الأربعاء، 7 أغسطس 2024

حديث عن المسؤولية الفردية تجاه الإبادة المستمرة في غزة

 

حديث عن المسؤولية الفردية تجاه الإبادة المستمرة في غزة


محمد خير موسى
مختص بقضايا الفكر الإسلامي ومشكلات الشباب

فور اندلاع العدوان الصهيوني نجد كثيرين من الشباب يهربون من مسؤولياتهم الفردية بالتركيز على المسؤولية الجماعية، فتتصاعد الصيحات الاستنكارية؛أين الأمة؟! أين الحكام؟! أين العلماء؟! أين الجماعات الإسلامية؟! أين المسلمون؟!. 
ويكون الهروب أحيانا إلى التاريخ من خلال السؤال الاستجدائي؛ أين أنت يا عمر؟! أين أنت يا صلاح الدين؟!.

وتبدأ بعدها الهجائيات وحملات الذم بالحكام الخونة المفرطين، والأمة الغافلة النائمة، والجماعات الإسلامية المنشغلة بخلافاتها وصراعاتها عن قضيتها الأساسية، والمسلمون الغارقون في الأهواء والشهوات. ولا يكاد يخلو منبر شخصي أو مسجدي أو إعلامي من هذه الصيحات الصادقة المخلصة، التي تعبر عن حرقة حقيقية.

ولكن في غمرة الغرق في هذه الأسئلة عن الجميع، من حكام وعلماء ومسلمين واهنين وأمة نائمة، يغيب السؤال الأهم عن المتحدث وهو: أين أنا؟!! أين أنا من هذا الذي يجري؟! 
فإن غاب الحكام والعلماء والأمة والمسلمون؛ فهل حضرت أنا؟! ولئن ناموا فهل استيقظت أنا؟!

يغدو الحديث المتكرر عن مسؤولية الأمة والحكام والعلماء والجماعات الإسلاميةــ على صدقهــ ضربا من التخدير الفعال للتحلُّل من المسؤولية الفردية الذاتية تجاه الحرب الصهيونية على أهلنا وشعبنا.

إن تحميل هؤلاء جميعا مسؤولياتهم أمر ضروري، غير أن هذا يجعل كثيرا من الذين يفرغون شحنات سخطهم الصادقة بإنزال جام غضبهم على الآخرين يبرِّئون أنفسهم، إذ لا يلتفتون إلى مسؤولياتهم الشخصية. والمرء الذي لا يبدأ باتهام نفسه، والتفكر في مسؤوليته الفردية والبحث عن آليات القيام بواجبه الشخصي؛ لن يبرئه من تقصيره أن يقصر الجميع، ولن يعفيه من مسؤوليته تخلي الآخرين عن مسؤولياتهم.

وإن إيمان المرء بنفسه وقدراته هو مفتاح إيمانه بمسؤوليته الفردية، وإن اقتناعه بحاجة أهلنا في غزة له كحاجته إلى كل طاقة أخرى؛ هو من أهم عوامل إحياء المسؤولية الفردية في نفس الإنسان، ولله در علي رضي الله عنه إذ يقول:

دواؤك فيـك وما تبـصـر

وداؤك مـنـك وما تشـعـر

وتحسب أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

المسؤولية الفردية نقطة الانطلاق

إن وعي المرء بمسؤوليته الفردية، وابتداءه بنفسه في السؤال عن الواجب والدور المطلوب هو نقطة الانطلاق للخروج من حالة الركود العامة في التفاعل لمواجهة الإبادة الصهيونية المستمرة، كما أنه المرتكز الأساسي للتخلص من ردات الفعل المشحونة بعاطفة فوارة سرعان ما تخبو، وتخف وتيرتها مع كل رجة جديدة كما في المياه الغازية.. إن الوعي الحقيقي بالمسؤولية الفردية هو الذي يحول العاطفة الجياشة إلى وقود محرك لفعل دائم، يمكن أن يتمدد مثل نقطة حبر إذا وقعت في كوب ماء.

إن استشعار المرء مسؤوليته الفردية تجاه أهله في غزة التي تتعرض للإبادة الوحشية هو علامة يقظة وحياة حقيقية، فالمرء الذي يسمع الاستغاثات القادمة من غزة فيحسب أنه المقصود بالاستغاثة قبل سواه؛ هو الشخص القادر على الفعل والبذل والتغيير. 
وقد صدق طرفة بن العبد في تعبيره عن ذلك بقوله في معلقته الشهيرة:

إذا القوم قالوا من فتى؟ خلت أنني

عـنـيـت فـلـم أكـســل ولـم أتـبـلــد

حدود المسؤولية الفردية
إن مسؤولية الفرد تتفاوت بحسب موقعه ومكانته، وتأثيره وعمله ووظيفته، وخبرته وعلمه وعلاقاته؛ فكلما كانت الإمكانات أكبر كانت المسؤولية الفردية أعظم، وكلما كانت المكانة والموقع أقوى كانت المسؤولية أكبر.

ولا يُعفى أحد من المسؤولية، ولا يعذر في التقصير، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حدود المسؤولية الفردية في الحديث الصحيح: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”

فالعمل على مواجهة الحرب الصهيونية فرديا يبتدئ في حدود مسؤولية المرء؛ المسؤولية الشخصية والمسؤولية الأسرية، والمسؤولية الوظيفية والمسؤولية التربوية والمسؤولية السياسية، وغير ذلك من المسؤوليات.

فالمسؤولية الفردية إذن تتناسب طردا مع القدرة على التأثير، فكلما كان تأثير الفرد أكبر في محيطه ومجتمعه وبيئته، وفي وسائل التواصل الواقعية والافتراضية؛ كانت مسؤوليته الشخصية أكبر في التفاعل مع الحرب الشرسة وآثارها الممتدة، وإبقاء جمرتها متقدة في نفوس من يؤثر بهم، والبحث عن الآليات العملية المعنوية والمادية، التي يمكنه من خلالها إحداث فرق في هذا الواقع الراكد، على أن لا يحتقر من الفعل شيئا ولا يقلل من أهمية أي جهد يستطيعه؛ فالإنجازات تراكمية، وكل فعل مهما قل فله أثره ودوره في تحقيق الثمار النهائية.

معالم في المسؤولية الفردية تجاه الحرب الصهيونية على غزة
ومن البديهي أن يكون الحديث التفصيلي عن الآليات العملية، التي يجب على المرء تحملها تجاه أهلنا في غزة والإجرام المتصاعد بحقهم، حديثا طويلا لا يمكن الإحاطة به؛ لذلك كان لا بد من الإشارة إلى معالم في طريق تحمُّل المرء مسؤوليته تجاه هذه القضية الكبرى من خلال بعض الشرائح العمرية والاجتماعية.

فالشاب المبادر قادر على إحداث فرق حقيقي من خلال تكثيف الحديث عما يتعرض له أهلنا في غزة من مخاطر متصاعدة، في سهراته الواقعية وحواراته الافتراضية، وعلى حسابات التواصل الاجتماعي المختلفة، وفي جامعته في الاستراحات أو الأنشطة الطلابية.

والمرأة التي تغرس حب الجهاد في سبيل الله تعالى والواجب الشرعي تجاه أهلنا في غزة في نفوس أبنائها، وتربطهم بالحدث المستمر، لا تحتاج إلى أكثر من تحمُّل مسؤوليتها الشخصية لتخلق أسرة يرتبط أفرادها بأهلهم وإخوانهم في العقيدة عقلا وقلبا.

والمرء في حياته العملية يتحمل مسؤوليته الذاتية باستحضار المعركة دون انتظار توجيهات من أحد، المدرس في مدرسته، والموظف في مؤسسته، والعامل في مصنعه.. حين يقرر كل واحد منهم أن يكون جزءٌ من دردشاته اليومية وقفًا على نصرة أهله المذبوحين في غزة، وجزءٌ من وقته لحض الناس على البذل والعطاء والدعم.

والكاتب والمفكر والأديب والفنان يمكنهم أن يجعلوا جزءا من حروفهم وكلماتهم وأغنياتهم ولوحاتهم وفنهم ورواياتهم لأجل غزة، دون انتظار طلب من أحد، فيكونون عناوين إحياء القضية، وإبقائها لاهبة في النفوس.

إن تحمل كل واحد من الناس مسؤوليته الفردية تجاه هذه الحرب الوقحة على قدر طاقته واستطاعته، وجعلها الخبز اليومي له؛ هو الذي يتكفل بتحويل القضية إلى روح وثابة لا يقوى أحد على قتلها أو إخمادها، وعندما تتحول القضايا إلى أرواح لا يستطيع أحد قتلها، فعندها لن يكون بين هذه القضايا وبين الانتصار أسلاك شائكة، أو خنادق لاهبة، أو سنوات عجاف.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق