بقلم: مضر أبو الهيجاء
8/ تجارب معاصرة ونماذج متهاوية
ذكر الدكتور الشنقيطي نماذج وتجارب معاصرة عديدة تعاملت أو تعاونت مع القوى الإقليمية والدولية في سياق مشروعها التحرري مشيرا إلى تجربة الجهاد الأفغاني وتلقيه الدعم الأمريكي، وفي نفس الوقت مستنكرا حياء قادة المجاهدين الأفغان في اللقاء مع الأمريكان واصفا هذا الاضطراب أو الحياء بالطفولة الثورية داعيا للخروج منه وممارسة السياسة العملية مستشهدا بمقولة المفكر الأمريكي الاستراتيجي من مؤسسة راند روبرت ووهلستتر وقوله: ليست أهدافنا بالضرورة متناقضة مع أهداف عدونا.
كما يستحضر الشنقيطي نموذج الثورة السورية في حقبة الربيع العربي مشيرا -دون امتعاض ولا توقف ولا اتهام- لقبولها الدعم والسلاح من غرفتي الموك والموم المرتبطتين بالغرب.
من الواضح أن الشنقيطي ممتن وسعيد بمواقف الإسلاميين والثوار غير المتوازنة والمليئة بالأخطاء والتي اعترى تجاربها الخلل، وذلك ليستند عليها في تسويغ وتشريع حلف حركة حماس مع إيران، وذلك بدل أن يعرضها جميعا على مسطرة الصواب والخطأ والسوية والانحراف استنادا لمرجعية الدين وأحكام الشريعة واجتهادات السياسة الشرعية والنظر في مآلاتها التي انعكست على شعوب الأمة، فينتقل من الخطأ إلى الصواب، ومن الانحراف إلى الاستقامة، ومن ما يضر الناس ويسبب تراجعا للدين إلى ما ينفع الناس ولا يصطدم بالدين، ومن ما تأكد خوره إلى ما بانت صحته، ومن الإثم إلى أهدى السبل.
ومن المؤسف أن الشنقيطي في استعراضه لتجربة الثوار الأفغان والسوريين قد استحضر جوانب الخيبة والسقطات والثغرات في ثورات مباركة، تلك السقطات التي أسهمت وكانت أحد أسباب الانقلاب على الثورة الأفغانية وسحق حلم استرداد الدولة ذات الشوكة، وكذلك كانت أحد الأسباب الهامة في إفشال الثورة السورية وفقدان رصيدها التراكمي، وبدل أن يشير الشنقيطي إلى الأخطاء ناقدا ومصوبا فقد اعتبر الأخطاء المدمرة للثورتين منهجا يقتدى ويحتذى به، وكذا استعراضه لمقولة الغنوشي -فرج الله سجنه وجميع المظلومين- الذي جسد تجربة سياسية فاشلة بعد أن نظر وقعد وأصل وقام بتجسيد ما ينظر له الشنقيطي الآن.
إن أسلوب الشنقيطي في عرض التجارب وغياب طلب مراجعتها، وعدم كشف أخطائها يشير إلى عدم تبنيه أو إيمانه بضرورة وجود منظومة سياسية إسلامية وأخلاقية تضبط الاجتهادات بمسطرة شرعية يحتكم إليها الجميع، بل إن خلطه لجميع التجارب والنماذج وأشكال التعاطي يشير إلى رغبة في انفلات التجارب والاجتهادات السياسية من عقال الشريعة والأخلاق السياسية ليصبح المنطق البراغماتي المطلق هو الحكم، ويصبح التقدير السياسي مرتبطا حصرا بالبشر دون مرجعية الدين، كما أن نظرته التي تبيح لكل حركة سياسية التعبير عن مصالحها من خلال مواقفها وأحلافها مع أعداء الأمة في جغرافيا أخرى تؤسس لتشظي الأمة وانهاء وحدتها السياسية وافشال حلمها المرتبط بالتصور القرآني لوحدة الأمة والقائمة على أخوة العقيدة.
والغريب أن النماذج التي ذكرها الشنقيطي تصلح للشهادة على فشل وخلل المنطق الذي يطرحه وينظر له، فجميع التجارب التي استحضرها لم تنجح ولم تحقق أهدافها بعد أن وقعت في أخطاء وكبائر سياسية أتلفتها، فهي تصلح كنماذج لأبطال طرحه ودليلا على قصور منهجه لا اعتماده.
أما عن الثورة الجزائرية فهي تجربة عظيمة تستحق الدراسة والفحص العميق، وذلك لتمييز جوانب الخطأ والصواب فيها، لا أن تؤخذ على عواهنها بدون فرز يجب أن يقوم به أصحابها المطلعين والنزيهين دون عصبية الانتماء الجغرافي، وليس بالضرورة أن المواقف والأحلاف السياسية التي ذكرها هي التي أفضت إلى التحرير وما خفي من تفاهمات فيها كبير، ولا يجوز أن تعرض تجربة كبيرة كالثورة الجزائرية بطريقة سلق البيض ويبنى عليها ما يريده الشنقيطي دون فهم عميق ولا ربط صحيح، فهذا لعمري أسلوب لا يليق بالبحث العلمي والفاحص الدقيق.
وبالجملة فإن عملية السرد الجميل التي قام بها الشنقيطي في استعراض التجارب سواء التي نجحت نسبيا أو التي فشلت كليا ليقفز من كلا التجارب ويبني على نجاحاتها كما فشلها على حد السواء تسويغ الحلف مع المشروع الإيراني دون ربط ولا قياس ولا تنزيل صحيح، فهذا لعمري خلط للأمور وانفصال في الوعي العلمي وارتباك في العقل المنهجي، وهو غير معهود عند علمائنا في التاريخ الاسلامي، بل هو أقرب للمنهج الشعبوي الذي يطرح مقدمات ليبني عليها نتائج مفصولة عنها.
يتبع …
نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (3)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق