الأحد، 11 أغسطس 2024

المقاطعة فريضة شرعية وحتمية إنسانية

 المقاطعة فريضة شرعية وحتمية إنسانية

د. حلمي الفقي
أستاذ الفقه والسياسة الشرعية 


الحرب التي يشنها الاحتلال الصهيوني على أهلنا في غزة هي واحدة من أقذر وأبشع الحروب في التاريخ كله، لقد ألقوا على القطاع الصغير المحاصر أضعاف ما تم القاءه على هيروشيما ونجازاكي في الحرب العالمية الثانية، وأخطر من ذلك كله، أنهم أعلنوا حصارا شاملا على أناس أبرياء لا حول لهم ولا قوة، ومنعوا عنهم الماء والغذاء والدواء ليقتلوهم جوعا وعطشا، وهذه أسوأ وأبشع قتلة، فيجب علينا مقاطعة كل منتج يدعم الاحتلال الظالم حتى لا نكون شركاء في الجريمة النكراء التي قل شبيهها وندر مثيلها في حياة الأمم وتواريخ الدول

 وبعد هذه اللمحة العابر لبعض مشاهد تلك الحرب المدمرة

ما حكم المقاطعة الاقتصادية لهذا الكيان المجرم، ومعه أمريكا كبيرة الداعمين للمجرمين في العالمين؟

أقول مستمدا العون والتوفيق والسداد من الله رب العالمين:

المقاطعة الاقتصادية للكيان الصهيوني وداعميه فريضة شرعية على كل مسلم ومسلمة فى الدنيا كلها، ودل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

أولا: الأدلة من القران الكريم

1 – قال جل جلاله: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ﴾ [التوبة: 120]

وجه الدلالة:

المقاطعة تغيظ الكفار، وتنال منهم، وكل عمل يغيظ الكفار أو ننال به من الكفار المحاربين لأمة الإسلام فنحن مأمورون به، والمقاطعة الاقتصادية للكيان الصهيوني ومن يدعمه تغيظهم وتنال منهم فلذا نحن مأمورون بها بنص القران الكريم

2 – قال تبارك وتعالي: ﴿ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ ‌بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٤١﴾ [التوبة: 41]

وجه الدلالة:

أمر الله جل جلاله المسلمين بالجهاد في سبيله بالمال والنفس، وجاء الأمر بذلك في القران الكريم في أكثر من موضع، وفى كل موضع من هذه المواضع كان الجهاد بالمال مقدما على الجهاد بالنفس، والجهاد بالمال شقين اثنين،

الأول: بذل وعطاء،

والثاني: كف وانتهاء،

فنحن مأمورين بالجهاد بالمال والانفاق على المجاهدين، وفى نفس الوقت بمنع أموالنا عن المحاربين، فكما أن إعطاء المال للمجاهدين أجر، فكذلك إعطائه للمحاربين وزر، ومنعه عنهم أجر.

3 – قال سبحانه وتعالي: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ﴾ [الأنفال: 60]

وجه الدلالة:

هذا أمر واضح لا لبس فيه من رب العالمين للمؤمنين أجمعين بأن يعدوا كل ألوان القوة -اقتصادية، عسكرية، سياسية، وغير ذلك- لردع المجرمين عن محاربة المسلمين، فكل أمر فيه رفعة للدولة المؤمنة يجب علينا المبادرة إلى تحقيقه وامتثاله، ومثله كل أمر فيه إضعاف للمحاربين وتوهين قواهم فنحن مأمورين به، والمقاطعة الاقتصادية تضعف الأعداء، وتقوى الأصدقاء.

4 – قال الله عزوجل: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ‌ٱلۡبِرِّ ‌وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ ﴾ [المائدة: 2]

5 – قال الحق جل جلاله: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ ٧٣﴾ [الأنفال: 73]

6 – قال الله تبارك وتعالي: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ﴾ [التوبة: 71]

وجه الدلالة:

المقاطعة الاقتصادية للمحاربين، والدعم المادي والمعنوي للمجاهدين تعاون على البر والتقوى، لأن فيها تقوية للمجاهدين وإضعاف للمحاربين، فهي فريضة قرآنية، وهنا يلفت القرآن أنظار المؤمنين إلى أن الكافرين في العالمين يدعمون بعضهم بعضا، وتقف الشركات الصهيونية بالمال خلف المعتدين تدعمهم بمليارات الدولارات لقتل أهلنا في غزة، فيجب علينا أن نمنع أموالنا عن هذه الشركات نصرة لأهلنا، فإن لم نفعل كانت فتنة في الأرض وفساد كبير.

 ثانيا: الأدلة من السنة النبوية

1 – حديث ثمامة بن أثال في الصحيحين عن أبي هريرة لما أسلم ثمامة قدم مكة معتمرا وسمعته قريش يتكلم بأمر محمد من الإسلام قالوا: صبأ ثمامة. فأغضبوه فقال: إني والله ما صبوت، ولكنى أسلمت وصدقت محمدا وآمنت به، وايم الذي نفس ثمامة بيده لا تأتيكم حبة حنطة من اليمامة ما بقيت حتى يأذن فيها محمد صلى الله عليه وسلم. وانصرف إلى بلده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلى إليهم حمل الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجه الدلالة:

هذا حديث صحيح واضح الدلالة على مشروعية المقاطعة الاقتصادية للمعتدين الظالمين، فهذا ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة يعلن المقاطعة الاقتصادية لقريش وأهلها ويمنع عنهم القوت والحبوب، للتنكيل بقريش وإضعافها وتدمير مقدراتها الاقتصادية، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المقاطعة، فتكون المقاطعة مشروعة لإنزال الأذى بأعداء الحق، وتكون المقاطعة واجبة، إذا كانت هي السبيل لنجدة المظلومين، كما هو الحال مع الصهاينة المعتدين الغاصبين

2 – عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «‌جَاهِدُوا ‌الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَلْسِنَتِكُمْ» رواه أحمد وأبو داود والنسائي والدارمي وغيرهم

وجه الدلالة:

هذا أمر صريح بجهاد الكافرين بالمال والنفس والقول، وجاء في المقدمة الأمر بالجهاد بالمال قبل الأمر بالجهاد بالنفس والقول، والجهاد بالمال ببذله للمجاهدين ومنعه عن المجرمين وأعوانهم، فهذه الشركات تتبرع بالمليارات لدعم الصهاينة بالسلاح والعتاد، فمن لم يقاطع فقد بذل ماله للأعداء لشراء الرصاص لقتل أبنائنا

3 – عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “‌مثل ‌المؤمنين في ‌توادهم وتراحمهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه شيء تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى” رواه احمد ومسلم وغيرهما

وجه الدلالة

المسلمون في المشارق والمغارب جسد واحد، والمظلومون والمحاصرون والمقتولون هم منا ونحن منهم، هم نحن، ونحن هم، ففرض علينا أن نمنع مالنا عمن يقتلون أبنائنا، حتى لا يكون مالنا ثمن رصاصات قتل أبنائنا

4 – عن عبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «الْمُسْلِمُ ‌أَخُو ‌الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ عز وجل فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عز وجل عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» متفق عليه

وجه الدلالة:

شراء المنتجات التي تدعم الاحتلال، خذلان قاطع لأهل غزة، وفيه ظلم لهم وتسليم لهم للعدو يستحي نساؤهم، ويقتل أطفالهم، فلهذا كانت المقاطعة فريضة شرعية، فرضها رب العالمين، على المسلمين يغيثوا بها إخوانهم المحاصرين المظلومين

ثالثا: الإجماع:

1 – نقل النووي في المجموع 9/432: “الإجماع على تحريم بيع السلاح لأهل الحرب، ويقاس عليه كل ما يعين العدو على قتال المسلمين”

2 – قال النووي في شرح مسلم 11/41: «وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذمة، وغيرهم من الكفار إذا لم يتحقق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحا وآلة حرب، ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم»

قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: «أهل الحرب لا يباع منهم ما يستعينون به على إهلاك المسلمين من العدة والسلاح، ولا ما يقوون به عليهم»

المقاطعة حتمية إنسانية:

الإسلام دين الإنسانية، وفى الحديث الشريف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه يحب لنفسه» رواه ابو يعلي وابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك رضى الله عنه، والمراد بالأخوة هنا إخوة الإنسانية، وليست إخوة الإسلام كما يتوهم البعض، فلو كان الصهاينة في مكان الفلسطينيين لوجب علينا الوقوف معهم لأن الإنسانية تحتم ذلك، فعلى كل مسلم في العالم، وعلى كل حر في العالم مسلما أو غير مسلم، أن يقاطع المنتجات التي تدعم الاحتلال الصهيوني، حتى لا تكون اموالنا ثمن رصاصاتهم، وحتى لا يتقووا بمالنا على أبنائنا، وهذا قمة الظلم ممن يدعون الحياد، وهم شر العباد، والذين يدعمون بمالهم تمويل جنود الاحتلال بالمال والسلاح.

والخلاصة:

أن مقاطعة المنتجات التي تدعم الاحتلال فريضة شرعية على كل مسلم، بل وعلى كل حر في العالم إذا كان لديه مثقال ذرة من إنسانية أن يقاطع كل منتج يدعم الاحتلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق