بقلوب راضية بقضاء الله وقدره، ملؤها الحزن والأسى، وبغضب عارم يشتعل في صدورنا ضد المحتلين المعتدين، ننعي إلى الأمة الإسلامية والعربية والشرفاء في العالم، استشهاد القائد المجاهد الرمز الدكتور إسماعيل هنية وحارسه الخاص وسيم أبو شعبان (رحمهما الله) في عملية عسكرية غادرة، نفذتها قوات الاحتلال المجرمة داخل إيران.
وإننا نعزي الأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني في استشهاد القائد المجاهد إسماعيل هنية، كما نعزي أهله ومحبيه ورفاقه، وندين بأشد العبارات هذا العمل الإجرامي الوحشي الذي أقدم عليه الاحتلال، والخزي والعار للأعداء، ولمن يقف معهم، وهم يثبتون كل ساعة دناءتهم وإجرامهم.
كيف أرى هذا المجاهد البطل "وترجل الفارس" (رحمه الله)؟
إسماعيل هنية أبو العبد؛ مجاهد لم يذق طعم الراحة لحظة، ناضل في صفوف الطلاب، وقاد الكتلة الإسلامية في جامعة غزة، والكتل الإسلامية في فلسطين من مصانع الرجال، ومن مدارس تخريج قادة الشهادة؛ فمنها تخرج الشهيد صالح العاروري والقائد الأسير إبراهيم حامد في الضفة، وفي غزة مطلع الثمانينات تعاقب على قيادة الكتلة الإسلامية خالد الهندي ويحيى السنوار ويحيى موسى وإسماعيل هنية وأسامة المزيني، وكلهم من سادات العصر.
قال عنه الشهيد نزار ريان (رحمه الله): "عندما اخترنا أبو العبد لخلافة الدكتور عبد العزيز قائدا للحركة في القطاع، لم يكن أبو العبد الأقدم بيننا ولا الأكبر سناً، لكنّه كان الأكثر إجماعاً وحباً بين الجميع".
المجاهد، والرمز الإنساني والاجتماعي، والأب الحنون، والمربي الذي يؤم المصلين في صلاة التراويح يحبر كتاب الله تحبير الصدر الأول، ويرتقي بمأموميه منازل التزكية في جو روحاني يقف بهم متدبرا آيات الشكر والصبر والابتلاء والتمكين والشهادة سائلًا الله أعلى المنازل، مستذكرا آلاف السابقين من الشهداء الذين ارتقوا من غير تبديل ولا تحريف، متضرعًا إلى مولاه يسأله اللحاق بهم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مزلة.
ولقد ارتقى الدكتور هنية (رحمه الله) اليوم وهو من أعلام الجهاد والنضال الوطني، ورمزاً من رموز المقاومة والصمود، ورجلاً أفنى حياته، وحياة أسرته في مسيرة الكفاح والدفاع عن قضيته في التحرير، ودفاعاً عن حقوق أمته الإسلامية، ووطنه "فلسطين"، ولم يرضخ للظلم، وصبر على الابتلاء، ولم يستسلم للظلم والقهر والملاحقة والتضييق، بل استشهد (بإذن الله) بعد أن خلده التاريخ نموذجًا للقيادة الشجاعة والحكيمة، وصوتًا للحق في مواجهة الباطل، ومشروع شهادة، وقد مضى على ذات النهج الذي سار عليها أبطال ورموز كبار من هذه الأمة الولَّادة من أمثال الشيخ عمر المختار وعبد القادر الجزائري وعبد الحميد بن باديس وعز الدين القسام، والشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وعزالدين القسام (تقبلهم الله جميعاً).
سلام عليك أيها القائد الرجل، وسلام على من سبقوك من أحبّتك، ومن شهداء هذه الأمّة، وهنيئاً لك يا أبا العبد؛ طلبت الشهادة، ونلتها بمشيئة الله، ولا نزكي على الله أحداً. وسلام على من سيسيرون على دربك إلى يوم الدين. ولا شك بأن قيادة المقاومة الوطنية الفلسطينية الباسلة، والشعب الفلسطيني البطل، قادرين على الإتيان بقيادات صلبة في مواجهة المعتدين، وثابتة على الحق والمبدأ، وبمطالب التحرير.
ندعو قادة العالم أجمع إلى إدانة هذه الجريمة النكراء، واعتبار دولة الاحتلال دولة إرهابية، كما نوجه دعوة لأحرار العالم، وقيادات وحكومات الأمة العربية والإسلامية، لوضع حدٍّ لهذه الحرب الظالمة الغاشمة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في غزّة الصامدة، والذي يتعرض للقتل والحصار والتجويع بشكل يومي على أيدي قوات الاحتلال الإجرامية.
عن تجربته النضالية كتبوا:
في نهاية الثمانينات نظَّم القائد الشهيد إسماعيل هنية الصفوف وقاد الجماهير في الانتفاضة الأولى، وعرف ظلمة السجون وعسف الجلادين فما لان ولا استلان، وكان مع صفوة الصفوة من هذا العصر في مرج الزهور مبعدا ثابتا مع إخوانه حتى عاد مرفوع الرأس إلى غزة مستأنفا مشواره الجهادي الحافل، و الإبعاد إلى مرج الزهور مرتبة بدرية في تاريخ الجهاد الفلسطيني فقد كان رجوع أولئك الأخيار بداية دحر العدو وإرغامه.
امتاز هنية في مشواره القيادي الموفق بالقدرة على جمع القلوب فهو سهل الخليقة لين في أيدي إخوانه، شديد على أعدائه، حباه الله بالقرب من الإمام المعجزة المؤسس الشيخ احمد ياسين فتلقى أنفاسهم المباركة غضة طرية، فكان أمينا على عهد البيعة مع الله وعلى ميثاق الأخوة، وهذا ما عبر عنه الشهيد المحدث نزار ريان يوم قال "عندما اخترنا أبو العبد لخلافة الدكتور عبد العزيز قائدا للحركة في القطاع، لم يكن أبو العبد الأقدم بيننا ولا الأكبر سناً، لكنّه كان الأكثر إجماعاً وحباً بين الجميع".
كيف لا يكون أبو العبد الأكثر حباً بين الجميع وهو الذي يمر به كل شخص يريد لقاء الشيخ احمد ياسين حين كان يدير مكتبه لسنوات عديدة؛ فالقرب من الكبار يكسب المرء من أخلاقهم وزهدهم وسمتهم الشيء الكثير، وهو المعبر عنه في أدبيات أرباب التربية بأنفاس الصالحين، وفي مصطلحات المحدثين بـ"مشامة الرجال"؛ فالقرب من الصالحين المصلحين فضيلة، والتأسي بهديهم توفيق والثبات على طريقهم اصطفاء.
ترى في قسمات وجه إسماعيل هنية الصبوح كل تاريخ القضية الفلسطينية؛ من انتفاضتها الأولى، وأيام التجنيد في أزقة المخيمات، وبداية التحلق في المساجد، والسعي الدؤوب لإنشاء النقابات المهنية، وتشكيل الخلايا العسكرية الأولى والثانية والثالثة، وترى في وجهه عنفوان الانتفاضة الثانية، وما لحقها من وداع القادة المؤسسين وتحمل الأمانة الثقيلة.
حاول الإسرائيليون، ومن يدور في فلكهم من العملاء أن يشوهوا سيرة القائد أبي العبد الناصعة، وأن يغتالوه معنويا بحملات التشويه المغرض، فلما أعجزتهم سيرته انتقموا منه بقتل أبنائه وأحفاده يوم عيد فازداد رفعة في قلوب المسلمين لما وهبه الله من ثبات الجنان وصدق التوكل وبرد اليقين، وعند عجزهم عن تشويه القمر ليلة البدر لم يجدوا بدا من التخلص منه شخصيا ليبدأ حياته الأبدية خالدا مخلدا على طريق القدس أرض الأنبياء.
حياة هنية وعطاءاته لا يحاط بتفاصيلها؛ فكل لحظة من حياته جهاد وعطاء، وكل كلماته مواثيق تحرير، وهي من الكلمات التي قال عنها الشهيد سيد قطب "إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة"، دبت الحياة في كلمات إسماعيل هنية بشهادته وشهادة أبنائه وهو يقود مسيرة التحرير مهاجرا مرابطا.
رحم الله القائد الشهيد الدكتور إسماعيل هنية أبو العبد، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق