الاثنين، 17 يونيو 2024

عيد غزة

عيد غزة

د.أيمن العتوم


بدلاً من الضحكات لدينا آهات، وبدلاً من الألعاب لدينا قذائف، وبدلاً من أن يطير الأطفال في السماء على المراجيح يطيرون في السماء نُتَفًا من انفجار الصواريخ.

لا بهجة للعيد، ولا ضحكة للشفاه، وليس ثمة نظرة الرضا، وأنّى التفتَّ رأيت العيون الزائغة، والشفاه المُشقّقة، والنظرات الساهمة.

إنه عيدُ أكل وشِبَع، ولكن أهل غزة يجوعون ويموتون من سغبٍ وظمأ.. إنه عيد صلة الأرحام واحتضان الأحباب، غير أنّ الأحباب قد رحلوا، ومَن بقي قد تقطّعت بهم السبل.

ما أجمل ما كانوا يفعلون كما يفعل أهل كل بلد؛ يسيرون في الدروب، ويطرقون الأبواب على الأرحام، ويهشّون في الوجوه ويبشّون، وتذوب في اللقاءات أحزان الماضي، وتمّحي ذنوبه؛ ولكنهم اليوم يسيرون في دروب محفّرة مُهدّمة، ولا أبواب يطرقونها، ومن يجيب إذا طرقوا، وأهل الدار قد غابوا؟ إنه غياب الفقد والرحيل والنزوح.

كانت الطرقات فيما مضى تمتلئ بالورود والرياحين، واليوم تمتلئ بأجساد الشهداء، كانت الأشجار تُزيّن جانبيها، واليوم تقف أجساد الشهداء تقطر دمًا وتفوح مسكًا.

كانت الأم تُلبِس صغيرها أجمل الثياب، وتصنع لصغيرتها أجمل الضفائر، وكان الأب يهديهم أجمل الألعاب.. واليوم لا يلبس الأطفال إلا ثياب الأسى، ولا تجدل الأمّهات لصغيراتهنّ إلا ضفائر الحزن، ولم يعد الأب حيًّا لكي يَطلُع عليهم بهداياه الأثيرة.

إن شعب غزة مكلوم ومكروب، وإنه مُختطف ومسلوب، وإنه يواجه آلة الموت وحده، فمَن للضحايا يواسي الجراح؟ ومَن لليتامى يمسح على الرؤوس؟ ومن للثكالى يعيد لهم ما سُرق من حياتهنّ؟.

آه يا شعب غزة الأبي، آه يا شبابها وشيوخها، آه يا رجالها ونساءها، آه يا براءة أطفالها، لقد تحمّلتم ما لو حُمّلت به الجبال لناءت، وصبرتم ما لو كان للصخور لَدُكّت، وإنه لا خير فينا ما لم نقف معكم بكل ما نستطيع، وإننا والله لا ننساكم ولن ننساكم، وسنذكر نحن والأجيال التي ستأتي والتاريخ تضحياتكم التي يقف أمامها الزمان حائرًا مدهوشًا، وإن أملنا بالله لا يخيب، وإن وعده الحق، وستُنصَرون بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق