صحة المصريين في زمن السيسي.. قصة حزينة نهايتها كارثية!
شيرين عرفة
كاتبة صحفية وباحثة سياسية
بحلول شهر يونيو/ حزيران من كل عام تستعد الدولة المصرية للاحتفال بذكرى تظاهرات الـ30 من يونيو 2013، التظاهرات التي شجعتها ونظمتها مؤسسات الدولة الرسمية، واحتفى بها إعلامها الحكومي والخاص.
وكانت المبرر الذي استند إليه عبد الفتاح السيسي (وزير الدفاع وقتئذ) لتنفيذ انقلابه العسكري، الذي استولى من خلاله على حكم مصر منذ الثالث من يوليو/ تموز 2013 وإلى الآن.
إلا أنه في شهر يونيو/ حزيران الحالي والسابق وقعت في مصر أحداثٌ، لو جمعناها ورتبناها لخرجنا منها بقصة قصيرة حزينة، تلخص لنا ملف أحوال صحة المصريين زمنَ السيسي.
البداية كانت مع الأسبوع الأول من يونيو/ حزيران 2023، أثناء فعاليات المؤتمر والمعرض الطبي الأفريقي الثاني بحضور عبد الفتاح السيسي، حيث صرح وزير الصحة والسكان المصري، خالد عبد الغفار، بأن حجم الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة زاد من 34 مليار جنيه في عام 2014، ووصل إلى 222 مليار جنيه، وأشاد الوزير في تلك الزيادة بحجم الإنفاق.
إلا أن عددا من المواقع المتخصصة في رصد تصريحات المسؤولين غير الدقيقة، فندت ما قاله الوزير باعتباره يخالف البيانات الرسمية، حيث بلغت موازنة قطاع الصحة في العام المالي 2022/ 2023 حوالي 128 مليار جنيه، بينما تلك الزيادة التي تحدث عنها الوزير لم تحدث بالأساس، فالواقع يقول إن إنفاق الحكومة المصرية، الذي بلغ 34 مليار جنيه قبل تولي السيسي رئاسة مصر يعني أن مصر أنفقت آنذاك ما يعادل 5 مليارات دولار في السنة ( كان السعر 7 جنيهات للدولار)؛ بينما في عام 2023، حيث سعر الدولار 31 جنيها، يعدُل تقريبا 4 مليارات دولار.
هذا يعني أنه بالرغم من مرور 9 سنوات كاملة، زادت فيها أعداد المصريين من 80 مليون نسمة في 2014 إلى 110 مليون نسمة في 2023، وزاد إجمالي ديون مصر الخارجية – بحسب بيانات البنك المركزي المصري- من 43 مليار دولار إلى نحو 168 مليار دولار في نهاية 2023، أي أنها تضاعفت 4 أضعاف، فنحن أمام تراجع كبير في الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة، الذي لم يتجاوز منذ عام 2016 نسبة 1.6% من الناتج المحلي، في مخالفة صريحة للدستور المصري، الذي ينص على ألا تقل هذه النسبة عن 3%.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد شهدت فترة حكم السيسي (من 2014 إلى 2024) بناء 7 مستشفيات حكومية فقط، وانخفضت أعداد الأسِرة الطبية بالنسبة للمواطنين، فبعد أن كانت 1.4 سريرا لكل ألف مواطن قبل عام 2014، نجدها تراجعت إلى 1.2 في عام 2023، بينما النسبة العالمية تقتضي ألا يقل عدد الأسرة في المستشفيات عن 3 لكل ألف نسمة.
كما زادت أعباء المواطنين المالية بمضاعفة سعر تذكرة الكشف في المستشفيات الحكومية من جنيه واحد في عام 2014 إلى 10 جنيهات في عام 2024، بينما وصلت في بعض المستشفيات إلى 15 أو 30 جنيها. وبعد أن كان المواطن يحصل على أدويته كاملة وبالمجان مع كل كشف يحصل عليه، لم يعد من حقه سوى الحصول على دواء واحد فقط، بموجب القرار الذي أصدرته وزارة الصحة في 10 مارس/ آذار 2024.
ولأننا مازلنا نستعرض أحداث يونيو الماضي، نشير إلى أنه في الـ 14 من ذلك الشهر تحدث السيسي، خلال كلمته بمؤتمر الشباب في الإسكندرية، عن ظاهرة هجرة الأطباء المصريين، حيث تساءل قائلا: “هي ليه الأطباء مشيت من مصر؟” وأجاب: “لأننا لا نعطيهم راتب جيد، فذهب ليبحث عن فرصة تانية”؛ وتابع: “أنا قُلت لوزير التعليم العالي سنزيد عدد خريجي كليات الطب لأني لا أستطيع أن أمنعهم من السفر”.
يعترف السيسي هنا بالأزمة الكبيرة التي يواجهها ملف الصحة في عهده، وهي العجز الضخم في أعداد الأطباء المصريين، لكنه لا يفكر في اتخاذ أية إجراءات مفيدة تساهم في الحد من هجرتهم، بل إنه فقط أعلن عن زيادة عدد المتخرجين. وبحسب بيانات وزارة الصحة المصرية، يصل عدد خريجي كليات الطب سنويا إلى 9 آلاف طبيب، لكن أكثر من 60% منهم يفضلون العمل خارج مصر.
وكشفت دراسة حكومية مصرية، نشرها موقع “الحرة” أن عدد الأطباء المسجلين والحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة – باستثناء من بلغوا سن المعاش- يبلغ حوالي 212 ألفاً، يعمل منهم حالياً في القطاعين الحكومي والخاص، حوالي 82 ألف طبيب فقط، أي ما نسبته 38% من هؤلاء. وتخلُص الدراسة إلى أن مصر لديها طبيب لكل 1162 شخصاً، بينما المعدل العالمي – طبقاً لمنظمة الصحة العالمية- هو طبيب لكل 434 شخصاً.
وذكرت بيانات لنقابة الأطباء المصرية أن نحو 11 ألفاً و536 طبيباً استقالوا من العمل الحكومي خلال 3 سنوات فقط، في الفترة من 2019 وحتى مارس 2022. وشهد عام 2022 استقالة أكثر من 4300 طبيب مصري يعملون في المستشفيات الحكومية، بمعدل يصل إلى 13.5 طبيب كل يوم، وهو ما يمثل 4 أضعاف معدل هجرتهم في عام 2016، حين بلغ العدد 1044 طبيبا.
ووفق بيانات النقابة، فإن متوسط راتب الطبيب المقيم في مصر 3700 جنيه مصري (نحو 82 دولاراً)، ومتوسط معاش الطبيب بعد نحو 35 عاماً من العمل الحكومي 2300 جنيه (نحو 51 دولاراً)، هذا مع ظروف العمل السيئة والمجهدة، والبيئة غير الصحية، والاعتداءات التي تشهدها المستشفيات الحكومية ضد الأطقم الطبية بها.
وقد ذكر تقرير أصدرته سلطات القوى العاملة البريطانية في عام 2022، أن مصر احتلت المرتبة الثالثة بين أكثر الدول التي يهاجر منها الأطباء إلى بريطانيا، وأشار التقرير إلى أن أعداد الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا ارتفعت بنسبة 200% في الفترة بين عامي 2017 و2021.
ولكي تكتمل أبعاد الصورة، ونحصل على بعض التفسير، علينا أن نتوقف قليلا أمام هذا الحدث الهام..
حين أصدرت وزارة النقل المصرية بيانا في الـ29 من يونيو/ حزيران الماضي، تحت عنوان “إنجازات وزارة النقل في 9 سنوات”، أعلنت به عن إنجاز العديد من المشروعات العملاقة، بتكلفة إجمالية بلغت 2 تريليون جنيه (نعم، كما قرأت بالضبط.. المبلغ هو 2 تريليون جنيه) شملت إنجاز 934 كوبري ونفق، بالإضافة إلى افتتاح المرحلتين الأولى والثانية من القطار الكهربائي الخفيف، والاستمرار في تنفيذ مونوريل شرق وغرب النيل، وعددا ضخما آخر من المشروعات.
أعتقد أنك أدركت الآن، أين أهدرت الحكومة المصرية هذا الكم الهائل من الأموال التي اقترضتها، في ظل تراجع إنفاقها على الصحة والتعليم وكافة الخدمات؟
ثم يأتي شهر يونيو/ حزيران هذا العام، لتشهد مصر قانون “منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية”، المعروف باسم قانون “تأجير المستشفيات”، والذي دخل حيز التنفيذ بعد أن صدق السيسي عليه في 24 يونيو/ حزيران 2024، وذلك على الرغم من الاعتراضات الكبيرة التي واجهته من نقابة الأطباء، والعديد من المؤسسات المهنية والاجتماعية والحقوقية، وعدد من البرلمانيين، حيث اعتبرت مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب، موافقة البرلمان على القانون في 20 مايو/ أيار الماضي، بأنها “يوم أسود في تاريخ الصحة في مصر”.
فالقانون، الذي يتيح للمستثمرين المصريين أو الأجانب من القطاع الخاص تشغيل وإدارة وتطوير المنشآت الصحية الحكومية، لا يحمل في داخله أية ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة بسعر مناسب للمواطنين، وخاصة محدودي الدخل، بل ويسمح للمستثمر الاستغناء عن 75 في المئة من العاملين في المستشفى الحكومي، من أطباء أو ممرضين أو فنيين أو إداريين”.
وبحسب تصريحات صحفية لخالد أمين، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء المصرية، سيبلغ عدد المستشفيات الحكومية التي تخضع للقانون 600 مستشفى تقريبا، وأكد أن نقابته ترفض هذا القانون بشكل قاطع، وتعتبره تهديدا خطيرا لصحة المصريين.
ففي القطاع الحكومي الذي يعاني بالأساس من نقص هائل في عدد المؤسسات الصحية، لم تطلب الدولة من المستثمرين بناءً جديدا لسد هذا العجز، بل عرضت عليهم أن تمنحهم ما لديها من مستشفيات، بدعوى تأجيرها مقابل التطوير والتشغيل، والمواطن محدود الدخل الذي كان يعاني من سوء الخدمة الصحية في المستشفيات الحكومية، وضاعف نظام السيسي ثمنها عشرة أضعاف، ربما يحرمه هذا القانون من تلك الخدمة بالأساس، حين يسعى المستثمر الأجنبي للحصول على حقه في البحث عن الأرباح.
والشعب الذي كان يعاني من أكبر موجة هجرة للأطباء في العالم، تمثل 62 في المئة من عدد الخريجين كل عام، سيواجه احتمالية تفاقم تلك الأزمة بشكل كارثي، بسبب أن القانون لا يُلزم هذا المستثمر بالحفاظ على العاملين في المنشأة الصحية لديه، بل ولا يطالبه بالمحافظة على حقوقهم، ويسمح له بالتخلص ممن يشاء.
وبهذا يكتب لنا نظام السيسي نهاية مأساوية لتلك القصة الحزينة، الخاصة بملف الصحة في مصر، تليق بشهر يونيو، شهر النكسة والهزيمة، والانقلابات والأزمات.
إلا أنه في شهر يونيو/ حزيران الحالي والسابق وقعت في مصر أحداثٌ، لو جمعناها ورتبناها لخرجنا منها بقصة قصيرة حزينة، تلخص لنا ملف أحوال صحة المصريين زمنَ السيسي.
البداية كانت مع الأسبوع الأول من يونيو/ حزيران 2023، أثناء فعاليات المؤتمر والمعرض الطبي الأفريقي الثاني بحضور عبد الفتاح السيسي، حيث صرح وزير الصحة والسكان المصري، خالد عبد الغفار، بأن حجم الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة زاد من 34 مليار جنيه في عام 2014، ووصل إلى 222 مليار جنيه، وأشاد الوزير في تلك الزيادة بحجم الإنفاق.
إلا أن عددا من المواقع المتخصصة في رصد تصريحات المسؤولين غير الدقيقة، فندت ما قاله الوزير باعتباره يخالف البيانات الرسمية، حيث بلغت موازنة قطاع الصحة في العام المالي 2022/ 2023 حوالي 128 مليار جنيه، بينما تلك الزيادة التي تحدث عنها الوزير لم تحدث بالأساس، فالواقع يقول إن إنفاق الحكومة المصرية، الذي بلغ 34 مليار جنيه قبل تولي السيسي رئاسة مصر يعني أن مصر أنفقت آنذاك ما يعادل 5 مليارات دولار في السنة ( كان السعر 7 جنيهات للدولار)؛ بينما في عام 2023، حيث سعر الدولار 31 جنيها، يعدُل تقريبا 4 مليارات دولار.
هذا يعني أنه بالرغم من مرور 9 سنوات كاملة، زادت فيها أعداد المصريين من 80 مليون نسمة في 2014 إلى 110 مليون نسمة في 2023، وزاد إجمالي ديون مصر الخارجية – بحسب بيانات البنك المركزي المصري- من 43 مليار دولار إلى نحو 168 مليار دولار في نهاية 2023، أي أنها تضاعفت 4 أضعاف، فنحن أمام تراجع كبير في الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة، الذي لم يتجاوز منذ عام 2016 نسبة 1.6% من الناتج المحلي، في مخالفة صريحة للدستور المصري، الذي ينص على ألا تقل هذه النسبة عن 3%.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد شهدت فترة حكم السيسي (من 2014 إلى 2024) بناء 7 مستشفيات حكومية فقط، وانخفضت أعداد الأسِرة الطبية بالنسبة للمواطنين، فبعد أن كانت 1.4 سريرا لكل ألف مواطن قبل عام 2014، نجدها تراجعت إلى 1.2 في عام 2023، بينما النسبة العالمية تقتضي ألا يقل عدد الأسرة في المستشفيات عن 3 لكل ألف نسمة.
كما زادت أعباء المواطنين المالية بمضاعفة سعر تذكرة الكشف في المستشفيات الحكومية من جنيه واحد في عام 2014 إلى 10 جنيهات في عام 2024، بينما وصلت في بعض المستشفيات إلى 15 أو 30 جنيها. وبعد أن كان المواطن يحصل على أدويته كاملة وبالمجان مع كل كشف يحصل عليه، لم يعد من حقه سوى الحصول على دواء واحد فقط، بموجب القرار الذي أصدرته وزارة الصحة في 10 مارس/ آذار 2024.
ولأننا مازلنا نستعرض أحداث يونيو الماضي، نشير إلى أنه في الـ 14 من ذلك الشهر تحدث السيسي، خلال كلمته بمؤتمر الشباب في الإسكندرية، عن ظاهرة هجرة الأطباء المصريين، حيث تساءل قائلا: “هي ليه الأطباء مشيت من مصر؟” وأجاب: “لأننا لا نعطيهم راتب جيد، فذهب ليبحث عن فرصة تانية”؛ وتابع: “أنا قُلت لوزير التعليم العالي سنزيد عدد خريجي كليات الطب لأني لا أستطيع أن أمنعهم من السفر”.
يعترف السيسي هنا بالأزمة الكبيرة التي يواجهها ملف الصحة في عهده، وهي العجز الضخم في أعداد الأطباء المصريين، لكنه لا يفكر في اتخاذ أية إجراءات مفيدة تساهم في الحد من هجرتهم، بل إنه فقط أعلن عن زيادة عدد المتخرجين. وبحسب بيانات وزارة الصحة المصرية، يصل عدد خريجي كليات الطب سنويا إلى 9 آلاف طبيب، لكن أكثر من 60% منهم يفضلون العمل خارج مصر.
وكشفت دراسة حكومية مصرية، نشرها موقع “الحرة” أن عدد الأطباء المسجلين والحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة – باستثناء من بلغوا سن المعاش- يبلغ حوالي 212 ألفاً، يعمل منهم حالياً في القطاعين الحكومي والخاص، حوالي 82 ألف طبيب فقط، أي ما نسبته 38% من هؤلاء. وتخلُص الدراسة إلى أن مصر لديها طبيب لكل 1162 شخصاً، بينما المعدل العالمي – طبقاً لمنظمة الصحة العالمية- هو طبيب لكل 434 شخصاً.
وذكرت بيانات لنقابة الأطباء المصرية أن نحو 11 ألفاً و536 طبيباً استقالوا من العمل الحكومي خلال 3 سنوات فقط، في الفترة من 2019 وحتى مارس 2022. وشهد عام 2022 استقالة أكثر من 4300 طبيب مصري يعملون في المستشفيات الحكومية، بمعدل يصل إلى 13.5 طبيب كل يوم، وهو ما يمثل 4 أضعاف معدل هجرتهم في عام 2016، حين بلغ العدد 1044 طبيبا.
ووفق بيانات النقابة، فإن متوسط راتب الطبيب المقيم في مصر 3700 جنيه مصري (نحو 82 دولاراً)، ومتوسط معاش الطبيب بعد نحو 35 عاماً من العمل الحكومي 2300 جنيه (نحو 51 دولاراً)، هذا مع ظروف العمل السيئة والمجهدة، والبيئة غير الصحية، والاعتداءات التي تشهدها المستشفيات الحكومية ضد الأطقم الطبية بها.
وقد ذكر تقرير أصدرته سلطات القوى العاملة البريطانية في عام 2022، أن مصر احتلت المرتبة الثالثة بين أكثر الدول التي يهاجر منها الأطباء إلى بريطانيا، وأشار التقرير إلى أن أعداد الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا ارتفعت بنسبة 200% في الفترة بين عامي 2017 و2021.
ولكي تكتمل أبعاد الصورة، ونحصل على بعض التفسير، علينا أن نتوقف قليلا أمام هذا الحدث الهام..
حين أصدرت وزارة النقل المصرية بيانا في الـ29 من يونيو/ حزيران الماضي، تحت عنوان “إنجازات وزارة النقل في 9 سنوات”، أعلنت به عن إنجاز العديد من المشروعات العملاقة، بتكلفة إجمالية بلغت 2 تريليون جنيه (نعم، كما قرأت بالضبط.. المبلغ هو 2 تريليون جنيه) شملت إنجاز 934 كوبري ونفق، بالإضافة إلى افتتاح المرحلتين الأولى والثانية من القطار الكهربائي الخفيف، والاستمرار في تنفيذ مونوريل شرق وغرب النيل، وعددا ضخما آخر من المشروعات.
أعتقد أنك أدركت الآن، أين أهدرت الحكومة المصرية هذا الكم الهائل من الأموال التي اقترضتها، في ظل تراجع إنفاقها على الصحة والتعليم وكافة الخدمات؟
ثم يأتي شهر يونيو/ حزيران هذا العام، لتشهد مصر قانون “منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية”، المعروف باسم قانون “تأجير المستشفيات”، والذي دخل حيز التنفيذ بعد أن صدق السيسي عليه في 24 يونيو/ حزيران 2024، وذلك على الرغم من الاعتراضات الكبيرة التي واجهته من نقابة الأطباء، والعديد من المؤسسات المهنية والاجتماعية والحقوقية، وعدد من البرلمانيين، حيث اعتبرت مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب، موافقة البرلمان على القانون في 20 مايو/ أيار الماضي، بأنها “يوم أسود في تاريخ الصحة في مصر”.
فالقانون، الذي يتيح للمستثمرين المصريين أو الأجانب من القطاع الخاص تشغيل وإدارة وتطوير المنشآت الصحية الحكومية، لا يحمل في داخله أية ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة بسعر مناسب للمواطنين، وخاصة محدودي الدخل، بل ويسمح للمستثمر الاستغناء عن 75 في المئة من العاملين في المستشفى الحكومي، من أطباء أو ممرضين أو فنيين أو إداريين”.
وبحسب تصريحات صحفية لخالد أمين، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء المصرية، سيبلغ عدد المستشفيات الحكومية التي تخضع للقانون 600 مستشفى تقريبا، وأكد أن نقابته ترفض هذا القانون بشكل قاطع، وتعتبره تهديدا خطيرا لصحة المصريين.
ففي القطاع الحكومي الذي يعاني بالأساس من نقص هائل في عدد المؤسسات الصحية، لم تطلب الدولة من المستثمرين بناءً جديدا لسد هذا العجز، بل عرضت عليهم أن تمنحهم ما لديها من مستشفيات، بدعوى تأجيرها مقابل التطوير والتشغيل، والمواطن محدود الدخل الذي كان يعاني من سوء الخدمة الصحية في المستشفيات الحكومية، وضاعف نظام السيسي ثمنها عشرة أضعاف، ربما يحرمه هذا القانون من تلك الخدمة بالأساس، حين يسعى المستثمر الأجنبي للحصول على حقه في البحث عن الأرباح.
والشعب الذي كان يعاني من أكبر موجة هجرة للأطباء في العالم، تمثل 62 في المئة من عدد الخريجين كل عام، سيواجه احتمالية تفاقم تلك الأزمة بشكل كارثي، بسبب أن القانون لا يُلزم هذا المستثمر بالحفاظ على العاملين في المنشأة الصحية لديه، بل ولا يطالبه بالمحافظة على حقوقهم، ويسمح له بالتخلص ممن يشاء.
وبهذا يكتب لنا نظام السيسي نهاية مأساوية لتلك القصة الحزينة، الخاصة بملف الصحة في مصر، تليق بشهر يونيو، شهر النكسة والهزيمة، والانقلابات والأزمات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق