تأملات عميقة في الموقف العربي الرسمي من إسرائيل!
هل يعلم العرب وبالذات الحكام العرب الذين يتولون أمور الدول العربية حقيقة المشروع الصهيوني. على كل حال حسمت محكمة العدل الدولية المسألة في رأيها الاستشاري في يوليو 2024 ومن قبل ذلك في رأيها الاستشاري بخصوص الجدار العازل عام 2004 حيث أكدت المحكمة بمفهوم المخالفة أن إسرائيل الصهيونية لا علاقة لها بفلسطين وهذه ضربة كبرى لمزاعم إسرائيل ومشروعها الصهيوني بأن فلسطين ملك لهم.
إذا كان الحكام العرب يعلمون أنه ليس هناك أي حق للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين فلماذا أقدم كبارهم في الماضي على بيع فلسطين مقابل عروشهم ولماذا أقدم المحدثون كأنور السادات على بيع فلسطين مقابل رضا أمريكا عنه وكل الحكام الذين أبرموا معاهدات السلام مع إسرائيل رغم علمهم بأن إسرائيل صهيونية بما في ذلك زيارة السادات للقدس خيانة للأمانة وخيانة للدين. ولذلك تحرص إسرائيل دائمًا على تقديم الاعتراف بها على ما عداها من علاقات وهي تعلم أن مجرد الاعتراف هو إقرار بأن اليهود الصهاينة كانوا في فلسطين فكيف يجرؤ حاكم عربي على مغالطة التاريخ وبيع ضميره مقابل كرسي الحكم الزائل.
وإذا تأملنا الموقف الرسمي العربي من إسرائيل وجدنا أنه بالتدريج يعترف لإسرائيل بالحق في فلسطين. وأولى بالحكام العرب أن يجلبوا الإسرائيليين إلى أرضهم وليس أرض غيرهم فارتكبوا جريمة كبرى في حق فلسطين كما ارتكب الفلسطينيون وأولهم ياسر عرفات نفس الجريمة في حق فلسطين عندما اعترف بإسرائيل وابتلع طُعم إسرائيل بتسمية هذا الاعتراف بالاعتراف المتبادل. وهناك فرق بين إقرار الحق وبين الحصول عليه. فالإسرائيليون لم يكن الواقع يشجعهم على النطق بالمشروع الصهيوني والترويج له. وفي نفس الوقت فإن الواقع الحالي في العالم العربي أعجز بعض العرب عن إقرار الحق وكان أشهرهم وأبلغهم مثالًا أنور السادات عندما برر التقارب مع إسرائيل بأن القوى متفاوتة وليس لدينا قبل بها ببساطة لأننا سوف نحارب أمريكا شخصيًا.
ولابد أن أنور السادات في قبره يتابع تدني حجته أمام جسارة المقاومة الفلسطينية ضد التواطؤ الأمريكي والغربي وتواطؤ العالم كله مع إسرائيل، ومع ذلك سجلت المقاومة أعلى درجات الصدق مع الحقيقة وانكشف اللص في مواجهة صاحب الحق، ولذلك اعتمد اللص على القوة الخارقة في الانتقام من صاحب الحق. وهذا هو التفسير المنطقي لإبادة صاحب الحق، ولا أظن أن الموقف العربي التقليدي الرسمي سوف يكون له معنى بعد هذه المواجهة إلا أن يكون فصلًا من المؤامرة الجديدة العربية على فلسطين.
وإذا حاولنا أن نقرأ الموقف العربي الرسمي في ضوء هذه الحقيقة وجدنا فارقًا كبيرا بين الطرفين، فالعرب اتفقوا على الاعتراف باللص إذا وافق على قبول صاحب البيت إلى جانبه. ومعنى ذلك أن العرب يقبلون بإسرائيل الصهيونية بشروط مهينة ولا تنسجم مع المنطق، بل إن الموقف العربي الرسمي يطالب للفلسطينيين بأقل القليل وهو دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 أي أنهم يعترفون لإسرائيل بربع الأراضي الفلسطينية مكافأة لها على جلد العرب وهم ينحنون إثباتًا لبقاء عروشهم التي تسندها إسرائيل وأمريكا. ثم يتخلون عن القدس وهي مسألة دينية حين يعترفون بأن الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وحدها ويتخلون عن غرب القدس.
ليعلم الحكام العرب أنهم بهذا الموقف يتآمرون على فلسطين وأنهم يعترفون للص بحقه في الأرض. وأزعم أن الموقف العربي هو الذي أغرى إسرائيل بأن تتحدى العالم كله وأن تصرح بوضوح بأن فلسطين كلها ملك للصهاينة الذين يتسترون بالشريعة اليهودية لتبرير فعلتهم الإجرامية. ولذلك أدعو الحكام العرب الذين أبرموا معاهدات السلام الإسرائيلي مع إسرائيل ألا يتحدثوا مثل فلسطين. فالمقاومة وحدها هي صاحبة الحق في تمثيل فلسطين. عليهم أن يعودوا إلى الله وإلى العروبة بدلًا من خدمة الاحتلال الإسرائيلي وخدمة عروشهم الذليلة، وأن يعودوا إلى شعوبهم التي غيبوا وعيها وجعلوها عرضة لتهكم الشعوب الأخرى عليها.
هذه شهادتي وقد عاصرت مراحل الصراع وراقبت الموقف العربي منذ تشكله وأعلم جازمًا أسباب تمسك الحكام العرب بهذا الموقف. كما لستُ واثقًا بأن كل الحكام العرب يدركون هذه الحقائق، وها أنا ذا أفضي إليهم بالحقيقة فإن كانوا حريصين على لقاء ربهم فليرجعوا عن غيّهم وليعترفوا بأن فلسطين كلها للفلسطينيين، وأنه لا عبرة مطلقًا بقرارات الأمم المتحدة وأولها قرار التقسيم. وإذا كانت الجيوش العربية لا تستطيع أن تنفذ هذه الحقائق على الأرض فلتتكون المقاومة في جميع الدول العربية على أن يرأسها فلسطيني مخلص. وليست تجربة الجيوش العربية التي دخلت لتمنع العصابات الصهيونية من الاستيلاء على فلسطين ببعيد، فعمر الأمم لا يقاس بالسنين كعمر الأفراد وإنما يقاس بالقرون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق