الأحد، 16 يونيو 2024

نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (2)

 نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (2)

بقلم: مضر أبو الهيجاء

إن التأصيل لحلف حركة «حماس» مع إيران المعادية في لحظة استئصال الحركة إسرائيليا عقب وقوعها بالفخ وتحقق الغدر الإيراني، والإصرار على تقعيد تلك العلاقة الآثمة وتسويغ حلف الضرار رغم الإبادة الحالية للشعب الفلسطيني كنتيجة لانخداع قيادة حماس والجهاد وارتباطهما وارتهانهما بمحور المقاومة الإيراني المخادع، يكشف عن أمراض عقلية وعلل ذهنية وتدهور منهجي في الثقافة السياسية العربية وعقول القيادات الإسلامية عموما والفلسطينية خصوصا!

أتوافق مع الأخ الكريم الدكتور الشنقيطي فيما طرحه كمنهج سياسي في إدارة سياسات الدول وحركات التحرير والتغيير بحيث يتصف بالمرونة والحيوية والذكاء السياسي السياقي وأشكال التعامل مع المخالفين، ولا أجد اشكالا فيما يطرحه في بعده النظري، ولكني أخالفه في واقعة التنزيل حيث يتجاوز عن حقائق الواقع ويقع في مخالفات ويصف الأمور والمشاريع بغير وصفها الحقيقي، وهذا ما سأعرضه بنقاط.

1/ الخلل في الفهم وعدم الإنصاف في توصيف كنه المشروع السياسي الإيراني:

إن حديث الشنقيطي عن المشروع الصهيوني باعتباره مشروعا معاديا والصراع معه باعتباره صراعا وجوديا والبناء على ذلك بالموقف الواجب من عموم الأمة تجاهه، وفي المقابل فإن تغييبه أو تجاهله أو تعاميه عن حجم الآثار العدوانية للمشروع السياسي والعسكري والثقافي للمشروع الإيراني منذ قيام الجمهورية الإيرانية وامتلاكها وإدارتها من طرف الملالي، وبالنظر لما أحدثته إيران في دول عربية عديدة، وبالنظر لتفتيتها الثقافي لشعوب الأمة واحداث حالة اصطراع واحتراب ثقافي عسكري سياسي في كل دولة احتلتها أو مدت أذرعها إليها، إن كل ما سبق إضافة للتعامي الخطر عن قراءة مستقبل إيران بعد امتلاكها للسلاح النووي -بتوافق أمريكي- يشير إلى إشكالية عويصة وتصور مغلوط ومصيبة عند الشنقيطي ومن يجاريه ويروج لهذا الفهم والتصور والطرح!

2/ الاستقامة والإصابة تجاه المشروع الصهيوني والزيغ والخطأ تجاه المشروع الإيراني:

إن عداءنا مع الإسرائيليين لا ينطلق من مخالفة في الدين بل يرتكز على حالة العدوان الدائم، والقائم على مشروع عدواني تجاه العرب والمسلمين، كما أن عداءنا مع ملالي إيران وحكام طهران لا ينطلق من مخالفة في المذهب والمعتقد بل يرتكز على حالة العدوان الدائم، والقائم على مشروع عدواني سياسي وعسكري وثقافي ينطلق من تصور طائفي وعرقي بغيض، ويشهد على هذا الفهم الصحيح منهج الشيخ حارث الضاري رحمه الله، كما يشهد على التعامل الناضج والمسؤول واقع وخطاب هيئة علماء المسلمين في العراق وغيرها من المكونات العربية والسنية العراقية.

3/ غياب مفهوم الأمة الواحدة من الناحية العملية وإسقاط اعتبار واقعها من الناحية السياسية:

فكيف نحذر ونوجب على الأمة القطيعة مع الصهاينة المحتلين ونعلن العداء لهم ونسعى لإزالة احتلالهم ونطلب من عموم الأمة موقفا مساندا في كل منحى وجانب، ثم في الآن نفسه نجمل في أعين العرب والمسلمين صورة المشروع الإيراني ونتغافل عن حجم جرائمه وإجرامه القائم والدائم، ونتنكر لاحتلالات قائمة في عواصم أربع دول عربية -هي السر في تحرير فلسطين والأقصى في الماضي والحاضر والمستقبل-، مع واقع قتل ونهب وتهجير وتغيير ديمغرافي لشعوب المنطقة في كل محيط فلسطين -لم يتوقف بعد- تقوم به إيران وميليشياتها وهو يتجاوز ما حصل ويحصل في فلسطين منذ قرن؟

نعم يمكن أن نؤجل ونفصل وندير معاركنا وفق موازنات الزمان والمكان فهذا يكتسب معقولية وشرعية تراعي واقع الأمة وأزماتها وقدراتها، أما أن نصيب في وصف المشروع الصهيوني ونخيب في وصف المشروع الإيراني ونخدع شعوب الأمة للدرجة التي توسع نفوذ إيران وتشرعن احتلالاتها من خلال ميليشياتها وأحزابها وأياديها المحلية التي تقتل الناس في العراق واليمن ولبنان والشام، فهذا والله تجاوز أخلاقي وسقوط سياسي وهو دون شك حرام.

4/ ضحالة التصور حول مخاطر الحلف مع إيران في الترويج المذهبي لها في عموم المنطقة العربية:

إن الحلف مع إيران الذي يتصوره ويطرحه الشنقيطي في بعده السياسي لم يمنع من توسع إيران الثقافي في كثير من شعوب المنطقة والعالم العربي والإسلامي للدرجة التي جعلت البعض يتبنى ويقبل على التشيع من النافذة الفلسطينية كأثر من آثار المدح والإعلاء والترويج لإيران.

إن إباحة وتجويز أكل لحم الخنزير للضرورة لا يجيز تغيير اسمه ووصفه، فأكل لحم الخنزير يبقى حراما ويجوز للضرورة التي تقدر بقدرها دون جواز تغيير وصفه ورسمه، وهو ما لم تلتزم به عموما القيادات الفلسطينية الحالية في المرحلة الثالثة، خلافا للقيادات في المرحلة الثانية والتي لم تتوسع في الأمر وخلافا للقيادات في المرحلة الأولى والتي تورعت عن الأمر رعاية للأمة وحفظا لنقاء دينها.

يتبع


نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (1)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق