مذبحة الفجر
أيمن العتوم
جثث متفحمة، أشلاء مبعثرة، أياد مقطوعة، أعين مفقوءة، وسواد يغطي كل شيء!. تقتل إسرائيل الناس وهم في المساجد، تقصد دور العبادة لأن حقدها العَقَدي على الإسلام والمسلمين ليس له حد، وثأرها ما زال مستعرا.
إن ألسنتهم تفضحهم.. فأي حقد تنضح به “جولدا مائير” رئيسة الوزراء الإسرائيلية، حين قالت عام 1968م وهي تقف على شاطئ خليج نعمة في سيناء: “إنني أشم رائحة أجدادي في خيبر ويثرب وتيماء”؟ وماذا تقصد بخيبر غير من قتلهم النبي صلى الله عليه وسلم من بني النضير لأجل غدراتهم هناك؟!
وماذا تقصد بيثرب غير التي قتل فيها نبيُّنا من نقضوا الميثاق بعد غزوة الخندق من يهود بني قريظة وبني قينقاع؟! وإنها لتشتاق أن تثأر لدم خونة العهد من أجدادها، ولقد صدقت وحذّرت دون أن تعلن، وها هم أخلافها ممن حكم بعدها يقتل منا شهوة وحقدا وغدرا وكرها، فلا تبلغ اللغة أن تصف ما ترى.
أسوق هذه الحقائق التاريخية بسبب قصف إسرائيل مدرسة “التابعين” بحي الدرج وسط مدينة غزة اليوم، وما وقع جراء هذا القصف الأعمى من شهداء نافوا على المئة، لقوا ربهم وهم ساجدون في صلاة الفجر.
وإن الفجر له معانٍ كثيرة، أولها أنه أول الصباح بعد الليل، وأول النور بعد الظلمات، وإن شهداء الفجر ليذَرون هذا النور لأمتهم، ويبدؤون هذا الصباح لها.
وثانيها أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله، لا يصيبه سوء إلا غشيته رحمته، فإذا وقع هذا العدد الكبير منهم اليوم فقد وقعوا في ذمة الله، وإن الله لأرأف بهم منا.
وثالثها أن شهداء الفجر هم المصطفون، فعبر التاريخ ما كان الله ليختار للفجر إلا أجلَّ شهدائه، أمثال عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأحمد ياسين.
إن دماء أهلنا في غزة ما زالت منذ أكثر من ثلاثمئة وعشرة أيام تسيل كأنها الطوفان الهادر، وتتدفق كأنها السيل الجارف، ولا من يوقف هذا الطوفان ولا ذلك السيل، وإنهم أصابهم الضُّرُّ حتى لم يعد للصبر موضع، يا رب إلا أن تكون قد ألهمتهم صبر الأنبياء، وإيمان الأولياء.
فإنه لا يقع على شعب ما وقع عليهم فيحتملون كل هذه الألوان من العذاب، إلا أن تكون منحتهم من الرضى والاحتساب ما لم تمنح سواهم من الشعوب، غير أن عافيتك أولى بهم.
فلا تكلهم إلى سواك، فإنهم يئسوا من أهل الأرض ولم يعد لهم أمل إلا بك، وإنهم ذاقوا مرارة الفقد فأذِقْهم حلاوة السلامة، وإنهم قد مسَّهم الضر فأسبغ عليهم فضلك ونعمك، وإنهم قد تغوَّل عليهم الخوف فأنزل عليهم سكينتك وطمأنينتك، ولا حول ولا قوة إلا بك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق