شمال غزّة يموت جوعا!
أدهم شرقاوي
المشهد الأول: نخوة العرب في الجاهلية
بعد أن وقّعت قريش وثيقة المقاطعة الظالمة لبني هاشم، وعلقتها في الكعبة لتعطيها شيئا من القداسة، جاء هشام بن عمرو، وزهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأبو البختري بن هشام، لتمزيق هذه الصحيفة رغم أنهم كانوا جميعا على الشرك، ولكن كان فيهم نخوة تجلّت في كلام زهير بن أبي أمية حين خاطب قريشًا عند الكعبة، وفيهم أبو جهل: يا أهل مكة، أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تُشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة!المشهد الثاني: الجوار في الإسلام
روى الطبراني في الكبير من حديث أنس بن مالك، والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس، باختلاف يسير، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم”! (صحّحه الذهبي في التلخيص، والألباني في صحيح الأدب المفرد)، والمقصود نفي كمال الإيمان عن الراضي بجوع جاره وهو يعلم به، وليس نفي أصل الإيمان!المشهد الثالث: في عهد الخلافة الراشدة:
روى الإمام البيهقي في السنن الكبرى عن الحسن رحمه الله: أن رجلا أتى أهل ماء فاستسقاهم، فلم يسقوه حتى مات، فأغرمهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه دِيَته!
وبه عمل الفقهاء، وأغرموا الجيران من أهل الحي دِيَة الميت جوعاً!
***
ها هي غزة تموت الآن جوعا أمام أعيننا، نحن لم نخذلهم فقط، الخذلان هو أن لا نشترك معهم في قتال عدوهم الذي هو عدونا، أو على الأقل أن نمتنع عن مدّهم بالسلاح ليقاتلوا هم نيابة عنا، أما أن يموتوا جوعا أمامنا، فهذا لا يسمى الخذلان، وإنما العار!
لا أحب جلد الذات، ولا جلد الناس، ولكني لست مهرّجا لأضحككم في زمن المآتم، وأعوذ بالله أن أرى الجرح فأقفز عنه، وأعيذكم بالله أن تغضبوا ممن جاءكم بالحقيقة ولو كانت مرة، إن أكبر جزء من المشكلة هو أن تمر أمامنا ولا نراها مشكلة!
خذ عندك المشاهد الثلاثة التي جئتك بها، وقسها عليَّ وعليك، علينا جميعا أفرادا وحكومات وأخبرني أين نحن منها!
نحن مع أهل غزة لم ندرك نخوة العرب في الجاهلية، فها هم نفر من قومنا يموتون جوعا أمام أعيننا، ونحن نعيش، حتى أن بعضنا ما زال يفكر أيقاطع أم لا، شربنا دماء إخواننا في علب الببسي، ولُكنا لحومهم في وجبات الكنتاكي!
ولا نحن راعينا فيهم هدي النبوة، ولا حتى لأجل أنفسنا في أن يتحقق فينا كمال الإيمان، رضينا بأصله فقط، وها هم يموتون جوعا ونحن نعلم! نرى هذا أمام أعيننا، فلا عذر لأحدنا أمام الله إلا بعد أن ينقطع منه الصوت، وتجف منه الدموع، والأهم قبل الصراخ والبكاء أن يفعل ما استطاع!
كل طفل مات في غزة جوعا ديته عليّ وعليك، أما كان يكفينا من العار أن نطعمهم لتحصدهم الطائرات وبطونهم ملأى، ولكننا لم نكتف، أسلمناهم إلى عدوهم – الذي هو عدونا- جوعى،
فاللهم عاملنا برحمتك لا بعدلك، فإنك إن عاملتنا به أهلكتنا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق