كتائب العِزِّ: تحيَّة!
الزَّمان: اليوم 307 للحرب!
المكان: غزَّة!
مع أنَّ غزَّة تصلحُ أن تكون زماناً أيضاً، لا مكاناً فقط!
ما كُنَّا نعتقدُ أن إجرامهم سيكون هكذا، وما كانوا يعتقدون أن صمودنا سيكون هكذا!
ثلاثمئة وسبعةِ أيَّامٍ وكتائب القسَّام ما زالت تُذلَّ جبروتهم وتمسح بكرامتهم تراب غزَّة!
منذ زمنٍ بعيدٍ عرفنا أنَّ عدوَّنا لا يسمعُ لغة الشَّجب، ولا يحفلُ بلهجةِ التَّنديد والتَّهديد، فحدَّثناه بقذائف الياسين 105، اللغة الوحيدة التي يسمعها، اللغة الوحيدة التي يفهمها!
البارحة أسمعتنا كتائب العزِّ بعض زئيرها، ومما جاء في هذا الزَّئير مقطعٌ من عشرين ثانية، أعدته أكثر من خمسين مرَّة!
قسَّاميٌّ يركض نحو ناقلة الجند بيديه العاريتين إلا من عبوّة العمل الفدائيّ
من مسافة صفرٍ يزرعها ويرجع!
يُقيم الحُجّة على جيوش المسلمين!
يُخبر الدُّنيا كلها أنَّ الأمر ليس بالكليات العسكرية وإنما بالعقيدة!
ليس بالسلاح وإنما بالقلب!
ليست بالنياشين وإنما بالإيمان!
قديماً حين كنتُ أقرأ عن بطولات الصَّحابة كنتُ أُصابُ بالدَّهشة، ولربما تساءلتُ كما حالكم جميعاً: أحقاً كان هذا؟!
ثم جاءت كتائب القسَّام وأعادتْ لنا بطولات الصَّحابة بالصوت والصُّورة، وما خفيَ أعظم!
نحن لم نرَ أنسَ بن النّضرِ يوم أُحدٍ وفيه أكثر من سبعين ضربة، يجود بآخر أنفاسه موصياً: لا عُذر لكم إن خُلِصَ إلى رسول الله ﷺ وفيكم عينٌ تَطرِف! ولكننا رأينا الشّهيد السّاجد، من إمامة المسجد إلى ميدان القتال، إلى الجنّة!
نحن لم نرَ عكرمة يطلبُ البيعة على الموتِ يوم اليرموك، ولكنَّا رأينا في رفحٍ شابين يهجمان على دبابة الميركافا بعبوتي شواظ! ويحيلانها رماداً!
نحن لم نرَ البراء بن مالكٍ يطلبُ أن يُلقى من فوق السُّور يوم اليمامة، ولكننا رأينا مجاهدي الكتائب يُبيدون فرقة غزَّة في أربعين دقيقة!
نحن لم نرَ سالم مولى أبي حُذيفة يوم اليمامة وهو يحملُ اللواء ويقول: بئس حامل القرآن أنا إذا أُوتيتم من قِبَلي! ولكننا رأينا بأس كتيبة الحُفّاظ تبثُّ صور أقدامها وتحتها رؤوس جنود الاحتلال!
نحن لم نرَ أبا دُجانة يتبخترُ في مشيته، ولكننا رأينا أبا عُبيدة واقفاً بعزَّة المؤمن وهو يقول: قصف تلِّ أبيب أهون علينا من شربة الماء!
نحن لم نرَ خندق سلمان يوم الأحزاب ولكننا رأينا أنفاق الكتائب يوم الكمائن!
نحن لم نرَ عمر بن الخطّاب يوم هجرته في وضح النّهار عند دار النَّدوة يتوعّدُهم بالقتلِ إن هم تبعوه، ولكننا رأينا الكتائب تُحدِّدُ ساعة الرّشقة التالية بكل ثقة، ثم هي لا تخلفُ مواعيدها!
نحن لم نرَ أبا بكرٍ يوم جاء بكلِّ ماله، ولا رأينا عثمان يوم جهّز ثلث جيش العسرة، ولكننا رأينا أنه رغم الحصار الخانق الممتد لسنوات صارت صواريخ الكتائب أشدّ ضراوة، وقذائف الياسين أشد فتكاً، ثمّة من جهّز الجيش ولا تُصدِّقوا أنها الدُّول أو المحاور، من لا يصنع سلاحه لا يملك قرار استخدامه!
ولم نرَ مصعباً وحمزة ليس لهما أكفان تسترهم يوم أحد، ولكننا رأينا الذين جادوا بالأرواح وهم يقتحمون المستوطنات ولم يُدفنوا حتى اللحظة!
نحن لم نرَ جيش اليرموك والروم يفوقونه عدداً، ولا جيش القادسية والفرسُ يفوقونه فيلةً وعتاداً، ولكننا رأينا كتائب القسَّام ما زالت تقفُ على أقدامها منذ ثلاثمئة وسبعة أيامٍ تُقاتلُ كما لم يُقاتل أحدٌ في هذا الزَّمن!
إنَّ الذي لا يرى أنَّ هذه الكتائب من اللهِ وللهِ فهو أعمى! لا شيء غير هذا يمكنه أن يُفسِّر كلَّ الذي نراه!
وإنَّ الذي يعتقدُ ولو لثانية أنَّ هذه الكتائب ستُكسر فقد أساء الأدب مع الله، إنَّ سيوف اللهِ لا تُكسر، وما كان للهِ أن يتعهدهم كل هذا الوقت ليتركهم في آخره، ولعلَّ في خذلان النّاسِ لهم أهم درسٍ من دروس العقيدة في هذا الزَّمن: من كان للهِ فلن يُغلبَ ولو أطبقتِ السَّماء على الأرض!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق