مشط السيسي وعشريّة قيس سعيد وإعلام العصافيرأحمد عمر
من أطرف الأمثلة وأعجبها مثال لم أكن لأصدق أن يقع أمام أعيننا وأرجلنا، وتنقله التلفزيونات المصرية من غير حذف أو تبرير، وهو مثال لم نجد له هديا في كتاب الأمير أو في مقدمة ابن خلدون، مثال السيسي، نجم الحكام العرب، وهداف كأس دوري الانقلابات الناجحة، الذي لو اطلعت عليه لملئت منه دهشاً وضحكا.
كان السيسي يستقبل أمير قطر، عدو الأمس، فانشمر عن الأمير مخالفاً المراسيم في الخطط الحربية، ومدّ يده إلى أحد معاونيه الأشداء من حملة الحقيبة النووية وهم كثر، فناوله مشطاً ردينيا كعوبا، فطعن به خصلات شعره، وصفف ضفائره التي عصفت بها ريح السياسة، بخفة النشالين وسارقي الكحل من العين، وهو شعر قليل حول واحة من الصلع، ثم خبأ مشطه الأسود لشعره الأبيض، من غير أن يعيده إلى أمين سرِّ مشطه ومكحلته وقلم حمرته، وما غرض السيسي من ذلك إلا الحفاظ على صورة مصر، كما كان معاوية يفعل.
ولنتخيل أن أمير المؤمنين سأل السيسي: لمَ خالفت السنّة وسرحت شعرك يا سيسي والعدو متربص بنا؟
فيرد السيسي بفصاحته المعهودة: إنا في ثغرة من أرض الرقائق والحسناوات، والفنانات فيها كثيرات، فيجب أن يظهر من وسامة الرئيس ما يسبي قلوبهن، خوفاً من جاذبية محمد رمضان ومحمد بن زايد، فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت يا أمير المؤمنين.
أما العجب العجاب فهو أني وجدت مصرياً يستحق أن يكون بين إعلاميي مصر الأشاوس، يقول: انظروا إلى نباهة معاون السيسي وذكائه وفطنته! لقد أدرك رغبة السيسي من غير أن يطلبها، لو أن حامل المشط النووي لم يكن ذكياً أريباً، فطناً، من أصحاب الرأي والمكيدة، لترك السيسي أشعث الشعر أغبره من نقع المعارك ووغى الحوار الوطني المؤجل، وخسر الكأس في سباق الجمال والجاذبية مع محمد رمضان سابي قلوب العذارى والأيامى. نحن لم نعد بحاجة إلى من يهتف بنا: بص العصفورة، فعيوننا تبحث عن العصافير وإن لم نجدها عتبنا على الإعلام.
بينما تملأ إثيوبيا كأس السد الذي أطلقت عليه اسم النهضة، وبنته من أموال الشعب المصري لتنهض من كبوتها الطويلة، وما تفعل ذلك إلا من حصة كأس مصر وكأس السودان، وتنكب مصر وسوريا وشقيقات إسرائيل على ملء الكأس الوطنية بالخمرة، وتشغلهم بلعبة الغميضة، فقد اختفت مطربة اسمها آمال ماهر، فاغتم الشعب المصري كيف يعيش من غير آمال ماهر وصوتها العذب.
وغيرة الشعب وطنية؛ لأن سعودياً تزوجها وطلقها وأخفاها في قلعة بعيدة عن أعين الإنس والجان في جزيرة مسحورة، ولم أكن قد سمعت بالمطربة أو المغنية، فأنا لا أعرف سوى أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب.. ثم ظهرت من غيهب الغسق، فسعد الشعب ونام قرير العين بعد خوف وقلق شديدين، فهي لم تختف في رمال مصر التي يحركها رجل أعمال وألعاب خفة، وصانع نهضة دولتين اسمه تركي آل الشيخ، وهي حية ترزق، لم تقتل أو تقطع لا سمح الله، وكانت معتكفة من كورونا حرصاً على صحة الشعب من العدوى، وهي بصحة جيدة، والأغنية المصرية بخير، بل إن كأس رئيس مصر مملوء دوماً، هي وشقيقاتها العربيات، كأسها "مُشَعْشَعَةً كَأَنّ الْحُصَّ فيها إذا مَا الْمَاُء خَالَطَهَا سَخِينَا".
يصدق مثال نصف الكأس الملآنة الذي تسدّ به الدولة العربية عين الشمس على تاريخ عربي معاصر ملأه الرئيس أمجادا، ويمكن أن نتذكر كأس هزيمة حزيران المرّ، التي ملأها الإعلام الساحر بالتفاؤل، فأطلق على كأس الهزيمة الزعاف اسم نكسة. أما انتصار السيسي على الروم في معركة رابعة فيقابل اليرموك وفتح نهاوند (فتح الفتوح) في الإعلام المعاصر. وتقدم تلفزيونات النظم العربية حياة سعيدة تشبه الفردوس، مدينة إدارية، وصحراء مخضرة، شعب سعيد ويغني: "قوم نادي ع الصعيدي، الصعيدي" الذي يسخر منه إعلاميو السيسي، ومعه ابن أخيه البورسعيدي إلى حومة الرقص.
في مصر، كأس السيسي كأس دهاق، مفعمة، فائضة، مع أن إثيوبيا حبست نهر النيل وراء سدّ النهضة، والبديل عند القائد الملهم علمي في المختبرات، وهو تكرير مياه المجاري، لملء الكأس.
ومات أمس سوداني عطشاً، وكان معه جواله وبه شريحة الكترونية. كان يمكن للجيش السوداني المقدام الاهتداء إلى مكانه بطائرة حوامة وإنقاذه، لكنه، والنيل فوق ظهر البرهان محمول.
قصة نصف الكأس المملوءة، هي قصة إعلام، وهي قصة فرعون وسحرته وحبالهم وعصيهم. ودين حكام العرب واحد، هو دين محمد علي باشا. وفي "مرايا"، وهو مسلسل سوري طويل كان ياسر العظمة يقدمه كل سنة، يضلُّ مسكين طريقه إلى بيت أحد الحيتان، فيتسلون به ويلعبون ويقدمون له الضيافة، وهي ماء في كأس سحرية، فيرفعها إلى فمه، فلا يجد شيئاً يشربه، فيضحكون حتى يفحصون بأقدامهم الأرض.
أما نصف الكأس الفارغة في تونس، والتي ينوي قيس سعيد ملأها، فهو نصف الغنوشي، وما تسميها الصحافة التونسية الموالية لرئيس تونس الهمام قيس سعيد؛ العشريّة السوداء (السنوات العشر الماضية). وهم في تونس يؤمنون بالعشريّات، ومعهم أقلام تلوين يلوّنون العشريات: عشريات بيضاء، عشريات سوداء، وقد لوّنوا العشرية التي حكم فيها "الدكتاتور" الغنوشي بأنها سوداء، مع أنها نظيفة من الدماء. الجمهورية الثالثة هي الكأس الملآنة، وهي الواعدة بعشريّة ناصعة بيضاء.
في سوريا، قالت لنا أسماء الأسد عن نصف الكأس: "وين كنا وين صرنا"، أي انظروا إلى نصف الكأس الملآنة رغم أنوف العدا، فزوجها ملأ الكأس بالدم، والحسابات البنكية بالمال، والقبور بالضحايا.
نصف كأس الدولة ملآنة دوماً، ونصف كأس الشعب فارغة.
لعبة السحر قديمة من عهد فرعون الذي كان يشغل السحرة لخلب عقول الناس، وكان السحرة يحولون الحبال إلى ثعابين وحيات، أما إعلام النظم العربية فدأبه جعل القبّة حبّة والحبّة قبّة، والهزيمة نصرا، والإيمان كفرا، والبطاطا خبزا، والذل عزا، والذهاب إيابا، والسراب شرابا.
كان السيسي يستقبل أمير قطر، عدو الأمس، فانشمر عن الأمير مخالفاً المراسيم في الخطط الحربية، ومدّ يده إلى أحد معاونيه الأشداء من حملة الحقيبة النووية وهم كثر، فناوله مشطاً ردينيا كعوبا، فطعن به خصلات شعره، وصفف ضفائره التي عصفت بها ريح السياسة، بخفة النشالين وسارقي الكحل من العين، وهو شعر قليل حول واحة من الصلع، ثم خبأ مشطه الأسود لشعره الأبيض، من غير أن يعيده إلى أمين سرِّ مشطه ومكحلته وقلم حمرته، وما غرض السيسي من ذلك إلا الحفاظ على صورة مصر، كما كان معاوية يفعل.
ولنتخيل أن أمير المؤمنين سأل السيسي: لمَ خالفت السنّة وسرحت شعرك يا سيسي والعدو متربص بنا؟
فيرد السيسي بفصاحته المعهودة: إنا في ثغرة من أرض الرقائق والحسناوات، والفنانات فيها كثيرات، فيجب أن يظهر من وسامة الرئيس ما يسبي قلوبهن، خوفاً من جاذبية محمد رمضان ومحمد بن زايد، فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت يا أمير المؤمنين.
أما العجب العجاب فهو أني وجدت مصرياً يستحق أن يكون بين إعلاميي مصر الأشاوس، يقول: انظروا إلى نباهة معاون السيسي وذكائه وفطنته! لقد أدرك رغبة السيسي من غير أن يطلبها، لو أن حامل المشط النووي لم يكن ذكياً أريباً، فطناً، من أصحاب الرأي والمكيدة، لترك السيسي أشعث الشعر أغبره من نقع المعارك ووغى الحوار الوطني المؤجل، وخسر الكأس في سباق الجمال والجاذبية مع محمد رمضان سابي قلوب العذارى والأيامى. نحن لم نعد بحاجة إلى من يهتف بنا: بص العصفورة، فعيوننا تبحث عن العصافير وإن لم نجدها عتبنا على الإعلام.
بينما تملأ إثيوبيا كأس السد الذي أطلقت عليه اسم النهضة، وبنته من أموال الشعب المصري لتنهض من كبوتها الطويلة، وما تفعل ذلك إلا من حصة كأس مصر وكأس السودان، وتنكب مصر وسوريا وشقيقات إسرائيل على ملء الكأس الوطنية بالخمرة، وتشغلهم بلعبة الغميضة، فقد اختفت مطربة اسمها آمال ماهر، فاغتم الشعب المصري كيف يعيش من غير آمال ماهر وصوتها العذب.
وغيرة الشعب وطنية؛ لأن سعودياً تزوجها وطلقها وأخفاها في قلعة بعيدة عن أعين الإنس والجان في جزيرة مسحورة، ولم أكن قد سمعت بالمطربة أو المغنية، فأنا لا أعرف سوى أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب.. ثم ظهرت من غيهب الغسق، فسعد الشعب ونام قرير العين بعد خوف وقلق شديدين، فهي لم تختف في رمال مصر التي يحركها رجل أعمال وألعاب خفة، وصانع نهضة دولتين اسمه تركي آل الشيخ، وهي حية ترزق، لم تقتل أو تقطع لا سمح الله، وكانت معتكفة من كورونا حرصاً على صحة الشعب من العدوى، وهي بصحة جيدة، والأغنية المصرية بخير، بل إن كأس رئيس مصر مملوء دوماً، هي وشقيقاتها العربيات، كأسها "مُشَعْشَعَةً كَأَنّ الْحُصَّ فيها إذا مَا الْمَاُء خَالَطَهَا سَخِينَا".
يصدق مثال نصف الكأس الملآنة الذي تسدّ به الدولة العربية عين الشمس على تاريخ عربي معاصر ملأه الرئيس أمجادا، ويمكن أن نتذكر كأس هزيمة حزيران المرّ، التي ملأها الإعلام الساحر بالتفاؤل، فأطلق على كأس الهزيمة الزعاف اسم نكسة. أما انتصار السيسي على الروم في معركة رابعة فيقابل اليرموك وفتح نهاوند (فتح الفتوح) في الإعلام المعاصر. وتقدم تلفزيونات النظم العربية حياة سعيدة تشبه الفردوس، مدينة إدارية، وصحراء مخضرة، شعب سعيد ويغني: "قوم نادي ع الصعيدي، الصعيدي" الذي يسخر منه إعلاميو السيسي، ومعه ابن أخيه البورسعيدي إلى حومة الرقص.
في مصر، كأس السيسي كأس دهاق، مفعمة، فائضة، مع أن إثيوبيا حبست نهر النيل وراء سدّ النهضة، والبديل عند القائد الملهم علمي في المختبرات، وهو تكرير مياه المجاري، لملء الكأس.
ومات أمس سوداني عطشاً، وكان معه جواله وبه شريحة الكترونية. كان يمكن للجيش السوداني المقدام الاهتداء إلى مكانه بطائرة حوامة وإنقاذه، لكنه، والنيل فوق ظهر البرهان محمول.
قصة نصف الكأس المملوءة، هي قصة إعلام، وهي قصة فرعون وسحرته وحبالهم وعصيهم. ودين حكام العرب واحد، هو دين محمد علي باشا. وفي "مرايا"، وهو مسلسل سوري طويل كان ياسر العظمة يقدمه كل سنة، يضلُّ مسكين طريقه إلى بيت أحد الحيتان، فيتسلون به ويلعبون ويقدمون له الضيافة، وهي ماء في كأس سحرية، فيرفعها إلى فمه، فلا يجد شيئاً يشربه، فيضحكون حتى يفحصون بأقدامهم الأرض.
أما نصف الكأس الفارغة في تونس، والتي ينوي قيس سعيد ملأها، فهو نصف الغنوشي، وما تسميها الصحافة التونسية الموالية لرئيس تونس الهمام قيس سعيد؛ العشريّة السوداء (السنوات العشر الماضية). وهم في تونس يؤمنون بالعشريّات، ومعهم أقلام تلوين يلوّنون العشريات: عشريات بيضاء، عشريات سوداء، وقد لوّنوا العشرية التي حكم فيها "الدكتاتور" الغنوشي بأنها سوداء، مع أنها نظيفة من الدماء. الجمهورية الثالثة هي الكأس الملآنة، وهي الواعدة بعشريّة ناصعة بيضاء.
في سوريا، قالت لنا أسماء الأسد عن نصف الكأس: "وين كنا وين صرنا"، أي انظروا إلى نصف الكأس الملآنة رغم أنوف العدا، فزوجها ملأ الكأس بالدم، والحسابات البنكية بالمال، والقبور بالضحايا.
نصف كأس الدولة ملآنة دوماً، ونصف كأس الشعب فارغة.
لعبة السحر قديمة من عهد فرعون الذي كان يشغل السحرة لخلب عقول الناس، وكان السحرة يحولون الحبال إلى ثعابين وحيات، أما إعلام النظم العربية فدأبه جعل القبّة حبّة والحبّة قبّة، والهزيمة نصرا، والإيمان كفرا، والبطاطا خبزا، والذل عزا، والذهاب إيابا، والسراب شرابا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق