نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (4)
بقلم: مضر أبو الهيجاء6/ ضعف وهشاشة التصور الإسلامي للعلاقة الاستراتيجية العميقة بين مشروع الملالي والدولة الأمريكية العميقة.
بالنظر إلى شكل العلاقة المشبوهة بين إيران وفصائل المقاومة الفلسطينية، وحقيقة الدور الإيراني المقروء بعناية والذي تمارسه في سياق القضية الفلسطينية، فقد نجحت إيران في خلق فجوة بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي الرسمي، كما خلخلت دور الشعوب العربية وأضعفت بل غيبت دور حركاتها التحررية تجاه المسألة الفلسطينية نتيجة تزعم إيران وتربعها على عرش المقاومة الفلسطينية، كما نجحت في خداع الفلسطينيين حين سمنتهم بصواريخها الهوائية وزجت بهم ليذبحوا كالعجل السمين تحت المقصلة الإسرائيلية المسنودة دوليا، وحين وقعت الواقعة ولت إيران الفعلية ولها صوت ضراط يسمع صداه في كل الدول العربية، واكتفت بعويل نسائها تردح وتذر الرماد في العيون في لبنان واليمن والعراق.
بالنظر لكل ما سبق يمكن القول أن ضعف الفهم عند كثير من الكتاب وكذلك قيادات العمل الإسلامي عموما والفلسطيني خصوصا لحقيقة التفاهم الاستراتيجي بين الإدارات الأمريكية الحاكمة أو بالأحرى المشروع الأمريكي ودولته العميقة وبين إيران ومشروع الملالي، فإن ذلك قد أدى لانجرار الحركات الفلسطينية المقاومة ووقوعها بالفخ الإيراني ضمن الرؤية الأمريكية لاستيعاب وعزل القضية الفلسطينية.
ربما يغيب عن البعض تفاصيل حلول الخميني في طهران بعد استجابة الفرنسيين للأمريكان ونقل الخميني على الطائرات الفرنسية لطهران، وذلك ليتولى الخميني ولي الفقيه حكم إيران في مواجهة الزحف الشيوعي السوفييتي آنذاك، وليستقر نفوذ أمريكا في المناطق النفطية، الأمر الذي فهمه السوفييت وردوا عليه فورا باحتلال أفغانستان.
وإذا غابت التفاصيل السابقة المتعلقة أصلا بكيفية حلول الخميني ومشروع ولي الفقيه السياسي الذي حكم إيران، فلا يجوز أن تغيب التفاهمات والأدوار المعلنة على ألسنة وزراء الخارجية والدفاع الإيراني والأمريكي إبان التعاون بينهما على إسقاط بغداد وتفكيك الجيش العراقي ونهب ثروات العراق وتهجير المكون العربي السني وتحقيق التغيير الديمغرافي وتسليم بريمر للحكم في العراق للأذرع الإيرانية شديدة الانضباط، وتسليمهم رقبة صدام كعربون محبة ووفاء.
لقد كشفت معارك طوفان الأقصى حقيقة علاقة التخادم والاستمتاع الأمريكي الإيراني، لاسيما وقد نجحت إيران حقا بضبط الساحات والتزمت أذرعها بقواعد الاشتباك، كما كافأتها أمريكا والتقت معها في مسقط ومنعت إسرائيل من الرد عليها في طهران، ولعلها ردت على الإهانة وقرصت أذن إيران بشطب رئيسها ووزير خارجيته على حدود أذربيجان.
إن اللقاء الاستراتيجي العميق بين ملالي إيران والمشروع الغربي الأمريكي الصهيوني يكمن في اتفاق جميع تلك المشاريع على العداء المطلق للأمتين العربية والإسلامية، والاتفاق الفولاذي على منع أي حركة نهضوية في الأمة، الأمر الذي جسدته إيران وميليشياتها في كل محيط فلسطين في حقبة الربيع العربي، فهل كان إسقاط بغداد واحتلال العراق وتفتيت وهتك ثورات الربيع العربي في صالح القضية الفلسطينية وتحرير الأقصى ودحر الاحتلال الإسرائيلي؟
إن إيران كانت أحوج لأمريكا منذ نشأتها حتى ثورات الربيع العربي، وذلك لتحمي نفسها من العرب وصدام حيث لم تقصر أمريكا برفدها واسنادها في محطات ضعفها وإيران جيت تشهد، ولكن أمريكا عقب ثورات الربيع العربي باتت هي الأحوج لإيران، لاسيما بعد بروز حيوية شعوب الأمة العربية بشكل مخيف ينذر بقدرتها على اقتلاع إسرائيل وتفكيك الأنظمة العربية الوكيلة التي شاخت، وكذلك بعد تعاظم الزحف الصيني ومد خيوطه نحو بعض الدول العربية المركزية وبناء قواعده العسكرية على ضفاف دول المنطقة.
لن تجد أمريكا مشروعا قويا مستقلا يملك موارده الذاتية وله امتداداته البشرية في عموم المنطقة غير المشروع الإيراني، ولذلك فإن أمريكا مستعدة لصفع وجه إسرائيل مرة تلو مرة إذا جاوزت الحد المرسوم في قواعد الاشتباك المتفق عليها بين إيران وأمريكا.
لا يجب أن يستبعد العاقل والمدرك لحقيقة اللقاء الاستراتيجي الأمريكي الإيراني، والراصد لتصاعد الاحتراب الدولي بين الدببة الكبار، أن تسمح أمريكا لإيران -بصورة ذكية- بامتلاك السلاح النووي مقابل ترجيح كفتها في ميزان الصراع الدولي ومقابل سحق المنطقة العربية وضبط شعوبها والتعامل مع أي حركة ثورية تحررية نهضوية بالشكل الذي نفذته إيران من خلال نصر الله في لبنان والحشد في العراق والحوثي في اليمن والأسد في الشام.
إن ضعف العقل العربي والإسلامي في إدراك ماهية العلاقة بين المشروع الإيراني والمشروع الأمريكي كان أحد أسباب الخطيئة والوقوع في الحرام بين الفصائل الفلسطينية التحررية وبين إيران ومشروعها العدائي.
يتبع …
نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (3)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق