وحدة الساحات.. الاختبار الصعب
قطب العربي
ظهر شعار وحدة الساحات بقوة في معركة سيف القدس (10-21 أيار/ مايو 2021) إثر اقتحام المستوطنين الإسرائيليين ساحة الأقصى، والسعي لطرد أهالي حي الشيخ جراح، كان المعنى هو عدم ترك أهل القدس في مواجهة منفردة مع قوات الاحتلال، ولذلك انطلقت عشرات بل مئات الصواريخ من غزة إلى قلب الكيان، وانتفضت الضفة الغربية، وعرب 48، وكانت الشعوب العربية والإسلامية على الخط؛ تظاهرا، ومقاطعة، وتبرعا لدعم المقاومة.. الخ.
كانت معركة سيف القدس أول معركة تحدد المقاومة موعدها، وتمسك بمجرياتها، وتستخدم خلالها أحدث ما أنتجته محليا من أسلحة، وظهرت خلالها فصائل المقاومة في تناغم كامل من خلال مركز عمليات موحد.
اتسع مفهوم وحدة الساحات لاحقا، وظهر هذا المعنى الأوسع بعد معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فحين بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة، لم تقف حماس بمفردها بل انضمت إليها فصائل فلسطينية أخرى، لكن الأهم هو فتح جبهات قتال من الشمال عبر الحدود اللبنانية حيث حزب الله، وقوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية، ومن الشرق حيث توجد مجموعات عراقية مسلحة داعمة للمقاومة، ومن الجنوب حيث الحوثيين في اليمن، بل وانضمت إيران رسميا في إحدى الجولات بشكل مباشر ردا على عدوان إسرائيلي مباشر ضدها أيضا.. لكن ما مدى المشاركة غير الفلسطينية؟ وهل كانت هي المأمول ممن رفعوا هذا الشعار؟ وهل يمكن أن نشهد مشاركة حقيقية خلال الأيام المقبلة؟
يقف العالم الآن على أطراف أصابعه ترقبا لرد مكافئ من إيران على اغتيال قائد حركة حماس الشهيد إسماعيل هنية على أرضها، وفي ضيافتها، وقبله بيوم واحد اغتيال القائد العسكري والرجل الثاني في حزب الله، فؤاد شكر. قد يحدث هذا الرد خلال ساعات أو خلال أيام، وليس المقصود بالرد هو تلك الرشقات الصاروخية المعتادة والتي انطلق بعضها خلال الساعات الماضية، بل المقصود ضربة غير عادية. لقد تعرضت إيران، وذراعها الأبرز حزب الله لصفعة إسرائيلية قوية، ولن تستعيد هيبتها إلا إذا ردت بالرد المكافئ.
وهنا نحن أمام اختبار جديد لوحدة الساحات، حيث تتركز التكهنات على توجيه ضربة للكيان الصهيوني متعددة الاتجاهات، من الشرق والغرب والجنوب والشمال في توقيت متزامن، مما يربك دفاعاته، وقدرته على الرد.
حتى الآن لم تدخل إيران وأذرعها المعركة بثقلها، رغم أنها تعهدت بذلك حال تعرض المقاومة الفلسطينية لخطر حقيقي، والآن لم يقتصر الخطر على الجانب الفلسطيني بل تعداه إلى إيران نفسها؛ التي ضُربت في عقر دارها. طيلة الشهور العشر الماضية استخدمت إيران أذرعها في لبنان (حزب الله)، وفي اليمن (الحوثيين)، وفي العراق (كتائب المقاومة الإسلامية)، ولا يمكن لعاقل أن ينكر دور هذه الأذرع في دعم المقاومة الفلسطينية، وفتح جبهات جديدة تستنزف جزءا من قدرات العدو، لكن الحقيقة أيضا أن هذا الدعم ظل دون المستوى المأمول من حلفاء أصليين ومعلنين، يفاخرون بدعم المقاومة، بل لا نبالغ إذا قلنا إن حماس حين اتخذت قرارها بفتح معركة طوفان الأقصى فقد كان ضمن حساباتها دعما كبيرا من هؤلاء الحلفاء؛ الذين تعرضت الحركة بسببهم لانتقادات كبيرة من قطاعات في حاضنتها السنية الرئيسية، لكنها دافعت عن موقفها، مستندة أيضا إلى أن أيا من دول العالم السني لم تقدم لها من الدعم مثلما قدمت إيران وأذرعها، حتى وإن ظل دون المستوى المأمول.
ملامح الساحات تحددت، وكانت جنازة الشهيد إسماعيل هنية كاشفة لجزء منها، فالحلف الداعم للمقاومة -بدرجات متفاوتة- شارك في مراسم الجنازة التي أقيمت في الدوحة، أو أعلن حدادا، أو جنازات رمزية.. حضرت قطر بأميرها ووالده ووزرائه، وأركان حكمه، حضرت تركيا بنائب رئيسها ورئيس برلمانها ووزير خارجيتها ورئيس مخابراتها، ورؤساء بعض أحزابها، حضرت إيران بنائب رئيسها محمد رضا عارف، وهي التي ودعته في جنازة مهيبة على رأسها المرشد الأعلى وكل قيادات الدولة قبل وصوله إلى الدوحة بيوم واحد، حضرت أفغانستان بوفد حكومي رفيع، أعلنت باكستان الحداد وأقامت صلاة غائب في قلب البرلمان بمشاركة رئيس الحكومة شهباز شريف والوزراء والنواب من الموالاة والمعارضة، لبنان بدوره حاضر فهو ليس ضيفا بل صاحب ثأر. وإلى جانب هذه الدول فإن دولا أخرى لديها أجندات دولية تتشارك في بعضها مع حلف المقاومة ضد الهيمنة الأمريكية.
وفي المقابل، هناك الحلف الصهيوني والذي لا يقتصر على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والدول الأوروبية، بل إنه يضم دولا عربية وإسلامية أيضا. وهذه الدول العربية والإسلامية لم تندد بجريمة اغتيال هنية، أو أصدر بعضها بيانات باهتة لم تذكر اسم الشهيد، مثل مصر، وهو ما دفع رئيس حماس في الخارج خالد مشعل للقول في جنازة الشهيد: "لقد تركتنا دول كنا نظنها كبيرة". وهذه الدول عبرت عن أمنياتها من قبل بأن تجهز قوات الاحتلال على حماس وكل فصائل المقاومة في حرب غزة، وفق لرواية المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط دينيس روس، عقب لقاءاته مع بعض القادة العرب. وهذا الحلف الصهيوني بما فيه المكون العربي حدد موقعه من أي حرب إقليمية جديدة، بل هو منغمس بالفعل في معركة تصفية القضية الفلسطينية الجارية حاليا، وهو ذاته الذي يسرع الخطى لإدماج الكيان الغاصب في المنطقة في إطار التطبيع الإبراهيمي.
وإذا كان محور دعم المقاومة قد تأخر في تشكله فإن محور التطبيع مع الكيان قائم منذ فترة، ويربط جيدا بين كل جبهات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي من ناحية والاستبداد السياسي العربي من ناحية، ولذا لم يكن غريبا أن هذا المحور رتب 3 ضربات في وقت متزامن تقريبا، نجح في اثنتين منها، وهما اغتيال فؤاد شاكر، ومن بعده بيوم واحد إسماعيل هنية، بينما فشل في قتل رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق البرهان في نفس اليوم، عبر مسيّرة قتلت ضباطا آخرين في حفل تخرج عسكري. كما أنه ليس غريبا أن هذا الحلف يصعد قمعه ضد دعاة الحرية، والديمقراطية.
فالنظام المصري الذي امتنع عن حضور جنازة هنية، والذي أصدر بيانا هزيلا لم يذكر فيه اسمه، كما لم يسمح للمساجد الرسمية بإقامة صلاة الغائب، يقوم في الوقت نفسه باعتقال المزيد من النشطاء الرافضين للاستبداد الداخلي، وللعدوان الإسرائيلي أيضا، وكانت أحدث الحالات هو اعتقال المهندس يحيي حسين عبد الهادي، المنسق الأسبق للحركة المدنية الديمقراطية.. والنظام الإماراتي الذي يستخدم فوائضه النفطية في صناعة الفتن في العديد من الدول، ويمول مليشيات التمرد في السودان، وينفق ببذخ لترويج الديانة الإبراهيمية، ينصب في الوقت نفسه محاكمة جديدة لعدد كبير من المعارضين السياسيين (الإصلاحيين)، الذين قضوا سنوات في السجن، وأعاد تقديمهم للمحاكمة من داخل محبسهم بالتهم القديمة ذاتها.. والنظام السعودي يواصل قمعه لكل الأصوات المطالبة بالحرية والديمقراطية، والرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والشيء ذاته في البحرين، وفي الكويت وتونس.. الخ.
يزداد حلفاء التطبيع تماسكا، وتشاورا وتنسيقا، وبقي أن يحسن حلف المقاومة (للاحتلال والاستبداد) إدارة معركته على الجبهات المختلفة، والتي تجمعها مواجهة الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي، وهما وجهان لعملة واحدة، ويبقى أن يقاوم هذا الحلف أعداءه "كافة" كما يواجهونه "كافة"، ولينتبه هذا الحلف إلى الفتن التي تستهدف تفريقه وتشتيته على أسس طائفية أو قبلية أو جهوية، أو غير ذلك، فهذه هي حيلة الاستعمار والاستبداد دوما (فرق تسد).
x.com/kotbelaraby
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق