إضاءات منهجية وأسئلة سياسية
هل يزاحم ملالي إيران «سايكس بيكو» وأمريكا لإعادة ترتيب المنطقة؟
بقلم: مضر أبو الهيجاء
أبدأ بالإشارة لنموذج مرسي والغنوشي وأردوغان وجدلية علاقة أمريكا بإيران.
ينتسب القادة الثلاثة للمرجعية والخلفية والبنية الفكرية والتجربة الإخوانية.
1/ الدكتور محمد مرسي الرئيس المصري والزعيم الإخواني.
2/ الشيخ راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي، ومؤسس الاتجاه الإسلامي ثم حركة النهضة الإسلامية التونسية.
3/ السيد أردوغان رئيس الجمهورية التركية ابن التجربة الإسلامية التركية وتلميذ المفكر نجم الدين أربكان ومؤسس حزب العدالة والتنمية الحاكم في السياسة التركية.
رغم الفروق الواضحة بين الشخصيات الثلاثة حيث يعتبر مرسي أكثرهم أصولية وإسلامية وسلفية في الفكر والممارسة، كما يعتبر الغنوشي رائد مدرسة التجديد الأصولي على خطى شيخه الترابي، كما يعتبر أردوغان أكثرهم براغماتية وتماهيا مع المشروع السياسي العلماني في جانب الممارسة.
ورغم رفض مرسي التجاوب مع الإدارة الأمريكية في صياغاته المنهجية والفكرية والدستورية والسياسية دون أن يدخل معها في احتراب، ورغم غزل الغنوشي الإدارة الأمريكية في كل جوانب الحياة السياسية والدستورية كل صباح ومساء، ورغم قبول أردوغان وجود قاعدة أمريكية في تركيا وتجاوبه السياسي والعسكري معها في ضبط حدوده وتفاعلاته مع قضايا المنطقة الساخنة وعدم تجاوزه لإرادتها ورؤيتها في عدة ملفات.
إلا أن الثلاثة كانوا ولا يزالون أعداء في المنظور والسلوك السياسي الأمريكي، حيث تعاملت أمريكا من الناحية السياسية والعسكرية وفق مسطرة القياس والعداء الديني، فانقلبت وقتلت كبيرهم السلفي، ثم انقلبت وسجنت أوسطهم التجديدي، وانقلبت وخنقت وضيقت وحاصرت ثالثهم الإسلامي العلماني.
من الواضح أن الرؤية الأمريكية تزداد قسوة وصلابة وصرامة في التعامل مع الشخصيات الإسلامية النافذة بحسب مدى ثباتها وتمسكها بالتصور القرآني والإسلامي وبحسب انحيازها لأمتها ودفاعها عن قضاياها خارج المفهوم القطري والعرقي والجهوي، وبناء عليه قتلت مرسي وسجنت الغنوشي وخنقت وضيقت على أردوغان.
في المقابل كيف تعاملت الإدارات الأمريكية جميعها وخلال كامل نصف القرن الأخير مع ملالي إيران وحرسها الثوري وميليشياتها التي تطلق شعارات ضخمة في العداء الديني لأمريكا معلنة الاحتراب السياسي معها، بل وتضرب وتهدد سفنها وقواعدها؟
إن السؤال لا يحتاج إلى جواب لأن واقع التجربة خلال الحرب العراقية الإيرانية ثم قبل الربيع العربي وإسقاط بغداد ثم أثناء حقبة الثورات لاسيما في اليمن والشام وصولا لمرحلة ما بعد الربيع العربي، يشير بوضوح إلى أن أمريكا التي جلبت الخميني من باريس قبل نصف قرن، لم ولن تتنازل عن مركزية الدور الإيراني في المنطقة، ورفد المشروع الإيراني بما يلزمه ليبقى قويا في ضبط وإدارة شؤون المنطقة العربية إلى جانب إسرائيل الهشة والمكلفة والضعيفة.
تاريخ وسلوك سياسي يشير إلى حجم مخاطر المشروع الإيراني على الهوية الثقافية الإسلامية الجامعة للأمة، وحجم التهديد والإفشال لوحدتها السياسية المستهدفة من كل الجماعات الإسلامية وعموم المكونات العربية.
فهل سينتبه التيار السلفي المتهاون في النظر للعلاقة بين القضية الفلسطينية وإيران ويعي عمق وحجم المخاطر (الشيخ فايز الكندري نموذجا)، وهل سيكف الإسلاميون الجدد عن تسطيح الوعي الإسلامي بتسويغ علاقة حركة حماس مع العدو الإيراني من خلال قصة لجوء النبي صلى الله عليه وسلم للمشرك -غير المعادي- المطعم بن عدي -المختار الشنقيطي نموذجا-؟
إن المشروع الإيراني بعد ثورات الربيع العربي يشكل خطراً وجوديا على الهوية العربية الإسلامية، فإيران قبل الربيع العربي كانت في حاجة لأمريكا لتحمي توسعها من المحيط العربي، ولكن أمريكا بعد ثورات الربيع العربي هي الأحوج لإيران وملاليها لتضبط دول المنطقة كما برهنت على ذلك في معركة الطوفان، ولتضمن أفول الحلم العربي والإسلامي الذي كان عنوانا حقيقيا لكل ثورات شعوب المنطقة.
من الفاجع ألا يتوقف الغافلون أمام موقف سياسي وخطوة ثقافية، فأما الأول فهو تناغم وتخادم إيراني أمريكي حيث تنازلت إيران عن غزة وحماس حتى تحقق سقوط غزة وهلاك أهلها وتقزمت حركة حماس حتى أصبحت مكتبا صغيرا في طهران، وأما الثاني فهو الحديث والتوجيه العالي لخامنئي بفرض عيد الغدير في العراق وطلبه للأمة الإسلامية للاحتفال به انطلاقا من أن مقام الولاية أعلى من مقام النبوة!
إن غياب عقول كثير من السياسيين والدعاة -حيث طارت عقولهم مع الصواريخ الإيرانية فلم تنفجر الصواريخ ولم ترجع العقول- كما أن خفوت دور العلماء سيتسبب في انزياح طوعي سياسي لشباب وشعوب المسلمين نحو إيران ثم ينتقل إلى تبشير ثقافي يبدل هويتهم وأفهامهم الدينية، ليصبحوا بعدها حرابا سنية تقطع رؤوسنا في بلادنا العربية متقربة الى الله وحالمة بتحرير فلسطين!
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 28/6/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق