السبت، 17 أغسطس 2024

غزة توأم سنغين الأفغانية!

غزة توأم سنغين الأفغانية!

سامر علاوي


يستذكر الأفغان منشور تهنئة من غزة لانتصار حركة طالبان على الاحتلال الأمريكي، في الذكرى الثانية لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وقد زُيِّن المنشور بصورتين: واحدة لمجسم قبة الصخرة وأخرى لطبق حلويات تقليدية فلسطينية، وقد جاء في المنشور
"من غزة العزة فرحًا بانتصار أبطال الإمارة الإسلامية في أفغانستان وتحرير العاصمة كابل".

أما البريطانيون فلن ينسوا حظهم المشؤوم في سنغين، تلك المديرية الواقعة في ولاية هلمند جنوب أفغانستان، والتي لم تفلح مشاركة الأمير البريطاني هاري في القتال فيها أكثر من عام في رفع معنويات القوات البريطانية في الولاية، فاضطرت للانسحاب منها عام 2010، وتسليمها لقوات المارينز الأمريكية.

لم تكن القوات البريطانية راضية بانهيار "فاتيكان طالبان"، فرؤيتها كانت تجميع قادة طالبان ومسلحيها في مكان واحد، ومنحهم ما يمكن اعتباره مكسبا يحافظون عليه، وينسجم مع طبيعتهم المتدينة

فاتيكان أفغانستان
وبهدف استغلال الوقت، ومحاولة السيطرة بطرق غير عسكرية، لجأت القوات البريطانية إلى استقطاب القبائل تارة، وفتح حوار غير مباشر مع القيادات المحلية لحركة طالبان تارة أخرى، ولعل سبب فشلها في كلتا الحالتين هو سوء النية، فعقيدة هذه القوات تقوم على أن الحوار والدبلوماسية القبلية أدوات حرب من أجل الانتصار في الحرب، وليس من أجل صنع السلام.

هي السياسة ذاتها التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة اليوم، فللهروب من المأزق العسكري الذي تواجهه قوات الاحتلال، حاولت استقطاب العشائر الفلسطينية واللجوء إلى الحوار غير المباشر مع ممثلي المقاومة، لكن النتيجة تبدو متطابقة مع مصير سياسة القوات البريطانية في هلمند، والتي قوبلت في الحالتين بعناد المقاومين، ورفض تعاون الشعب مع الاحتلال.

توافق زعماء القبائل مع القوات البريطانية ذات مرة على تعيين حاكم لمديرية سنغين، حيث أراد زعماء القبائل تجنيب المنطقة مزيدًا من العمليات العسكرية، وفي المقابل يستعمل زعماء القبائل نفوذهم لدى طالبان للحد من هجماتها، لكن هذا التوافق صب في مصلحة طالبان من وجهة نظر القوات الأمريكية، فدخلت على الخط، وألغت التفاهم باقتحامها اجتماعًا قبليًّا لتنصيب حاكم المديرية.

لعل أخر معارك القوات البريطانية في عام 2010 ما أطلق عليها عملية بزوغ شمس سنغين (Sangin Sunrise Operation)، وغابت شمسهم قبل الضحى

اقترح البريطانيون على حركة طالبان حلًّا، ووقعوا معها اتفاقًا يقضي بعدم دخول القوات الأجنبية مديرية "موسى قلعة" المجاورة، وإجراء مباحثات تمنح ملالي طابان وصاية دينية تكون عاصمتها موسى قلعة، على غرار دولة الفاتيكان، مقابل ترك السياسة للحكومة الأفغانية الموالية للأمريكان والناتو، وما لبث هذا الاتفاق أن انهار باجتياح القوات الأمريكية لموسى قلعة.

لم تكن القوات البريطانية راضية بانهيار ما اصطلحوا عليه بـ"فاتيكان طالبان"، فرؤيتها كانت تجميع قادة طالبان ومسلحيها في مكان واحد، ومنحهم ما يمكن اعتباره مكسبا يحافظون عليه، وينسجم مع طبيعتهم المتدينة، وذلك أفضل من دفعهم خارج المنطقة للانتشار في جميع أنحاء البلاد، وهذا ما عبَّر عنه ضابط بريطاني وصف موسى قلعة ببحيرة، إذا ضغطت على الماء فيها من جانب انتشر في الجوانب الأخرى، وفعلا هذا ما حصل، فقد انتشر مسلحو طالبان في جميع أنحاء البلاد.

ولاية هلمند جنوبي أفغانستان، وغزة جنوبي فلسطين، تتقاربان في عدد السكان الذي يربو عن مليونين لكل منهما، وتختلفان في أن مساحة هلمند تزيد عن ضعف مساحة فلسطين كلها

ملحمة النصر
سنغين تعني بلغة البشتو وباللغة الفارسية الثقيل أو الوازن، ومعركتها ما زالت عنوانًا ثقيلًا لدى البريطانيين، فقد تكبدوا أكثر من 100 قتيل، وعنوانًا آخر للأفغان في جهادهم ضد الأمريكان وحلفائهم، لا سيما في ولاية هلمند، فقد تكبدت حركة طالبان 92 ألف شهيد في هلمند وحدها، خلال 20 عامًا من الاحتلال الأمريكي، المدعوم بحلف شمال الأطلسي والدول التي تدور في فلكه، وذلك بحسب ما كشفت عنه مصادر طالبان.

وملحمتها تماثل ملحمة قطاع غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر/  تشرين أول 2023، والتي تتصدى فيها عصبة صغيرة محاصرة من البر والبحر والجو، للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ومن دار في فلكهما، والذين يشكلون مظلة إمداد وحماية لقوات الاحتلال الإسرائيلي.

ولاية هلمند جنوبي أفغانستان، وغزة جنوبي فلسطين، تتقاربان في عدد السكان الذي يربو عن مليونين لكل منهما، وتختلفان في أن مساحة هلمند تزيد عن ضعف مساحة فلسطين كلها، حيث تتجاوز مساحتها 58 ألف كلم مربع، بينما مساحة فلسطين كاملة 27 ألف كلم مربع، منها قطاع غزة المحاصر الذي تبلغ مساحته 340 كم.

ومن على مسرح الاحتفال في قاعدة باغرام يبث وزير الداخلية الأفغاني بالوكالة، خليفة سراج الدين حقاني، روحا معنوية للمقاومة الفلسطينية، مستوحيًا واقع تجربته بقوله حرفيًّا:

"أريد أن أُطمئِن كل الشعوب التي تعاني من الظلم والاحتلال، وخاصة الشعب الفلسطيني، وكما هو حال الأفغان بعد خمسين عامًا من الحروب والأزمات، وعشرين عامًا من الحرب ضد الغزاة منحنا الله تعالى الحرية بجهود وصبر شعبنا المجاهد، ستحتفلون أنتم بعيد الاستقلال وبالطريقة ذاتها يومًا ما، بشرط أن لا تفقدوا همتكم، وندعو الله أن يمن عليكم بالنصر".                                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق