الثلاثاء، 13 أغسطس 2024

المؤتمر الأول لسُنّة العراق.. التوقيت والدلالات

المؤتمر الأول لسُنّة العراق.. التوقيت والدلالات

 . أحمد مصطفى الغر



ما هو مستقبل أهل السنة في العراق، خاصة في ظل تصاعد الدعوات لإنشاء إقليم سني في العراق، يجمع المحافظات السنية، على غرار الإقليم الكردي خاصة أن الدستور العراقي يسمح بهكذا إجراء، فما هي التحديات التي تعرقل هذه الخطوة؟


العراق اليوم كالسفينة التي تتجه نحو الهاوية، وأهل السنة هم الضحية شبه الوحيدة فيها، ففي حين يمتلك الآخرون قوارب نجاة؛ الشيعة يسيطرون على الحكم، والأكراد لديهم إقليم مستقل، نجد السنة لا يملكون إقليمًا يأويهم ولا حكمًا يحميهم، وعلى الرغم من تواصل الحديث عن قضية الإقليم السني في العراق منذ سنوات طويلة نسبيًا، فإن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تصاعدًا غير مسبوق في المطالبة بإقامته، مع تحديد شهر سبتمبر المقبل موعدًا لانعقاد المؤتمر العام في محافظة الأنبار لمناقشة قضية الإقليم بحضور عدد كبير من ممثلي المحافظات ذات الأغلبية السنية (الأنبار، ونينوى، وديالى، وصلاح الدين). فإلى أي مدى يمكن أن يكون هذا المؤتمر نقطة تحول في مستقبل السنة في العراق؟، وهل سيتمكن المؤتمر من تحقيق الأهداف المنشودة أم أنه سيكون مجرد اجتماع آخر بلا نتائج ملموسة؟، وما هي التحديات التي تواجه السنة في تحقيق إقامة إقليم مستقل؟، وكيف يمكن التغلب على هذه التحديات في ظل الظروف الراهنة؟

موضوع حساس

رغم ما يمتلكه العراق من ثروات، إلا أن الملاحظ منذ سنوات هو أن الأوضاع صعبة وتتطلب وقفات جدية من جميع أهل الشأن، لا سيما وأنه عندما تصل معادلة الفساد والظلم إلى نقطة حرجة، فلن يكون هناك مفر إلا الانفجار، ومن الملاحظ أن السنة في العراق ليسوا ضعفاء، بل يمتدون بشكل واسع وكبير، مما يمنحهم قوة وحضورًا لا يمكن تجاهلهما، لكن التحدي يكمن في كيفية استغلال هذه القوة بشكل يضمن حقوقهم ويحقق التوازن في البلاد، لا سيما وأن العراق اليوم يحتاج إلى حلول جذرية تمنع الانفجار وتحافظ على وحدته، والحوار البناء بين جميع الأطراف هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك، فالحلول المؤقتة لن تكون كافية؛ بل يجب العمل بجدية على تحقيق إصلاحات سياسية واجتماعية تضمن الاستقرار والازدهار لجميع العراقيين.

 

  إزاء التطورات السياسية اللاحقة ونتيجة للضغوط الاقتصادية والأمنية، وجد العرب السنة أنفسهم في موقف حرج في مواجهة هذا الوضع المعقد، وهو ما دفع بعض الفئات السنية في التفكير في اللجوء إلى الفدرالية كحل

في خضم الأوضاع السياسية والاجتماعية المعقدة في العراق، يبرز الحديث عن إقامة الإقليم السني كموضوع حساس يثير الكثير من التساؤلات والجدل، فعلى الرغم من عدم التعويل الكبير على الحملة الترويجية التي يقودها الشخصية العشائرية رعد السليمان، رئيس تنسيقية ثوار العشائر، حول موعد المؤتمر الأول للإقليم السني، إلا أن الفكرة تحظى بترحيب واسع بين السكان السنة، ومع ذلك يُقرّ الجميع بأن تحقيق هذا الهدف يتطلب موافقة الشريك الشيعي الذي يسيطر على مفاصل الحكم والنفوذ في البلاد، إضافة إلى دعم العوامل الإقليمية والدولية.

فيدرالية العراق

تضمن الدستور العراقي، الذي كتب تحت وطأة الاحتلال الأمريكي وبإشراف مباشر من عرابه "بول بريمر" وآخرين، بنودًا شكلت بفعلها تهديدًا خطيرًا لمستقبل العراق، إذ منح الدستور الحق لأي محافظة عراقية، أو ثلاث محافظات فأكثر، بتشكيل إقليم تديره حكومة محلية شبه مستقلة عن العاصمة، هذه الحكومة تتمتع بسلطات واسعة تشمل تعيين رئيس للإقليم وتشكيل وزارات خاصة، بالإضافة إلى حق التبادل الدبلوماسي مع الدول الأخرى، والتعاقد مع الشركات الأجنبية لاستخراج النفط وعقد الاتفاقيات والمعاهدات، وقد كانت البداية مع إقليم كردستان، حيث استخدم القادة الأكراد مبررات تتعلق بالخصوصية القومية واللغوية والجغرافية للدفع نحو الفدرالية، إلا أن هذه الدعوات كانت في الواقع مجرد حجج واهية تخفي نوايا خبيثة لتقسيم العراق إلى دويلات صغيرة، مما يسهم في تفكيكه وضرب التضامن العربي في الصميم، ويخترق أسوار أمنه القومي لصالح الأعداء.

بعد غزوِ العراق وسقوط نظام صدام حسين في 2003م كان مؤلمًا للمكون السُني تَقبُل فكرة تقسيم العراق، وعلى مدار سنوات قاوم العرب السنة وبعض المخلصين من العرب الشيعة والطوائف الأخرى من الملتزمين بالترابط العراقي الوطني هذه الدعوات بقوة، وأفشلوا العديد من المشاريع التي كانت تهدف إلى تقسيم العراق؛ مثل مشروع إقليم البصرة وإقليم ميسان، هذه المقاومة أظهرت الوعي العميق بالمخاطر التي تهدد وحدة العراق واستقراره. ظاهريًا كانت الدعوة إلى فدرالية العراق تبدو كخطوة ديمقراطية تهدف إلى تحقيق الإدارة الذاتية وتحسين الحكم المحلي، ولكن باطنها كان يسعى إلى تقسيم البلد وتفتيت وحدته.

لكن إزاء التطورات السياسية اللاحقة ونتيجة للضغوط الاقتصادية والأمنية، وجد العرب السنة أنفسهم في موقف حرج في مواجهة هذا الوضع المعقد، وهو ما دفع بعض الفئات السنية في التفكير في اللجوء إلى الفدرالية كحل لحماية مصالحها وضمان حقوقها، وباتت إقامة إقليم خاص بالعرب السنة في العراق مطلبًا نابعًا من حاجة ملحة للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم في مواجهة سلسلة من الاضطهادات والممارسات القمعية التي تعرضوا لها على مر السنوات الماضية،

لقد عانى العراقيون السنة من تهميش ممنهج واضطهاد متواصل من قبل حكومات عراقية متعاقبة، خاصة خلال فترة حكم نوري المالكي وحزب الدعوة، هذا الاضطهاد لم يكن مقتصراً على الناشطين السياسيين بل شمل المجتمع السني بأكمله، حيث تعرض السنّة للمداهمات والاعتقالات التعسفية والتعذيب والتهجير والاغتيالات، والتضييق في المؤسسات التعليمية، كما حُرِمَت المحافظات السنية من المشاريع التنموية والاستثمارات، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والبنية التحتية في هذه المناطق، ناهيك عن إهانة الرموز الدينية والمقدسات السنية بشكل متعمد، مما خلق شعورًا بالظلم والقهر بين أبناء السنة العراقيين، فوجدت بعض الفئات السنية نفسها مضطرة للبحث عن حلول لحماية حقوقها وضمان مستقبل أفضل لأبنائها، ومن هنا بزغت الدعوة إلى إقامة إقليم سني يتمتع بالحكم الذاتي، حيث يمكن للعرب السنة إدارة شؤونهم بعيداً عن سيطرة الحكومة المركزية التي لم تنصفهم.

 

ولا توجد بين السنة العرب العراقيين مرجعية دينية ومركزية سياسية تستطيع قيادة معظم فئات المجتمع السني، فيما تعيش الأحزاب والشخصيات والأحلاف المتعددة تنافسا وخلافات بينهم.

تحديات وعقبات

ثمة تحديات سياسية وإقليمية، وعراقيل داخلية تحول دون نجاح المؤتمر السني الأول، وحتى إذا ما تمت إقامته فإن نتائجه وأهدافه لن ترى النور بسهولة، وسيحتاج الأمر إلى جهود مستمرة وتنسيق عالي المستوى بين جميع القوى السياسية والاجتماعية في العراق، وهو أمر من الصعب ـ إن لم يكن من المستحيل ـ حدوثه في الوقت الراهن، وبشكل عام يمكننا تلخيص أبرز هذه التحديات في النقاط التالية:

 ممانعة القوى الشيعية:

رغم إقرار الدستور بحق المحافظات في إنشاء إقليمها الخاص، ترفض القوى الشيعية هذا الأمر علنًا ولا تسمح به حتى في المناطق ذات الأغلبية الشيعية مثل محافظة البصرة، فبالرغم من حماس القوى الشيعية لهذه المادة عند إقرارها في دستور عام 2005، فإنها تعارض اليوم علناً إنشاء الأقاليم، وهذه المعارضة تجعل تحقيق الإقليم السني أمرًا صعبًا للغاية، بدون موافقة الشريك الشيعي الذي يسيطر على معظم مفاصل الحكم والقوة والنفوذ في البلاد.

 انقسامات البيت السني:

هناك انقسامات بين القوى السياسية السنية، مما يعرقل توحيد الجهود نحو تحقيق الهدف المشترك، هذه الخلافات الداخلية تقلل من فرص نجاح المؤتمر وتطبيق أي قرارات يتم اتخاذها فيه، لا سيما وأن بعض الزعامات السنية الرئيسية لا تدعم فكرة الإقليم حاليًا ولا تناقشها حتى في كواليسها السياسية، هذا التحفظ يعكس تحفظات على مستوى القيادة السياسية السنية تجاه تحقيق الإقليم في الوقت الراهن. ولا توجد بين السنة العرب العراقيين مرجعية دينية ومركزية سياسية تستطيع قيادة معظم فئات المجتمع السني، فيما تعيش الأحزاب والشخصيات والأحلاف المتعددة تنافسا وخلافات بينهم.

 عوامل إقليمية ودولية:

إقامة إقليم سني يتطلب دعمًا إقليميًا ودوليًا، وهو ما لم يتوفر بعد بالشكل المطلوب، فالأوضاع السياسية في المنطقة والدور المؤثر لدول الجوار قد يؤثران بشكل كبير على إمكانية تحقيق هذا الهدف، فإقامة إقليم سني تتطلب توازنًا دقيقًا بين الدعم الإقليمي والدولي، والتعامل بحذر مع التأثيرات الخارجية من الدول السنية وإيران، والنجاح في تحقيق هذا الهدف يعتمد على قدرة القادة السنة في العراق على توحيد صفوفهم وتأمين دعم قوي ومستدام من شركائهم الإقليميين والدوليين، بالإضافة إلى التفاوض بمهارة مع القوى الشيعية المحلية والإقليمية لضمان تحقيق أهدافهم دون تصعيد التوترات والصراعات،

هناك ضغوط من القوى الإقليمية والدولية التي لها مصالح متشابكة في العراق، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية من الأطراف المتنافسة على السلطة والنفوذ، هذه الضغوط تجعل من الصعب المضي قدمًا في إقامة الإقليم السني دون مواجهات وصراعات، فمما لا يخفى على أحد أن لإيران نفوذ كبير في العراق من خلال دعمها للفصائل الشيعية والجماعات السياسية، وهذا النفوذ يجعلها لاعبًا رئيسيًا في أي مفاوضات أو ترتيبات تخص إقامة الإقليم السني، إيران قد ترى في إقامة إقليم سني تهديدًا لمصالحها في العراق، مما يجعل موقفها معارضًا لهذه الفكرة.

 تذبذب التأييد الشعبي:

رغم ترحيب معظم السكان السنة بفكرة الإقليم لكونه مطلبًا جماهيريًا قديمًا، فإن هناك تباينات في الرأي حول التفاصيل والتطبيق، بعض المناطق والجماعات السنية لا تزال غير مقتنعة بالمشروع أو تختلف في بعض تفاصيله، مما يضعف من زخم الدعم الشعبي، فإقامة الإقليم تحتاج إلى قناعة عراقية شاملة بأهميته، وليس مجرد دعم إعلامي يفتقد الإجماع الوطني والقدرة الأمنية والاقتصادية على الاستمرار.

 تحديات أمنية واقتصادية وقانونية:

إقامة إقليم مستقل يحتاج إلى قدرة أمنية لحمايته وقدرة اقتصادية لضمان استمراره، ولكن في ظل الوضع الحالي، يفتقد الإقليم المحتمل القدرة على حماية نفسه بشكل كافٍ، كما يعاني من ضعف البنية التحتية الاقتصادية اللازمة لدعمه. ورغم أن المادة 119 من الدستور تعطي الحق بإنشاء الأقاليم، فإن التطبيق العملي يتطلب تجاوز العديد من العقبات القانونية والدستورية، ويجب أن يتم تنفيذ إجراء استفتاء بنجاح وأن يحصل على موافقة ثلث الأعضاء في مجالس المحافظات أو عُشر الناخبين، وهو تحدٍ ليس بالهين.

 تحديات جغرافية وتاريخية:

تتمتع المناطق السنية في العراق، مثل نينوى والأنبار وصلاح الدين، بترابط جغرافي من حيث أنها متصلة ببعضها البعض، لكن في نفس الوقت تفصلها مسافات شاسعة من الأراضي غير المأهولة، مما يجعل من الصعب تفضيل أي منها كمركز جغرافي أو عاصمة للإقليم المقترح. بالإضافة إلى ذلك، فإن المحافظات السنية لديها تباين كبير من الناحية التاريخية والثقافية والاجتماعية، وهذا أيضا يعقّد مسألة اختيار أي من تلك المحافظات ستكون مركزًا للإقليم السني، حيث إن كل محافظة لها خصائصها المميزة وتاريخها الفريد الذي يجعلها غير قابلة للتفضيل على الأخرى.

 مخاوف الحكومة المركزية:

من الملاحظ أن مناطق السنّة في العراق توجد فيها ممرات نهري دجلة والفرات، فضلاً عن وجود معادن بكميات هائلة، ولاسيما الكبريت والفوسفات، ومن المتوقع إذا ما تشكل الإقليم السني أن تفقد الحكومة المركزية قرارها بشأن تلك الثروات، كما أن تبني فكرة الإقليم داخل المحافظات ذات الأغلبية السنية، سيشجع البصرة ذات الأغلبية الشيعية، على إعادة طرح مشروع إقليم البصرة الذي فشل عامي 2008 و2013، باعتبارها ميناء العراق الوحيد وطريقه التجاري الأبرز، وامتلاكها لنحو 80% من احتياطي النفط في العراق.

مستقبل الإقليم السني

مع عودة الحديث عن إقامة الإقليم السنّي يبرز الحديث عن عراقيل تأسيسه وضبابية مستقبله، فهناك تداخل جغرافي كبير بين المناطق التي يسكنها السنة والشيعة والأكراد والتركمان، ولا يمكن رسم الحدود التي تفصل الإقليم السني عن باقي مناطق العراق من دون حدوث نزوح مليوني شخص على أقل تقدير، فمدن تلعفر في محافظة نينوى، وبلد والدجيل في محافظة صلاح الدين هي مدن شيعية وفي نفس الوقت تقع في نطاق الإقليم السنّي المفترض، ويُضاف إلى ذلك أن أي محاولة لخلخلة التوزيع الديموغرافي ستلاقي رفضًا سياسيًا من الأطراف الأخرى، مثل هذه الأمور تصعّب من إيجاد الأرضية اللازمة لتشكيل إقليم مناطقي وطائفي سني، من هنا تبرز الدعوات إلى تلبية المطالب السنية في هذا المجال من خلال منح السنّة صلاحيات على مستوى محافظاتهم ولكن في إطار عراق موحد.

 عندما تبنت بعض الأطراف السنية فكرة إقامة إقليم سنّي، كان التبني نابعًا من استجابة طبيعية للاضطهاد الذي تعرض له السنّة، ومما زاد في رغبة المكون السنّي في إقامة إقليم لهم، ما لمسوه خلال فترة نزوحهم بسبب هجوم داعش على مناطقهم إلى إقليم كوردستان مدى ما يتمتع به من استقرار سياسي وأمني واقتصادي، مقرون بإشادة دولية بهذه التجربة في هذا الجزء من العراق، والذي يكاد يكون الأفضل من حيث تنفيذ القانون وتقديم الخدمات، وعلى الرغم من الجهود المبذولة والمتواصلة يظل مستقبل الإقليم السني في العراق مجهولًا وسيبقى حبيس الظروف ومستجدات الأوضاع السياسية، ويظل تحقيق هذا الهدف بعيد المنال في ظل الظروف الحالية.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق