ثورة البنغال.. هل تتلافى أخطاء نظيراتها العربية؟
تتشابه ثورة البنغال ضد حكم حسينة واجد مع ثورات الربيع العربي في بعض الوجوه، فهي من الثورات قصيرة المدة (حوالي شهر- انطلقت مطلع يوليو/ تموز المنصرم)، وهي بذلك تقترب من مدة الثورة التونسية (حوالي شهر أيضا)، بينما استمرت الثورة المصرية ١٨ يوما، كما أنها دفعت رئيسة الحكومة للفرار كما فر قبلها زين العابدين بن علي، وهي تتشابه مع الثورة المصرية في موقف الجيش الذي استغل الثورة للإمساك بالحكم فورا، ودعوة المتظاهرين للعودة إلى بيوتهم، ومنح الفرصة له لتشكيل حكومة جديدة، وتتشابه (جزئيا) في مظهر سلب المحتويات من قصر الحكم في العاصمة دكا، وبعض المقرات الحكومية الأخرى، مع ما حدث في مصر خلال ثورة يناير.
وكما كان الوضع في ثورات تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن فقد تصدر الشباب ثورة البنغال، وقادت الحراك مجموعة “طلاب ضد التمييز” احتجاجا على نظام الحصص الوظيفية (الكوتا) الذي وضعه قبل خمسة عقود مجيب الرحمن والد حسينة واجد، وبموجبه كانت الحكومة تحجز 56% من الوظائف العامة لأنصارها، ممن يطلق عليهم المحاربون القدامى (الذين شاركوا في حرب الانفصال عن باكستان) وأحفادهم، وبعض الفئات المهمشة (كانت هذه فرصة لكسب بعض الفئات لصالح حزب عوامي الذي تراسه حسينة واجد).
ورغم أن الحكومة ألغت هذه الكوتا مؤخرا مكتفية بحجز حصة قليلة للمحاربين القدامى والفئات المهمشة (7% فقط) ، إلا أن الثورة التي اندلعت مطلع يوليو/تموز الماضي كانت قد رفعت سقف مطالبها أسوة بما حدث من قبل في الثورة المصرية التي كان مطلبها بسيط في البداية بمعاقبة المتورطين بالتعذيب في جهاز الشرطة، وإقالة وزير الداخلية، لكنها تصاعدت إلى المطالبة بإسقاط النظام، وهو ما تكرر بالضبط في بنغلاديش التي رفع المتظاهرون فيها مطالبهم إلى إسقاط حكم حسينة واجد.
ثورة كرامة
هي ثورة كرامة إذن قبل أن تكون ثورة جياع، فنظام الحصص أو الكوتا الوظيفية قسّم البنغاليين إلى شعبين، “انتو شعب واحنا شعب”، أحدهما يحتكر أكثر من نصف الوظائف رغم أنه أقلية (1% فقط)، بينما الأغلبية العظمى تناضل من أجل الحصول على وظيفة. لم يكن هذا التمييز مقتصرا على الوظائف الحديثة بل إنه امتد إلى امتيازات استثنائية أخرى، وإلى المناصب العليا والمهمة التي منحت لتلك الأقلية، وتحصينها ضد المساءلة، مع تجاهل أصحاب الكفاءة والخبرة من عموم الشعب ممن لم يشاركوا هم أو آباؤهم في الحرب ضد باكستان.
لم تكن الانتفاضة الحالية هي الأولى ضد نظام الحصص، بل سبقته انتفاضة أخرى في العام 2018 دفعت الحكومة حينها برئاسة حسينة واجد نفسها إلى إلغاء النظام، لكن منظمة للمحاربين القدامى رفعت دعوى ضد قرار الحكومة فأصدرت المحكمة حكما في 5 يونيو/حزيران الماضي بإعادة نظام الحصص، وهو ما تسبب في عودة الاحتجاجات، ورغم أن المحكمة العليا أسقطت هذا الحكم، إلا أن شرارة الثورة كانت قد اندلعت متجاوزة هذه القضية لما هو أكبر وهو إسقاط الحكومة، واستعادة الحرية والديمقراطية والعدالة بشكل كامل، وقد واجهت حكومة حسينة هذه الاحتجاجات بالقوة الغاشمة من ناحية والسخرية من الطلاب، على طريقة: “خليهم يتسلوا” لأن مظاهراتهم حسب كلامها لا قيمة لها.
القوة الغاشمة
تسببت القوة الغاشمة في سقوط مئات القتلى من المتظاهرين، وحتى بين رجال الأمن، بخلاف 10 آلاف معتقل من المتظاهرين، ولم تكتف الحكومة باستخدام الشرطة في قمع المتظاهرين، بل استعانت أيضا بالبلطجية في صورة ما يسمى شباب حزب عوامي الحاكم، وهو ما أسهم في تصاعد غضب المتظاهرين، واقتحموا أخيرا مكتب حسينة نفسها، واستولوا على بعض محتوياته، من أثاث وأجهزة كهربائية والكترونية، وربما وضعوا أيديهم على الملفات والأوراق الرسمية السرية الخاصة برئيسة الوزراء وهو ما سيظهر لاحقا بعد عودة الإنترنت الذي قطعته الحكومة للتعتيم على المظاهرات، ومنع التواصل بين المتظاهرين (أسوة بما حدث في ثورة يناير المصرية أيضا).
رغم الإصلاحات الاقتصادية التي قادتها حسينة واجد (76 عاما)، وأسهمت في خفض معدلات الفقر، ورفعت معدلات التنمية في بنغلاديش، إلا أنها واكبت ذلك بحكم استبدادي (20 عاما) نافس في قمعه الأنظمة العسكرية الديكتاتورية، وقد سبق لحسينة أن تخلصت من أبرز خصومها السياسيين، وهم بالأساس قادة الجماعة الإسلامية في بنجلاديش (المعادل لجماعة الإخوان المسلمين)، وقد ركبت حسينة موجة الثورة المضادة منذ منتصف العام 2013 وحتى العام 2016 ونفذت مذبحة بحق ألف معارض وفقا لهيومان رايتس ووتش، كما أسست محكمة استثنائية أصدرت أحكاما بالإعدام تم تنفيذها ضد أمير الجماعة الإسلامية مطيع الرحمن نظامي وعدد من قادة الجماعة بسبب موقفهم المناهض لانفصال بنغلاديش عن باكستان عام 1971، وبعض الذين أٌعدموا تولوا مواقع وزارية في الحكومة الائتلافية بين الجماعة الإسلامية وحزب بنغلاديش القومي (خصم حزب عوامي) بين 2001 و2007.
شيطنة المعارضة
لم يقتصر قمع حسينة على الجماعة الإسلامية فحسب، بل شمل كل معارض بما في ذلك أحزاب وقوى علمانية وقومية، إذ اعتقلت 20 ألفا من منتسبي وأنصار الحزب القومي قبيل الانتخابات التي جرت في يناير/ كانون ثاني الماضي ما دفع الحزب لمقاطعة الانتخابات، وحبست غريمتها زعيمة المعارضة ورئيسة الحكومة السابقة خالدة ضياء (أفرج عنها بعد فرار حسينة)، كما استخدمت الجيش والشرطة والقضاء ومجموعات بلطجية في مواجهة معارضيها الذين كانت تتهمهم دائما بتهمة جاهزة “رزكار” أي مؤيدون لباكستان، أي خونة، أو تصنفهم كجماعات إسلامية متطرفة حتى لو كانوا من المعارضين لهذه الجماعات وهو ما أكسبها دعما هنديا وغربيا، وقد طالت ملاحقتها مؤسس بنك الفقراء والحائز على جائزة نوبل الدكتور محمد يونس الذي يواجه العديد من القضايا الزائفة التي يقف وراءها الحزب الحاكم بهدف المس بشعبيته التي تراها حسينة منافسة لشعبية والدها.
الآن أجبر الحراك الشعبي الشيخة حسينة على الفرار، لكنه كنظيره العربي لم يبلور من داخله قيادة تستلم مقاليد الحكم، لتعيد هيكلة الحياة السياسية في بنغلاديش بما يحقق العدالة والديمقراطية الحقيقية، وبالتالي تسلم الجيش السلطة، ودعا الشعب للهدوء، ومنحه الفرصة لترتيب الأوضاع.
لقد حدث هذا السيناريو في تجارب سابقة، والمأمول أن يكون شعب بنغلاديش قد استوعب تلك التجارب، فلا يكرر أخطاءها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق