هل يمكن أن يتوقع الصديق موت صديقه؟
ياسين أقطاي
أعلم أن السؤال الذي طرحته في العنوان غريب جدًّا. الصداقة التي تنطوي تحت “توقعات الصديق بموت صديقه” كيف يمكن تسميتها صداقة؟ وأيّ شكل هي من أشكال العلاقة؟ من يريد حقًّا أن يموت صديقه؟ من يرغب في وفاة شخص يعرفه على أنه صديق حتى لو كان ذلك من باب التوقع أو غيره؟ من الذي لم يشعر بنار الفقد في قلبه عند وفاة صديقه؟ وعلى العكس من ذلك، ألا يجب أن يقوم الصديق بالدفاع عن صديقه وحمايته ورعايته خلال مواجهته احتمال الموت؟
على الرغم من ذلك، نحن نتحدث عن شكل من أشكال العلاقة التي تقتل أصدقائها، والغريب أن هذه العلاقة تعتقد أنه من خلال قتلهم تصل إلى صديق حقيقي. ومن الضروري توضيح أن ما نتحدث عنه ليس هو الموت الجسدي للصديق، بل عن علاقة عقلية غير مخلصة نشير من خلالها إلى موت الصداقة والصديق في قلوبنا.
ما الحالة التي نقتل بها الصداقة، وفي أي حالة نبقيها موجودة؟ السرّ في الحقيقة يكمن في توقعاتنا من الصديق.
نملك قائمة تحتوي على توقعاتنا من الشخص الذي نسميه صديقًا. وهذه القائمة تفصيلية بالنسبة لكثير من الناس.
الأشخاص الذين يعبرون عن خيبة آمالهم من أصدقائهم عندما لا يستطيعون الحصول على ما يتوقعونه منهم، ما نوع التصورات الذي وضعوها إزاء ذلك؟ وكيف وضعوا هذه التصورات عن شخص آخر؟
مستوى الانسجام
التصورات التي نضعها عن صديقنا وإنسانيته ووجوده، إلى أي درجة يمكن أن تمثله؟ وإذا رغبنا في رؤيتها، فهل الذي نراه هو صديقنا أم تصوراتنا عنه؟
ليس هناك شك في أن هذه التصورات عائدة إلينا، ويعتبر تبديد وعدم ربط ما نعرفه عن الأصدقاء بهذه التصورات وإغلاق أنفسنا عليها، أحد الأشياء التي نقوم بها باستمرار.
التساؤل الذي يطرح نفسه هنا، ما الدرجة التي يمكن أن نتسامح بها مع صديقنا عندما لا يكون في وضع يتوافق مع تصوراتنا؟
لا شك في أن هناك مستوى من الانسجام -ولو كان ضئيلًا- في تسمية شخص ما بأنه صديق، بحيث يتمكن الناس من اتخاذ قرار والدخول في علاقة صداقة. هناك أناس رأوا خيانات ممن يعرّفونهم بأنهم أصدقاء.
على الرغم من كل شيء، وعلى الرغم من الخيانة، ومن كل أنواع السلوك السيئ، فإنه يمكن للجميع القول إن العلاقة الدائمة لا تتعلق بالصداقة.
ويعتبر اتخاذ قرار حول صداقة شخص ما، عبارة عن قرار واختيار. وهناك معطيات ضئيلة تقود إلى هذا القرار والاختيار.
ويرتبط اختيار الصديق بالقيم الإنسانية، والنظرة إلى الحياة والناس والمجتمع والوجود والله تعالى.
يختار الإنسان صديقه الذي يتصف بهذه القيم، وذلك يتوافق مع المقولة: “قل لي من صديقك أقل لك من أنت”؛ لأن الناس يوجدون مع أصدقائهم، ويتأثّرون بدينهم ومزاجهم ومسارهم وسياستهم، بغض النظر عن مدى إعطائهم حق الصداقة. حتى السياسة تحدث على شكل علاقة صديق وعدو.
جميع المؤمنين أصدقاء وأوصياء بعضهم على بعض، والله سبحانه وتعالى هو الوصي عليهم، أي مُدبّر أمورهم المطلق.
أولئك الذين أسسوا صداقتهم وفقًا لنوعية الإيمان وقيمته وضعوا الله بالفعل في قلب أعمالهم.
بما أن الله سبحانه وتعالى بتدبيره المطلق هو مرجعية الصداقة وأساسها ومقياسها، فإن أفق توقعاتنا وتصوراتنا واضح جدًّا لعدم ترك أي مجال لعلاقة يسودها غموض.
ولكوننا عبادا خلقنا الله، ولا علم لنا إلا ما علمنا إياه، ولا أفق ولا قوة لنا إلا بما يعطينا إياه، وبما أننا لسنا معصومين من ارتكاب الخطأ حتى لو كنا مؤمنين، فإن الصديق أيضًا ليس معصوما من الخطأ. ومن المعلوم أن المعجزات ليست مصدرًا لغموض يجب البحث عنه أو سرًّا يجب اكتشافه.
بيت القصيد
لن نستبدل الأصدقاء الذين تربطنا بهم صداقة وأخوة في الله، ولن نشعر بخيبة أمل عندما لا نرى ما نتوقعه من صديق نعرف أنه إنسان.
وهنا بيت القصيد، فكلما وضعنا قائمة بتوقعاتنا وتصوراتنا عن الصديق مقدمًا وقمنا بتفصيل هذه القائمة، قتلنا تلك الصداقة وذلك الصديق؛ لأن الصديق الذي حددناه بالتفصيل وقيدناه بتوقعاتنا لم يعد شخصًا له وجود وشخصية وكلمة خاصة به.
عندما نقوم بالقياس وفقًا لتصوراتنا وتوقعاتنا، أي عندما نقرر ما سيقوله لنا الصديق في موقف ما، ونوع السلوك والتصرفات التي يقوم بها، لم نعد نتطلع هنا إلى وجود صديق، ولكن إلى نقص الشخصية التي صنعناها وخصصناها لأنفسنا، والتي قمنا بوضعها في كياننا. في هذه الحالة، ما نرغب في سماعه من الصديق هو صوتنا الداخلي.
وبما أن ما يمكن أن يُنسب إلى الصديق لا يمكن أن يكون كمالًا دون قيد أو شرط، فما درجة الصراحة والوضوح مع الصديق؟ وكيف سيتم تحديد المسافات مع الأصدقاء؟
(الصديق لا يفعل هذا الأمر)، (هذا العمل غير متوقع من الصديق)، (هذا الأمر لا يتناسب مع الصداقة)..
معظم هذه العبارات، إن لم يكن جميعها، هي بكل تأكيد مواقف موجهة نحو جعل الصديق هو ذاتنا، وهو ما يدمّر ذات الصديق.
من خلال عبارة “الصديق يقول الحقيقة ولو كانت مؤلمة”، تم منح الصديق بالفعل مجالًا واسعًا من الوجود.
وبالطبع، فقد نصادف أشخاصًا، يتسللون ويستغلون صراحتهم المؤلمة في مجال التسامح والصداقة.
الشخص الذي يعطي حق الصداقة لا يجد صعوبة في التمييز بين ما إذا كانت الكلمة المؤلمة تأتي من صديق أو شخص مسيء يحاول التسلل واستغلال هذا المجال.
وهذا الشخص الذي يستطيع تمييز ذلك هو نفسه الذي لا يرتكب خطأ قتل الصداقة بجعل الصديق يشبهه وهو الذي يعلم أنه ليست كل كلمة مؤلمة تُقال من الصداقة.
ومع ذلك، فإن كلا تلك المعلومتين لا تبعدانه عن نصيحة صديقه.
المشورة والنصيحة من أصدق الأشياء التي يحتاج إليها الإنسان في هذا العالم، فهي قلب الدين، وجوهرها هو الإخلاص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق