الثلاثاء، 6 أغسطس 2024

لا يعرف قدر الرجال إلا الرجال!

 لا يعرف قدر الرجال إلا الرجال!

أحمد عبد العزيز

برحيل أبي العبد، إسماعيل هنية، انطفأ نجم ساطع قل نظيره في سمائنا.. ونعى أبا العبد أصحاب النخوة والمروءة، وشمت في "موته" المنافقون والسوقة، أما العملاء فقد ابتلعوا ألسنتهم، والتزموا الصمت..

لم يذكر الشهيد أبو العبد "زعيما" عربيا بسوء قط، لا تصريحا ولا تلميحا.. بل كان يكيل لهم المجاملات بغير حساب.. كان يدعوهم بـ"الأشقاء" و"الإخوة"، وكان يحثهم (بكل ما أوتي من لباقة وكياسة ودماثة خُلُق) على الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني الذي هو حق كل عربي ومسلم بالمناسبة، وكان يشكرهم، ويبالغ في شكرهم حتى على لا شيء! ومع ذلك، لم يذكروه بكلمة، باستثناء أمير قطر، ولو من باب "العرف الدبلوماسي" كونه كان رئيس وزراء فلسطين المنتخب، المتنازل طوعا عن منصبه؛ لجمع الشمل الفلسطيني.. وفي المقابل، تسابقوا لإدانة محاولة اغتيال "أذن" ترامب!

يذكر الشهيد أبي العبد "زعيما" عربيا بسوء قط، لا تصريحا ولا تلميحا.. بل كان يكيل لهم المجاملات بغير حساب.. كان يدعوهم بـ"الأشقاء" و"الإخوة"، وكان يحثهم (بكل ما أوتي من لباقة وكياسة ودماثة خُلُق) على الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني الذي هو حق كل عربي ومسلم بالمناسبة، وكان يشكرهم، ويبالغ في شكرهم حتى على لا شيء! ومع ذلك، لم يذكروه بكلمة، باستثناء أمير قطر

"المخروسة" إلا قليلا!

اسمها "مصر" على خريطة العالم، وتوصف بـ"المحروسة"، ولا أعرف كيف هي "محروسة" بينما أرضها وأصولها وآثارها تُسرق وتُباع علنا.. أصدرت خارجيتها بيانا تافها هزيلا لم يُدن عملية الاغتيال، ولم يأت على ذِكر إسماعيل، واعتبر حادث الاغتيال "تصعيدا خطيرا"، بمعنى آخر: من فضلك يا بيبي بلاش دوشة.. مش ناقصين وجع دماغ وإحراج!

على التوازي، كان الذباب الإلكتروني (الممول أمنيا) يلعن إسماعيل، ويعيد بث الأكاذيب التي طالما روجها بحق حماس؛ اغتيال المنسي، اغتيال الجنود في رمضان، اقتحام السجون.. إلخ.

ومن عجب أن ينتفض رئيس نادي الزمالك الأسبق مرتضى منصور المحامي (المعروف بالخلوق تهكما) دفاعا عن أبي العبد، ويبرِّئ حماس من كل الافتراءات المنسوبة إليها، وهو الذي يكره الإخوان المسلمين أكثر من كراهيته لأحمد شوبير.. سبحان الله! ربنا يصلح حالك يا مورتا..

فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب صنع لنفسه سقفا "منخفضا" لا يريد أن يتجاوزه، وكان بإمكانه أن يكون رقما صعبا، وحجر زاوية، في خضم هذه الأحداث التاريخية المفصلية، إذا ما أحسن تقدير مكانته الروحية وتوظيفها لدى الأمة الإسلامية، وليس عند المصريين فحسب.. كم كنت أتمنى أن يؤم الدكتور الطيب الصلاة على أبي العبد، فيرفع من شأن الأزهر، ويعظم من مكانته في نفوس المسلمين، ويعيده إلى بؤرة التأثير كما كان قديما، غير أنه اكتفى بنعي الشهيد.. فله الشكر والتقدير.. نعم له الشكر والتقدير، فالشيخ يدرك تماما أن نعيه هذا يزعج كلا من السيسي وابن زايد أيما إيذاء، ومع ذلك فعل.. موقف مُقدَّر مشكور..

عبد الحليم قنديل، الكاتب الناصري اليساري، عدو "الإسلام السياسي" اللدود، أو ما يسميه وفريقُه "الفاشية الدينية"، كتب مقالا بعنوان "صدَّقت الرؤيا يا إسماعيل"، يعجز عن كتابة مثله أديب "حمساوي" في إسماعيل:

"قد ننادي هنية من وراء حجاب الغياب اليوم، تأسيا بما نادى رب إبراهيم نبيه في واقعة الفداء العظيم، ونقول للشهيد: لقد صدقت الرؤيا يا إسماعيل، فذهابك إلى ربك لا يعني ذهاب حركة حماس من بعدك، وقد عشت نصف سنواتك الستين، وأنت ترى ما يتركه استشهاد المؤسسين والقادة على مصير الحركة، كانت حماس بعد كل نوبة استشهاد، يصعد نجمها ويقوى عودها وتزدهر خبراتها، إلى أن افتتحت عصرا جديدا في تاريخ المقاومة بزلزلة يوم طوفان الأقصى، وعلى نحو لم يكن يحلم به القادة الشهداء الأوائل، من المؤسس الشيخ المقعد أحمد ياسين إلى عبد العزيز الرنتيسي إلى إسماعيل أبو شنب إلى عماد عقل ويحيى عياش ورائد العطار وعدنان الغول وجمال سليم وجمال منصور وسعيد صيام ومحمود أبو هنود وأحمد الجعبري وغيرهم كثير".

ربنا يهديك يا عبده..

تركيا الرسمية والشعبية

أما تركيا قيادة وشعبا فلم تدخر وسعا في التعبير عن حزنها على إسماعيل، وتقديرها له ولمقاومته ضد العدو الصهيوني، عدو الإنسانية، وليس عدو العرب والمسلمين وحسب..

تركيا الرسمية أوفدت أركان الدولة؛ لتشييع أبي العبد: نائب الرئيس أردوغان، رئيس البرلمان، وزير الخارجية، رئيس جهاز المخابرات، وآخرين.. أما الشعب التركي، فقد خرج عن بكرة أبيه؛ تلبية لدعوة الشهيد التي حدد لها يوم 3 آب/ أغسطس الجاري؛ للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. امتلأت الشوارع والساحات بالجماهير، وضجت جنباتها بالهتاف لفلسطين..

تركيا الرسمية أعلنت الحداد يوما، ونكَّست العلم الذي لا يُنكس إلا لموت رئيس أو ملك تربطه بتركيا علاقات متميزة.. هذا أعلى وأسمى آيات التقدير الرسمي والدبلوماسي.. وقد استغلت تركيا تنكيس العلم في "إغاظة" الكيان الصهيوني الذي احتج على تنكيس العلم على سفارة تركيا في فلسطين المحتلة، وكان الرد التركي على الصهيوني: وانت مال أهلك.. هذه أرض تركية، ونحن أحرار عليها!

تقدير عظيم رسميا وشعبيا، غير أن العرب والمسلمين، وأهل غزة على وجه الخصوص، ينتظرون من تركيا ما هو أكثر، والقيادة التركية تعرف ذلك جيدا، وتعرف ما هو هذا "الأكثر".. ونرجو أن يوفقها الله لفعله، متجاوزة العوائق التي تحول دون تقديم "الأكثر"..

أيضا، وعلى نحو مفاجئ، توجه وزير الخارجية التركي حقان فيدان إلى العريش المصرية ومنها إلى معبر رفح، في زيارة ميدانية؛ لبحث سُبل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بعد أن احتل الجيش الصهيوني الجانب الفلسطيني من معبر رفح.. خطوة مهمة، في كسر الحصار، ومد أهلنا في غزة بأسباب الحياة، نرجو لها النجاح.

تميم

في السياسة.. السلوك والصمت أبلغ من الكلام في أحايين كثيرة.. فقوة الكلام مرهونة ببلاغة المتحدث، وليس بالضرورة أن يكون السياسي بليغ الكلام، غير أنه بإمكانه أن يكون بليغا جدا في سلوكه وسكوته، كلما اقتضى الحال، فيقول بالسلوك والسكوت ما أهو أبلغ من الكلام، وقد فعل تميم..

أراد تميم أن يقول: إسماعيل مني وأنا منه.. إنه من أهلي وآلي.. فخلع عقاله عملا بالعرف السائد في منطقة الخليج.. يخلع ذوو المتوفى أعقلتهم إذا كان من أرحامهم.. لم يكتف تميم بخلع عقاله، وإنما مد الخط على استقامته، فطلب أن يكون مثوى إسماعيل بين أفراد عائلته، وهو ما كان..

قالها تميم بأعلى طبقة صمت؛ ليسمع العالم، وهو يعلم علم اليقين ما سيجره عليه هذا الفعل من أذى! فهو متهم (من الأساس) بتمويل ما يسمونه "الإرهاب"، وها هو يقول لهؤلاء المأفونين دون أن يحرك لسانه: إن إسماعيل الذي تعدونه "إرهابيا" هو مني وأنا منه.. ولم يكن يضره ألا يفعل.. ويكفيه أن يكون ورئيس وزرائه في مقدمة مشيعي إسماعيل..

ولا ننسى حكومات وشعوب إيران، وباكستان، وأفغانستان، وماليزيا، وإندونيسيا، ووزير خارجية عُمان ومفتيها الجليل، والشعوب العربية وغير العربية التي تفاعلت على نحو يليق بهذا الحدث الجلل، وأخص بالذكر شعبي اليمن والمغرب الشقيقين..

وماذا عن محمود عباس (أبو مازن) ومَن على شاكلته من الأعراب والمنافقين؟

x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق