الجمعة، 9 أغسطس 2024

إيران والاختراق الصهيوني

 إيران والاختراق الصهيوني

 

 شكل الفشل الاستخباراتي الإيراني معدلا مرتفعا، وكان آخر تجليات هذا الفشل اغتيال إسماعيل هنية داخل مقره في طهران، مما شكل علامة استفهام كبيرة حول أداء أجهزة الاستخبارات الإيرانية ومدى تغلغل العملاء والجواسيس داخل أجهزة الدولة الإيرانية المختلفة


"تفكيك وتدمير شبكة الموساد في إيران أكبر إنجاز شخصي لي"

هذه العبارة جزء من مقابلة لوزير الاستخبارات الإيرانية إسماعيل خطيب، منشورة في فيديو قبل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بستة أيام في طهران.

ويمضي خطيب ويقول: كانوا (يقصد عملاء الموساد) يغتالون كل يوم بعضًا من شخصياتنا العلمية، وآخرون كانوا يقومون بنشر الخراب في البلاد، وبفضل الله انتهت هذه الفترة، وهذه الشبكة لم تعد يمكنها المساس بقدرات إيران.

وبعد عدة أيام من تصريحاته تلك، وقعت عملية اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، وهذا معناه بكل وضوح فشل الاستخبارات الإيرانية، وأن تصريحات وزير الاستخبارات تشير إلى احتمالين: إما أن تكون تلك الأجهزة التابعة للمخابرات لم تقم بعملها على شكل جيد، أو أن هذا المسئول يخدع قياداته بهذا الكلام المعسول.

هذا الفشل الاستخباراتي يمتد لعدم معرفة كيف تم هذا الاغتيال، والجهل بسيناريو الاغتيال ينسحب على التخبط الإعلامي، فمرة يقولون إن الاغتيال تم بطائرة مسيرة، ومرة يزعمون أنه بصاروخ انطلق من دولة مجاورة، وأخيرا في بيان للحرس الثوري يتحدث عن صاروخ قصير المدى يحمل شحنة متفجرة يبلغ وزنها 7.5 كيلو جرام.

هذه البلبلة والتخبط، سمحت للصحف العالمية أن تتحدث عن سيناريوهات مختلفة للاغتيال، أهمها أنه ناتج عن تسلل عملاء زرعوا شحنات متفجرة داخل المقر الذي كان ينام فيه هنية، وبمجرد علمهم بوجوده قاموا بالتفجير عن بعد مما أدى إلى استشهاده هو وحارسه.

ولكن ما أسباب هذا الفشل الاستخباراتي الإيراني؟

لتحليل ذلك الفشل لابد لنا من منهجية تجمع بين نظرية عمل أجهزة المخابرات عموما، ثم نعرج إلى بدايات تأسيس المخابرات الإيرانية والعوامل المؤثرة فيها، ثم في النهاية نصل إلى عملية اغتيال هنية وكيف جرت بتلك السهولة في قلب عاصمة دولة تقدم نفسها على أنها دولة إقليمية كبرى لها مشروعها وطموحها.

كيف تعمل أجهزة الاستخبارات

لا شك بأن عالم الاستخبارات عالم ظل زاخراً بالأخبار والأسرار، لكن ولأنه عالم الأسرار يصبح الغوص في تاريخه وعلاقاته الراهنة من الصعوبة بمكان.

 

كشفت آخر إحصائية صدرت عام ٢٠١٤ وفق تقرير لوكالة فارس التابعة للحرس الثوري، أن عدد أجهزة الاستخبارات الإيرانية والتي تنضوي تحت وزارة الاستخبارات، يبلغ ١٦ جهازًا، تتوزع على وزارة الاستخبارات، ووحدة استخبارات الحرس الثوري، ومخابرات الجيش، واستخبارات الشرطة.

وهناك عدة عوامل تتحكم في طبيعة عمل المخابرات؛ منها طبيعة النظام السياسي، والظروف التي تمر بها الدولة بصفة عامة، ومدى تشبع العناصر القيادية في المخابرات بالأهداف الطموحة؛ سواء كانت أهدافاً شخصية أو سياسية؛ فالدولة ذات الطموح المستقبلي، والتي تسعى للحصول على أدوات القوة بعناصرها المختلفة؛ هي التي تسلط أجهزة استخباراتها بهدف جمع أسرار صناعة التسليح، وأسرار التجارة العليا وغيرها. أما الدول المنكمشة والتي يهمها في المقام الأول المحافظة على مكانة أصحاب القرار فيها؛ فهي التي تسلط عناصر مخابراتها على فراد شعبها لكتم أنفاسهم أو إحصائها، ووضع تقارير كاملة عنهم في السجلات.

كذلك نجد أن عملية صنع القرار الاستراتيجي الخاص بدولة معينة يتم وفق عناصر محددة تدخل في تركيبة هذا القرار، ولا شك أنه كلما قويت أجهزة المخابرات زاد الحديث عن دورها في صنع القرار.

وآلية عمل المخابرات تتضمن شقين: شق نظري، والثاني عملي: فالشق النظري له وظيفتان رئيسيتان:

١ - تقديم المعلومات والمعطيات في الميادين الاستراتيجية: العسكرية والسياسية والاقتصادية لدائرة القرار في مجال السياسة الخارجية.

٢ - تقديم التحليلات، والتقويمات، والتقديرات للأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية والاستراتيجية في بلدان العالم؛ بناء على طلب رأس الجهاز التنفيذي، أو عندما تتبلور لدى مسؤولي الوكالة تقويمات بشأن أوضاع بلد أو منطقة معينة في العالم.

أما الشق العملي فله وظيفة أساسية، وهي القيام بأعمال أو عمليات سرية في الخارج؛ لتنفيذ أهداف استراتيجية أو سياسية أو عسكرية محددة في إطار برنامج السياسة الخارجية.

وهذه الأعمال منها الإيجابية الهجومية للحصول على المعلومات عن طريق التجسس، والمراقبة والمتابعة، والقبض على الجواسيس، وتحويلهم إلى عملاء مزدوجين، أو تقديمهم للمحاكمة، والقيام بأعمال التخريب، وتدمير منشآت العدو، وانتهاج الحرب النفسية بما تشمله من أعمال الدعاية والشائعات.

ومنها السلبية الوقائية؛ فتشمل إجراءات الأمن والسلامة التي تقوم بها الدولة لتحقيق الأمن مثل: الأسلاك الشائكة، ووسائل الإنذار، وإجراءات حفظ المعلومات السرية، ومشروعات الأمن الداخلي، وإجراءات أمن المنشآت، وأمن الأفراد، ومقاومة التآمر والتمرد والنشاطات الهدامة

المخابرات الإيرانية. النشأة والدور

في عام ١٩٥٧ وفي عهد شاه إيران تم تأسيس جهاز المخابرات الإيرانية والذي عرف اختصارا بالسافاك.

وللمفارقة فقد شارك جهاز المخابرات لدولة الاحتلال الصهيوني الموساد مع المخابرات المركزية الأمريكية السي آي ايه في تأسيس السافاك.

 

استطاع الموساد الصهيوني وهو جهاز مخابرات الكيان الصهيوني المختص بالشئون الخارجية تجنيد بعض الإيرانيين المنشقين للحصول على المعلومات، ولعل أبرزهم الجنرال علي رضا أصغري الذي كان له دور بارز في المنظومة العسكرية تسيطر بها إيران على حزب الله وسوريا

وعرف الجهاز بوحشيته في التعامل مع معارضي الشاه، والذي منحه صلاحيات واسعة فتحول إلى منظمة غير خاضعة لأي قانون.

وكشفت وثائق الجهاز والتي تم العثور عليها عند اقتحامه أثناء ثورة الخميني، أن عدد أفراد الجهاز الدائمين ١٥ ألف، بينما يبلغ المتعاونون عشرات الآلاف ممن ينتشرون في مرافق الدولة المختلفة.

عندما جاءت حكومة الآيات، حلت الجهاز القديم وأنشأت ثلاث مؤسسات استخباراتية، أحدها تابعة للجيش النظامي وأخرى للحرس الثوري وثالثة تابعة رئاسة الوزراء، ينضووا تحت ما يعرف بالوكالة الوطنية الإيرانية للاستخبارات والأمن والتي عرفت اختصارا باسم سافاما.

وفي عام 1984، شكلت الحكومة الايرانية وزارة المخابرات والأمن الإيرانية ودمجت جميع الأجهزة الاستخباراتية داخلها، ورجعت لتستعين بخبرات موظفي وعملاء السافاك السابقين زمن الشاه ، وتولى هؤلاء مراقبة ومتابعة وملاحقة المعارضين الإيرانيين الذين انتقدوا نظام الآيات، فيما عرف إعلاميًا باسم متسلسلة القتل، حيث قامت المخابرات الإيرانية باغتيال أكثر من 80 من الكتاب والمترجمين والشعراء والنشطاء السياسيين، الذين قُتلوا من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل شملت حوادث السيارات والطعن وإطلاق النار وحتى الحقن بالبوتاسيوم.

ومع بدايات التسعينات، وانتهاء الحرب مع العراق والقضاء على خصوم نظام الآيات في الداخل ..بدأ نظام الآيات في تدشين نشر مشروعه المذهبي في العالم الاسلامي، وشرع في البدء بتنفيذ هدفه المتمثل في الصعود إقليميًا ودوليًا، وبدأ التحول في نمط العلاقات مع الصهاينة من تعاون إلى تنافس، وحولت المخابرات الإيرانية وجهتها لتبدأ أعمالها الخارجية باستهداف قنصلية الكيان في الأرجنتين بعمليتي قصف سفارة الاحتلال وتفجير المركز اليهودي في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس عامي 1992 و1994، الأمر الذي أسفر عن مقتل 85 شخصا وإصابة 150 آخرين.

وصاحبت هذه العمليات تضخم في عدد أجهزة الاستخبارات الإيرانية.

وكشفت آخر إحصائية صدرت عام ٢٠١٤ وفق تقرير لوكالة فارس التابعة للحرس الثوري، أن عدد أجهزة الاستخبارات الإيرانية والتي تنضوي تحت وزارة الاستخبارات، يبلغ ١٦ جهازًا، تتوزع على وزارة الاستخبارات، ووحدة استخبارات الحرس الثوري، ومخابرات الجيش، واستخبارات الشرطة.

وقبلها بعام أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية مؤلفًا من 68 صفحة، تم الكشف فيه عن معلومات جديدة حول أجهزة الاستخبارات الإيرانية، وجاء فيه أن نحو 30 ألف شخص يعملون لدى وزارة الاستخبارات ويشاركون في النشاطات السرية التي تتراوح بين التجسس وسرقة التكنولوجيا، وصولاً إلى هجمات إرهابية بالقنابل واغتيالات وتفجيرات.

ويلاحظ أن وزير الاستخبارات يتم تعيينه مباشرة من قبل المرشد الأعلى في إيران، وأن كل من تسلموا هذا المنصب منذ تأسيس هذه الوزارة هم من رجال الدين المعممين.

ومن الجدير بالذكر أن إدارة الاستخبارات في الحرس الثوري قد تحولت إلى جهاز مستقل بعد أحداث الحركة الخضراء 2009، مما دفعها إلى صدارة المشهد مزاحمة ومنافسة لوزارة الاستخبارات والتي كانت تنضوي تحتها.

اغتيال هنية

وفي المقابل وكرد على توجه المخابرات الإيرانية ضد بعض المصالح اليهودية، شرع الكيان الصهيوني في اختراق إيران بتجنيد العملاء.

فاستطاع الموساد الصهيوني وهو جهاز مخابرات الكيان الصهيوني المختص بالشئون الخارجية تجنيد بعض الإيرانيين المنشقين للحصول على المعلومات، ولعل أبرزهم الجنرال علي رضا أصغري الذي كان له دور بارز في المنظومة العسكرية تسيطر بها إيران على حزب الله وسوريا، ويعتقد أن أصغري كان مصدر المعلومات الاستخباراتية التي استخدمتها إسرائيل في عملية البستان الشهيرة لقصف المفاعل النووي السوري في دير الزور في عام 2007.

وفي عام2012، أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية عن اكتشاف شبكة إسرائيلية في وسط إيران بزعم أنها تحاول جمع معلومات عن الأنشطة النووية الإيرانية.

وبعدها توالى الاختراق الصهيوني، ونفذ الموساد على مدار السنوات القليلة الماضية، سلسلة اغتيالات نوعية داخل إيران عبر استهدافها المنشآت النووية الأكثر تحصينًا، ونجح في اغتيال العلماء العاملين في تلك المنشآت في عمليات استخبارية معقدة.

الملاحظ أن الاختراق الصهيوني في هذه العمليات كان ينفذه أشخاص عاديون.

ولكن هذه المرة (اغتيال هنية) على ما يبدو كان الاختراق كبيراً جدًّا، امتد إلى داخل المؤسسة الحكومية. ويبدو أن هناك من هو في منصب حساس؛ لأن تحديد مقر إقامة هنية يجري بالعادة سرًا، ويحتاج إلى جهة وشخص متنفذ للحصول على مثل تلك المعلومات.

وتحدثت صحيفة نيويورك تايمز عن أنه تم اعتقال أكثر من 20 شخصًا في إيران ذوي صلة بعملية اغتيال رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، بينهم ضباط كبار في المخابرات ومسؤولون عسكريون.. وتعتقد أجهزة المخابرات الإيرانية أن عملاء جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد ما زالوا في البلاد، وفق الصحيفة الأمريكية.

إن ما حدث من اغتيال إسماعيل هنية والذي كان في زيارة رسمية إلى دولة طبقًا للأعراف الدولية يعد جريمة مهينة، أشبه بإعلان حالة الحرب على الدولة التي تم فيها الاغتيال.

ولكن رد الفعل الايراني هو الإعلان عن تنفيذ ضربة وليس إعلان حرب، وهذا بمثابة الاحتفاظ بقواعد اللعبة بين الطرفين ولن ترتقي إلى حرب، فالمصالح بينهما وإن تعارضت في وقت ما، فإنها لا تلبث إلى أن تجتمع مرة أخرى، لأن العدو المشترك بين دولة الاحتلال والمشروع الإيراني هو نهضة الأمة الإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق