أعطني بيانات كافية vs يصير خير!
خواطر صعلوك
قل لي مَن هم أصدقاؤك؟ وسوف أخبرك بمستقبلك...
هذه الحكمة ظلّت تسير مع الحضارة البشرية منذ اليونان القديمة، حتى استيقظ يوماً من النوم السيد بيير سيمون لابلاس، عالم الفلك في القرن التاسع عشر، الذي فركَ عينيه وارتشف ثلاث رشفات من قهوته وأشعل سيجارة ملفوفة على ظهر عبيد قصب السكر في أميركا اللاتينية ثم حك فخذه اليمنى ونظر إلى السماء وقال:
- أعطني بيانات كافية... وسأخبرك بمستقبلك.
ومنذ تلك اللحظة التاريخية والمنعطف شديد الانحدار، انشطرت الحضارة البشرية إلى مدرستين.
عزيزي القارئ، كيف تتخذ القرارات في حياتك؟ هل أنت من أصحاب الأرقام والحقائق؟ أم من أصحاب العفوية والارتجالية وخليها «يصير خير»؟. هل أنت من مدرسة «الحب»، أم من مدرسة «الذكاء الاصطناعي»؟
في عالمنا اليوم، هناك مدرستان في كيفية اتخاذ القرارات، مدرسة العفوية والحدس والشعور الداخلي، ومدرسة الذكاء الاصطناعي والحقائق والأرقام والحسابات.
والصراع بين المدرستين، أراه كل يوم في أماكن عملي، في الاجتماعات، وفي عرض المشاريع، وفي النقاشات الجانبية، وفي العصف الذهني، وفي كتابة التقارير والعلاقات الشخصية.
دعني عزيزي القارئ أوضح لك من خلال اجتماع مُتخيل ما الذي يحدث عندما تجتمع المدرستان على طاولة واحدة.
- أعتقد أن هذا المشروع سيكون ناجحاً، لديّ شعور جيد حوله.
- شعور جيد؟ دعنا أولاً نحلّل البيانات، ونتساءل حول معدل النمو المتوقع؟ وما هي المخاطر المحتملة؟ ويستمر النقاش وكل طرف يحاول إثبات وجهة نظره، لتكتشف أن لساننا واحد، إلا أننا لا نتكلم لغة واحدة، ويستمر النقاش وربما يتحول إلى جدل عقيم، ويبدأ الجميع باستخدام مصطلحات ومقترحات تبدو مضحكة -ومبكية أيضاً-، ثم تُنزل رأسك وتضعها على يديك وتنام، مثل مهرج مات في منتصف العرض.
يتكرّر هذا الصراع بين المدرستين، في كل زمان ومكان ولكنه يأخذ أشكالاً متعددة ومتنوعة حسب أدوات العصر ومعطياته.
صراع الأجيال، وفجوة الأجيال، وثقافة الشباب، كل هذه مصطلحات تمثل شكلاً آخر من شكل الصراع.
أنا من أصحاب المدرسة العفوية والحدسية الارتجالية وخليها «يصير خير»، رغم أنني أتكلم طوال الوقت وطوال اليوم لغة مدرسة الحسابات والحقائق والأرقام، وأستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي.
أتساءل عن الذين دمجوا المدرستين، وجمعوا الجيلين، هل هي حالة اغتراب جديدة؟ أم تكيف ومرونة وفاعلية؟ دخلت أحد الكافيهات منذ يومين، لاحظت شاباً إحدى عينيه على كتاب كان يقرأه بعنوان«هل يوجد...؟» وعينه الأخرى على الفتاة التي تجلس في الطاولة التي أمامه... وتذكّرت سنوات مضت، وشعرت بسؤال الشباب، وعنفوان الطرح، والتطلع، وسؤال هل يوجد...؟ والبحث عن الإجابة عند امرأة.
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
moh1alatwan@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق