الجمعة، 3 يوليو 2020

المقاوم الأزهري والفقيه المالكي

من سيرة
 المقاوم الأزهري والفقيه المالكي

 الشيخ أحمد الدردير..

في عام 1200 هـ، انتشر الظلم والتعدي في ربوع مصر، مما ألجأ أصحاب المظالم والحقوق لشيوخ الأزهر لما يتمتعون به من ثقل في المجتمع المصري، ولما يتميزون به من الجهر بالحق وعدم خشية أحد مهما كانت مكانته. 

ومن هؤلاء العلماء الأزهريين الشيخ العلامة والفقيه المالكي الكبير أحمد الدردير.

يقول الجبرتي في تاريخه: وفي صبحها يوم الجمعة ثارت جماعة من أهالي الحسينية بسبب ما حصل في أمسه من حسين بك، وحضروا إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول، والتف عليهم جماعة كثيرة من أوباش العامة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق.

وذهبوا إلى الشيخ الدردير فوافقهم وساعدهم بالكلام وقال لهم: “أنا معكم”. فخرجوا من نواحي الجامع وقفلوا أبوابه وطلع منهم طائفة على أعلى المنارات يصيحون ويضربون بالطبول، وانتشروا بالأسواق في حالة منكرة وأغلقوا الحوانيت. 

وقال لهم الشيخ الدردير: “في غد نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم!”.

فلما كان بعد المغرب حضر سليم أغا مستحفظان ، ومحمد كتخدا ارنؤد الجلفي كتخدا إبراهيم بك، وجلسوا في الغورية، ثم ذهبوا إلى الشيخ الدردير وتكلموا معه، وخافوا من تضاعف الحال وقالوا للشيخ: “اكتب لنا قائمة بالمنهوبات ونأتي بها من محل ما تكون!”. واتفقوا على ذلك وقرأوا الفاتحة وانصرفوا.

وركب الشيخ في صبحها إلى إبراهيم بك وأرسل إلى حسين بك فأحضره بالمجلس وكلمه في ذلك فقال في الجواب: “كلنا نهابون، أنت تنهب، ومراد بك ينهب، وأنا أنهب كذلك”. وانفض المجلس وبردت القضية.

وفي عقبها بأيام قليلة حضر من ناحية قبلي سفينة وبها تمر وسمن وخلافه، فأرسل سليمان بك الأغا وأخذ ما فيها جميعه وادعى أن له عند أولاد وافي مالًا منكسرًا، ولم يكن ذلك لأولاد وافي وإنما هو لجماعة يتسببون فيه من مجاوري الصعايدة وغيرهم، فتعصب مجاورو الصعايدة وأبطلوا دروس المدرسين، وركب الشيخ الدردير والشيخ العروسي والشيخ محمد المصيلحي وآخرون، وذهبوا إلى بيت إبراهيم بك وتكلموا معه بحضرة سليمان بك كلامًا كثيرًا مفحمًا.

فاحتج سليمان بك بأن: “ذلك متاع أولاد وافي وأنا أخذته بقيمته من أصل مالي عندهم”. فقالوا: “هذا لم يكن لهم وإنما هؤلاء أربابه، ناس فقراء، فإن كان لك عند أولاد وافي شيء فخذه منهم”. فردّ بعضه وذهب بعضه.

وفيه [منتصف جمادى الثانية عام 1200 هـ] اجتمع الناس بطنطا لعمل مولد أحمد البدوي، المعتاد المعروف بمولد الشرنبابلية، وحضر كاشف الغربية والمنوفية على جاري العادة، وكاشف الغربية من طرف إبراهيم بك الوالي المولى أمير الحاج، فحصل منه عسف وجعل على كل جمل يباع في سوق المولد نصف ريال فرانسة، فأغار أعوان الكاشف على بعض الأشراف وأخذوا جمالهم.

وكان ذلك في آخر أيام المولد، فذهبوا إلى الشيخ الدردير، وكان هناك بقصد الزيارة، وشكوا إليه ما حل بهم، فأمر الشيخ بعض اتباعه بالذهاب إليه، فامتنع الجماعة من مخاطبة ذلك الكاشف، فركب الشيخ بنفسه وتبعه جماعة كثيرة من العامة. فلما وصل إلى خيمة كتخدا الكاشف دعاه فحضر إليه والشيخ راكب على بغلته، فكلمه ووبخه وقال له: “أنتم ما تخافون من الله”.

وفي أثناء كلام الشيخ لكتخدا الكاشف هجم على الكتخدا رجل من عامة الناس وضربه بنبوت، فلما عاين خدامه ضرب سيدهم هجموا على العامة بنبابيتهم وعصيهم، وقبضوا على السيد أحمد الصافي تابع الشيخ وضربوه عدة نبابيت. وهاجت الناس على بعضهم ووقع النهب في الخيم وفي البلد ونهبت عدة دكاكين. وأسرع الشيخ في الرجوع إلى محله وراق الحال بعد ذلك.

وركب كاشف المنوفية وهو من جماعة إبراهيم بك الكبير، وحضر إلى كاشف الغربية وأخذه وحضر به إلى الشيخ وأخذوا بخاطره وصالحوه ونادوا بالأمان. وانفض المولد ورجع الناس إلى أوطانهم وكذلك الشيخ الدردير، فلما استقر بمنزله حضر إليه إبراهيم بك الوالي وأخذ بخاطره أيضًا وكذلك إبراهيم بك الكبير وكتخدا الجاويشية .

المصدر:مجلة كلمة حق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق