الجمعة، 2 أغسطس 2024

مأساة البنغال المسلمة بين مجاعتين.. من تاريخ الإجرام الإمبريالي للإنجليز

مأساة البنغال المسلمة بين مجاعتين.. من تاريخ الإجرام الإمبريالي للإنجليز

 

للجوع آثاره المفجعة على الإنسان الفرد والمجتمع، ولذلك تعوذ رسولنا صلى الله عليه وسلم من الجوع، في أحد فصول حروب الاستغلال الغربي ضرب الإنجليز البنغال المسلمين بسلاح المجاعة حتى فعل فيهم فعله، وأرداهم من بعد عز؟


الموت جوعاً، واحدة من أقسى وأبشع الميتات، فصاحبها يموت ببطء وبالتدريج وعلى مدى زمني طويل يتراوح فيه بين الأمل والعجز، والحياة والموت، والألم والمعاناة، ينسل فيها ثوب الحياة شيئاً فشيئاً دون القدرة على رتقه حتى يتمزق بالكلية، لذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الجوع ويصفه ببئس الضجيع، يعني شر ما يصاحب الإنسان في نومه على فراشه.

الجوع يدفع الإنسان للتخلي عن قيمه ومبادئه وربما دينه من أجل سد رمقه وتحقيق أمنه الغذائي، والإسلام تعامل مع الجوع بمنتهى الواقعية فأباح للجائع ذي المسغبة أن يأكل ما حرمه الله تعالى من الميتة ولحم الخنزير والمحرماتبقدر- ليسد جوعه، وأباح له طعام غيره ولو بالقوة أو النهب من غير إيذاء بدني لغيرهبقدر-ليدرك نفسه قبل الهلاك.

للجوع مخاطر وتداعيات كثيرة اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية على الأفراد والمجتمعات والدول، فالجوع هو الخطر الأول الذي يهدد صحة الإنسان في العالم، ويتجاوز ضحاياه كل عام ضحايا كل الأوبئة الفتاكة. ولا يؤثر الجوع فقط على الفرد، بل يفرض أيضا عبئا أخلاقيا وإنسانيا واقتصاديا هائلا على البلاد التي تقع بها المجاعات. وأشد هذه التحديات أن الجوع لا يدمر الحاضر وحده أنما يأكل معه المستقبل أيضاً.

وفي التاريخ العديد من المجاعات الكبرى التي ضربت بلاد الإسلام كانت فيها أصابع العدوان والطغيان الغربي بارزة، فمعظم المجاعات التي تعرضت لها البشرية كانت للأسف من صنع البشر، ولكن ليس عامة البشر، ولكن فئة محددة منهم تجسدت فيها كل معالم الانتهازية والإجرام والطغيان والعداوة الدينية والعرقية والعنصرية، إنه الغرب الليبرالي الامبريالي، ناهبو الثروات وسارقو الخيرات وأعداء الإنسانية عامة، والمسلمين خاصة.

وهذه واحدة من صفحات تاريخ إجرامهم بحق البشرية والمسلمين شاهدة على مدى حقارة الغرب ووحشيته . وهي صفحة مجاعات إقليم البنغال المسلم تحت الاحتلال الانجليزي خلال قرنين من الزمان.

 

 تدمير الزراعات والمحاصيل الجيدة والمفيدة بمساحات شاسعة من أجل زراعة مخدر الأفيون الذي كان يباع في المستعمرات البريطانية بأرباح خيالية ليضرب الانجليز بذلك عصفورين بحجر واحد؛ أرباح طائلة، وتغييب الشعوب المحتلة

غلطة الكبير كبيرة

لم يكن سلطان المغول المسلمين نور الدين سليم جهانكير (حكم من 1605-1627) يعلم مدى خطورة وأثر قراره بالموافقة على معاهدة التبادل التجاري مع الإنجليز، وموافقته على بناء مراكز تجارية لشركة الهند الشرقية الإنجليزية في أنحاء متفرقة من بلاده الكبيرة، لم يكن يعلم أن هذه المعاهدة ستكون فاتحة عهد جديد تفقد فيها سلطنة المغول المسلمين العظيمة في الهند نفوذها وسيطرتها على البلاد تدريجياً وعبر قرنين من الزمان تمكن خلالها الانجليز من تحويل شركتهم التجارية لأقوى أسلحة الهيمنة والسيطرة على أحد أكبر وأعظم الممالك المسلمة في التاريخ المعاصر في مرحلة ما قبل انطلاق الثورة الصناعية.

أيضًا لم يكن حفيده السلطان العظيم الفقيه أورنگزيب يعلم مدى أثر فعلته عندما أذل الشركة الإمبريالية وأغلق مراكزها بسبب سلوكها الإجرامي سنة 1689 ميلادية، حتى أرسلت الشركة مبعوثيها إلى مخيم أورنگزيب لطلب العفو وركع مبعوثو الشركة أمام سلطان المسلمين، ودفعوا تعويضاً كبيراً، ووعدوا بسلوك أفضل في المستقبل. فقد أضمرها الانجليز في أنفسهم وتربصوا للانتقام بإزالة حكم المسلمين عن الهند كلها.

فالشركة الإمبريالية، مستفيدة من الرعاية الملكية، كانت تعمل وفق أجندة استعمارية انتهازية لا تعرف اليأس أو الكسل، فسرعان ما وسعت عملياتها التجارية في الهند وأقصت المنافسين من البرتغاليين والهولنديين.

كانت شركة الهند الشرقية البريطانية تنظر إلى بلاد الهند، وفي القلب منها البنغال، على أنها غنيمة حرب اقتصادية وعسكرية ضارية انتصروا فيها على غيرهم من المنافسين الأوروبيين، ينظرون إليها على أنها عزبة ضخمة أو مزرعة كبيرة يجب الخروج بأرباحها وإيداعها في خزائن انجلترا، واحتاج تحقيق هذه الغاية لتحویل ثلة التجار الذين يقتصر دورهم المعتاد على عمليات التبادل التجاري التقليدية المعروفة، إلى حكومة عسكرية مسلحة مخيفة في الهند، آلة عسكرية كبيرة لا تبالي بأي خسائر أو ضحايا في سبيل تعظيم الأرباح وملئ الخزائن الملكية في أوضح تجلي للعقلية الرأسمالية الإجرامية التي مزجت بين الجشع الاقتصادي والحقد الديني والاستعلاء العنصري في كيان سيتسبب في أبشع وأفظع المجاعات التي عرفتها البشرية في التاريخ المعاصر.

وحتى تتضح الصورة كان لابد من الرجوع لقرون خالية نتعرف فيها على تاريخ دخول الإسلام إلى البنغال، وكيف حكمها المسلمون لقرون حتى جاء الانجليز بعساكرهم ومتاجرهم ومصانعهم ليتسببوا في معاناة ومجاعة هي الأبشع في التاريخ، والأعجب من ذلك أن المجاعة تكررت عبر قرنين من الزمان لتثبت أن الضباع لن تتخلى عن طباعها يوماً مهما طال الزمان .

دخول الإسلام البنغال

دخل الإسلام إلى إقليم البنغال مبكراً في القرن الأول الهجري على يد التجار المسلمين الذين أقاموا مراكز تجارية بالبنغال، وصاهروا أهلها ونشروا الإسلام بينهم، و شيدوا المساجد، وكونوا الجاليات الإسلامية، ظلت تعيش بسلام مع سكان البنغال الأصليين لقرون، كانت البنغال وقتها تحت حكم الهندوس.

فُتحت البنغال على يد السلطان "محمد بن بختيار الخلجي"، وتوغل في إقليم البنغال، وقد تمت فتوحاته فيما بين سنوات (۱۲۰۰- 1204م) (596-600 هـ)، وتعاقب على حكم البنغال عدد من الممالك الإسلامية التي أخذت على عاتقها نشر الدعوة شرق القارة الهندية، وكانت البنغال في عهدهم قوة اقتصادية عظمى ومركزًا تجاريًّا عالميًّا. وقد اشتهرت سلالة "إلياس شاه" حكام البنغال بإصلاحاتها العديدة بالمنطقة، وظلت البنغال تحت سيطرة الحكام المسلمين وقيادتهم نحو خمسمائة وأربع وخمسين عامًا، منذ عام 1203 م وإلى عام 1757 م وهي السنة التي هُزم فيها آخر الحكام المسلمين الأقوياء للبنغال " سراج الدولة ميرزا محمد" في معركة " بلاسي" بسبب خيانة قائدة "مير جعفر" أمام الإنجليز الذين منحوا شركة الهند الشرقية كامل السيطرة على إقليم البنغال شديد الثراء.

مجاعة البنغال الأولى سنة 1770 م

بعد مقتل سراج الدولة آخر حكام المسلمين الأقوياء في البنغال، أجلس الإنجليز الخائن " مير جعفر " مكانه مكافأة على خيانته لدينه ووطنه، وأصبح خلفاؤه من حكام البنغال مجرد دمى وخيالات مآته بأيدي شركة الهند الشرقية، يعتمدون علي دعمها العسكري والمالي للبقاء في الحكم.

 

فقد كان لدى الإنجليز أجندة اقتصادية لا ترحم عندما تعلق الأمر بالسياسات الاقتصادية التي تبنوها في الهند، أجندة تسببت في عشرات المجاعات التي راح ضحيتها أكثر من ستين مليون من الهنود معظمهم من المسلمين

كيف تسببت سياسات شركة الهند الشرقية لحدوث المجاعة؟

انتهجت الشركة الاستعمارية الإجرامية عدة إجراءات من منطلق فكرها الرأسمالي البشع المتجرد من أي معاني للإنسانية والرحمة، من أهم هذه الإجراءات:

1- رفع الضرائب

كان من أهم استحقاقات سيطرة شركة الهند الشرقية على إقليم البنغال الشاسع؛ حصولهم على الديواني أي حق جمع الضرائب من أهل البنغال. وبصفتها شركة تجارية، كان أول أهداف الشركة هو تعظيم أرباحها، ومن خلال حقوق جباية الضرائب، كانت الأرباح التي يتم الحصول عليها من البنغال تأتي من ضرائب الأراضي بالإضافة إلى التعريفات التجارية بعد السيطرة على الأراضي، فتمت مضاعفة ضرائب الأراضي إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه، من 10% إلى ما يصل إلى 50% من قيمة الإنتاج الزراعي. وفي أول أعوام حكم شركة الهند الشرقية البريطانية، تمت مضاعفة إجمالي الدخل من الضرائب ومعظم هذه العائدات خرجت من الدولة. ومع اقتراب المجاعة من ذروتها في أبريل عام 1770، أعلنت الشركة أن ضرائب الأراضي في العام القادم ستتم زيادتها بنسبة 10% إضافية. وذلك دون أدنى مبالاة للجفاف الذي ضرب الإقليم .

2-تدمير الزراعات والمحاصيل الجيدة والمفيدة بمساحات شاسعة من أجل زراعة مخدر الأفيون الذي كان يباع في المستعمرات البريطانية بأرباح خيالية ليضرب الانجليز بذلك عصفورين بحجر واحد؛ أرباح طائلة، وتغييب الشعوب المحتلة ووقعها تحت تأثير وهيمنة الاحتلال دون أدنى مقاومة. وقد أدى ذلك لشح الأقوات والطعام وقت حدوث الجفاف مع بداية المجاعة.

3-حظر تخزين الحبوب خاصة الأرز تحت دعوى محاربة الاحتكار، فالشركة هي المحتكر الوحيد الذي يحق له تخزين أي كميات من الحبوب والتحكم في أسعارها، وبحلول وقت المجاعة لم توفر الشركة أي خطط من أجل التعامل مع نقص الحبوب، وكانت الإجراءات لا تتخذ إلا بقدر ما تؤثر على التجارة والفئات التجارية. وقد انخفضت عائدات الأراضي بنسبة كبيرة مما أدى خلال أربع سنوات لوفاة حوالي عشرة ملايين بنغالي أغلبهم من المسلمين جوعاً في واحدة من أسوأ المجاعات عبر التاريخ.

مجاعة البنغال 1943

"إنني أكره الهنود، إنهم قوم متوحشون ويتبعون ديانة متوحشة-يقصد الإسلام-،كانت المجاعة خطأهم هم لأنهم يلدون مثل الأرانب".

بتلك العبارات التي تفيض كراهية وعنصرية وحقد ديني وعرقي دافع رئيس الوزراء الانجليزي الأشهر وينستون تشرشل عن موقف الحكومة الانجليزية إزاء المجاعة التي تسببت فيها السياسة الانجليزية في البنغال في أتون الحرب العالمية الثانية.

فقد كان لدى الإنجليز أجندة اقتصادية لا ترحم عندما تعلق الأمر بالسياسات الاقتصادية التي تبنوها في الهند، أجندة تسببت في عشرات المجاعات التي راح ضحيتها أكثر من ستين مليون من الهنود معظمهم من المسلمين خلال قرنين من الزمان، آخرها كانت مجاعة البنغال سنة 1943 ميلادية.

كانت الحرب العالمية الثانية اختباراً جديداً للبشرية أكد فيه الغرب على انعدامه لأدني القيم والأخلاق والمعاني الإنسانية، اختباراً سقط فيه الغرب الانتهازي الليبرالي والامبريالي بجدارة. فأين هؤلاء الأذناب الذين يرددون ترهات الغرب وأكاذيبه وشبهاته عن وحشية الإسلام واضطهاده لحقوق الإنسان؟!

كان من قدر إقليم البنغال المسلم أن يقع أثناء الحرب العالمية في قلب الحدث والصراع بين الغرب واليابان. فالبنغال كان أحد نقاط التماس بين النفوذين الانجليزي والياباني، لذلك كان الثمن الذي دفعه غالياً وباهظاً للغاية.

اليابان احتلت بورما سنة 1942ميلادية فاندفع مئات الآلاف من أهلها غرباً ناحية الهند عبر إقليم البنغال، وخافت إنجلترا من وقوع البنغال تحت الاحتلال الياباني فاعتمدت سياسة الأراضي المحروقة في شمال شرق الهند حتى لا يكون لليابانيين موطأ قدم ولو كان الثمن هلاك ملايين المسلمين البنغال جوعاً.

أدى ذلك إلى شح المواد الغذائية مع استحواذ البريطانيين على محصول الأرز وتصديره إلى بلادهم وتم تصدير نحو سبعين ألف طن من الأرز في الفترة المحصورة بين يناير 1943 وأغسطس من العام نفسه، ورفض تشرشل الاستغاثات المتكررة بإرسال المواد الغذائية إلى الهند متعللاً بقلة عدد السفن المتوفرة على الرغم من توافر أسطول كبير من السفن الاسترالية التي كانت تنقل القمح باستمرار إلى إنجلترا عبر السواحل الهندية!!

يصف المؤرخون المجاعة بمشاهد مروعة لمعاناة الشعب البنغالي في تلك الحقبة. فقد عمد البعض منهم إلى الإلقاء بأبنائهم في الأنهار والآبار، بينما انتحر الكثيرون، وكان الأطفال يقتاتون على أوراق الأشجار والحشائش، بينما اضطرت الكثير من النسوة إلى امتهان البغاء من أجل إطعام أطفالهن. وبلغت الحالة من السوء بحيث تعذر على الكثير من البنغاليين حتى دفن جثث موتاهم التي أصبحت طعامًا للكلاب والضباع.

كل ذلك وتشرشل يفضل إرسال المعونات والغذاء إلى اليونانيين على إرسالها إلى البنغاليين، فهؤلاء من العرق الأبيض المتحضر النصراني، والآخرون من عرق أسود أدنى وأتباع دين وحشي متخلف بزعمه-.

الآثار الاجتماعية والسياسية لمجاعات البنغال عبر التاريخ

قرنان متتاليان من الخضوع تحت وطأة احتلال قاسي القلب عديم الإنسانية شديدة العداوة الدينية والعنصرية يحدثان الكثير من الآثار السلبية والتغيرات الاجتماعية في المجتمع البنغالي وأي مجتمع يستمرئ الظلم والطغيان ويتأقلم معه. فالظلم يفسد القلوب والعقول والنفوس ويغير الطباع والأخلاق والسلوك. وهذا ما حدث مع البنغاليين تماماً.

فعلى الرغم من انتماء معظم البنغاليين للإسلام الذي يبث في نفوس أتباعه جرعات عالية من الاستعلاء والطهر والأنفة من الظلم والطغيان، ويحض أتباعه على مقاومة الطغيان والفساد بكل الوسائل المتاحة، إلا إن كثيراً من البنغاليين تأثر بالاحتلال واستسلم لسوط جلاديه فلم يسجل التاريخ أي حركة للمقاومة الشعبية أو الجهاد ضد المحتل الانجليزي. فلما وقعت المجاعات لم يكن لدى البنغاليين الحصانة العقدية أو القوة المعنوية اللازمة للتصدي لإجراءات الإنجليز الإجرامية ضدهم، ولم يحركوا ساكناً نحو منع نهب ثرواتهم وسرقة خيرات بلادهم الذين زرعوها بأيديهم. وجاء ردّ الفعل مثالاً على أثر الظلم والاستبداد في إفساد العقول والنفوس.

فعندما وقعت مجاعة البنغال الأولى والتي راح ضحيتها عشرة ملايين بنغالي معظمهم من المسلمين، أخذ البنغاليون في الهروب إلى الغابات بحثاً عن الطعام في البرية المتوحشة وهجروا القرى والمساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية. ومع الوقت تحول هؤلاء البنغال في الغابة إلى برابرة أخلاقهم مثل أخلاق وحوش الغابة، واختفى أثر الدين من حياتهم، وكثير منهم أصبح لا يعلم عن الإسلام شيئاً، وعمّ الجهل والفقر على سكان الغابات وعادت إليهم العقائد الوثنية وعبادة الأشجار والحيوانات، وانتشرت الهندوسية في الجزء الغربي من البنغال نتيجة الاحتكاك مع إمبراطورية مارثا الهندوسية التي استغلت الفقر والجوع لتحويل المسلمين إلى الهندوسية.

أيضًا انتشرت العصابات وقاطعي الطرق وأصبحت بلاد البنغال مأوى المجرمين حيث المال هو أهم شيء في حياتهم وأنهم عديمي الدين والضمير والأخلاق، وكل ذلك من آثار المجاعات السابقة التي جعلت بلادهم في حقبة ماضية من الزمان مأوي للمجرمين وقطاع الطرق.

أيضا نشأت عداوة عصبية وعرقية لم تنمح حتى اليوم بين الهنود والبنغاليين بسبب موالاة الكثير من الهنود الهندوس للإنجليز ومعاونتهم لهم في ظلم البنغاليين، أضف إلى ذلك اختصاص الإنجليز للهندوس بالتعليم والصحة والخدمات والوظائف العامة، في حين تم حرمان البنغاليين منها، فعمّ الجهل والمرض والفقر في أواسطهم، وتنامي شعور الغضب مع الوقت، خاصة عندما حاول البنغاليون الهجرة إلى وسط جنوب الهند هرباً من المجاعات والأوبئة، حيث قابلهم الهنود عامة والهندوس خاصة بأسوأ لقاء، فحجزهم في الضواحي والأحياء الفقيرة ومنعوا الاختلاط معهم . وهذه العداوة مازالت قائمة حتى اليوم فحكومة مودي الهندوسية المتعصبة تخطط لطرد أحفاد البنغاليين المهاجرين والمستوطنين في ولاية آسام وعددهم 4 مليون بنغالي بحجة أنهم ليسوا من سكان الهند الأصليين على الرغم من مرور عشرات السنين على وجودهم بالولاية!!

أما بالنسبة للآثار السياسية فإقليم البنغال الضخم والثري والذي حلبه الانجليز وسرقوا خيراته تحول لأحد أفقر بقاع الهند وأكثرها تدنياً في مستويات المعيشة، مما لم يترك المجال لأبناء البنغال لتمثيل أنفسهم سياسياً لا على مستوى الأفراد أو الأحزاب إلا ما سمح به الإنجليز من بعض الأحزاب العلمانية الموالية لهم، ولولا جهود قادة ورجال الجماعة الإسلامية في الهند والتي امتد أثرها بعد الاستقلال ثم الانفصال لذهب الإسلام من بلاد البنغال بلا رجعة.

أما أعجب أثر سياسي للمجاعة في البنغال فتمثل في كون مجاعة البنغال سنة 1770 والتي أدت لهلاك 10 مليون بنغالي جوعاً كانت السبب المباشر لاندلاع حرب الاستقلال في أمريكا سنة 1775 ميلادية. وذلك لأن شركة الهند الشرقية ضغطت على البرلمان الإنجليزي من أجل تمرير قانون لرفع رسوم الاستيراد على الشاي المشحون إلى أمريكا لتعويض خسائرها بسبب المجاعة وبالفعل صدر قانون الشاي سنة 1773 ميلادية مما أدى لثورة التجار والمواطنين في أمريكا وتم تنظيم أول حركة سياسية مسلحة معارضة للإنجليز في أمريكا واسمها "حفلة الشاي" ومازالت تلك الحركة موجودة وتعمل بنشاط في أمريكا كلوبي قوي في البرلمان- وهي الحركة التي ستؤدي لاندلاع حرب الاستقلال سنة 1775 ميلادية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق