الأربعاء، 7 أغسطس 2024

صعوبة التصدي للرد الإيراني هذه المرة

صعوبة التصدي للرد الإيراني هذه المرة

 

عامر عبد المنعم


يبدو أن الاحتلال الصهيوني منذ هجوم طوفان الأقصى أدمن تلقي الصفعات، وفي كل محاولة يائسة لاسترداد الردع الضائع خارج غزة تضع “إسرائيل” نفسها في مأزق يزيدها مهانة ويؤكد نهاية التفوق العسكري إلى غير رجعة؛ فما كاد نتنياهو يفرح بارتكاب جريمة اغتيال الزعيم الفلسطيني إسماعيل هنية في طهران حتى وجد نفسه في مواجهة ثانية مع إيران أشد رعبا من هجوم إبريل/نيسان الماضي.

لا يريد نتنياهو وقف العدوان على غزة، لكن طول فترة القتال وكثرة الخسائر بدون تحقيق أي إنجازات يجعلانه يفكر في توسيع الحرب حتى يداري عجزه أمام حماس المحاصرة، فيضرب في لبنان ثم اليمن ثم طهران، ويعلن هو وقادة جيشه أنهم يريدون ردع دول الشرق الأوسط، وأن إشعال النار هنا وهناك رسالة إلى باقي دول المنطقة، لكن الإسرائيليين يتورطون أكثر وأكثر، ويغرقون في مستنقعات لا خروج منها.

اغتالوا الشهيد إسماعيل هنية، أثناء زيارته لطهران لتهنئة الرئيس الإيراني، وهو السياسي الحكيم الذي يتفاوض معهم ويصبر على مناوراتهم وتهربهم من الالتزامات، ليؤكدوا أنهم لا عهد لهم ولا ميثاق، ولم يعلنوا مسؤوليتهم عن الجريمة خوفا من الإدانات الدولية، وإنما قالوها بالتلميح والتصريحات الملتوية، ووضعوا الحكومة الإيرانية في تحدّ صعب لا خروج منه إلا بالرد الحاسم لحفظ الكرامة ولاسترداد الهيبة وردع الغطرسة الصهيونية.

لم ينسوا الرعب والهلع أثناء الهجوم الإيراني في إبريل الماضي، الذي جاء ردا على قصف القنصلية الإيرانية في سوريا برغم مشاركة جيوش أمريكا وأوروبا في الدفاع عنهم، وهم الآن يعيشون في رعب أكثر وخوف أشد، لأن الإيرانيين هذه المرة لم يعلنوا التفاصيل عن التوقيت ولا عن الأهداف، كما أن حزب الله سيدخل للأخذ بثأر القائد العسكري فؤاد شكر الذي اغتيل في لبنان، والذي ستكون مشاركته فارقة في الحرب لوجوده على الحدود.

تورط أمريكا وأوروبا في حروب نتنياهو

كما وقع في المرة السابقة أعلنت الولايات المتحدة مساندة إسرائيل، وعبرت عن التزامها المطلق بالدفاع عن الكيان الصهيوني، وأرسلت حاملة طائرات وسفنًا حربية إلى شرق المتوسط للتصدي للهجوم الإيراني المرتقب، وحشدت الدول الأوروبية جيوشها للمشاركة في مواجهة الرد الإيراني، وتحركوا بشكل جماعي يذكر بالحروب الصليبية ضد المسلمين.

يخشى القادة الأمريكيون والأوروبيون الهجوم الإيراني ويخافون أن تلاحقهم الهزيمة مثل تلك التي واجهها تحالف “حارس الازدهار” في البحر الأحمر، حيث فشلت الأساطيل المتحالفة مع البحرية الأمريكية في ردع الحوثيين، الذين عطلوا الملاحة في باب المندب وبحر العرب، ولهذا أرسلوا الرسائل عبر الوسطاء يطالبون الإيرانيين بالتهدئة ووقف التصعيد دون أن يقدموا المقابل كعادتهم.

الرد المتوقع والهجوم السابق

الرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية يختلف عن الرد السابق، لأن العدوان كان تعديا صريحا على السيادة الإيرانية، وكان داخل الأراضي الإيرانية وليس خارجها، وكان الشهيد الذي تم اغتياله هو القائد الفلسطيني الذي يقود حركة التحرر في غزة والضفة ويحظى بشعبية جارفة في فلسطين والعالم الإسلامي مما شكل إهانة ومسًّا بالكرامة الإيرانية، إضافة إلى حساب آخر مسكوت عنه وهو الشكوك المتعلقة باغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي أسقطت طائرته أثناء عودته من أذربيجان.

إذا كانت جيوش أمريكا وأوروبا قد تصدت للعدد الأكبر من الصواريخ والمسيّرات القادمة من إيران في الهجوم السابق، وقد ساعدها طول المسافة وبطء المسيّرات في الاستعداد، فإن المفاجأة واستخدام الإيرانيين لأسلحة جديدة مثل الصواريخ الفرط صوتية والمسيّرات التي لا تراها الرادارات قد يجعل عملية التصدي أقل نجاحا هذه المرة.

يعد دخول حزب الله هو الأخطر في تقديرات العسكريين الغربيين، بسبب القرب الجغرافي الذي يعطيه ميزة وتفوقًا في الوصول إلى الأهداف بسرعة وبفعالية، علاوة على إمكانية دخول فلسطين المحتلة والسيطرة على أراض ومستوطنات، وتغيير الحسابات في شمال فلسطين، وقد أعلن الحزب عن بعض أسلحته في حرب الإسناد الجارية التي حقق بها مكاسب عسكرية أدت إلى تفريغ الشمال وتهجير عشرات الآلاف من المستوطنين، ولا يمكن التقليل من مشاركة الحوثيين واحتمالات إغلاق باب المندب، والهجمات من العراق وسوريا.

وقف العدوان على غزة يعيد الهدوء إلى المنطقة

يكرر الأمريكيون مطلبهم بمنع اتساع الحرب، ولكنهم يتركون نتنياهو يواصل حرب الإبادة وقتل الفلسطينيين بالجملة، ويقدمون له القنابل والأسلحة لتدمير غزة؛ تراودهم أحلام القضاء على حماس والضغط على الفلسطينيين حتى الاستسلام وإلقاء السلاح، وهم واهمون؛ فغزة تم تدميرها ولم يعد بها ما يصلح لكي تكون هناك حياة، ومع كل هذا لم يستسلم أحد ولم تهزم حماس، بل يتلقى الجيش الإسرائيلي ضربات كل يوم.

رغم ما ينشره الإعلام الأمريكي عن وجود خلافات مزعومة بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي فقد أصبح واضحا أن الإدارة الأمريكية (تصريحات بلينكن وكيربي) هي التي تدفع نتنياهو إلى الاستمرار في الحرب بزعم القضاء على حماس واستعادة الردع، وحتى الصفقة الساذجة المنسوبة لبايدن لن تقبلها حماس، فهي تدعو إلى هدنة مؤقتة لاستعادة الرهائن وليست وقفا دائما للحرب ولا تضمن انسحاب الاحتلال من غزة، ويقف معهم في نفس الخندق معظم أوروبا، خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، رغم تصريحاتهم عن موافقتهم على قيام  دولة فلسطينية للتحايل على الانتقادات الشعبية وطمعا في أصوات الناخبين.

نتنياهو يسحب أمريكا وأوروبا خلفه نحو السقوط الأخلاقي والعسكري والسياسي، برغبتهم ورضاهم وليس رغما عنهم، وتدفعهم كراهيتهم لانتصار حماس إلى السير حتى النهاية في طريق الهزيمة التي يريدون إنقاذ الإسرائيليين منها، وهم يعرفون الطريق الأقصر لعودة الهدوء، ولكنهم يصرون على الاستمرار في الحرب لتحقيق هدف مستحيل لن يتحقق حتى لو حاربوا ألف عام.

تستطيع أمريكا وقف التصعيد ومنع اتساع الحرب وتجنب الخسائر المؤكدة، بوقف العدوان على غزة والاستجابة لشروط حماس العادلة، وهي وقف إطلاق النار الفوري والتام، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، ورفع الحصار، واحترام حق الشعب الفلسطيني في الحياة، وإذا تحقق ذلك فستتوقف باقي الحروب المساندة للفلسطينيين، وعندها ربما تفكر إيران في التنازل عن حقها في الرد نصرة للشعب الفلسطيني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق