حوار وطني: أو مصالحة حمو بيكا على هاني شاكروائل قنديل
قبل أكثر من سبعين يومًا، وتحديدًا في شهر رمضان الماضي، أمر الجنرال عبد الفتاح السيسي، بإقامة حفل حوار وطني مبهر، قلت وقتها إنّ المقصود على مستوى الداخل ليس سوى لملمة قطع الزجاج المتناثرة من ألواح الثلاثين من يونيو، وعلى مستوى الخارج هي رسالة إلى العم جو بايدن العجوز.
لم يعجب هذا الكلام بعض جمهور "الحمدنة"، وهي طائفة محسوبة على المعارضة المصرية، كما يفضلها النظام الحاكم، واعتبروه مصادرة على المستقبل، من شأنها تعطيل حالة مصالحة وطنية جديدة في بلد مأزوم.
الآن، يعلن سائقو شاحنات الحوار الوطني بصريح العبارة أنّ المستهدف هو مصالحة داخل إطار جماعة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 من أجل ترميمها لمواجهة الأعداء والخونة من معارضي تلك "الجريمة الثورية" التي حوّلت وطنًا كبيرًا إلى محطّة خدمة رخيصة على طريق دولي سريع.
قلت وقتها نصًا إنه "في مجمل الصورة، ما أنت بصدده هو عملية جديدة، أو محاولة أخرى لترميم جبهة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 التي جاءت بالحكم العسكري على حساب أيّة فرصةٍ لحياةٍ حزبيةٍ ديمقراطيةٍ حقيقية، والتي تحوّلت معها ما تسمّى المعارضة إلى وظيفة أخرى، غير مسبوقة في التاريخ السياسي، وهي إنقاذ النظام (العسكري) من احتمالات السقوط، ومن ثم فهي معارضةٌ ضد المعارضة الجذرية للنظام، وليست معارضة ضد السلطة، ولا ترى في نفسها بديلًا، أو حتى منافسًا لها، مكتفيةً باللعب في تلك المساحة التي حدّدها النظام في الفناء الخلفي، ومن يخرُج عنها يجد مقصلةً بانتظاره".
ما سبق ينطبق على بعض محترفي المعارضة الشكلية في الخارج، ممن سارعوا إلى الاستجابة الفورية إلى دعوة ما يسمّى الحوار الوطني، التي لم يوجهها إليهم أحد، فراحوا يمارسون نوعًا من "الاستحوار" بالتمحك في حوار جماعة الثلاثين من يونيو، أو بمحاولة محاكاته، من خلال حوار افتراضي بالخارج.
هل لا يدرك الذين يتمحّكون في دعوة السلطة إلى ما يسمّى الحوار، وكذا الذين يحاكون هذه الدعوة، أنهم يساهمون في إضفاء بعض الجدّية على عملية عبثية ومبتذلة، حين يظهرون، تصريحًا أو تلميحًا، رغبة في المشاركة، ولو بأدوار صغيرة، ومن دون مقابل؟
أم أنهم يفعلون ذلك بوعي وإدراك كاملين، يجعلهم يبدون وكأنهم يبصقون على ملامح صورهم التي تشكلت على مدار سنوات الانقلاب، ولسان حالهم يعلن أنهم ليسوا أكثر صفاقةً من الذين ألقوا بهم في على شواطئ المنفى والمهجر؟.
كلّ معطيات المشهد في مصر تقول إنه لا هو حوار ولا هو وطني .. وأن الحركة التي تلعب أدوار "الطقاقات" وضاربي الدفوف في حفلة الحوار الماجنة، لا هي مدنية ولا ديمقراطية، ولا هي حركة أصلًا، بل دجاجات ترقد فوق بيض الاستبداد وتصيح بكلام متناقض عن الحريات والحقوق والممارسة الديمقراطية.
منتهى التناقض أن تزعم إنك جزء من آلة حوار وطني لإنتاج حالة مصالحة وطنية، بينما أنت موافق، باختيارك أو مرغمًا، على الإقصاء والاستبعاد لكل ضحايا ذلك المسار المتعثر الذي هوى بالوطن إلى القاع، فضلًا عن أنك تشاهد بعينيك وتسمع بأذنيك أخبار اعتقالات جديدة، ووفيات بالإهمال الطبي داخل السجون. ومع ذلك، تروّج ما تعتبره انفراجة، مع الإعلان عن دفعة من قرارات إخلاء سبيل لمناسبة عيد الأضحى.
لا أدري كيف يصل خبر وفاة أحد أعضاء حزب الدستور بمحافظة الدقهلية، داخل زنزانته المحبوس فيها احتياطيا منذ 20 سبتمبر/ أيلول 2021 من دون محاكمة أو إدانة من أي جهة قضائية، إلى أنفار ما تسمى "الحركة المدنية الديمقراطية" المشاركين في حفل الحوار، ثم لا يعلنون انسحابهم من عملية تبييض وجه سلطة تقتل سجناءها وتنكّل بهم؟
أنت تعلم أن جزءً من تكاليف مائدة الحوار الوطني مدفوعة من أموال الذين تقصيهم، أو بالحد الأدنى تسكت على إقصائهم، من حوارك الوطني المزعوم، لكي تطالب بالحرية لعشرين أو مائة شخص على أقصى تقدير، جلّهم من أصدقائك ومعارفك.
يؤسفني أن أقول لك إنّ ملخص حوارك الوطني هو: مصالحة هاني شاكر على مطرب المهرجانات حمو بيكا، برعاية شيخ الترفيه، على نفقة إيمان البحر درويش، ثم يقام بعده حفل ساهر تحييه آمال ماهر رغم أنفها، ويغني فيه على الحجار "انتو شعب واحنا شعب" في غياب الجمهور.
قبل أكثر من سبعين يومًا، وتحديدًا في شهر رمضان الماضي، أمر الجنرال عبد الفتاح السيسي، بإقامة حفل حوار وطني مبهر، قلت وقتها إنّ المقصود على مستوى الداخل ليس سوى لملمة قطع الزجاج المتناثرة من ألواح الثلاثين من يونيو، وعلى مستوى الخارج هي رسالة إلى العم جو بايدن العجوز.
لم يعجب هذا الكلام بعض جمهور "الحمدنة"، وهي طائفة محسوبة على المعارضة المصرية، كما يفضلها النظام الحاكم، واعتبروه مصادرة على المستقبل، من شأنها تعطيل حالة مصالحة وطنية جديدة في بلد مأزوم.
الآن، يعلن سائقو شاحنات الحوار الوطني بصريح العبارة أنّ المستهدف هو مصالحة داخل إطار جماعة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 من أجل ترميمها لمواجهة الأعداء والخونة من معارضي تلك "الجريمة الثورية" التي حوّلت وطنًا كبيرًا إلى محطّة خدمة رخيصة على طريق دولي سريع.
قلت وقتها نصًا إنه "في مجمل الصورة، ما أنت بصدده هو عملية جديدة، أو محاولة أخرى لترميم جبهة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 التي جاءت بالحكم العسكري على حساب أيّة فرصةٍ لحياةٍ حزبيةٍ ديمقراطيةٍ حقيقية، والتي تحوّلت معها ما تسمّى المعارضة إلى وظيفة أخرى، غير مسبوقة في التاريخ السياسي، وهي إنقاذ النظام (العسكري) من احتمالات السقوط، ومن ثم فهي معارضةٌ ضد المعارضة الجذرية للنظام، وليست معارضة ضد السلطة، ولا ترى في نفسها بديلًا، أو حتى منافسًا لها، مكتفيةً باللعب في تلك المساحة التي حدّدها النظام في الفناء الخلفي، ومن يخرُج عنها يجد مقصلةً بانتظاره".
ما سبق ينطبق على بعض محترفي المعارضة الشكلية في الخارج، ممن سارعوا إلى الاستجابة الفورية إلى دعوة ما يسمّى الحوار الوطني، التي لم يوجهها إليهم أحد، فراحوا يمارسون نوعًا من "الاستحوار" بالتمحك في حوار جماعة الثلاثين من يونيو، أو بمحاولة محاكاته، من خلال حوار افتراضي بالخارج.
هل لا يدرك الذين يتمحّكون في دعوة السلطة إلى ما يسمّى الحوار، وكذا الذين يحاكون هذه الدعوة، أنهم يساهمون في إضفاء بعض الجدّية على عملية عبثية ومبتذلة، حين يظهرون، تصريحًا أو تلميحًا، رغبة في المشاركة، ولو بأدوار صغيرة، ومن دون مقابل؟
أم أنهم يفعلون ذلك بوعي وإدراك كاملين، يجعلهم يبدون وكأنهم يبصقون على ملامح صورهم التي تشكلت على مدار سنوات الانقلاب، ولسان حالهم يعلن أنهم ليسوا أكثر صفاقةً من الذين ألقوا بهم في على شواطئ المنفى والمهجر؟.
كلّ معطيات المشهد في مصر تقول إنه لا هو حوار ولا هو وطني .. وأن الحركة التي تلعب أدوار "الطقاقات" وضاربي الدفوف في حفلة الحوار الماجنة، لا هي مدنية ولا ديمقراطية، ولا هي حركة أصلًا، بل دجاجات ترقد فوق بيض الاستبداد وتصيح بكلام متناقض عن الحريات والحقوق والممارسة الديمقراطية.
منتهى التناقض أن تزعم إنك جزء من آلة حوار وطني لإنتاج حالة مصالحة وطنية، بينما أنت موافق، باختيارك أو مرغمًا، على الإقصاء والاستبعاد لكل ضحايا ذلك المسار المتعثر الذي هوى بالوطن إلى القاع، فضلًا عن أنك تشاهد بعينيك وتسمع بأذنيك أخبار اعتقالات جديدة، ووفيات بالإهمال الطبي داخل السجون. ومع ذلك، تروّج ما تعتبره انفراجة، مع الإعلان عن دفعة من قرارات إخلاء سبيل لمناسبة عيد الأضحى.
لا أدري كيف يصل خبر وفاة أحد أعضاء حزب الدستور بمحافظة الدقهلية، داخل زنزانته المحبوس فيها احتياطيا منذ 20 سبتمبر/ أيلول 2021 من دون محاكمة أو إدانة من أي جهة قضائية، إلى أنفار ما تسمى "الحركة المدنية الديمقراطية" المشاركين في حفل الحوار، ثم لا يعلنون انسحابهم من عملية تبييض وجه سلطة تقتل سجناءها وتنكّل بهم؟
أنت تعلم أن جزءً من تكاليف مائدة الحوار الوطني مدفوعة من أموال الذين تقصيهم، أو بالحد الأدنى تسكت على إقصائهم، من حوارك الوطني المزعوم، لكي تطالب بالحرية لعشرين أو مائة شخص على أقصى تقدير، جلّهم من أصدقائك ومعارفك.
يؤسفني أن أقول لك إنّ ملخص حوارك الوطني هو: مصالحة هاني شاكر على مطرب المهرجانات حمو بيكا، برعاية شيخ الترفيه، على نفقة إيمان البحر درويش، ثم يقام بعده حفل ساهر تحييه آمال ماهر رغم أنفها، ويغني فيه على الحجار "انتو شعب واحنا شعب" في غياب الجمهور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق