الأحد، 23 يونيو 2024

الإنسان...ابن مشروع دولته!


الإنسان...ابن مشروع دولته!

خواطر صعلوك



محمد ناصر العطوان

إنّ الإنسان، كما يقول الحكيم، هو تبعٌ للفكرة التي يحملها في داخله، تتسلّل هذه الفكرة إلى عقله وروحه، تشكّل مسار حياته وتحدّد قراراته واختياراته. أما عالِم الاجتماع، فيرى أن المُتخيل الاجتماعي هو ما يرسم ملامح المستقبل، حيث يجتمع الأفراد حول رؤى مشتركة تمثل طموحاتهم وأحلامهم.

علماء النفس بدورهم يتحدّثون عن الغاية الكمالية للأفراد، والتي تصبح فكرة مهيمنة تستحكم في مخيلة شخص معين، فيتشبث بها رغماً عن الوساوس والمماحكات والقوى الخارجية التي تحاول كبح جماحه.

منذ مئة سنة تقريباً، وتحديداً عام 1913، كتب الأديب اللبناني عمر فاخوري، كتابه الأول بعنوان «كيف ينهض العرب؟»، وقال في المقدمة إن العرب لن تنهض إلّا إذا أصبحت العربية أو المبدأ العربي ديانةً لهم، يغارون عليها كما يغار المسلمون على قرآن النبي الكريم، والمسيحيون الكاثوليك على إنجيل المسيح الرحيم، والبروتستانت على تعاليم «لوثر» الإصلاحية، وفرنسا في عهد «الرعب» على مبادئ روسو الديموقراطية، ويتعصّبون لها تعصّب الصليبيين لدعوة بطرس الناسك.

عزيزي القارئ، هل تم اختبار هذه الفكرة من قبل؟ ألم تكن التجربة الناصرية قريبة من هذه الفكرة؟ هل فعلاً نهضة العرب لها علاقة بالعروبة أم أن هناك شيئاً آخر؟

منذ مئة سنة ونحن نسأل السؤال ذاته، بشكل دائري، حتى تذكّرت أني قرأت كتاب «الآتي من الزمان أسوأ» للكاتب الإسباني رفائيل فرلوسيو، والذي بدأ كتابه بقول إنه ستهل علينا أعوام أكثر سوءاً، وتجعلنا أكثر عمى، ستهل علينا أعوام أكثر عمى، وتجعلنا أكثر سوءاً.

ولكنه لا يدعنا نتخبط دون حلول، فيقدم في أحد تأملاته التي تحت عنوان (أخلاق الكمال وأخلاق الهوية) حلاً للخروج من الأسوأ، وهو انتهاج الخير الذي يُغير حركة الشخص في كل أفعاله، لتجعل منه شخصاً آخر، جديداً، أفضل، ومختلفاً، ومن ثم أن يصبح المرء خيراً يرادف أن يكف عن أن يكون هو ذاته، ولو بقدر ضئيل يوماً بعد يوم، وبناء عليه، فإن مجرد أن يظل كما هو يعني أن يكون أسوأ من ذاته، والرضا عن ذلك يعد دناءة.

إذاً عزيزي القارئ، هل ينهض العرب بالعروبة أم بالخيرية، أم أن السؤال نفسه قد عفى عليه الزمن فلا ينبغي طرح هذا النوع من الأسئلة من زمن ما بعد الحداثة والسيولة... ولم يعد الإنسان ابن فكرته بل ابن مشروع دولته... وأصبح السؤال هو «كيف ينهض المواطن من أجل البصمة مبكراً؟»

نعم، هذا هو السؤال المحوري... كيف ينهض المواطن من أجل البصمة مبكراً؟ كيف يحل خلافاته مع زوجته في المنزل؟ كيف يفتح مشروعاً صغيراً يدرُّ عليه دخلاً إضافياً؟ كيف يحرق سعرات حرارية بشكل فعّال؟

بعيداً عن الفكرة الكمالية، وبعيداً عن الفكرة الشخصية... كأن هذا المقال يريد أن يقول إن الشعوب التي تعيش تحت ظل الحلم والخيال الاجتماعي المشترك تتمكن من الانطلاق نحو مستقبل أفضل.

هذه الشعوب تتجاوز التحديات والعقبات بفضل رؤيتها المشتركة وطموحاتها العالية.

وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

moh1alatwan@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق