الأحد، 23 يونيو 2024

نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (5)

 نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (5)

بقلم: مضر أبو الهيجاء

7/ التسطيح الأصولي في النظر للتحالف بين حركة حماس والمشروع الإيراني والقياس المضطرب على تصرفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أفراد المشركين.

إن حديث الشنقيطي في تسويغه للحلف بين حركة حماس وإيران يتأرجح بين اعتبار المرجعية الإسلامية بصورة ما، وبين الانطلاق من الواقع والبراغماتية السياسية وموازنات واقع الزمان والمكان، والحق أنه لا إشكالية مطلقا بين اعتبار المرجعية الإسلامية والأخذ بمعقولية الواقع ورجحان المفاسد والمصالح في مسائل السياسة الشرعية، بل إن الارتباط بينهما عضوي والانفصال بينهما لا يستقيم بحال من الأحوال ولم يقل به أحد العلماء.

إن الإشكال في طرح الشنقيطي -والعبرة بعموم المطروح لا بخصوص الشخص المذكور- هو حقيقة الاعتبار للمرجعية الإسلامية والتوقف عند أحكامها والالتزام بأفهام وفتاوى علمائها المعتبرين في هذا الباب والمشهود لهم بالاستقامة والعلم والشجاعة في قول الحق.

ولعل أول أمارات اعتبار المرجعية الإسلامية هو البحث العميق في النص القرآني والتصرفات النبوية وأفهام الصحابة المعدلين بنص السماء، وبالجملة تتبع الهدى والالتزام به.

ومع حسن ظني بالأخ الشنقيطي، إلا أنني أعتقد أنه جانب الصواب في قياسه من الناحية الشرعية وأن ما ذكره لا يجيز هذا الحلف، فما ذكره من تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم واستعانته بالمشركين، كاحتمائه بعمه أبي طالب واتخاذه لابن أريقط دليلا في هجرته ودخوله في جوار المطعم بن عدي واستعارته السلاح من صفوان بن أمية..الخ وجميعهم من المشركين، هو قياس فاسد وتنزيل في غير محله، لاسيما أن هناك فوارق عظيمة وظاهرة بين تعامل النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أفراد المشركين وبين تعاون وحلف حركة حماس مع المشروع الإيراني.

إن الفوارق التي تجعل القياس السابق فاسدا تكمن في عدة جوانب:

١- أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعامل مع أفراد ولم يتعاون مع مشاريع، والفرق كبير بين التعامل مع أفراد والتعاون الجماعي مع مشاريع كالمشروع الإيراني.

٢- أن من تعامل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مشركين ولم يكونوا أصحاب مشاريع تنظر وتؤسس وتمكن للكفر بأشكاله كما هو مشروع ملالي إيران.

٣- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يروج لمن تعامل معهم وإنما ضبط العلاقة معهم بتحقيق مصلحة راجحة أو دفع مفسدة راجحة، دون الترويج لهم ودون استفادتهم أنفسهم من ذلك بالترويج لشركهم وهو ليس حال إيران.

٤- أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أفراد المشركين ما يحقق مصلحة أو يدفع مفسدة دون أن يطلب أحدهم ما يتناقض مع أهداف رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته، حتى أنه عندما أرسل بعض الصحابة لاجئين إلى الحبشة، فإنهم قد أسمعوا النجاشي كلمة التوحيد حتى أسلم، وهو مغاير لواقع الحال بين حركة حماس وإيران.

٥- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صاحب القرار الأول والأخير عندما تعامل مع أفراد المشركين، بخلاف العلاقة والتعاون بين حركة حماس وإيران التي لها يد على قيادات الحركة على المستوى السياسي والعسكري والإعلامي.

٦- أن تعاون رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أفراد المشركين لم ينتج عنه اختراق المشركين لكيان رسول الله وجماعته والتموضع في مفاصله، بخلاف حلف حركة حماس مع إيران والذي نتج عنه اختراق كبير لم يسلم منه جهاز ولا إدارة ولا مستوى، حتى أن كل من تعاون مع إيران وسافر إليها فإن الحرس الثوري لا محالة حاول أن يفتح معه علاقة وقناة منفردة بعيدا عن قيادته ودون اطلاع الجهاز التابع له.

٧- أن تعامل رسول الله مع أفراد المشركين حقق بشكل راجح وكبير جلبة لمصلحة أو دفعا لمفسدة، بخلاف حلف حركة حماس مع إيران والذي جلب مالا وسلاحا اختزله المدافعون عنه بصورة المصلحة، والحق أن هذا الحلف شطر فلسطين ومزق قضيتها سياسيا وبالجملة دفع مصالح وجلب مفاسد وأحدث في الأمة ثغرات وفجوات وفرقة ومهالك ولذلك رضي عنه نتنياهو وتعامل مع نتائجه، وليس آخر مفاسد تلك العلاقة غدر إيران الكبير بالمجاهدين بعد أن خدعهتم ووضعتهم في سياق معركة كبرى -والأرجح بالتوافق مع أمريكا العميقة من خلال قناة رفيعة- ضمن رؤيتها لتموضعها السياسي والعسكري في دول المنطقة.

٨- أن من تعامل معهم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن بينهم وبين أعداء رسول الله تعاون ولقاء استراتيجي، بخلاف إيران التي تلتقي بشكل عميق واستراتيجي مع أعداء الأمة وتتعاون معهم في ذلك والعراق خير شاهد ودليل.

٩- أن من تعامل معهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين لم يكونوا من قتلة الموحدين ولا كانوا على حال الاعتداء قائمين بل هم من المسالمين الذين تضبطهم أخلاقهم في الجاهلية، بخلاف إيران وميليشياتها التي تحالفها حركة حماس فهي قائمة ودائمة على حال يثخن في قتل الموحدين ويبدل دين بعضهم.

١٠- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متصلا بالله يوحى إليه وهو ما أكسبه صفة العصمة في الدين، فإن أخطأ في شأن من شؤون الدنيا وجهه وصوبه الوحي، أما حركة حماس في حلفها مع إيران فهي ليست معصومة عن الخطأ ولا يوحى إليها، فإن أخطأت فإن الواجب أن يقوم مسارها العلماء الربانيون -وليس علماء التنظيم- ويقومون بتصحيح أخطائها، وقد حصل مرارا وتكرارا من عتاب العلماء لقيادة حركة حماس والترفق بهم واسماعهم النصح للتراجع عن الأخطاء، فلم يكن لذلك من أثر في إعادة تصويب البوصلة ولم يسمع لأي من العلماء، ولعل آخر ما اشتهر هو إجماع الغالبية في قيادة الحركة المنتخبة الأخيرة حول خطوة العودة لحضن النظام السوري واللقاء مع بشار الأسد، وقد تناول الأمر كثير من العلماء السلفيين والإخوان والمستقلين ولم يكن لأحدهم أثر في تصحيح المسار، وما ذلك إلا نتيجة لصم الآذان عن الحق والاغترار بوجهة النظر بعيدا عن العلماء، وربما ارتباط البعض بشكل عضوي بإيران، وكذلك كنتيجة لسطوة المال وإذعان لمطالب إيران.

وخلاصة القول في التسطيح الأصولي والقياس الفاسد من الناحية الفقهية والذي مارسه الدكتور الشنقيطي لتسويغ الحلف بين حركة حماس وإيران، أنه كلام لا يحق حقا ولا يبطل باطلا ولكنه يلبس على الناس دينهم بامتياز.

وهنا تجب الإشارة إلى أن النقاش الفقهي الأصولي الذي يستهدف الوصول إلى الحكم الشرعي في تلك العلاقة يجب أن يناقش الحلف مع المشروع الإيراني ليس باعتباره المذهبي أو الشركي أو حتى المخالفة في المعتقد والدين، بل يجب النظر للمشروع الإيراني باعتباره مشروع عدائي معتد أثيم لم يزل يثخن قتلا في دماء المسلمين وهو أيضا من المحتلين لعدة بلدان من بلاد العرب والمسلمين، حاله كحال الإسرائيليين الذين يمارسون أبشع أشكال القتل القذر بأهلنا ويحتلون أرض فلسطين، فيما تمارس إيران أشكالا فظيعة من قتل عموم المسلمين والاعتداء على حرائرهم وإعدام علمائهم أو دفنهم أحياء، كما تحتل من ديارهم أضعاف أضعاف ما تحتله إسرائيل.

ومما يزيد الأمر وضوحا نحو واجب المسلمين، ويبطل هذا الحلف غير الجائز من الناحية الشرعية هو أمر الله للمؤمنين بقتال الفرقة المسلمة الباغية إن هي لم تتراجع عن القتل، والله يقول ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الحجرات 9.

وإذا كان هذا واجب المسلمين تجاه الفرقة الباغية، فما هو واجب المسلمين تجاه إيران التي تقتل المسلمين في كل محيط فلسطين اللصيق والمتوسط والبعيد.

وإذا كان من واجب المسلمين الشرعي الدخول في صد ورد عدوان الإسرائيليين، فلماذا يعذر المسلمون عن هذا الواجب تجاه رد عدوان الملالي والمليشيات والأحزاب الإيرانية؟

وإذا كان الفلسطينيون معذورون بعدم قتالهم ورد عدوان الاحتلال الايراني عن دول المنطقة لانشغالهم بقتال المحتل الصهيوني، فكيف نجيز لهم أن يحالفوا من هم على قتل المسلمين حتى الآن قائمين؟

إن أحدا من المسلمين لا يحب ولا يمنع ولا يجيز نقص الدعم عن إخوانه المجاهدين الأشاوس في فلسطين، ولكن هذا لن يحدث ولن يتحقق من خلال الحلف مع ملالي إيران، فالمشروع الإيراني شر عظيم على عموم دول المنطقة وكذلك على فلسطين، ولعل ساحة العراق خير الشاهدين، ولا يستطيع أحد أن يزاود على العراقيين في مآسيهم الكبيرة والعميقة والممتدة بسبب الاحتلال الايراني، ومع ذلك فإن أحدا من علماء العراق المعتبرين لم يقاتل إيران ويدعو لقتالها باعتبار مخالفتها في المذهب أو الدين أو لوجود مقولات كفرية في معتقداتها، ولعل طرح الشيخ حارث الضاري رحمه الله واسع وبين في هذا الباب، حيث اعتبر إيران احتلالا يجب قتاله وصده ورده، واحتضن واستوعب الشيعة العراقيين ودعاهم للمشاركة في التحرير، دون أن يتنازل عن نقاء عقيدته ودون أن يداهن في أحكام دينه وسلفيته.

إن العلاقة مع إيران ستأخذ شكلا مختلفا في حال توقفها وتراجعها عن قتل شعوب المنطقة والتراجع عن احتلالها لعواصمها الأربعة.

أختم وأقول في تلك النقطة أن من أراد أن يصل للحكم الشرعي في حلف حركة حماس مع إيران وأذرعها في الساحات فإنه قادر على البحث عن العلماء المتمكنين من مسائل السياسة الشرعية والمستحضرين بوعي للسيرة النبوية والواعين بواقع الأمة والمستوعبين لماهية وخطوات المشروع الإيراني السياسي والطائفي البغيض.




نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (3)

 

نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (4)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق