السبت، 29 يونيو 2024

الجامية وحزب التحرير: هل غزوتَ الروم؟!

 

الجامية وحزب التحرير: هل غزوتَ الروم؟!



في البداية والنهاية لابن كثير:

قال سفيان الواسطي: ذكرت رجلا بسوء عند إياس بن معاوية قاضي البصرة، فنظر في وجهي، 
وقال: هل غزوت الروم؟. قلت: لا.

‏قال: السند والهند والترك؟ قلت: لا.

‏قال: أفسلم منك الروم والسند والهند والترك، ولم يسلم منك أخوك المسلم؟!

يبدو أن بعض الأشياء لا تتغير على ظهر هذا الكوكب الأهبل! وما أكثر الذين سلم منهم كل أعداء هذه الأمة، ولم تسلم منهم المقاومة في غزة! لم يكتفوا بإثم القعود مع الخوالف، ولا طمروا رؤوسهم في الرمال كالنعام، حين عجزوا أن يوصلوا شربة ماء ورغيف خبز إلى المسلمين الذي يُقتلون ويجوّعون في غزة، في معركة لا لون رمادي فيها.. الحق ظاهر والباطل بيِّن! 
فقاموا يطعنون هذه المقاومة في ظهرها؛ الإسلاميون منهم بسيف الولاء والبراء، والعلمانيون منهم بسيف الحكمة الباردة، وكلام التعقل المنزوع من الكرامة والشرف! ولو تأملوا لوجدوا مواقفهم من المقاومة كموقف نتنياهو وبايدن، ولخجلوا، ولكن الحياء رزق!

الجاميون وحزب التحرير هما أنموذج قبيح للفكر المنبطح، والطعن والخذلان وفق الضوابط الشرعية التي تربِّت على ضمير الطاعن والخاذل ليكمل نومه باطمئنان، ولكن لكل واحد منهما طريقته وأدواته!

الجاميون في كل البلدان ليسوا حزبا دينيا، ولا مدرسة فكرية وعقدية، وإنما هم جهاز حكومي، عمداء وعقداء وضباط ولكن بعمائم ولحى، لهم مرتباتهم وضماناتهم الاجتماعية كالموظفين في شركة الكهرباء والهاتف.. إنهم إحدى أدوات تطويع الشعوب للحكام!

ونصوص الشريعة كثيرة، إذا أراد ولي الأمر أن يحارب فما أكثر نصوص الجهاد، وإذا أراد أن يسالم فما أكثر نصوص السلام! والمشكلة لم تكن يوما بالنصوص، ولكن في لَيِّ أعناق النصوص، وإنزالها على واقع لا يشبهها! وهذه هي وظيفة الكهنة على مدار التاريخ، وفي كل الأمم والأديان، المعبد وقصر الفرعون في مصر القديمة، والكنيسة وقصور الملوك في أوروبا قبل الثورة الفرنسية!

حزب التحرير
لم تسلم منه المقاومة في إعدادها، ولم تسلم منه في حربها، ولن تسلم منه غدا في قضية الاستثمار السياسي لنتائج المعركة!

كل دور حزب التحرير في نصرة غزة تجلى بمظاهرة لعشرين عضوا من منتسبيه أمام السفارة المصرية في لندن، لمطالبة الحكومة البريطانية بالضغط على الحكومة المصرية لفتح معبر رفح! 

وبريطانيا في أدبيات حزب التحرير هي الدولة التي تتصارع النفوذ مع أمريكا للسيطرة على الدول الوظيفية في بلادنا، والتي يُعتبر النظام المصري جزءا منها!

يا للنصرة، ولا لفقه السياسة! أن تطلب ممن تسميه عدوك الأكبر أن يضغط على ما تسميه أداته لإطعام من تسميه الأمة، التي عليها أن تقف في وجه السيد وأداته! وعندما تقوم هذه الأمة لتحارب، فإنك تطعنها في ظهرها لأنها لا تحارب تحت رايتك!

أمير حزب التحرير يقيم في أوروبا بصفة قانونية، والحزب يقيم المؤتمرات والندوات هناك.. في أوروبا الاستعمارية نفسها التي سنكسر أيديها وأيدي عملائها!

أن يكون للمقاومة علاقات مع إيران فهذه خيانة، لأن إيران لها مشروع سياسي معادٍ للأمة، أما أوروبا فلها مشروع خيري، وهي من الحماقة بمكان أن تسمح بتدميرها لمن يريد ذلك! أليس هذا كذاك؟!

أما التذرع بحرية الفكر والتعبير عن الرأي، فمَن يؤمن بوجودهما في أوروبا فهو أحمق، جربوا أن تنكروا المحرقة ولنرَ ماذا سيحدث؟! إنهم يسمحون بالجعجعة التي لا يأتي منها الطحين أبدا، تخيلوا فقط أن يقيم أبو عبيدة مؤتمرا صحفيا في لندن أو باريس، هل يتسع صدر أوروبا؟! أوروبا تعرف جيدا من يعمل لهدم مصالحها وأدواتها، ومن ليس لديه إلا هذا الفكر المثالي العاجز، الذي لا يقبل التطبيق على الأرض بهذه الصورة كمدينة أفلاطون الفاضلة! شعارات جميلة ورنانة ولكنها ستبقى مجرد شعارات!

يتحدثون عن علاقة المقاومة مع إيران كأن المقاومة اختارت أن تأكل هذه الميتة، وكلهم يعرفون أن الأبواب كلها أغلقت، أليست هذه هي الدول الوظيفية التي نصبها الغرب!

إذا كانت المقاومة قد استفادت من علاقاتها – وهذا حق- فهي لم تُفد – وهذا حق أيضا-، أخذت بشروطها ولم تعط من دينها إلا تصاريح فارغة، فأكل الميتة فيه شيء من القبح لا ينكره عاقل!. المقاومة رفضت أن تلغ في دماء أهل سوريا، وطُردت شر طردة من دمشق، وهم يعيبون عليها الآن أنها في قطر، فهل عدلتم وقلتم لماذا طردت من هناك؟!

يريدونك أن تقفل الباب على نفسك وتنتظر الخليفة! الخليفة الذي يذهبون إلى أهل القوة والمنعة يسألونهم أن يعطوهم إياه، وهم – بالمناسبة-ضباط الجيوش التي يقولون إنها عميلة!

تقول لهم ها هي أفغانستان دولة تحكم بالشريعة، فاذهبوا وبايعوا، يقولون لك: نظام ليس قائما بأمان المسلمين! على أساس أنه لو بايعهم جيش عربي فسيقف الغرب ليتفرج ويبقيها قائمة بأمان المسلمين!

عليك أن تقطع علاقتك بالدنيا كلها، وتغلق بابك عليك لأن الكل وسخ، اكتب البيانات فقط إلى أن يأتي الخليفة، كيف سيأتي الخليفة إذا كان هناك استعمار ودول وظيفية بدون دم.. لا تريدونه لأنه ليس من أدبياتكم!

يذكرونني بمسرحية “شاهد مشفش حاجة” حين قال القاضي لعادل إمام: “أستاذ سرحان أكيد أنت عارف أن لو تحتك رقاصة كنت عزّلت”! فقال له: “لو كل واحد تحته رقاصة عزَّل البلد كلها ستبقى في الشارع!”.. هذا بالضبط ما يريده حزب التحرير.. أن تترك بيتك وثغرك وجهادك لأن في العالم رقاصات!

أما نحن فواقعيون جدا، لسنا معصومين، ولا نعيش في المدينة الفاضلة، قد نضطر أن نتعامل مع الرقاصة دون أن نرقص معها، ومع المجرم دون أن نعينه على إجرامه!

ويوم القيامة سنجتمع عند الله تعالى.. نحن بدمائنا وجراحنا، وأنتم ببياناتكم!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق