بأي حال عُدت يا عيد!
يتساءل المتنبي في قصيدته التي كتبها في يوم عرفة -عام 350 هجرية- عن الحال التي عاد بها العيد عليه، كتبها قبل مغادرته مصر بيوم واحد، مسافرًا للقاء أحبته يوم أن قرر مغادرة مصر بعد مدح حاكِمِها كافور الإخشيدي في العديد من القصائد، قبل أن يتحوَّل هاجيًا ساخرًا له ومنه، ومنها هذه القصيدة.
وبجوار مصر الآن أتساءل عن عودة العيد على أهل غزة، والعيد فرحة للمسلمين، وهم مسلمون ضحَّوا بالغالي والنفيس، وفقدوا الأهل والأحبة ومن حقهم مثل كل مسلم وكل إنسان أن يفرح ويحتفي بعيده، وأن يسعد في يوم عيد الأضحى المبارك، لكن من أين تأتيهم السعادة، ماتَ وفُقدَ وأصيبَ منهم أكثر من 120 ألفًا، منهم 12 ألف طفل شهيد، ويعيشون تحت قصف متواصل من جيش الاحتلال؟!
في يوم عرفة بالأمس استُشهد 28 شهيدًا في غرب مدينة رفح جنوبي قطاع غزة استهدفهم الطيران الإسرائيلي، بينما لم يستطع 2500 مواطن فلسطيني مغادرة غزة والوقوف على جبل عرفات في هذا اليوم، بسبب إغلاق معبر رفح وهذه الحرب الدائرة في غزة المُستمرة طوال الوقت.
مئات الآلاف من النازحين أيضًا يعانون في العيد الجوعَ والمرضَ والبعدَ عن ديارهم، حتى في مناطق النزوح الآمنة تُغِير إسرائيل عليهم وتهدد أرواحهم!
هذه الأوضاع المُروعة التي تفوق طاقة البشر تأتي على أهل غزة في أيام الله المباركة، التي لم يُراع العدو الإسرائيلي توقيتها وقدرها عند المسلمين في كل العالم، وكيف يراعي وهو يقتل البشر والشجر ويريد تهجير كل ساكني قطاع غزة تمامًا؟!، الذين فقدوا الأمن والأمان ويعيشون هذه الحياة غير الإنسانية بين بحر يحمل الخوف ومبانٍ مُهدمة وأجساد مبتورة وأمهات ثكلى، ومعبر مغلق، في مساحة «335 كلم» يعيشون حصارًا وحزنًا وألمًا، ليس معهم إلا الله سبحانه وتعالى يرعاهم ويصبِّر قلوبهم على هذا البلاء الكبير.
أحدثك في هذا عن المآسي الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي يعاني منها الفلسطينيون كل يوم، ناهيك عن المآسي النفسية والاجتماعية التي يواجهها من نجا منهم من هذه الحرب التي لم ترحم كبيرًا ولا صغيرًا.
هناك عقاب جماعي تواجهه هذه الرقعة من الأرض، تحاصر في حياتها ومعيشتها ومنتوجها المحلي، تُمنع عنها أبسط حقوق الإنسان والعالم كله يتفرج على هذا المشهد، ربما اعتاد الشعبُ الفلسطينيُ عدم الاستقرار وهذه الحروب المتوالية عليه، لكنهم في النهاية بشرٌ لهم طاقة وتحمُّل، وعلى المجتمع الدولي أن يمارس سلطته أمام تعنت إسرائيل في استمرار الحرب وعدم الاستجابة للمؤسسات الدولية، وشعوب العالم وطلاب الجامعات في كل الدنيا الذين يطالبون بإيقاف الحرب في غزة، فلم تعد الطائرات والصواريخ الإسرائيلية وحدها هي التي تقتل الفلسطينيين، بل الجوع والأوبئة والحصار أيضًا، هل تتخيل أن شعبًا يموت بعضه من الجوع، وهو يعيش في واحدة من أخصب وأغنى المناطق، يحيط به ملايين من العرب الذين يلقون ببقايا طعام بعشرات الآلاف من الأطنان، فما بالك بطعامهم؟!
من الشتاء إلى الصيف يُستهدف سكانُ قطاع غزة في حرب بلا هوادة، وفي نفس التوقيت ويوم العيد وفي يوم عرفة أيضًا يُستهدف شعبٌ عربيٌ أبيٌ وعظيمٌ، من قِبل أبنائِه وهو الشعب السوداني، حيث الاقتتال المُستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حرب بلا هدف ولا نهاية يدفع ثمنَها أبناء الشعب السوداني الذين يعيشون معاناة وحصارًا وقصفًا وتدميرًا للشعب والبنية التحتية.
منذ الخامس عشر من أبريل 2023 وحتى الآن تدور رحى الحرب التي يواجه فيها جيش السودان بقيادة عبد الفتاح البرهان قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وبينهما شعب يموت ويُهجَّر، ملايين السودانيين هجروا من أراضيهم، نزحوا مثل الفلسطينيين، بل إن مبادرة التصنيف المحلي للأمن الغذائي- التي تستخدمها الأمم المتحدة- تخبرنا أن هناك 750 ألف سوداني يواجهون نقصًا في الغذاء ربما يؤدي إلى مجاعة في سبتمبر!
هناك حوالي 18 مليون سوداني -ثلث سكان السودان- يواجهون أزمة حياة، نزح 11 مليون سوداني من ديارهم إلى ديار أخرى وبلاد أخرى.
السودان أيضًا يحيط به عدد من الدول الغنية بكل مقومات الحياة الثرية أيضًا مثل غزة، السودان في شمال شرق إفريقيا، جنوب مصر، وله حدود مع ليبيا، ومع ذلك لم يستطع أحد إيقاف الحرب الأهلية المستمرة هناك، 70% من المنظومة الصحية في السودان انهارت، الثروات الزراعية والصناعية تدمرت، الأوبئة انتشرت، وها هو عيد الأضحى يأتي على شعب السودان أيضًا وهو يسقط في حرب أهلية، ومن المعروف أن الحروب الأهلية لا ينتصر فيها أحد.. بل إن «الخاسر الوحيد» فيها هما الوطن والشعب، فبأي حال عدت يا عيد؟!
إعلامي مصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق