الخميس، 13 أبريل 2023

سنوات من التزامن بين رمضان الرحمة وفضح الصهيونية

سنوات من التزامن بين رمضان الرحمة وفضح الصهيونية

ياسين أقطاي

أكاديمي، وسياسي، وكاتب تركي

إن صيام شهر رمضان فريضة علينا نحن المسلمين كما كان على من قبلنا. توحّد بين أقدم الأمم وبين أهل زماننا في تصورٍ وفهمٍ مشترك للزمن يمتد من الماضي إلى المستقبل. كما أنه يربط كل الناس مع بعضهم البعض ولو كانوا يعيشون في مناطق جغرافية مختلفة في عصرنا. ولا يقتصر ذلك على أن الجميع يصوم بنفس الشكل ولكن أيضًا يظهر فيما يضفيه من شعور بالتضامن والتفاهم المتبادل بين الناس واهتمامهم ببعضهم البعض.

مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد …

في رمضان، يصل شعور الصائم بتجرده من ذاتيته وأنانيته وبزيادة اهتمامه وقلقه بشأن الآخرين إلى ذروته. ولذلك فإنه فرصة عظيمة لزيادة روابط الانتماء إلى نفس العالم مع أناس آخرين في مناطق جغرافية أخرى في عالمنا الذي تسيطر عليه العولمة المادية في كل جوانب الحياة، إذ إن التقارب والترابط رغم بُعد المسافات من أهم آثار تجربة الصيام. إنها فريضة تزيد فينا الإحسان بأننا جميعا واحد وأن مشاكلنا مشتركة، الأمر الذي يخفف عنّا أعباءها ويوحد مصيرنا.

ولذلك فإننا -على سبيل المثال- نتقاسم معاناة أهالي ميانمار وسوريا والعراق واليمن والصومال وكشمير وبالطبع فلسطين إلى جانب معاناة ضحايا زلزال كهرمان مرعش وهاتاي بالدعاء لهم والترحيب بهم على موائدنا والتبرع لسد احتياجاتهم.

العالم في واد واليهود الصهاينة ليس لهم واد…

وفي الوقت الذي نعيش فيه تلك الحالة من الوحدة والتضامن، يكاد يكون من المعتاد أيضًا في كل عام أن نرى الإرهاب الإسرائيلي في المسجد الأقصى في شهر رمضان متخذين أي ذريعة وأسباب واهية للقيام بتلك الأفعال غير الإنسانية. وفي الواقع فإن إسرائيل لا تحتاج فعليًّا إلى ذريعة لتفعل ذلك. ففي السنوات الماضية تعللت بأن الحشود الغفيرة المتجمعة في المسجد الأقصى تسبب تهديدا للأمن الإسرائيلي وهاجمت المصلين والمعتكفين هناك. كما وضعت إسرائيل حدًّا عُمريًّا لزيارات المسجد الأقصى ومنعت دخول الشباب دون سن معينة. ومثل تلك الضغوط والانتهاكات الإسرائيلية بالإضافة إلى ما في شهر رمضان من روحانيات ومشاعر النضال والمقاومة ورفض الظلم لا سيما في المسجد الأقصى أدت مجتمعة إلى احتقان الموقف ونشوب صراع على الحواجز وداخل المسجد.

وإن جنحوا للسلم فاجنح لها…

إن الحياة الإسلامية ليست مجرد بيئة سلمية روحانية على الدوام. ولا يمكن أن تكون هناك روحانية إسلامية دون نية وعزيمة رفض الظلم ومقاومة الظالمين والنضال ضدهم. والتاريخ الإسلامي مليء بمثل تلك المشاهد فقد وقعت غزوة بدر في أحد أيام رمضان، وقد أمر النبي المسلمين بالإفطار في ذلك اليوم وقضاء اليوم فيما بعد. فالقرآن الكريم الذي أُنزل في شهر رمضان قد ذكر أيضا إباحة الإفطار في رمضان، والحرب والاستشهاد والغزو ضمن روحانيات شهر رمضان.

ورغم تكرر تلك الهجمات الإسرائيلية على المسجد الأقصى في السنوات الماضية خلال شهر رمضان فإنها لا تعدو أن تكون نقطة صغيرة في تاريخ رمضان كما في تاريخ الاحتلال الصهيوني منذ بدايته، إذ ليس لدى ذلك الاحتلال مشكلة في إيجاد مبرر لهجماته، ولكن تزامن شهر رمضان مع أيام عيد الفصح اليهودي أدى إلى تزايد الهجمات خلال السنوات القليلة الماضية.

عيد الفصح الذي يبدأ في 15 أبريل/نيسان ويستمر لمدة 8 أيام، ويصر فيه بعض اليهود المتعصبين على ذبح قرابينهم التي تشكل جزءا من هذا العيد في المسجد الأقصى حيث يعتقدون بوجود هيكلهم المقدس تحته. لهذا يرون وجوب دخول المسجد الأقصى ولو بالقوة، وفي السياق ذاته لا تعترض الحكومة الإسرائيلية على مطالب هؤلاء اليهود المتعصبين بأي شكل من الأشكال بل ترافقهم الشرطة الإسرائيلية لحمايتهم والعدوان على المسلمين الذين يعترضون.

ومع ذلك فإن البدء بالعدوان هناك لا يأتي أبدا من المسلمين المعتكفين في المسجد الأقصى، بل يظهر ردُّ فعلهم حين يصر اليهود المتعصبون على استكمال طقوس عيدهم وذبح أضاحيهم في المسجد الأقصى. بالطبع لا جدوى من الدخول في نقاش حول ما إذا كانت هذه الطقوس من فرائض الدين اليهودي أم لا. لكننا نواجه وجهة نظر مفادها تدمير المناسبات الدينية لدى الآخرين وأعيادهم من أجل الاحتفال بأعياد أخرى خاصة بفئة مختلفة، ورؤية توظف أيامهم المقدسة في إيذاء الآخرين والتشكيك في مقدساتهم، وهذا هو ملخص الصهيونية وجوهرها.

وبالعودة إلى تاريخ عيد الفصح يظهر أنه في الواقع عيد يهودي يعبر عن أيام تحرير اليهود من الاضطهاد الفرعوني عندما حرر النبي موسى بني إسرائيل، وأسرعوا في مغادرة منازلهم وتوجهوا إلى البحر الأحمر في عجلة من أمرهم لدرجة أنهم تركوا العجين الذي عجنوه في المنزل قبل أن يصير جاهزا (يختمر) فيشير عيد الفصح إلى هذا الخروج المتسرع. ولذلك فإن اليهود في أيام هذا العيد لا يخبزون الخبز المخمر في منازلهم للتعبير عن تلك الواقعة.

ونتيجة لذلك، فإن من التناقضات النمطية المتكررة عند بني إسرائيل أنهم في احتفالهم بالعيد الذي يعبر عن التحرر من الظلم يحولون ذلك مناسبةً لسلب حرية الأمم الأخرى. وهذا هو جوهر الصهيونية الذي يتخذ من الاحتفال بلحظة التحرير هذه التي تفرض عليهم مهمة رعاية حقوق الناس وحمايتها والحفاظ على الفضائل على الأرض، تلك المناسبة التي تمنحهم تميزا تاريخيا لأداء هذه المهمة، تتحول إلى إنكار ومعارضة لتلك المهمة بالذات. ومع ذلك، فإن هذه المهمة تتطلب موقفا وحساسية ونضالا ليس فقط من أجل حريتهم وشرفهم وكرامتهم ولكن أيضا من أجل حرية وكرامة البشرية كلها.

وهكذا تسبب تزامن رمضان مع عيد الفصح لعدة سنوات حتى الآن في تكرار العدوان الإسرائيلي بصفة دورية في شهر رمضان شهر الصيام عند المسلمين. والواقع أنه بهذه الطريقة يقوم عن غير قصد بإحياء وظيفة شهر رمضان ودوره في توحيد جميع مسلمي العالم واهتمامهم بأمور مشتركة وتضامنهم في مواجهة مشكلة واحدة، وخلق شعور بالتكافل والإيثار والوحدة فيما بينهم. وهكذا فإن رمضان -الذي هو بالفعل مناسبة للوحدة في جوهره وشعائره وتشكيله نمطا عقليا وسلوكيا واحدا- يتحد هو الآخر مع القدس القضية الموحدة للمسلمين هي الأخرى.

ليس رمضاننا وفصحهم سواء…

ولذلك الواقع الذي تتزامن فيه المناسبة الإسلامية مع المناسبة اليهودية يتحتم إجراء مقارنة بين الثقافتين والديانتين الإسلامية واليهودية. ففي حين يحقق العيد الإسلامي رسالة عالمية للوحدة والطمأنينة ليس فقط للمسلمين ولكن لجميع الناس. فالمسلمون يرفضون كل أشكال الاضطهاد والقهر وليس فقط ذلك الموجه للمسلمين. كما أنهم لا يسعون لاستعباد الآخرين حتى يصبحوا هم أنفسهم أحرارًا. ولا يقيمون أعيادهم على إزعاج الآخرين والتسبب في أحزانهم. بل على العكس من ذلك، فإن رحمة شهر رمضان وبركاته تعود على الناس جميعًا بالاجتهاد في إحياء فضائل الإنسانية.

على الجانب اليهودي فإن الإرهاب الذي تقوم به إسرائيل بصفة روتينية في المسجد الأقصى يجسد بشكل مأساوي معنى أن تقام الأعياد كعيد الفصح اليهودي على الدم والألم والدموع والاحتلال وإثارة الاضطراب لدى الآخرين.

وخلاصة ما في الأمر يمكن اعتبار أن رمضان وعيد الفصح حدثان دينيان متكاملان وليس بينهما أي تضاد. ولكن من أجل تحقيق ذلك من الضروري استيعاب روحانيات شهر رمضان ومقاصده ليتجلى للجميع ما وصل إليه الفصح اليهودي من تخمر إلى درجة النجاسة والبعد عن تعاليم الدين إلى مسالك تدمر معتنقيها أولا قبل غيرهم وما ذلك منهم إلا استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق