الخميس، 20 يونيو 2024

حسن نصر الله فلسطينياً

 حسن نصر الله فلسطينياً

وائل قنديل


مع كثيرٍ من حسنِ الظن، يمكن القول إنّ النظام الرسمي العربي يلتزمُ الفُرجة على مشهدِ الصراع مع الكيان الصهيوني في غزّة والجنوب اللبناني والبحر الأحمر وخليج عدن، حتى وإن أظهر بعض اللمحات على فتراتٍ متقطّعةٍ بإعلانِ نفسه وسيطاً بالمشاركةِ مع الإدارةِ الأميركية بين الاحتلال الصهيوني والمقاومة الوطنية الفلسطينية.

نظريّاً، لا تصمد فكرة الوساطة نفسها أمام أيّة حسابات منطقية، كون الطرف الذي يديرها (البيت الأبيض) شريكاً كاملاً لأحد طرفي الحرب، ومساهماً بالنسبة ذاتها التي يساهم بها الاحتلال في تدمير مقوّمات الحياة في غزّة، كما أنّ النظام المصري الذي يعلن عن نفسه وسيطاً نزيهاً يفتقدُ أبسط معايير الأهلية للوساطة النزيهة، كونه مديوناً للاحتلال الصهيوني بالكثير، وخصوصاً في موضوعِ الغاز الطبيعي المُستخرج من فلسطين المحتلة، إذ يشتريه من الاحتلال لكي يعيدَ بيعه بأرباحٍ مضاعفة لأوروبا بعد إسالته، ويستخدم بعضه في الداخل، وتتراكمُ عليه فواتير واجبة السداد للجانب الإسرائيلي الذي يجيد استخدام هذه الورقة في الضغط على القاهرة، فيمنع عنها الغاز إذا غضب ويمنحها إياه حين يرضى.

في وسطِ هذا الظلام العربي الدامس، وعندما يخرُج صوتٌ من جنوب لبنان أو اليمن، ويقول إنّه طرفٌ أساسٌ في التصدّي للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، ويعلن عن وحدةِ الجبهات في مواجهةِ الاحتلال، إنْ على صعيد المواجهة العسكرية أو على مستوى المفاوضات غير المباشرة التي يشتغل بها الوسطاء، فإنّ هذا ممّا يضبط المعادلة المختلة، ويمثل رادعاً حقيقيّاً للعدوان يدفعه إلى مراجعةِ حساباته ويقرّ بفشله في إمكانيةِ تحقيق أهدافه، أو بالأحرى أوهامه.

مثل هذا الخطاب الذي أعلنه أمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، قبل يومين، هو المعبّر الحقيقي عن روحِ الأمّة في هذه اللحظة، وهو المجسّد طموحاتِ الشعوب العربية التي تشعُر بالإهانة مرّتين، مرّةً للخذلان الرسمي الذي يقترب من حدودِ التواطؤ مع الاحتلال، ومرّةً من حالةِ العجز التي لا يجد معها من سبيلٍ لنصرةِ الشقيق سوى الأنين والشكوى والدعاء، وبالتالي، الانصراف عن مضمون هذا الخطاب وجوهره باستدعاء اشتباكاتٍ طائفيةٍ نوع من الخذلان لفلسطين، التي يُفترض أنّها قضية القضايا بالنسبة للجماهير العربية، والتي ليس كمثلها قضيّة محليّة، بل إنّها كانت غاية لعديد الهبّات والثورات الشعبية العربية على أنظمةٍ تأسّست على الاستكانة والخضوع للغطرسة الأميركية الصهيونية.

في كتابه "خروج العرب من التاريخ" (دار مدبولي للنشر والتوزيع، القاهرة، 1993) يقول أستاذ القانون والخبير الاقتصادي المرموق فوزي منصور: "...، فالتاريخ قد يصبر على قوم في هزائمهم وقد يمدّ يده لمن يتخلّف عن الرّكب، أما الذي لا يتسامح التاريخ فيه أبداً فهو أن يدير القوم ظهورهم له، ويمضوا متباعدين عنه، وذلك تحديداً هو ما يفعله العرب".

مبكّرًاً جدًاً رصد صاحب الكتاب مظاهر خروج العرب من التاريخ، مشيرًا إلى أنّهم يدفعون دفعًا الآن، فيتدافعون خارج التاريخ، ليس فقط لأنّ وطنهم في هذا النصف الثاني من القرن العشرين، قرن تصفية الاستعمار بأشكاله كافة، والتحرّر الوطني للشعوب في كلِّ مكان، هو الوطن الوحيد الذي ينشأ فيه ابتداء، ويستقرّ في قلبه استعمار استيطاني عنصري ظلامي توسّعي إذلالي فاشيّ النزعة، يعرف كلّ عربي في قرارةِ نفسه أنّ هدفه النهائي هو بسط هيمنته العسكرية والسياسية والاقتصادية على سائر البلدان العربية، وتنصيب نفسه سيّداً عليها يستغل خيراتها ويحطّم طموحات شعوبها، وإنّما لأنهم يديرون ظهورهم للتاريخ.

ما يجري في غزّة الآن، ومعها جبهتا لبنان واليمن، عودة عربية إلى التاريخ، أو قل هو محاولة باسلة لإصلاح اعوجاج مسار التاريخ، بمواجهةِ مشروعٍ آخر، عربي أيضاً للأسف، يحارب التاريخ ويتآمر عليه بزعم الاعتدال، فيسعى، كما كتبتُ مبكّراً، إلى الالتحاقِ بالمشروع الصهيوني، المؤسَّس على التهامِ فلسطين كلّها، وهو مشروع مستمرٌّ على قدمٍ وساق منذ سنوات، ومُعلن للكافّة، ويتّخذ أشكالاً من العداء الصريح لمبدأ مقاومة الاحتلال، ويرهن الدول الموصوفة، أو الموصومة بالاعتدال المطابق للمواصفات الأميركية، عسكريّاً واقتصادياً، للإرادة الإسرائيلية، حتى بلغ الانحدار أنّ سبع دول عربية تشتري السلاح من المحتل الإسرائيلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق