الأحد، 18 أغسطس 2024

عبيد المنازل وعبيد الحقول!

 

عبيد المنازل وعبيد الحقول!




أدهم شرقاوي




في أيام الرِّق في أمريكا قديماً، كان العبيد ينقسمون إلى قسمين: عبيد المنازل وعبيد الحقول!.


عبيد الحقول كانوا يُعاملون كالدواب، مجرد مخلوقات للحراثة والبِذار وقطف المحاصيل، بلا أي حقوق وبلا احترام، بلا إجازات، ولا أيام عطلة ولا استشفاء.. بل ويُجلدون بالسياط عند أول تقصير، وربما قطع السيد إصبعاً من أصابعهم، لأن المحصول لم يكن وافراً كما تمنى!


أما عبيد المنازل
فكانوا يعتبرون أنفسهم من طبقة العبيد المرفهة! يأكلون بقايا طعام أسيادهم، ويلبسون ثيابهم القديمة، ويخدمون في البيوت، وينظرون إلى عبيد الحقول على أنهم أقل منزلةً منهم!


وكلما اجتمع عبيد الحقول لتحرير أنفسهم، كان عبيد المنازل ينقلون أخبارهم إلى أسيادهم، الذين يسارعون في إنزال أشد العقوبات بهم!


وإنكَ لو تأملت هذا المشهد، لوقفتَ على الحقائق التالية:



1. أول من يقف في وجه ثورة العبيد ليس السادة، وإنما العبيد الذين يعتبرون أن امتيازاتهم مرهونة ببقاء السادة!


2. بعض العبيد يعتبرون أنهم ليسوا مربوطين، لمجرد أن الحبل الذي رُبطوا به أطول مما رُبط به غيرهم!


3. إذا قضى الإنسان زمناً طويلاً في العبودية، فإنه يستمرئ هذه العبودية، ويقنع بها، ويعتبر أن كل مُطالبٍ بالحرية هو خائن!


4. البعض يكرهون من يحاول أن يتحرر، لأنهم في قرارة أنفسهم عاجزون عن أن يكونوا أحراراً، لقد ألفوا أن يكونوا تابعين، والحرية تلغي هذه التبعية، والذي قضى في القيد سنوات طويلة تفسدُ فطرته تجاه الحرية، لهذا فإنهم لا يقفون مع السيد لأنه سيد، ولا ضد العبيد لأنهم عبيد، كل ما في الأمر أنهم يخافون من المسؤولية!


ثم إنك لو تأملتَ حالنا اليوم، لوجدتَ أننا نعيش شيئاً من ثنائية عبيد الحقول وعبيد المنازل!


إذا طالبتَ بوظيفة، واشتكيتَ من البطالة، فإن من يردّ عليك ليس السيد وإنما عبيد المنازل، الذين يتهمونك بأنك تكره وطنك!


وإذا طالبتَ بالعدالة الاجتماعية اتهموكَ بأنك تسعى إلى الفتنة!


وإذا سألتَ عن مسجونٍ لِمَ سُجن، اتهموكَ بأنك مدعوم من الخارج!


وإذا سألتَ العبيد الذين يلبسون العمائم: لِمَ تُنكرون كُلَّ منكرٍ ولو كان في القطب الشمالي، وتغضُّون الطرفَ عن منكرٍ هو منكم على رميةِ حجرٍ؟ فأنتَ خارجيّ!


وإذا سألتهم: أليس إنكار سفك دماء المسلمين أولى من إنكار تقصير الثوب؟ رموكَ بالعمالة!


لم يبقَ إلا أن يتخذوا الحكام آلهةً يعبدونها من دون الله، حتى إنكَ لو انتقدتَ جملةً في خطاب رئيس قاموا إليكَ على قلب رجلٍ واحد كأنكَ هدمتَ المسجد الأقصى!


ليس من حقك أن تسأل من يريد النّصر أو الشهادة: كيف سيأتي أحدهما إذا كنت لا تُحارب؟! كيف سينتصر من ألقى بندقيته منذ زمن؟!


إن معادلة النّصر أو الهزيمة تقتضي أن تكون في حرب، أما ما دمتَ قد ألقيتَ بندقيتك فأنتَ خارج المعادلة أساساً!


وكيف سيستشهد- حسب الشريعة طبعاً- من يُفكك عبوات المقاومين ويلاحقهم ويعتقلهم، لأنه- الثائر القديم- قد صحا بين يوم وليلة فوجد نفسه موظّفاً عند مُحتلّه؟!


وكيف ستقاوم سلمياً جيشاً يقصفك بالطائرات، وإلى أين ستفضي السلميّة غير العيش تحت بساطير الاحتلال؟!



مع أنّ هذه كلها أسئلة منطقية وجوهرية، فليس لك أن تسأل، سيخرجون إليك كما خرج الجاهليون الأوائل ويقولون: “من هذا الذي يسبُّ آلهتنا؟”.. والسبب أنك ضربتَ على وتر عبوديتهم!


اللص يكره الأمين لأنه يذكّره بنقصه، والعاصي يكره الطائع لأنه يضعه في مواجهة مع نفسه، فيشعر بصغره!


كل حر يثور في أي بقعة في العالم، يعاديه كل عبيد المنازل في أي بقعة في العالم! بعضهم لا يعرف إلا أن يكون ذيلاً تابعاً، ومنقاداً ذليلاً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق