمد مرسي، وينبه لخطورة وضعه الصحي، وذلك بناء على شهادات ذويه الذين التقوا به، وطبيبه السابق.

وكانت اللجنة، التي رأسها عضو البرلمان عن حزب المحافظين “كريسبين بلانت”، قد قدمت طلباً للحكومة المصرية عن طريق السفارة المصرية في لندن للسماح بزيارة مصر، للاطلاع على ظروف اعتقال مرسي في سجن طرة، لكن اللجنة لم تتلق رداً من الحكومة المصرية، وقوبلت بانتقادات إعلامية مصرية غير مسبوقة، وهجوم لاذع عليها من نواب البرلمان المصري.

وقد اقتبست اللجنة في تقريرها أجزاءًا من تقرير سابق لمنظمة هيومان رايتس ووتش صدر عام 2016، تناول أوضاع سجن العقرب وحمل عنوان “حياة القبور”، وجاء فيه: “لا تسمح سلطات سجن العقرب للنزلاء بحيازة الضروريات اللازمة للراحة والنظافة الشخصية، وتشمل الصابون والشامبو والأمشاط ومعجون الأسنان وفرش الأسنان وأدوات الحلاقة والأطباق وأواني تناول الطعام، أو حتى أغراض أخرى مثل الساعات والكتب وأبسطة الصلاة أو الأوراق وأدوات الكتابة، كما تحظر الصحف والكتب. ويؤدي الحرمان من الضروريات الأساسية اللازمة للنظافة الشخصية إلى الأمراض، من قبيل الطفح الجلدي وأشكال العدوى الجلدية الأخرى؛ كما ينام النزلاء على مصاطب خرسانية منخفضة. وقد أوضح أهالي المسجونين، أن أقاربهم داخل السجن لم يناموا مطلقا على أفرشة، ويعتمدون على بطانيتين أو 3 بطانيات توفرها سلطات السجن، أو يستخدمون صناديق كرتونية مطوية”.

وقد وصفت اللجنة ظروف اعتقال الرئيس “محمد مرسي” بأنها تصل إلى مستوى التعذيب حسب القانونين المصري والدولي، وأوضحت أن المعاملة التي كان يلقاها مرسي في المعتقل لا ترقى إلى المعايير الدولية، ويمكن اعتبارها غير إنسانية وقاسية وتحط من كرامة الإنسان. وخلصت اللجنة البريطانية إلى أن مرسي لا يتلقى الرعاية الطبية الكافية، وخاصة في ما يتعلق بمرض السكري والتهاب الكبد، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تدهور سريع في وضعه الصحي وبالتالي إلى الوفاة المبكرة.

ثم نستعيد أيضا ما نقلته قناة الجزيرة عن شهود عيان، لما قاله مرسي في لحظاته الأخيرة، حين وجه خطابه لهيئة المحكمة قائلا: “حتى الآن لا أرى ما يجري في المحكمة، لا أرى المحامي ولا الإعلام ولا القضاة، وحتى المحامي المنتدب من المحكمة ليس لديه معلومات للدفاع عني”. 

وطالب هيئة المحكمة بعقد جلسة خاصة، كي يكشف فيها عن أسرار، ستخرجه من السجن، لكنها ستُدخل أناسًا آخرين، وذكر أنه لن يبوح بها، لأنها تهدد الأمن القومي المصري، وتمس سيادة البلاد، وأنشد بيت الشعر 

“بلادي وإن جارت عليّ عزيزة… وأهلي وإن ضنوا علي كرام”.

لكن هيئة المحكمة بقيادة المستشار “محمد شرين فهمي” لم تستجب لطلبه، ورفعت الجلسة في قضية التخابر مع حماس، وخرجت من القاعة، وحين عادت بعدها بدقائق للمنصة مرة أخرى لنظر قضية اقتحام سجن وادي النطرون، المتهم فيها مرسي كذلك، حدثت حالة من الهرج من المتهمين داخل القفص إثر وقوع مرسي مغشيًا عليه، ليتقرر نقله إلى المستشفى، لكن طاقم الإسعاف يتأخر في وصوله نصف ساعة كاملة، ويصل “مرسي” إلى المستشفى ميتًا، ليتم الإعلان عن وفاته لاحقا، بزعم إصابته بنوبة قلبية.

لماذا علينا أن نتذكر هذا كله الآن؟. حتى نعلم يقينا أن وفاة الرئيس “محمد مرسي” لم تكن وفاة طبيعية، وأنها كانت عملية قتل ممنهجة، مارستها الإدارة المصرية بقيادة “عبد الفتاح السيسي”، وتوقعت حدوثها كافة التقارير الحقوقية الصادرة داخل مصر وخارجها، وأن الدماء التي تسيل في غزة اليوم، وقتل أهلها بتلك الوحشية وهذا الإجرام، لم يكن ليحدث إلا بالانقلاب أولا على الرئيس الذي انتخبه شعبه، ثم سجنه وقتله بعدها بسنوات، فالقاتل واحد، حتى وإن اختلفت الأسماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق