الاثنين، 30 سبتمبر 2024

مرياع إسرائيل!

 مرياع إسرائيل!

حلمي الأسمر 


بين ليلة وضحاها تحول نتنياهو من هدف يستدعي الرجم والنهش واللطم في كيان العدو إلى ما يشبه "البطل" القومي، بعد أن كان رمزا للفشل وسوء السمعة، وعنوانا لهلاك الكيان، في استدارة لم تكد تكلف الكيان ولو حتى قطرة دم، تحول ذّاموه وناقدوه والمطالبون بإقالته ومحاكمته وحتى اعتقاله، ليجر وراءه كل من كان يطالب بتنحيته وإنزاله عن المسرح السياسي. اختفت المعارضة وصمتت أقلام وسهام النقد، وتحولت إلى ما يشبه العزف الجماعي في كورال صارم مهمته ترديد اللازمة المعدّة مسبقا. كل أولئك الذين عارضوه ونقموا منه انحازوا فورا إلى صف "الردّيدة" (باللهجة المصرية) الذين يطالبونه بالمزيد من "الإقدام" للإجهاز على حزب الله وكل بؤر المقاومة، لا نزع سلاحها فقط، بل بقتل آخر مقاتل فيها وآخر من ينتمي لحاضنتها الشعبية!

قبل أسبوع فقط أو يزيد قليلا كانت أسهمه في الحضيض، وفجأة بعد أن ضرب رأسه حائط صمود المقاومة في غزة واستعصاء حاضنتها الشعبية، رفع شعار "عودة سكان الشمال إلى بيوتهم"، وأضيف كهدف رابع لأهداف العدوان على غزة الثلاثة التي لم يتحقق أي منها، فجاءت ضربة "البيجر" وسكر القوم بنشوة بالإنجاز، وتلتها سكرات أخرى "توجها" باغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، و"القطيع" وراءه ينادونه بالمزيد، وهو كما يهيأ لي منتش بما فعل ضاحك في سره مما "سحرهم" به من ألاعيب!

ما فعله نتنياهو في أسبوع في لبنان عجز عنه في سنة في غزة، والمكابر فقط من ينكر أن ثمة إنجازا "تاريخيا" سجل باسم القاتل المحترف، ولكن السؤال هنا الذي لم يغادرني منذ بدأ نتنياهو استدارته الدراماتيكية: ما الذي دفعه لهذا الفعل؟ أهي مصلحته الشخصية أم مصلحة كيانه وجمهوره؟ ما الذي دفعه بعد "صبر!" سنة على مشاغلات حزب الله أن يقرر أن هذا الصبر نفد فيقدم على ما أقدم عليه؟


ما فعله نتنياهو في أسبوع في لبنان عجز عنه في سنة في غزة، والمكابر فقط من ينكر أن ثمة إنجازا "تاريخيا" سجل باسم القاتل المحترف، ولكن السؤال هنا الذي لم يغادرني منذ بدأ نتنياهو استدارته الدراماتيكية: ما الذي دفعه لهذا الفعل؟ أهي مصلحته الشخصية أم مصلحة كيانه وجمهوره؟ ما الذي دفعه بعد "صبر!" سنة على مشاغلات حزب الله أن يقرر أن هذا الصبر نفد فيقدم على ما أقدم عليه؟

في التحليل النفسي والسياسي والتاريخي أيضا، تحول نتنياهو إلى دكتاتور يتحكم في رقاب جمهوره، وسارة زوجته والثنائي سموتريتش وبن غفير يتحكمون في رقبته، قبل معركة طوفان الأقصى أوصل نتنياهو الكيان إلى حافة الحرب الأهلية بسبب حكاية التعديلات القضائية، التي تعني ضمن ما تعني التعدي على السلطة القضائية وتحجيمها لصالح سلطتي التشريع والتنفيذ، وهي تعديلات في العرف القانوني تفضي إلى كسر أحد أهم قاعدة من قواعد الديمقراطية، وهي الفصل بين السلطات والحفاظ على استقلالية كل سلطة استقلالا تامة، دون تغول من أي سلطة على غيرها. وقد نجح هو وفريقه المسيطر على برلمانهم بأغلبية زهيدة جدا في تمرير تلك التعديلات أو جلها، وقد جاء الطوفان قبل أن يتم ما بدأه، ولكن ما أنجزه كان كفيلا بتحويله إلى "ملك" متوج أو دكتاتور يفعل كل ما يريد، بأوامر من سارة والثنائي آنف الذكر.

ولمن يعجب من سيطرة سارة عليه، شأنه شأن أي دكتاتور في العالم الثالث، نذكره بما نشر عن نفوذ هذه المرأة عليه وعلى قراراته السياسية، وما حكاية محاولة إقالة وزير حربه وترشيح جدعون ساعر ليحل محله ببعيدة، فقد نشر أن سارة "وافقت" على تعيين ساعر محل غالانت، نعم هكذا وباعتراف كتّابهم ومحلليهم، ثم طويت صفحة التغييرات لأسباب كثيرة، ليصار إلى ضم ساعر وزيرا بلا وزارة ليكون وزير حرب احتياطيا في حال تمرد غالانت.

فالمهم هنا أن سارة لا بد أن توافق على إقالة وزير وتعيين وزير مكانه، وتلك حكاية معقدة لها علاقة بخيانة نتنياهو لها واعتذاره مع القبول باشتراطات فرضتها عليه، وثمة تفصيلات هنا لا مجال لذكرها، فالمهم هنا التأشير على مدى تدخلها في سياسات "الدولة"، فالدلالة هنا هي ما يهمنا، حيث لا توجد دولة ديمقراطية فعلا تحكمها زوجة "الزعيم" إلا أن تكون جمهورية موز، وقد تحول الكيان أو كاد على يدي نتنياهو وسارة أو كادت إلى هذا النمط من الديمقراطيات الزائفة.

لقد حاربنا الكيان كعرب على مدار سبعة عقود بالديمقراطية التي تحكمه والدكتاتورية التي تحكمنا، وفي الوقت الذي يتحول فيه الكيان إلى ما نعانيه في بلاد العرب من مرض الاستبداد، فقد بدأ رحلته نحو السقوط بعد أن توج نفسه "سلطانا" على الكيان. الصحافي الصهيوني أوفر شيلاح كتب يوما ما مقالا بعنوان "الديمقراطية ليست للعرب"، قال فيه: "لا يوجد عاقل في إسرائيل لا يخاف من عواقب ثورات العرب، وقد سمعت كثيرا من المتحدثين في الدولة، ومن قطاع كبير من الرأي العام أن الديمقراطية ليست للعرب، فهم لا يستحقونها، وأن ما تحتاج إليه إسرائيل هو نظام عربي، ليس ديمقراطيا. وباختصار نريد حكاما عربا ديكتاتوريين، ومن مصلحتنا أن بعض الدول العربية متخلفّة تحت حكم ديكتاتوري".

دار الزمان فتحول نتنياهو بدكتاتوريته الجديدة إلى "مرياع" يقود قطيعه إلى الهاوية مغترا بشعور النصر، فهو يقود "خرافه" إلى المجهول، رغم ما يبدو عليه الآن من زهو ونشوة بانتصاراته في لبنان وعربدته في اليمن وسوريا وغزة، بل إن مستوى غروره بلغ حدا دفعه إلى القول إنه سيغير الشرق الأوسط برمته


وقد دار الزمان فتحول نتنياهو بدكتاتوريته الجديدة إلى "مرياع" يقود قطيعه إلى الهاوية مغترا بشعور النصر، فهو يقود "خرافه" إلى المجهول، رغم ما يبدو عليه الآن من زهو ونشوة بانتصاراته في لبنان وعربدته في اليمن وسوريا وغزة، بل إن مستوى غروره بلغ حدا دفعه إلى القول إنه سيغير الشرق الأوسط برمته، فيما يتحول جنوده إلى بط في مرمى سلاح المقاومة في غزة، يصطادونهم واحدا واحدا، ولا يفلحون إلا في إظهار "رجولتهم" في قصف سكان الخيام وتفجير البيوت على ساكنيها عن بعد، عبر سلاح طيرانهم، أو من وراء جدر الدبابات المصفحة.

عام كامل مر وهم يضربون رؤوسهم في حائط غزة، ولم يحققوا إلا المزيد من الجرائم التي فاقت في بشاعتها كل ما سجله التاريخ المعاصر من إبادة جماعية وعقاب جماعي، والحرب لم تنته بعد، ويبدو أنها لن تنتهي قبل أن تنكسر شوكتهم. أما "انتصاراتهم" في لبنان التي سكروا بنشوتها، فلربما تكون وبالا عليهم، فالحرب سجال، والعبرة فيمن يضحك أخيرا، فالحساب مفتوح ومن يحسب أن حزب الله ومن حوله من محور المقاومة سيرفع الراية البيضاء، يعيش على وهم أحلام اليقظة.

ولمن يجهل المرياع فهو شيخ قطيع الغنم، أصله خروف ابن ساعته لم يذق حليب أمه ولم يتلب منها (أي لم يشرب حليب اللبا الذي تفرزه الأم بعد ولادتها)، يتم فصل المرياع عن أمه منذ ولادته، ويتم إرضاعه من زجاجة موضوعة في خرج حمار، ومع مرور الزمن يصبح الحمار بمثابة أمه وأبيه أينما ذهب، حيث يبقى حوله وخلفه. وفي مرحلة متقدمة من عمره يتم خصيه والعناية به ليسمن ويوضع في رقبته جرس خاص يسمى "القرقاع"، لتصبح مهمته قيادة القطيع خلف الحمار المدرب على السير باتجاه المرعى.. وكلما سار المرياع يدندن الجرس وهي إشارة للقطيع ليلحق به.

وتحضرني قصة هنا وهي أن مرياعا سار بالقطيع في منطقة وعرة حتى وصل إلى حافة واد سحيق.. فانزلقت قدماه فسقط أسفل الوادي، فما كان من باقي القطيع إلا أن لحقه -بحكم الاقتداء- واحدا تلو الآخر، كون النعاج والخراف اعتادت أن تقاد..!

مشهد آخر، يرويه أحد زوار المسلخ إذ يقول: ذهبت مع أبي يوما إلى المسلخ ورأيت موقفا عجيبا، فقد رأيت مجموعة من الشياه عددها عشرون شاة تساق إلى الذبح دون أن تلتفت أو تفكر بالهرب، ولاحظت أنها تتبع خروفا قد جعله الراعي قائدا لهم يتبعونه، وهذا القائد مربوط بحبل يمسكه الراعي، فلما وصلت إلى مكان ذبحها بدأت الدماء تنتشر من تلك الشياه، وذُبحت كلها باستثناء القائد، وبعد ذبحها أخذ الراعي هذا القائد ورجع إلى زريبته (بيت الغنم) سالما معافى.. فسألت أبي عن هذا الذي يتبعه الغنم حتى إلى ذبحها فقال لي: هذا يسمى "المرياع" يتبعه بقية القطيع إلى أي مكان(!) ويستخدمه الراعي لجمع القطيع في كل مكان.. حتى ولو كان إلى الذبح!

وراثة النبوة مظنة الإحياء والتجديد

  وراثة النبوة مظنة الإحياء والتجديد

فرج كُندي
رئيس مركز الكندي للدراسات والبحوث


إذا كانت المهمات الرئيسية للرسل عليهم الصلاة والسلام التذكير والتعليم والتزكية؛ فوراثة النبوة الكاملة هي استطاعة هذه الأمور على الكمال والتمام والقيام بها وأداؤها على أكمل وجه خالصة لله تعالى لا يعتريها رياء ولا شك ثابتة وراسخة كالجبال، بل أشد رسوخا وثباتا.

ونادرا ما تجتمع هذه الصفات الثلاث الكاملة في شخص واحد؛ فقد نجد داعية وواعظا غير متعلم، وعالما لا يمتلك مقومات الدعوة والوعظ، وعالما وداعية غير قادر على التزكية، ومن اجتمعت له هذه الصفات أو القدرات الثلاث ملك زمام الدعوة والإصلاح والتجديد، وإلا فعملية الإصلاح والتجديد تبقى موزعة بين العاملين فيها والقائمين عليها بحسب ما يتمايزون به من امتلاك واحدة من صفات العلم، والدعوة، والتربية والتزكية.

وأهم ما ينبغي أن ينصب عليه وعظ الوعاظ وكلام الدعاة هو التذكير بآيات الله في الأنفس وفي الآفاق، والتذكير بأمر الله وأيامه، والتذكير بوعده ووعيده، وعقوباته وانتقامه، والتذكير بما أوعده وأعده لأهل طاعته وأهل معصيته من ثواب وعقاب.

وأهم علم يجب أن يبدأ به العلماء والدعاة والمربون؛ هو تعليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة (الحديث والسيرة) التي هي الشارح الأول والأصيل للقرآن العظيم {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} آل عمران 79.

وأهم ما ينبغي أن تقوم عليه ويكون ركيزة أولى لتربية المُربين والمُتربين هو إصلاح القلوب وتحسين السلوك والارتقاء به إلى أفضل وأرقى المستويات حتى يصل لدرجة الكمال والتمام، {كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون} البقرة 151.

ومن المعلوم بل المسلّم به في حركة الحياة وسيرورة التاريخ الإنساني أن لكل عصر أمراضه وأعراضه التي تستحدث فيه وتطرأ عليه. تختلف وتتنوع وتتعدد بحسب المكان والزمان.

 والعالم الرباني والداعية الميداني هو من استطاع أن يعالج أمراض عصره وآفات زمانه، وتلك علامة نجاحه في التزكية والتربية، ورسوخ قدمه في الإصلاح والتجديد.

منذ العصر الأول لمهد الإسلام ظهرت بعض الأمراض والآفات في المجتمع المسلم من انتحال نحل بعيدة عن جوهر الدين وأصوله من الإرجاء والتشيع والخارجية والاعتزال و……

وفكرة الإرجاء قائمة على ترك العمل وعقيدة التشيع تقوم على الغلو في آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، والخوارج تقوم على التكفير لأدنى الشبهات دون دليل. 

ومدرسة الاعتزال بمذهبها المتسارع إلى التأويل بغير علم وكل حزب يذود وينافح عن اعتقاده وتصوره، ويستميت في الدفاع عنه والدعاية له بكونه المنهج الحق، وأن معتقديه ومعتنقيه هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة دون غيرهم، وأن الجنة حكر عليهم دون سواهم!

ومثل هذه الأمراض في تلك العصور قابلة للعودة والظهور بشكل مستمر سواء في صورها القديمة؛ أو في صورة جديدة مُتغلفة بثياب العصر، وعلى العالم والداعية والمربي (الإحيائي) أن يدركها ويعالجها إن وجدت وأن يوجد مناعة ضدها إن لم تكن موجودة.

 أي أن يستخدم أدوات التحصين ضدها قبل وجودها استباقا لظهورها لوأدها في مهدها؛ أو منعها من التوسع من حيث الأصل بأدوات الحصانة والتحصين، كتاب الله والسنة وفق مشروع التزكية والتربية؛ مع مواكبة صناعة مشروع الإحياء والتجديد القائم على الأصلين (الكتاب والسنة)

والعالم الداعية المجدد المزكي عليه أن يرتب جلساته التربوية الإصلاحية للفرد والمجتمع من خلال دمج بعضها ببعض؛ أو يخصص للوعظ جلسة عامة والتزكية والتربية جلسات خاصة تتعلق بالذكر والرقائق أو من خلال مذاكرة فردية أو جماعية يقرأ فيها بما هو ملائم ومناسب لها من علم ومعرفة وترقية وتزكية. كما ينبغي تخصيص جلسات للعلوم الدقيقة وأوقات للتلاوة والتجويد وتدبر القرآن، وللسنة وللتفسير وعلوم القرآن، وللفقه وأصوله، ووقت لدراسة التيارات الفكرية المعاصرة التي تغزو الأمة كما غزتها تيارات البدع في العصر الأول وعقبته هذه التيارات الوافدة من علمانية ليبرالية وحداثية تحتاج إلى عودة إلى الأصلين -الكتاب والسنة- لمدافعتها بالعلم والدعوة والتربية والتزكية، وهذا ما ينبغي أن يقوم عليه مشروع الإحياء والتجديد في كل مكان وزمان.

كسر الصنم خامنئي وغنائم تقسيم إيران

 كسر الصنم خامنئي وغنائم تقسيم إيران

عبد المنعم إسماعيل

كاتب وباحث في الشئون الإسلامية

إن الحديث عن سنة التدافع بين الحق والباطل يوجب أمرين الأول هو الفرح بقوة أهل الحق وهم أهل السنة والجماعة حملة الإسلام السني الصحيح والثاني الفرح بهلاك الباطل الجاهلي متعدد الأخطار على الأمة العربية والإسلامية 

فإذا كانت الأمة تعيش الأمر الأول حسب الوسع للفرد والأسرة والقرية والمدينة والدولة فإن الشوق لانكسار شوكة الجاهلية المعاصرة بشقيها الصهيوني المحتل لفلسطين والصفوي المحتل لإيران والعراق ولبنان واليمن وسوريا أمر من الأهمية بمكان.

لقد عاشت الأمة في قرابة الخمس عقود بين فكي الكماشة الصهيوصفوية التي أسقطت العراق والشام واليمن ولبنان ونتج عن هذا البلاء الرافضي قتل قرابة الثلاثة مليون مسلم عربي سني من ديارهم وتهجير قرابة ال عشرين مليون مسلم عربي من الأحواز والعراق واليمن والشام وفلسطين ولبنان بالإضافة إلى معاناة الأمة من المد الشيعي الخبيث الرامي الى تغيير معالم الإسلام والسنة النبوية المطهرة نتيجة الأفكار الرافضية الخبيثة التي هي وباطل الجاهلية الصهيوصليبية وجهان لمخطط جهنمي ابليسي واحد لذا تشتاق الأمة إلى الأمرين الفرح بقوة دول أهل السنة والجماعة والثاني تفكك معاقل مشاريع الضلال في إيران وبلاد الغرب وإسرائيل بصفة خاصة.

لماذا نشتاق لهدم وتفكيك إيران الخمينية؟

أن تفكيك كيان قم المدنسة بعصابات المجوسية الخمينية امر عظيم ينتج عنه:

وقف سرطان المد الرافضي حول العالم وكبح عصابات الحوثية في بلاد اليمن وأحزاب الضلال الرافضي في العراق المحتل والشام الأسير ولبنان المبتلى بجند ساسان ويهود قم واصفهان.

عودة العراق والشام لحكم أهل السنة والجماعة بعد تدمير راس الافعى في طهران والخلاص من الحرس الخميني الثوري الذي أهلك الحرث والنسل في بلاد العرب والمسلمين.

عودة علماء العراق والشام بعد إسقاط عملاء إيران كنتيجة طبيعية بهلاك رأس الأفعى.

تخفيف الكيد الخميني عن دولة باكستان السنية لمواجهة الخطر الهندي والصيني.

تحرير دولة بلوشستان السنية من كيد الشيطان الرافضي.

تمكين الأكراد في ايران من إقامة دولة سنية ينتج عنها قوة أهل السنة والجماعة.

تحرير دولة الأحواز العربية والتي تعتبر أغنى دول العالم ووضع المقدرات الاقتصادية في خدمة أهل السنة والجماعة.

تحرير الجزر الإماراتية من فلول الجيش الخميني الرافضي.

القضاء على طموحات شيعة الخليج العربي ومن ثم الاستقرار الشامل لدول الخليج عامة وبلاد الكويت والبحرين خاصة.

دفع الجماعات الإسلامية التي كانت تطبل وتتوافق مع الفكر الإيراني باعتباره حقيقة واقعية.

القضاء على فكرة التقريب بين الإسلام والتشيع بشكل رسمي ليصبح الشيعة أقلية لها حقوق المواطنة التي كفلها الإسلام على مدار القرون الماضية قبل فتنة شيطان القرن الخميني عام 1979.

استرداد عقول الطابور الخامس التي يحمل براثن الفكر الشيعي تحت مزاعم المقاومة للصهيونية وهي أكذوبة يقبلها عقول ضحايا العاطفة.

الوقوف على سجلات العلماء القتلى الذين قتلتهم إيران نتيجة الخبث الرافضي والفكر الطائفي الشيعي.

وقف التمدد الشيعي في افريقيا وأوروبا وتصحيح صورة الإسلام في عقول المجتمع الغربي الذي يتعامل معه على أساس الإسلام الشيعي والإسلام السني وفي الحقيقة تقول إن الإسلام هو الإسلام السني الصحيح أما مكر الصهيونية حال دعم شيطان القرن لتشويه الإسلام فهذا لم يؤثر في عقول دعاة الفكر القويم في أي دولة أو قومية عرب أو عجم.

تصحيح مسار منظمة التعاون الإسلامي وتخليص مجالس علماء المسلمين من براثن الفكر الرافضي مع التعايش مع فكر شيعة العرب الذين يعتقدون فقه الائمة القائم على محبة ال البيت وعدم الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم وهذا الأمر بمثابة 1٪من تعداد الرافضة المنتسبين إلى التشيع.

نسأل الله أن يحقق ما نتمناه بزوال دولة الخمينية وتفكيك معقل الرافضة إيران.

متى يُحدث اغتيال القادة فارقًا إستراتيجيًا حقيقيًا؟

متى يُحدث اغتيال القادة فارقًا إستراتيجيًا حقيقيًا؟

باحث في علم الاجتماع السياسي والحركات الاجتماعية

 بغض النظر عن نجاح عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فإنَّ الأهم في هذا النوع من الاغتيالات يكمن في مستوى الفارق الإستراتيجي الذي تحدثه في التحولات السياسية والعسكرية. فاغتيال قائد مركزي قد يكون حدثًا يقود لتغيرات إستراتيجية، وقد يكون حدثًا عملياتيًا تكتيكيًا، وهذا يرتبط بمستوى التحولات.

يوجد في مسيرة الثورات والدول من هذا وذاك. في إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية – وهما صاحبتا مدارس عريقة في الاغتيال السياسي – يعون تمامًا مستوى التحولات التي قد تحدثها اغتيالات معينة في لحظة زمنية فارقة. لكن عقدة إسرائيل في تعاملها مع الحركات العقائدية والأيديولوجية المتماسكة هي أن الاغتيال السياسي لم ينجح في صناعة الفارق الإستراتيجي الذي أحدثته مع غيرها من الحركات والدول عبر الاغتيالات.

تمثل حركة حماس إحدى العقد الأساسية في ذهنية الأمن الإسرائيلي، من حيث كثافة الاغتيالات للصف الأول، والتي لم تحدث أية تحولات إستراتيجية أو انحرافات تنتج تيارات داخلية في الحركة تقبل العلاقة مع إسرائيل. لكن مقابل ذلك، يوجد العديد من الأمثلة لنجاح إسرائيل في قيادة تحولات إستراتيجية من خلال الاغتيالات.

يبدو أنَّ رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو حين اعتبر وقادة أجهزته الأمنية أنَّ عملية الاغتيال في بيروت "إن نجحت سوف تغير شكل الشرق الأوسط" مطلقًا عليها اسم "نظام جديد" كان مسكونًا بما استطاعت أن تفعله إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال إعادة هندسة كينونتها عبر الاغتيال السياسي المنظم الذي حيَّد قيادات تاريخية وأحلَّ مكانها قيادات بمواصفات مطلوبة للمرحلة نقلتها من مربع إلى مربع آخر مختلف تمامًا عما نشأت عليه. لكنها مقارنة في غير مكانها.

في التاريخ المعاصر، حصلت عمليات اغتيال أدت لتحول جذري لصالح المحتل. فعند اغتيال روسيا الزعيمَ الشيشاني أصلان مسخادوف في (2005) كان ذلك إيذانًا بنهاية عهد التمرد الشيشاني، وتنصيب زعيم جديد موالٍ لروسيا، حوَّل الشيشان من عدو إلى حليف إستراتيجي يمثل الخزان البشري للجيش الروسي.

إعلان

كذلك أبدعت إسرائيل في هندسة التحولات الداخلية في منظمة التحرير الفلسطينية عبر سلسلة اغتيالات منتقاة منذ سبعينيات القرن الماضي، أدت لتحييد نوعية معينة من القادة، وإفساح الطريق لسيطرة قادة آخرين سهلوا تمرير اتفاق أوسلو.

يُقاس على ذلك أيضًا الفارق الذي أحدثه اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، والانقلاب الجوهري في نهج السلطة بعد تولي الرئيس الحالي محمود عباس. إسرائيل لا تعتبر الاغتيال السياسي ناجحًا إلا إذا أدى لهكذا تحولات، وإلا بقي حدثًا عملياتيًا تكتيكيًا.

وبالعودة إلى عقدة حماس، فبالرغم من كثافة الاغتيالات عدديًا للصف الأول من قادتها من المؤسس الشيخ أحمد ياسين إلى رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري، وبينهم سلسلة طويلة من الصف الأول، فإنَّ ذلك لم يحدث تحولات منهجية في الحركة، وبالتالي كان تأثير الاغتيالات على حركة حماس إجراءً عملياتيًا محدودًا يرتبط بإعادة ترتيب أوراق تنظيمية لا أكثر، بينما كان عند غيرها سببًا في انقلاب داخلي وتغير جذري في المسارات.

لذلك لا يمكن إسقاط تجربة التحولات في منظمة التحرير الفلسطينية بفعل الاغتيالات على قوى، مثل حماس أو حزب الله. ويعود السبب الرئيسي لذلك إلى أنَّ التباينات الداخلية في هذه القوى، ليست على مستوى الأيديولوجيا أو النظرة للصراع أو المنهج، وإنما تقتصر على مستوى التكتيكات التي يمكن التعامل من خلالها في إطار المدرسة الواحدة، إضافة لعوامل تنظيمية أخرى، أهمها الارتباط بالفكرة وليس بالشخص مهما بلغ من كاريزما وتأثير.

عند اغتيال الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى (2001)، كانت الجبهة الشعبية على مفترق طرق بين نهجين في انتخاب أمينها العام الجديد، تجسَّد في قطبين مختلفين: الأول مثَّله الراحل عبد الرحيم ملوح، والذي كان يُصنَّف بأنه الأقرب لمسار السلطة الفلسطينية وعلى تناغم كبير معها، والثاني مثَّله أمينها العام الحالي الأسير أحمد سعدات.

كانت قواعد الجبهة الشعبية تعي أنها أمام نهجين مختلفين، فحُسم الاستقطاب الداخلي بانتخاب سعدات تغليبًا للاستمرار في خط المقاومة والثأر. وهو ما أعقبه بوقت قصير بعد انتخاب سعدات إشرافه على اغتيال الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي، وبقيت الجبهة على نهجها حتى اليوم. يتكرر الأمر أيضًا في حالة الأسير القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي.

وبخلاف كل الأسرى، فإنَّ سبب رفض إسرائيل إدراجه في صفقات التبادل ومنها صفقة شاليط لم يكن سببًا أمنيًا بل سببًا سياسيًا، لأنَّ الإفراج عنه قد يحدث تغيرات جذرية في قيادة السلطة وحركة فتح تُحيِّد قيادات ترى الإدارتان الأميركية والإسرائيلية ضرورة استمرار وجودها في هذه المرحلة.

لكن هل هذا التباين موجود في قوى المقاومة حاليًا؟ إنَّ قراءة موضوعية لمستوى التوجهات في هذه القوى لا تشير إلى وجود هذه المساحات من الفوارق. فاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أعقبه انتخاب، وبالإجماع، يحيى السنوار، بما معناه أنَّه لا يوجد في حماس إلا مدرسة واحدة وهي المواجهة المسلحة التي بدأها السنوار.

في هذه الحالة، لا يصبح للاغتيال قيمة من الناحية الإستراتيجية. كذلك فإنَّ الجيش الإسرائيلي في تصريحه بأن "استهداف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من شأنه أن يغير شكل الشرق الأوسط" استنتاج غير واقعي وقياس في غير مكانه.

يعتبر المحلل العسكري "ألون بن ديفيد"، المقرب من قيادة جيش الاحتلال، أنَّ "سياسة الاغتيال تقود إلى نتائج عكسية، فتعمل على توسيع دائرة العنف، ولن تقضي على من وصفهم بالإرهابيين الذين يتم استبدالهم بآخرين، وفي أحسن الحالات قد تدخل بعض المنظمات في حالة فوضى لمدة من الزمن إذا كان المستهدف شخصية مركزية في منظمة يعتمد وجودها على هذه الشخصية، قبل أن تستعيد عافيتها، وربما تصبح أكثر قوة وتنظيمًا".

إعلان

وأفضل مثال يضربه بن ديفيد على ذلك هو حزب الله، معلقًا: "عند اغتيال عباس موسوي، أمين عام حزب الله السابق، وتولي نصر الله، تحول الحزب من جماعة صغيرة إلى جيش منظم". يشير أيضًا رونين بيرغمان، الصحفي الإسرائيلي، في كتابه الموسوعي "قم واقتل أولًا: التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية المستهدفة" (Rise and Kill First: The Secret History of Israel’s Targeted Assassinations) إلى أنَّ "سياسة الاغتيالات نجحت في إزالة تهديدات مباشرة محددة، لكنها فشلت في توليد حل طويل الأمد لمعضلة الأمن الإسرائيلي".

ينطبق ذلك على الدول ذات المؤسسات المستقرة أيضًا، فنجاح محاولة اغتيال ترامب مثلًا قبل أسابيع لم يكن ليحدث فارقًا في سياسات الولايات المتحدة الأميركية التي تحكمها دولة عميقة متجذرة تجعل الفارق بين أن يكون رئيسها ديمقراطيًا أو جمهوريًا، هو أن تشرب كوب الشاي بسكر أو بدون سكر.

بالعودة إلى حادثة اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فإنَّ إسرائيل تراهن في منطق "تغيير وجه الشرق الأوسط" وبإطلاقها على عملية اغتياله اسم "نظام جديد" على أنَّ حزب الله وإن استطاع إعادة ترتيب أوراقه داخليًا فإنه سيكون من الصعب عليه السيطرة على السياق؛ نتيجة تغييب القائد الكاريزمي الذي كان لكاريزميته دورٌ مهم في إقناع قاعدته بخوض المعركة، وبالتالي فإنَّ استمراريته في المعركة ستكون أصعب.

يجعلنا ذلك نشير إلى أنَّ إسرائيل لا تنظر إلى النجاح العملياتي على أنه نجاح إستراتيجي ما لم يؤدِّ إلى تحقيق الفارق الإستراتيجي المطلوب، وبالتالي فإنَّ بيانًا واحدًا من حزب الله يشير إلى استمرار تمسك الحزب بذات المواقف التي تربط جبهة الشمال بجبهة غزة، سيعني مباشرة أنَّ الاغتيال – وإنْ كان فادحًا – سيبقى في نطاق العمل التكتيكي الموضعي رغم عدم التقليل من فداحته، ولم يتحوَّل لنجاح إستراتيجي لإسرائيل.


معركة نهاوند .. فتح الفتوح


 معركة نهاوند .. فتح الفتوح

شريف عبد العزيز الزهيري

 خرج الفرس بكل قواتهم وجموعهم الجرارة التي تفوق المائة وخمسين ألفا، وانسحب القعقاع ومن معه حتى وصلوا إلى معسكر المسلمين، وذلك في صدر نهار يوم الجمعة في أواخر شهر الله المحرم من سنة ٢١ هجرية، وأمر النعمان الناس أن يلزموا أماكنهم، ولا يقاتلوا حتى يأذن لهم؛ فماذا حدث بعد ذلك؟

السنن الماضية

السنّة الماضية التي لا تختلف ولا تتبدل أبدا: أن أعداء الإسلام يتربصون بالمسلمين دائماً, وتعتمل قلوبهم حقدا وحسدا وكراهية على الإسلام وأهله، ولا تواتيهم أية فرصة؛ صغيرة كانت أو كبيرة إلا استغلوها وبمنتهى السرعة لإيذاء المسلمين، لذا يجب على أهل الإسلام أن يكونوا دائما على حذر، عملا بقول ربهم جل وعلا:(يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا) النساء:٧١.

ومن أكبر الفرص التي ينتظرها أعداء الإسلام -وقد أحسنوا استخدامها قديما وحديثا- هو التنازع والتفرق الذي يقع بين المسلمين؛ فما أتيت هذه الأمة إلا من قبلها، هذا رغم التحذير الشديد لهذه الأمة عندما قال لهم: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) الأنفال ٤٦، ورغم وضوح تلك السنة الماضية، وقيام مئات الأدلة من القرآن والسنة، وكذا أحداث التاريخ عليها إلا أن المسلمين مازالوا في خلافهم غارقين، وعن عدوهم غافلين، وهذه المعركة واحدة من الأدلة الصريحة على تلك السنة الماضية.

المسلمون والفرس والعراق

منذ أن أطلق الصديق أبو بكر شرارة الحملات الجهادية؛ لنشر دين الله عز وجل في المشرق والمغرب، وراية المسلمون ميمونة النقيبة لم تكسر، وخاض المسلمون جولات وصولات رهيبة مع الدولة الفارسية، وتوج المسلمون انتصاراتهم على الفرس بفتح المدائن سنة ١٧ هـ، ثم معركة “جلولاء”، ثم فتح الأهواز وتكريت وحلوان، كل ذلك وكسرى “يزدجرد” يفر من بلد لآخر، وهو يحاول تجميع فلول الفرس؛ لاستعادة الأمجاد السابقة، ولكن هيهات؛ فالمسلمون قد أكملوا فتح العراق، و بدأوا في التوغل في عمق الدولة الفارسية؛ فيما يطلق عليه الهضبة الإيرانية.

غيّر المسلمون تكتيك الحملات الجهادية على الجبهة العراقية؛ حيث عمدوا لتثبيت أقدامهم بالعراق؛ فأمر الخليفة عمر بن الخطاب بإنشاء مدينتي البصرة والكوفة؛ لتكون قاعدة دائمة للمسلمين هناك؛ منها ينطلقون في جهادهم على الجبهة الشرقية، وتقاطر على هاتين المدينتين المسلمون من قبائل بكر بن وائل وتغلب والنمر، إضافة لكثير من صحابة رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم، واستقروا فيهما.

كان من الطبيعي أن يكون أمير العراق هو القائد الكبير، فاتح المدائن، وبطل القادسية سعد بن أبي وقاص، وهو من كبار الصحابة، وسادس من دخل في الإسلام، وأحد المبشرين بالجنة، وقد استقر سعد بمدينة الكوفة التي أصبحت عاصمة العراق، وكان كثير من سكان الكوفة يرجعون إلى قبيلة أسد الكبيرة، وصاحبة الفضل الكبير في حروب المسلمين ضد الدولة الفارسية، وكانت هذه القبيلة العريقة تنافس وتضارع قبائل قريش قديما أيام الجاهلية، وحتى لما جاء الإسلام كانت قلوب كثير من قبيلة أسد تضيق بمكانة قريش وسيادتها بين القبائل العربية لذلك لم يكن من المستغرب أن تكون قبيلة أسد من أوائل القبائل ارتدادا عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى لله عليه وسلم، وظهر منهم من ادعى النبوة طلحة الأسدي، ولكنهم سرعان ما عادوا إلى الإسلام، وكفّروا عن خطاياهم بأعظم المكفرات، وهو الجهاد في سبيل الله، ولكن بقي بعض آثار الجاهلية في قلوب بعض أفراد من قبيلة أسد؛ ومن هؤلاء الجراح بن سنان الأسدي الذي سعى في التأليب على أمير العراق سعد بن أبي وقاص، وبث الدعايات الكاذبة عليه؛ حقدا وحسدا على مكانته، وخرج هو ومجموعة من قبيلته إلى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين؛ ليشتكوا سعداً، ويطلبون عزله؛ فبعث عمر بمحمد بن مسلمة، وكان بمنزلة المفتش العام على العمال والولاة، وتحقق من شكوى الجراح بن سنان، واكتشف كذبها وبطلانها، ولكن أمير المؤمنين عزل سعدا من مكانه بلا تهمة؛ تأليفا لقلوب الناس هناك، وعين مكانه عبد الله بن عتبان، وكان نائب الأمير سعد.

أخبار هذه الخلافات والاضطرابات وصلت إلى كسرى يزدجرد؛ فعمل على استعادة فلول الفرس، وكاتب أمراء الفرس بالسند وخراسان وحلوان، وأخبرهم أن الفرصة مواتية للهجوم على المسلمين؛ فتحركوا واجتمعوا بمدينة نهاوند -تقع الآن في إيران إلى الجنوب من جبال زجوراس وهي مدينة جبلية شديدة التحصين، تعتمد على جدران الجبال الشاهقة كأسوار وقلاع للدفاع عن المدينة- وبلغ تعداد من اجتمع بنهاوند مائة وخمسون ألفا، يقودهم آخر القادة الكبار في الدولة المجوسية: وهو “الفيرزان”، وكان قرين “رستم” ونده، ومنافسه في قيادة الجيوش الفارسية، وكان قد هرب من معركة القادسية عندما رأى الدائرة تدور على الفرس؛ فانحطت مكانته بين الفرس، ولاموه وشتموه؛ فأصر على أن يكفر عن خطيئته وفراره من قبل، وتعاهد هو وجنوده على القتال حتى الموت.

القائد الجديد

وصلت أخبار هذا التجمع الفارسي بنهاوند لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فجمع مجلس مشورته المكون من كبار الصحابة، واستشارهم في كيفية مواجهة هذا العدوان الفارسي الجديد، وكان عمر يفكر في قيادة الجيوش المسلمة بنفسه، ولكن أشار عليه الكثير من الصحابة بالبقاء مكانه، وأن يرسل قائدا يثق به، وفي هذه الأثناء وصل خطاب من النعمان بن مقرن المزني -وكان عاملا على مدينة “كسكر” العراقية- يطلب فيه الإذن من أمير المؤمنين أن يخرج للجهاد في سبيل الله، وترك الولاية على “كسكر”؛ حيث إن ميوله وهواه في الجهاد، ليس في الولاية والإمارة، وعندها قرر عمر أن يعين النعمان أميرا على الجيش الإسلامي المتوجه لحرب الفرس بنهاوند، وكانت مقومات تعيين النعمان أميرا على الناس كما قال الفاروق عمر: “والله لأولين أمرهم رجلا يكون أول الأسنة إذا لقيها غدا” فقيل له: من هو؟ قال: النعمان بن مقرن. فقد كان النعمان من أشجع الناس وأشدهم في القتال، مع قديم صحبة للنبي صلى لله عليه وسلم، وورع وزهد وتقوي، وحسن قيادة في الحروب.

كتب الخليفة عمر لأهل الكوفة يأمرهم بالنفير للجهاد في سبيل الله والإسراع بالانضمام إلى النعمان بن مقرن القائد الجديد للمجاهدين بالعراق، فأسرع أبطال الإسلام من أمثال جرير بن عبد الله البجلي، وحذيفة بن اليمان، وطليحة الأسدي، والقعقاع بن عمرو، وغيرهم حتى اجتمع عند النعمان ثلاثون ألفا من أهل العراق، ومن بينهم خلاصة أبطال المسلمين والعرب من ذوي الشجاعة والقوة، والخبرة الطويلة بقتال الفرس.

خطة الاستدراج الذكية

كان الموقع الحصين لمدينة نهاوند وسط الجبال الشاهقة يمثل عقبة كأداء أمام المسلمين؛ لعدم معرفتهم بتعداد الجيوش الفارسية وقوتها وتسليحها، وقلة هذه المعلومات أخرت إعداد خطة الهجوم على المدينة، وجعلت القائد النعمان يفكر في الاعتماد على سلاح المخابرات والاستطلاع الإسلامي للإتيان بالأخبار؛ فأرسل النعمان ثلاثة من أفضل الفرسان المسلمين وهم: طليحة الأسدي، وعمرو بن معدي كرب، وعمرو بن المثنى، فدخلوا إلى عمق الأراضي الفارسية، وسلكوا مفاوز وجبالا شاهقة ولم يستطع العمران: ابن معد يكرب، وابن الثني أن يكملا السير، واستمر طليحة في مهمته الفدائية، حتى استطاع أن يجمع معلومات كافية عن مدينة نهاوند، والتجهيزات الفارسية، ولما تأخر في الرجوع خاف الناس أن يكون قد ارتد عن الإسلام مرة أخرى؛ لأنه قد سبق وادعى النبوة؛ فلما رجع بالأخبار كبر الناس فرحا برجوعه؛ فلما علم بمخاوفهم استرجع حزنا على ظنهم فيه.

((وفي ذلك درس وعظة بالغة لأرباب المعاصي والكبائر: أنهم لابد أن يفكروا كثيرا قبل أن يقدموا على هذه المعاصي والكبائر؛ ذلك لأن شؤمها ولوثتها ستطارد أصحابها ولو بعد حين، حتى بعد التوبة والإنابة، فرغم ذلك ستظل الذاكرة تحفظ هذه السقطة لصاحبها، وإن غفر الله له وعفا عنه؛ فليحذر ذلك العصاة والمذنبون؛ بلا يأس وقنوط من رحمة الله، وبلا رغبة عن التوبة إليه)).

‏علم النعمان أن الطريق مفتوح إلى نهاوند، وأنه لا توجد حاميات ولا حراسات في الطريق، فعبأ جيشه وهم ثلاثون ألفا، وتحرك بهم بسرعة حتى وصل إلى أجوار مدينة نهاوند، ولما وصل إلى أجوار مدينة نهاوند، كبر النعمان وكبر معه الناس تكبيرة هائلة زلزلت قلوب المجوس الذين تجهزوا للقتال، وبالفعل أنشب النعمان القتال بعدما حط الأثقال يوم الأربعاء والخميس، والحرب بينهما سجال، ثم عاد كل فريق إلى معسكره، وعقد النعمان مجلسا استشاريا لقادة جيشه؛ للتشاور في كيفية الهجوم على هذه المدينة الحصينة، وتكلم العديد من القادة وأبدوا آرائهم، ولكنها لم تلق قبولا عند معظم الحاضرين، حتى تكلم الخبير العسكري الكبير طليحة الأسدي قائد سلاح الاستطلاع فقال: “أرى أن نرسل خيلا لينشبوا القتال، فإذا اختلطوا بهم رجعوا إلينا استطرادا -يعني انسحاباً تكتيكياً- فإنا لم نستطرد لهم في طول ما قتلناهم، فإذا رأوا ذلك طمعوا وخرجوا، فقاتلناهم حتى يقضي الله فيهم وفينا ما أحب”. فرحب بهذا كل الحاضرين، وأجمعوا على هذه الخطة الذكية.

كانت هذه الخطة تعتمد على استدراج الفرس للخروج من معقلهم الحصين بنهاوند عن طريق إظهار إنشاب القتال معهم، ثم التظاهر بالانسحاب من أرض المعركة اعتمادا على الخبرة الإسلامية بالنفسية الفارسية الحاقدة، ذلك لأن المسلمين لم ينسحبوا أبدا في القتال ضد الفرس؛ فإذا رأى الفرس المسلمون ينسحبون خرجوا من معاقلهم وحصونهم، وطاردوا المسلمين، وذلك هو عين ما يريده المسلمون، وبالفعل أمر النعمان قائد فرسانه القعقاع بن عمرو بإنشاب القتال مع طلائع الفرس، ثم التظاهر بالفرار من القتال؛ فخرجت جموع الفرس بأسرها؛ كأنهم جبال من حديد، قد تواثقوا على ألا يفروا، وقرن بعضهم بعضا كل سبعة في قران واحد، وزيادة في حربهم وعدم فرارهم من القتال ألقوا خلف ظهورهم على مداخل المدينة حسك الحديد، وهي بمثابة الألغام الأرضية الحديثة، ولكنها تمنع الخيل من الحركة، وخرج الفرس وهم يصيحون فرحا، ويقولون: “هي هي” أي الفرصة مواتية ومناسبة للهجوم على المسلمين.

فتح الفتوح

خرج الفرس بكل قواتهم وجموعهم الجرارة التي تفوق المائة وخمسين ألفا، وانسحب القعقاع ومن معه حتى وصلوا إلى معسكر المسلمين، وذلك في صدر نهار يوم الجمعة في أواخر شهر الله المحرم من سنة ٢١ هجرية، وأمر النعمان الناس أن يلزموا أماكنهم، ولا يقاتلوا حتى يأذن لهم؛ ففعلوا ذلك، واستتروا من سهام ورماح المجوس، واستمروا ملتزمين بأوامر قائدهم النعمان حتى اقترب الفرس منهم جدا، فألح الناس على النعمان ببدء القتال، وهو ثابت يقول لهم: “رويدا ، رويدا” حتى قرب الزوال؛ وهي أحب ساعات القتال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

((أنظر إلى شدة الحب، وتمام المتابعة لأحوال وأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم فبهذا الحب، وبهذه المتابعة وصلوا لأعلى الدرجات وهزموا كل الأعداء، وفازوا بخيري الدنيا والآخرة)).

ولما شارف الزوال على الناس ركب النعمان فرسه، ونادي في الناس، وذكرهم وحرضهم على الجهاد في سبيل الله، وقال لهم: “إني مكبر ثلاث تكبيرات؛ فإذا كبرت الثالثة فإني حامل إن شاء الله، ثم توجه إلى القبلة داعيا” فقال: “اللهم أعز دينك، وأنصر عبادك، واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك، ونصر عبادك”؛ فبكى الناس، وحميت نفوسهم، واستعدوا للقتال حتى النصر أو الشهادة.

وكما قال الفاروق عمر بن الخطاب عن قائد جيش نهاوند: “لأولين أمرهم رجلا يكون أول الأسنة إذا لقيها غدا” وصدقت فراسته في النعمان؛ فكان أول من انقض على صفوف الكافرين كالعقاب الجارح؛ وهو معلم بثياب بيض؛ ليعلم مكانه، واقتتل الفريقان قتالاً رهيباً كعادة المسلمين مع الفرس، ولم يسمع يومها إلا وقع السيوف على التروس والدروع، وصبر لهم المسلمون صبرا عظيما، وهزم الفرس هزيمة فظيعة، وامتلأت الأرض بجثثهم، وسالت الأرض بدمائهم؛ حتى انزلق الناس والخيول فيها، وحانت لحظة استجابة دعوة القائد المخلص التقي النعمان بن مقرن عندما طلب الشهادة بصدق فبلغه الله إياها، فانزلق فرسه في دم الكافرين فوقع من عليه؛ فلما اعتدل قائما جاءه سهم قاتل في خاصرته، فخر شهيدا رحمه الله كما طلب من ربه جل وعلا.

لم يفت مقتل القائد في عضد المسلمين، وواصلوا القتال حتى ألزموا الفرس الفرار من أرض المعركة؛ فتبعهم المسلمون يقتلون ولا يأسرون، حتى قتلوا كل المسلسلين للقتال حتى الموت من قبل، وكان الفرس قد أشعلوا خنادقهم ناراً، ووضعوا حسك الحديد في مداخل المدينة حتى لا يفروا من القتال مع المسلمين؛ فلما عضهم سيف المسلمين فروا من القتال فوقعوا في خنادقهم المشتعلة، وحسك الحديد المزعجة؛ فقتل في خنادق من النار ثمانون ألفا، وفي أرض المعركة ثلاثون ألفا، ونجا قائدهم “الفيرزان” من القتل، وفر حتى وصل مدينة همذان، ولكن البطل العظيم القعقاع بن عمرو أصر على قتل القائد الكافر الذي جمع الفرس للقضاء على الإسلام, وهناك افترسه القعقاع كما يفترس الأسد فريسته.

ولما تم الظفر والنصر سأل المسلمون عن أميرهم؛ فقال أخوه معقل: “هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح، وختم له بالشهادة” فرآه الناس وهو مسجى شهيدا؛ فبكوا بكاءً شديدا على استشهاد هذا البطل الكبير، وغنم المسلمون من نهاوند غنائم ضخمة أنست كل الغنائم السابقة، وحملت الجن بشارة الفتح إلى المدينة في نفس الليلة، ولما علم عمر بن الخطاب باستشهاد النعمان بكى بشدة حتى نشج حزنا على مقتل القائد العظيم النعمان بن مقرن، وسمى المسلمون هذا الفتح بـ “فتح الفتوح”؛ لأن الفرس لم تقم لهم بعدها قائمة أبدا.

أهم الدروس والعبر

١- أعداء الأمة لا يغفلون لحظة من المسلمين ويتربصون بهم الدوائر ليل نهار، ويؤخذ هذا من متابعة يزدجرد لأحوال المسلمين بالعراق واستعداده للقتال بعد عزل الوالي القوي سعد بن أبي وقاص.

٢- التنازع والهوى والأحقاد الشخصية من أهم أسباب تفرق الأمة وتسلط الأعداء عليها، ويؤخذ هذا من حسد بعض أفراد قبيلة أسد على القائد البطل سعد بن أبي وقاص، وسعيهم في عزله.

٣- أهمية اختيار القائد المناسب صاحب الصفات القيادية الملائمة لقيادة المسلمين خاصة وقت الأزمات، والمعيار الذي ينتقي به القادة كما علمنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما اختار النعمان بن مقرن قائداً في نهاوند.

٤- خطورة المعاصي والذنوب وأن آثارها قد تطارد صاحبها حتى بعد توبته، وذلك هو الثمن الذي يدفعه كل عاصي ولو بعد حين.

٥- أهمية المتابعة والاقتداء بهدي النبي صلي الله عليه وسلم وأثر ذلك في تحقيق النصر علي الأعداء، ومدي حب الصحابة للنبي وإتباعهم لآثاره وطريقته في كل شيء.

٦- مدى إخلاص النعمان وصدقه في طلب الشهادة والنصر معاً، وأن من صدق الله وأخلص له صدقه الله ورزقه كل ما يتمناه.

المراجع

1- تاريخ الرسل والملوك.
2- البداية والنهاية.
3- فتوح البلدان.
4- المنتظم.
5- موسوعة التاريخ الإسلامي.
6- تاريخ الخلفاء.
7- النجوم الزاهرة.
8- محاضرات في الأمم الإسلامية.
9- الطبقات 1 / 2.
10- الكامل في التاريخ.

 



معركة القادسية وزوال الإمبراطورية الفارسية

 

 

نماذج من الحنفاء بين يدي بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلّم

 

نماذج من الحنفاء بين يدي بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلّم




محمد خير موسى
مختص بقضايا الفكر الإسلامي ومشكلات الشباب




ومن أشهر أهل الحنيفيّة الذين كانوا في الجاهليّة بين يدي بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلّم وماتوا قبل بعثته




قس بن ساعدة الإيادي

وهو أخطب العرب، وأوّل من قال فيهم “أمّا بعد”، ولقد كان يأتي سوق عكاظ الذي يعدّ أشهر المواسم الثقافيّة عند العرب يعلن فيه أفكاره التوحيديّة ويبهر السّامعين بكلماته، ولقد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسمعه وهو يلقي بعض خطبه، وأشهر خطبة له تلكم التي قال فيها:


“أيها الناس: اسمعوا وعوا: من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبخار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة. إن في السماء لخبرًا، وإن في الأرض لعبرًا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا فأقاموا، أم تركوا فناموا؟ يقسم قس بالله قسمًا لا إثم فيه: إن لله دينًا هو أرضى له، وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكرًا” ثمّ أنشأ بعد ذلك يقول:


في الذّاهبين الأوّليــن من القرون لنا بصائرْ

لما رأيت مواردًا للموت ليس لها مصادرْ

ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابرُ والأصاغرْ

لا يرجع الماضي إليَّ ولا من الباقين غابرْ

أيقنت أني لا محالةَ حيث صار القوم صائرْ



ولقد روى الطبراني في كتابه “المعجم الكبير” والحافظ البيهقي في كتابه “دلائل النبوة” عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم وفد عبد القيس على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: “أيكم يعرف قسّ بن ساعدة الإيادي”؟ قالوا: كلنا نعرفه يا رسول الله، قال: “فما فعل”؟ قالوا: هلك، قال: “فما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام، وهو على جمل أحمر وهو يخطب الناس” ثم ذكر خطبته


قال الجاحظ في “البيان والتبيين” معلقًا على هذه الرواية: “ولإياد وتميم خصلة ليست لأحد من العرب، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الذي روى كلام قس بن ساعدة وموقفه على جمله بعكاظ، وموعظته، وهو الذي روّاه لقريش والعرب، وهو الذي عجب من حسن كلامه، وأظهر من تصويبه، وهذا شرفٌ يعجز عنه الأماني، وتنقطع دونه الآمال، وإنما وفق الله ذلك الكلام لقس بن ساعدة، لاحتجاجه للتوحيد، ولإظهاره معنى الإخلاص وإيمانه بالبعث، ولذا كان خطيب العرب قاطبة”


ويعلّق الشيخ محمد محمد أبو شهبة رحمه الله تعالى في كتابه “السيرة النبويّة على ضوء القرآن والسنّة” على كلام الجاحظ بقوله: “ولو أن الرواية بهذا كانت ثابتة لاستقام كلام الجاحظ، ولكن بعض حفّاظ الحديث ونقاده قالوا: في السّند راو كذّاب متّهم بوضع الحديث، وقد حكم الحافظ ابن الجوزي عليها بالوضع، ووافقه بعض الحفاظ.


نعم رويت رواية أمثل من هذه وأقوى، ولكنها تفيد أن الذي أورد القصة بكمالها: نظمها ونثرها بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه وأغلب طرق القصة لا تخلو من ضعف، ومهما يكن من شيء فقد كان قس بن ساعدة من الحنفاء الداعين إلى الله وتوحيده، والإيمان باليوم الاخر في هذا العصر الجاهلي المظلم”


وهنا لا بدّ من التنويه أنّ كلام أبي شهبة يقصد منه تأكيد الحكم على الرواية التي تسوق رواية النبي صلى الله عليه وسلّم لخطبة قس بن ساعدة الإياديّ بالوضع، وليس الحكم على أصل الخطبة ونسبتها لقسّ بن ساعدة، وتعليقه لا يفيد أيضًا تكذيب الروايات التي تفيد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد شهد قسًّا وسمعه في بعض مواسم سوق عكاظ.


أمية بن أبي الصّلت بن عوف الثقفي


وهو من أعجب حالات الحنيفيّة التي تستدعي التأمل فيها لمعرفة تأثير القلوب على قرارات الإنسان المصيريّة، فهو شاعر من أبرز شعراء الجاهليّة، وقد كان باحثًا عن الدين الحق، وجال في أنحاء البلاد باحثًا عن دين التوحيد، وكان رافضًا للشرك، وكان يكثر من شعره من ذكر الآخرة والملائكة، وفي ذلك يقول ابن سّلام في “طبقات فحول الشعراء”:


“وكان أميّة بن أبى الصلت كثير العجائب، يذكر في شعره خلق السّموات والأرض، ويذكر الملائكة، ويذكر من ذلك ما لم يذكره أحد من الشعراء، وكان قد شامَّ ــ أي اقترب من ــ أهل الكتاب”


ولك أن تتأمل بعض شعره لتعلم حكمته وحنكته، ومن ذلك قوله:

كُلُ عَيشٍ وَإِن تَطاوَلَ دَهراً

مُنتَهى أَمرُهُ إِلى أَن يَزولا

فَاِجعَلِ المَوتَ نُصبَ عَينِكَ وَاِحذَر

غولَةَ الدَهرِ إِنَ لِلدَهرِ غولا


كان يعلم من خلال صلته بأهل الكتاب أن نبيًّا سيبعث آخر الزمان وأنه سيكون من العرب، وكان يطمح أن يكون هو، فتحنّث وتعبّد أملًا في هذا، وفيما يظهر أنّه كان يظنّ أنّ النبوّة اكتساب يناله المرء بجهده وعمله، وما درى أنها محض فضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده.


ولما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم حسده، وقال: “إن الحنيفية حقّ، ولكن الشّك يداخلني في محمد”. ولمّا قيل له: أفلا تتّبعه؟ قال: “أستحي من نسيّات ثقيف أني كنت أقول لهن: إني أنا هو، ثم أصير تابعا لغلام من بني عبد مناف!!”


ويذكر ابن قتيبة في “الشعر والشعراء”: “وقد كان قرأ الكتب المتقدمّة من كتب الله جلّ وعزّ، ورغب عن عبادة الأوثان، وكان يخبر بأنّ نبيّا يبعث قد أظلّ زمانه، ويؤمّل أن يكون ذلك النبيّ، فلمّا بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصّته، كفر؛ حسدًا له”


وقال فيه المناوي في “فيض القدير”: “مبرهن؛ غواص على المعاني؛ معتن بالحقائق؛ متعبد في الجاهلية؛ يلبس المسوح؛ ويطمع في النبوة؛ ويؤمن بالبعث؛ وهو أول من كتب: “باسمك اللهم”؛ وزعم الكلاباذي أنه كان يهوديًا؛ ويقال: إنه دخل في النصرانية؛ وأكثر في شعره من ذكر التوحيد؛ وأحوال القيامة؛ والزهد؛ والرقائق؛ والحكم؛ والمواعظ؛ والأمثال؛ قال الزمخشري : كان داهية من دواهي ثقيف؛ وثقيف دهاة العرب؛ ومن دهائه ما همّ به من ادعاء النبوة؛ وكان جلّابة للعلوم؛ جوالًا في البلاد”


ولما أنشدت أخته النبي شيئًا من شعره قال: “آمن شعره، وكفر قلبه” وفي صحيح البخاري أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: “كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم”

هذا هو الحسد حين يستبد بالقلب يحجب عنه منافذ النّور، فوصل الأمر بأميّة بن أبي الصلت الذي كان على الحنيفيّة والتوحيد أن يرثي قتلى المشركين في بدر، ومما قاله فيهم كما يذكر ابن هشام وغيره:

أَلاّ بَكَيتَ عَلى الكِرا

مِ بَني الكِرامِ أولي المَمادِح

كَبُكا الحَمامِ عَلى فُرو

عِ الأَيكِ في الغُصُنِ الصَوادِح

مَن يَبكِهِم يَبكِ عَلى

حُزنٍ وَيَصدُقُ كُلُّ مادِح

كَم بَينَ بَدرٍ وَالعَقَن

قَلِ مِن مَرازبَةٍ جَحاجِح

أَوَ لا تَرَونَ كَما أَرى

وَقَد اِستَبانَ لِكُلِّ لامِح

أَن قَد تَغَيَرَّ بَطنُ مَكَةَ

فَهيَ موحِشَةُ الأَباطِح


وقد عاش أميّة إلى أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: توفي في السنة التاسعة للهجرة كما يذكر ابن حجر أي قبل إسلام أهل الطّائف.

هل تعرف من هو الامام الذي سلخ حيا ؟!!

 هل تعرف من هو الامام الذي سلخ حيا ؟!!

أ.د. علي محمد عودة 



كانت محنة العبيدين عظيمة على المسلمين، كما يقول الإمام الذهبي. ولما استولوا على الشام ( فلسطين حاليا ) هرب الصلحاء والفقراء من بيت المقدس. 
وكان العبيديون يجبرون علماء المسلمين على لعن أعيان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنابر. 
وكان ممن هرب من العلماء من وجه العبيدين الإمام النابلسي، الذي هرب من الرملة إلى دمشق. ولما ظهر المعز لدين الله بالشام واستولى عليها ، أظهر الدعوة إلى نفسه، وأظهر المذهب الرديء، ودعا إليه، وأبطل التراويح وصلاة الضحى، وأمر بالقنوت في الظهر بالمساجد. 
أما الإمام النابلسي فكان من أهل السنة والجماعة ، وكان يرى قتال العبيدين. وقال النابلسي : لو كان في يدي عشرة أسهم كنت أرمي واحداً إلى الروم وإلى هذا الطاغي تسعة.
وبعد أن استطاع حاكم دمشق أبو محمود الكتامي أن يتغلب على القرامطة أعداء العبيدين، قام بالقبض على الإمام النابلسي وأسره، وحبسه في رمضان، وجعله في قفص خشب. ولما وصل قائد جيوش المعز إلى دمشق، سلّمه إليه حاكمها. فحمله إلى مصر.
– فلما وصل إلى مصر، جاء جوهر للمعز لدين الله بالزاهد أبا بكر النابلسي، فمثل بين يديه. فسأله: – بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً وفيناً تسعة !
فقال الإمام النابلسي:
– ما قلت هكذا !! ففرح القائد العبيدي، وظن أن الإمام سيرجع عن قوله. ثم سأله بعد برهة: – فكيف قلت؟
قال الإمام النابلسي بقوة وحزم:
– قلت: إذا كان معه عشرة وجب أن يرميكم بتسعة، ويرمي العاشر فيكم أيضاً !!!
فسأله المعز بدهشة: – ولم ذلك؟!!
فرد الإمام النابلسي بنفس القوة:
– لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم.
فأمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضُرب في اليوم الثاني بالسياط ضربا شديدا مبرحا. وفي اليوم الثالث، أمر جزارا يهودياً – بعد رفض الجزارين المسلمين – بسلخه ، فسُلخ من مفرق رأسه حتى بلغ الوجه ، فكان يذكر الله ويصبر، حتى بلغ العضد، فرحمه السلاخ وأخذته رقة عليه ، فوكز السكين في موضع القلب، فقضى عليه ، وحشي جلده تبناً، وصُلب. وقتل النابلسي في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة من الهجرة.
رحمه اليهودي ولم يرحمه الرافضة الأنجاس
هي حياة السنة بعلماء أهلها والقائمين بنصرة الدين، لا يخافون غير الله!!
إنه عالم من علماء الحديث. فهو يعلم أنه يحمل علما أفضل من أي شيء في الدنيا !! لقد سجنه العبيديون وصلبوه على السنة. ومن مظاهر ثباته : إنه لما أُدخل مصر، قال له بعض الأشراف ممن يعانده: – الحمد لله على سلامتك! فقال: – الحمد لله على سلامة ديني وسلامة دنياك!!!
كذلك فلم يكن يردد وهو يُسلخ إلا الآية الكريمة: ﴿ كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾ ] الإسراء: 58 [ .
لما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءة القرآن. وذكر ابن الشعشاع المصري إنه رآه في النوم بعدما قُتل ، وهو في أحسن هيئة. قال : فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال :
حباني مالكي بدوام عزٍ
وواعـدني بقـرب الانتصارِ
وقربنـي وأدناني إليه
وقال: انعم بعيشٍ في جواري
لقد نال الامام النابلسي الشهادة وثوابه عند ربه
اما العبيديون فقد نالوا العقاب الصارم على يد صلاح الدين في الدنيا بعد قرنين من الزمان حيث محا دولتهم بالكلية من مصر والنوبة والحجاز واليمن.
ولله الامر من قبل ومن بعد .

الخيانة العبيدية الشيعية

 الخيانة العبيدية الشيعية





 أ.د. راغب السرجاني

ملخص المقال

موقف الدولة العبيدية بمصر بعد إرسالهم سفارة العار إلى الصليبيين يحتاج إلى وقفة، خاصة أن هذه ليست المحاولة الأولى التي يتضح فيها مدى كرههم للسنة


السفارة العبيدية الشيعية

وصلت السفارة العبيدية الشيعية المصرية إلى الصليبيين محمَّلة بالأموال الغزيرة والهدايا الثمينة لكل قائد من قوَّاد الحملة الصليبية، وبعرضٍ من الدولة العبيدية أن تسهِّل حجَّ الصليبيين وكل النصارى إلى بيت المقدس (المحكوم حتى هذه اللحظة بالدولة العبيدية)، على أن يدخل الحجاج إلى القدس غير مسلَّحين[1]، وسوف تقرُّ الدولة العبيدية الصليبيين على ما تحت أيديهم من بلاد، سواء في آسيا الصغرى أو سوريا أو لبنان.

هكذا!!

الرد الساخر


فاجأ الصليبييون السفارة العبيدية بالردِّ الساخر، أنهم سيتمكَّنون من أداء الحج كما يريدون ولكن ليس بمساعدة الدولة العبيدية، وهذا يعني إعلانًا مباشرًا للحرب[2]، إذ كيف سيدخلون البلد دون سماح حُكَّامها؟!

تاريخ الدولة العبيدية وبيت المقدس

الحقُّ أن موقف الدولة العبيدية يحتاج إلى نظرة وتدبُّر، وعودة للوراء قليلاً لنعرف شيئًا عن الدولة العبيدية، وعن تاريخ بيت لمقدس في هذه الفترة.

إن بعض المؤرِّخين -سواء من القدامى أو من المحدثين- يتعجَّبون من ردِّ فعل الدولة العبيدية تجاه الحملة الصليبية، ومن حالة المعاملة الفجَّة التي ظهرت في أقوالهم وأفعالهم، ومن بعض المواقف التي لا تُوصَف بأقل من أنها مخزية ومشينة[3]، ومع ذلك فالذي يُرَاجِع التاريخ يجد أنه لا عجب مطلقًا فيما رأيناه من ردِّ فعلٍ للدولة العبيدية تجاه الحروب الصليبية.

لقد كان من أهداف الدولة العبيدية الرئيسية منذ قامت هي أن تُحَارِب المسلمين السُّنَّة في كل مكان، فقد حاربت أهل السُّنَّة في المغرب، وقتلت العلماء والعُبَّاد، وكان ذلك في سنة 296هـ، ثم جعلت من همِّها أن تحارب الدولة السُنِّيَّة في الأندلس، بل وتعاونت مع الصليبيين في شمال الأندلس ضد دولة عبد الرحمن الناصر رحمه الله، ثم اجتاحت شمال إفريقيا، واحتلت مصر سنة (358هـ= 969م)، وفعلت بعلمائها السُّنَّة مثلما فعلت في المغرب، ثم توسَّعت في نفس السنة في الشام، واحتلت بيت المقدس وكذلك دمشق[4]، ودام هذا الاحتلال أكثر من مائة سنة.

لقد بقِيَ العبيديون في بيت المقدس حتى حرَّرها ألب أرسلان - رحمه الله- عن طريق قائده أتسز (الأقسيس)، وذلك في سنة (463هـ= 1071م)[5]، ثم دخل بيت المقدس في مُلْكِ تتش بن ألب أرسلان سنة (471هـ= 1079م)[6]، وتولَّى الإمارة حينئذ أرتق بن أكسب، ثم ابنه سكمان بن أرتق سنة (485هـ= 1091م) تحت ولاية دقاق بن تتش مَلِكِ دمشق[7].

ولكن العبيديين لم يُسَلِّموا بضياع بيت المقدس وفلسطين من أيديهم؛ ولذلك رحبوا بقدوم الصليبيين إلى آسيا الصغرى والشام لكي يشغلوا الأتراك السُّنَّة وينفردوا هم ببيت لمقدس وفلسطين[8]؛ ولذلك فقد استغلَّ العبيديون فرصة انشغال الأتراك في حرب الصليبيين، ووجَّهوا قوتهم لغزو بيت المقدس سنة (490هـ) 1097م، واستولَوْا عليه بالفعل[9]، بل ولم يتورَّعوا عن القيام بمفاوضات مع الصليبيين لإقرارهم على الشام في مقابل إقرار الصليبيين لهم على فلسطين كما وضَّحْنَا[10].

إنه تاريخ طويل من الخيانة والعمالة والطعن في ظُهُورِ المسلمين السُّنَّة.

أمَّا الصليبيون فقد أخذوا قرار احتلال فلسطين، وخاصَّةً بيت المقدس، فلا مجال عندهم الآن للتفاوض مع العبيديين، ومن ثَمَّ كان ردُّهم الساخر على سفارتهم.

خط سير الجيوش الصليبية نحو بيت المقدس

ترك الصليبيون طرابلس ووصلوا إلى بيروت فصيدا ثم صور، والمسلمون في كل ذلك يتجنَّبونهم بالهدايا والأموال لكيلا يتعرضوا للإيذاء، ثم اخترقوا لبنان إلى فلسطين، وعبروا نهر الكلب، وهو الحدُّ الفاصل آنذاك بين أملاك السلاجقة وأملاك الدولة العبيدية، فمرُّوا بعكا فقام أميرها العبيديّ بتمويلهم بالطعام والمؤن، ووعد بالدخول في طاعتهم بعد سقوط بيت المقدس[11]!

ثم مرَّ الصليبيون بقَيْسَارِيَة ثم أُرْسُوف[12]،[13] ثم غيَّروا طريق الساحل، وشقُّوا البلاد شرقًا إلى الداخل صوب بيت المقدس، واحتلُّوا في طريقهم الرَّمْلَة، وهي مدينة صغيرة، ولكنها تسيطر على الطريق الواصل من بيت المقدس إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فسيطر عليها الصليبيون ليؤمِّنوا طريقهم بعد ذلك إلى البحر[14]؛ حفاظًا على إمدادات السفن والأساطيل الأوربية، وفي هذه المدينة (الرملة) توقَّف الصليبيون ليعقدوا اجتماعًا مهمًّا لتحديد خطوات الغزو، وكان ذلك في (492هـ= أوائل يونيو 1099م).

التطلع لاحتلال مصر

بحث الصليبيون في هذا اجتماع الرملة نقطة مهمة تُفَسِّر خطوات مستقبليَّة في الحملات الصليبيَّة، لقد ناقشوا قضيَّة غزو القاهرة وإسقاط مصر[15]!!

لقد فهم الصليبيون في ذلك الوقت المتقدِّم أن مفاتيح بيت المقدس موجودة في القاهرة، ولم يكن هذا فقط لأن العبيديين يُسيطرون على بيت المقدس الآن؛ فقد اتضح للصليبيين مدى هلع العبيديين من قوَّة الصليبيين، ولكن للبُعْدِ الإستراتيجي المهمِّ لهذا البلد الكبير مصر، والذي يحدُّ فلسطين من جنوبها وغربها، والذي به طاقة بشريَّة ضخمة، وإمكانيات اقتصاديَّة عالية، وشعور فطريّ بالتقارب مع فلسطين، وخاصَّة فيما يتعلق ببيت المقدس، وبه المسجد الأقصى؛ لذلك فكَّر الصليبيون في هذا الاجتماع في قضية غزو مصر، غير أنهم وجدوا أن قوتهم غير كافية لهذه الخطوة الجريئة، خاصة أن عليهم إذا فعلوا ذلك أن يجتازوا حاجزًا صحراويًّا صعبًا وهو صحراء سيناء، وقد تهلك فيه القوة الصليبية.

ولذلك عدلوا عن هذا الرأي، وقرَّروا التوجُّه مباشرة إلى بيت المقدس، لكن هذا الاجتماع أظهر فكرة ظلَّت مسيطرة على عقول قادة الحروب الصليبية وخلفائهم، والتي وُضِعت بعد ذلك موضع التنفيذ في الحملتين الخامسة والسابعة من الحملات الصليبية، حيث تمَّ غزو مصر غزوًا صريحًا[16].

سنة الله الماضية

سؤال لا بد منه: أين الجيوش الإسلاميَّة في طول هذه المسافة التي قطعها الجيش الصليبي من أنطاكية إلى بيت المقدس، وهي مسافة تزيد على ستمائة كيلو متر؟!

أليس في هذه المناطق كلها رجل رشيد؟!

لقد افتقد المسلمون في هذه الآونة لمقوِّمات رئيسية من مقومات قيام الأُمَّة؛ لذلك قَبِلَتْ جموع المسلمين أن تَحُثَّ هذه الأقدام النجسة على طريقها إلى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأُولَى القبلتين وثالث الحرمين، وإلى الأرض المباركة، دون أن يتحرَّك لهم ساكن؛ ولذلك حُصِر المسلمون في بيت المقدس!

لقد عانى المسلمون في هذا الوقت من أمراضٍ شتَّى.

لقد عانَوْا من بُعْدٍ عن الدين، وغياب للحميَّة الإسلاميَّة، وافتقاد للنخوة المستندة إلى عقيدة قويَّة صحيحة.

وعانوا كذلك من فُرقة مؤلمة، وتشتُّت فاضح، حتى صارت كل مدينة إمارة مستقلة، ودويلة منفصلة، بل ومتصارعة مع جيرانها المسلمين.

وعانوا -أيضًا- من افتقار لزعامة مخلصة متجرِّدة، تجمع الشتات في كيان واحد، وترغب في رفعة هذه الأمة دون نظر إلى مصالح الذات ورغبات النفس.

كما عانى المسلمون فوق ذلك من رؤية واضحة للواقع الذي يعيشونه، وللأخطار المحدقة بهم، وعانوا أيضًا من نقص حادٍّ في الدراية السياسية أو الكفاءة العسكريَّة.

لقد كانت الأُمَّة تمرُّ فعلاً بأزمة مركَّبة معقدة!

لكن إن كنا نتعجب من موقف الأمة وتخاذلها، فإن العجب يأخذنا وبشكل أكبر من موقف الصليبيين! كيف أَمِنُوا على أنفسهم أن يخوضوا كل هذه المسافات في عمق العالم الإسلامي، وهم لا يشعرون بخوفٍ ولا وَجَلٍ؟! إنهم يتوغلون في كثافة بشريَّة عالية جدًّا، ومحصورون بين عدة إمارات تحوي عدَّة جيوش مسلمة، والمسافة بينهم وبين أوطانهم بعيدة هائلة، فلو هُزِمُوا سُحِقُوا، وليس لهم مهرب ولا منجى!

كيف استطاعوا أن يتغلَّبوا على الخوف الفطريّ للبشر، وقَبِلُوا بهذه المغامرة الخطيرة؟!

إن الإجابة بأنهم خرجوا من ظروف صعبة جدًّا في أوروبا، جَعَلَت الحياة هناك أقرب إلى الموت، وجعلت طموحهم في ترك واقعهم الأليم يطغى على أية رغبة أخرى، وجعلت الموت في أرض فلسطين لا يفترق كثيرًا عن الحياة في أوربا الفقيرة آنذاك. إن هذه الإجابة فقط لا تشفي الغليل، ولا تفسِّر عدم الرهبة، وقلَّة الاكتراث الذي رأيناه في الجيوش الصليبية؛ فالروح عزيزة على النفس، وخاصَّةً إن لم يكن الإيمان باليوم الآخر والجنة وازعًا قويًّا يدفع إلى الموت.

فما تفسير هذه المعادلة الصعبة؟

ولماذا بدت الشجاعة في قلوب الصليبيين واضحة جليلة؟!


إن هذا يفسره لنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه ثوبان رضي الله عليه وسلم، وبه يفسِّر الأوضاع وكأنه يراها رأي العين؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا". قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ". قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"[17].

إن الأمم الغربيَّة التي تداعت من فرنسا وإيطاليا وإنجلترا وألمانيا لم تأتِ بهذه القوة والشجاعة إلاَّ لأنَّ الله عز وجل نزع الرهبة من قلوبها من جموع المسلمين، فصاروا لا يكترثون بهم ولا بأعدادهم وحصونهم وسلاحهم، ورأينا اجتماعات الصليبيين لا تُعَبِّر أبدًا عن خوف في صدورهم، أو عن قلق من مقاومة المسلمين، إنما يتحرَّكون هنا وهناك بحرية تامَّة، وباطمئنان كامل!!

والمسلمون على الجانب الآخر أُلقى في قلوبهم الوَهْن والضعف والخَوَر، فيرتعبون لرؤية الجنود الصليبيين، ولو كان الصليبيون أقلَّ منهم في العدد، وأضعف منهم في العُدَّة.

ولنا مع الحديث وقفتان، وإن كانت وقفاته كثيرة:

أمَّا الوقفة الأولى:
فهي أن الله عز وجل هو الذي ينزع الرهبة مِنَّا من قلوب أعدائنا، وهو الذي يلقي في قلوبنا الوهن! وقد يقول قائل: ولماذا يفعل ربنا ذلك، مع أننا في النهاية مؤمنون، وهم كافرون؟! فنقول: إن الله عز وجل أَبَى أن يُعِزَّ المسلمين إلا إذا ارتبطوا بالإسلام، والتزموا بالقرآن والسُّنَّة، ولو نَصَرَهُم وهم يُفْرِطون في الشرع لصارت فتنة عظيمة؛ إذ سيقول الناس: إننا لسنا في حاجة للإسلام، فقد نُصِرْنَا بغيره؛ لذلك تحدث مثل هذه المواقف العجيبة ليلتفت المسلمون إلى دينهم، وليضع المسلمون أيديهم على مفاتيح النصر الحقيقيَّة.

أما الوقفة الثانية:
فإنها مع السبب الذي من أجله حدثت كل هذه التداعيات المؤلمة، إنَّ وصف الحدث والمأساة أخذ كلمات كثيرة، ولكن السبب وراء كل ذلك لم يأتِ إلاَّ في جُمْلَتين قصيرتين: حُبّ الدنيا، وكراهية الموت.

إن المسلمين تعلَّقوا بالدنيا تعلُّقًا غير مقبول، حتى صاروا يكرهون الموت في سبيل الله، وأُمَّة ترهب الموت لا بُدَّ أن تُقْهَر، وأُمَّة تعشق الدنيا لا بُدَّ أن تذلَّ، والدنيا ملعونة كما ذكر رسولنا صلى الله عليه وسلم، والمتمسِّك بها يهلك، ليس هذا فقط بل وتضيع منه الآخرة.

إن هذا السبب يُفَسِّر لنا التخاذل الرهيب الذي رأيناه من جموع المسلمين التي كانت تخرج إلى الصليبيين وهي تحمل الهدايا النفيسة، والأموال الطائلة، لكي يتركونهم "يعيشون"! مجرَّد حياة، أيًّا كانت هذه الحياة، وهذا -والله- هو الهوان بعينه.

هكذا حُصِرَ المسلمون المتمسِّكون بدُنياهم في بيت المقدس، وراقب المسلمون البعيدون عن القدس الموقف في سكون، ينتظرون اليوم الذي ستدور عليهم فيه الدوائر!!

المراجع

[1] Michaud: op. cit. 1, pp. 362-363.


[2] Guillaume de Tyr, 1, pp. 305-306.


[3] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/13، 14.


[4] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 7/309، وابن كثير: البداية والنهاية 11/266، 267.


[5] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/390


[6] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/418.


[7] ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق ص135.


[8] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/191.


[9] ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق ص135.


[10] Setton: op. cit., vol. 1, p. 316.


[11] توديبو: تاريخ الرحلة إلى بيت المقدس ص294-299، وليم الصوري: تاريخ الأعمال المنجزة في ما وراء البحر 1/358، والمؤرخ المجهول: أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس ص277.


[12] أرسوف: مدينة على ساحل بحر الشام بين قيسارية ويافا. ياقوت الحموي: معجم البلدان 1/151.


[13] Aِlbert d`Alex, p. 460.


[14] المؤرخ المجهول: أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس ص277، فوشيه الشارتري: تاريخ الحملة إلى القدس ص70، وليم الصوري: تاريخ الأعمال المنجزة في ما وراء البحر 1/400.


[15] Raymond d`Alx. P. 299; Chalandon:p. 267; Grousset: 1, pp. 150-151.


[16] Albert d`Aix, p. 292.


[17] أبو داود: كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على أهل الإسلام (4297)، وأحمد (22450) واللفظ له، والطيالسي (992)، وابن أبي شيبة في مصنفه 7/463، والبيهقي في شعب الإيمان (10372)، وأبو نعيم في الحلية 1/182، وقال الألباني: صحيح (8183) صحيح الجامع.