السبت، 3 أغسطس 2024

فك الالتباس في موقفي من حركة حماس (3-5)

   فك الالتباس في موقفي من حركة حماس (3-5)   

 مضر ابو الهيجاء


خطوات نحو تفسيخ الأمة ونقض وحدتها

إن حركات التغيير والإصلاح الإسلامي هي المعول عليها في صيانة وحدة الأمة ومنع شرذمتها وتفسخها الذي تتسبب به مناهج العلمانيين المعادين لثقافة الأمة، وهو الموقف الصواب الذي خطته حركة حماس من خلال قياداتها التاريخية الدعوية التي شكلت امتدادا لمدرسة الشيخ عبدالله عزام والشيخ عمر الأشقر، وذلك حين تصدت للمنعرج السيء الذي أحدثه اجتهاد ياسر عرفات في مسار القضية الفلسطينية تماما كما فعله السادات من قبله في مصر.

فكيف حدث الخلل في حركة إسلامية المنبت لكي تصبح هي من يقعد لأشكال من الخلل السياسي والشرعي والأخلاقي؟ وإذا تجاوزنا عن اجتهاداها الخاطئ في المشاركة في العملية السياسية في ظل الاحتلال -كما فعله من قبلها الشيخ محمد نمر درويش في الكنيست الإسرائيلي-، فكيف يمكن أن نتجاوز عن تشريعها الحلف والتعاون والتكامل مع مشروع معاد للأمة يمارس القتل والتهجير والاحتلال لعواصم عربية، انطلاقا من اللقاء المشترك -والموهوم- حول بوصلة تحرير المسجد الأقصى المبارك!

أي خبل أصاب عقول غالبية القيادة الحالية لحركة حماس حتى عميت عن الدين وسوغت لنفسها -بارتياح كبير- حلف الملالي الإيرانيين؟

وهب أن ملالي إيران وأذرعهم كانوا سلفيين من أتباع ابن تيمية ولم يكونوا شيعة يدنسون الدين ولا يحرقون مساجد المسلمين، أوليسوا معتدين قد شرع القرآن دينا واضحا وسلوكاً واجبا تجاه المعتدين من طائفة المؤمنين في قوله تعالى (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله)، فهل توقفت إيران عن القتل والاحتلال والتهجير حتى يتحالفوا معها ويبنوا مشروع وحدة الأمة مع أذرعها في الساحات العربية التي تدفع من دمائها طوال عقود نتيجة انتمائها للإسلام وانحيازها لفلسطين!

وكيف يستوي أخلاقيا أن نطالب العراقيين واليمنيين والسوريين واللبنانيين المكلومين من عذابات واحتلالات الملالي الإيرانيين، أن يقفوا إلى جانبنا ويساندوا محور الشر الذي نتحالف معه وهو من نكل بأمهاتهم وقتل أبناءهم؟

الجهاد لا يجب ما قبله ولا يبيح ما بعده

إن القيام بواجب الجهاد كفريضة شرعية في مواجهة المعتدين والمحتلين لا يعفي القائمين عليها من واجب التوبة والاقلاع عن الكبائر والآثام، بل إن الجهاد بمفهومه القرآني والإسلامي الصحيح مرآة تعكس ملة إبراهيم الذي تبرأ من المشركين القتلة والمعتدين، فكيف يطالبنا بعض الدعاة التجاوز عن أخطاء قيادات حركة حماس وآثام خياراتهم السياسية بعلة أنهم يمارسون الجهاد وأن فيهم ومنهم شهداء؟ أوليس هذا منطق بني إسرائيل في الأخذ بجزء من الدين ومخالفة وترك جزء آخر، وقد نبهنا الله من الوقوع في أخطاء وسلوك ومنهج بني إسرائيل، ولذلك قص القصص في مواقع كثيرة من القرآن الكريم لنكون به متعظين.

إن القرآن كلام الله المتعبد بتلاوته وهو النور المبين، لم يتجاوز للصحابة عن أخطائهم العملية ولا حتى القلبية خلال معاركهم والتي كانت سببا في هزيمتهم والنبي خير الخلق بين ظهرانيهم، وكان فيهم جرحى وشهداء وعلى الجهاد قائمون وله ممارسون، ولا يشك أحدنا في أن أدنى صحابة رسول الله خير منا أجمعين، فما بالنا لا نقتدي بمنهج القرآن العظيم ونغض النظر عن أخطاء ومخالفات شرعية وسياسية وأخلاقية لإخواننا ومن نحبهم وندعو لهم ونساندهم ونقف معهم في كل موقف حق؟ وهل هذا يعكس فهمنا والتزامنا بملة إبراهيم وهدي القرآن الكريم؟

معارك الطوفان وعظمة المجاهدين الأبرار

لا يتزحزح ولا يتردد قلب مؤمن بالله ومنتم لهذا الدين العظيم عن الوقوف إلى جانب اخوانه المجاهدين الذين ندعو لهم ليل نهار وقلوبنا منكسرة وعيوننا دامعة ولأنفسنا متهمين أمام عظمة موقف المجاهدين الذين بذلوا دماءهم بعد أن فارقوا ديارهم وخسروا أبناءهم لأنهم قالوا ربنا الله واستهدفوا تحرير الأقصى واعلاء كلمة الدين.

ودون الدخول في رؤيتي لقرار المعركة وما داخله من جوانب علنية وأخرى سرية، ودون الدخول في هذا المقام لشكل إدارة المعركة ومآلاتها على الحاضنة والقضية الفلسطينية -ويمكن لمن قصد الإفادة مراجعة كتاب العلامة القرضاوي فقه الجهاد تحت عنوان في جهاد الدفع والمقاومة-، فإننا بلا شك لا ندفع كل تلك الدماء اليوم فقط بسبب جهادنا، والذي لم ينقطع في كل تاريخ القضية الفلسطينية، والصحيح أننا ندفع حجما مهولا من دمائنا نتيجة التغرير والإيقاع بنا من قبل محور الشر الإيراني والذي وافق الإدارة الأمريكية في مشروعها لإعادة ترتيب المنطقة كما وافق رؤية نتنياهو واليمين المتطرف الذي يريد أن يحدث منعرجا كبيرا له ما بعده في المسألة الفلسطينية ودول الطوق.

أما وقد وقعت الواقعة فليس أمام كل حر ومنتم وشريف سواء أكان فردا من العوام أم وجيها من العلماء أم حركة إسلامية أو وطنية نقية إلا أن يقف إلى جانب إخوانه المجاهدين في غزة الجريحة والضفة الثائرة بالدعاء والمال والخطوات العملية التي توقف هذا النحر للبشر والشجر والحجر بشكل لم تشهده فلسطين من قبل.

يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق