عواصف التغيير، والحكم الإلهية في التدبير (٣)
د.عبدالعزيز كامل
(سنة في دفع بعض الناس ببعض)
هل تصورت يوما الحال التي ستكون عليها جزيرة العرب ، لو لم يتصد الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته في نحو مئة غزوة وسرية ، جاهد بنفسه في تسع عشرة منها للدفاع عن ملة التوحيد في تلك الجزيرة مهد الإسلام ؛ التي استمات كفارها ليبقوها على الشرك والوثنية..؟
وهل تخيلت ما الذي كان سيكون عليه أمر دين الله، لو لم يقم عمر بن الخطاب _رضي الله عنه _ بكف بأس أكاسرة الفرس المجوس عن جزيرة الإسلام، ثم تصديه لكبح جماح قياصرة الروم عن بيت المقدس وديار الشام، ، بعد أن استعبد الفرس والروم عرب الجزيرة واستذلوهم قرونا..؟
هل كان يمكن لدين الحق أن ينتشر في ربوع العالم ، لو لم يخرج أبناء الصحابة والتابعين للدعوة إليه والدفاع عنه في أنحاء آسيا، وربوع أوروبا ومجاهل إفريقيا..؟ وينتصب علماؤهم ودعاتهم للدفاع عن عقائد المسلمين ودفع شبه المبطلين..؟
ما الذي كان يمكن ان يصير إليه حال أمة الإسلام لو ينهض صلاح الدين الأيوبي لدحر الصليبيين، وينبري سيف الدين قطز لإيقاف زحف التتار الوثنيين، الذين أسقطوا الخلافة العباسية في بغداد ثم اجتاحوا بلاد الشام ، قاصدين بعدها استباحة الديار المصرية ليقضوا تماما على الأمة الإسلامية ..؟!
★.. إن (سنة التدافع ) الربانية المذكورة في النصوص القرآنية تجيب على كل تلك التساؤلات الافتراضية، حيث يقول الله تعالى : {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }(البقرة/٢٥)
نقل الإمام البغوي في تفسيره لهذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:
"ولولا دفع الله بجنود المسلمين ؛ لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المؤمنين وخربوا المساجد والبلاد" .
★.. وهذه السنة الربانية (المدافعة) مذكورة أيضا في قول الله سبحانه : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (الحج/٤٠)
قال الإمام ابن كثير : " أي : لولا أنه يدفع عن قوم بقوم ، ويكشف شر أناس عن غيرهم ، بما يخلقه ويقدره من الأسباب ، لفسدت الأرض ، وأهلك القوي الضعيف "..
سنة التدافع بين الحق والباطل ستظل باقية مابقي الزمان ، ولئن ظن البعض أن واقع المسلمين اليوم في العالم خال من المدافعة ف ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ..
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }
(الحج/٣٨)
(يتبع بإذن الله)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق