الأحد، 2 يونيو 2024

الردّ الإسرائيلي على المقترح الإسرائيلي

 

الردّ الإسرائيلي على المقترح الإسرائيلي


وائل قنديل




أعقد من لغز وأصعب من لوغاريتم وأخطر من فخّ،هذا المقترح، أو خريطة الطريق، أو الفِكَر التي يحبس الوسطاء العرب أنفاسهم في انتظار ما يقرّره مجلس الحرب الصهيوني بشأنها.

هو لغزٌ لأنّنا بصدد مفارقة درامية مُثيرة، إذ مع أول طرح لهذه المبادرة على لسان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قال إنّ ما يعلنه هو مقترحات إسرائيلية من شأنها إبرام صفقة مرحلية يمكن أن تنتهي بوقف القتال، كما أنّ المُتحدّث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض يشدّد على أنّ هذا المشروع إسرائيلي، وأنّ الكرة، الآن، في ملعب حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، وهو ما يذهب إليه، كذلك، رئيس الوزراء البريطاني ريتشي سوناك، الذي يرى أنّ على "حماس" أن تلتقط الفرصة.
في البيان الثلاثي المشترك بين الوسطاء الثلاثة، قطر ومصر والولايات المتّحدة، لا تجد ما يبدّد غموض المطروح بوصفه صفقة أو فرصة، إذ يدعو الوسطاء الثلاثة "كلاً من حماس وإسرائيل لإبرام اتفاق يجسّد المبادئ التي حدَّدها الرئيس بايدن في 31 مايو 2024". 
بينما بايدن نفسه قال إنّ ما يُعلنه هو مقترحاتٍ أو فِكَرَاً إسرائيلية، فكيف تكون الفِكَرُ إسرائيليةً، بينما الجهات الإسرائيلية المعنية لا تزال تبحث وتناقش وتفكّر "في فِكَرِها" لكي توافق عليها، ومع ذلك، وبحسب تصريحات مسؤوليها، تنتظر ردّ المقاومة الفلسطينية.
على أن ما طرحه بايدن باعتباره مُقترحاتٍ "إسرائيلية" تؤسّس لصفقة من ثلاث مراحل، لا تزال محلّ رفض استراتيجي لملامحها الأساسية من رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، الذي يُشهر لاءاته الناسفة أيّ صفقة مُعتبَرة، وخصوصاً تشديده على أنّه لا وقف للحرب إلا بالقضاء على قدرات المقاومة عسكرياً وسياسياً، فلا تكون عنصراً في معادلة الصراع مستقبلاً، وهو ما يشاركه الإيمان به جو بايدن وأركان إدارته، فكيف يمكن أن يكون هذا الشخص وسيطاً حقيقياً بين الاحتلال الصهيوني والمقاومة الفلسطينية التي يؤمن بضرورة القضاء عليها، وفي الوقت نفسه، يتفاوض معها لإنهاء الحرب عليها؟
هي، إذن، ليست مبادرة سلام أميركية ـ إسرائيلية، بل الأكثر دقّة إنّها مناورة انتخابية، اضطرّ إليها الرئيس الأميركي، الذي كان، حتّى أيام قليلة مضت، يدافع عن الإجرام الإسرائيلي في رفح، ويدعمه بأكثر الأسلحة فتكاً، ويعتبره غيرَ متجاوزٍ الخطوط الحمراء، ومن ثمّ، تطلّب الأمر هذا الإخراج المُثير في مسرح الشرق الأوسط، واستدعى صيغة بيانٍ ممهور بتوقيع ثلاثي الوساطة، ما يوحي بأنّ العدّ التنازلي لصمت آلة الحرب قد بدأ، في سياق من الاستجابات المجّانية لكلّ ما يأتي به بايدن، الذي يجد من هو على استعدادٍ للتصفيق والتهليل طوال الوقت.
يلفت النظر أنّ معدّل المجازر ضدّ الشعب الفلسطيني قد ارتفع في الساعات التالية لإعلان بايدن، الذي قال إنّ الوقت قد حان لكي تتوقّف الحرب، وهي الحرب التي بات مُستقرّاً للمراقب المحايد أنّها حربٌ إسرائيلية أميركية مشتركة على الشعب الفلسطيني، يخوضها بايدن باستعلاء صهيوني لا يقلّ عن نظيره عند نتنياهو نفسه، ومن ثمّ، فإنّ فرضية أنّ بايدن بطرحه الجديد إنّما ينفّذ انقلاباً على نتنياهو تفتقر إلى أدلّة وشواهد حقيقية كثيرة، وخصوصاً أنّ استطلاعات الرأي الأميركية تُظهر تراجع شعبية بايدن في مقابل تصاعد شعبية نتنياهو، أو على الأقلّ ثبات حجمها، كما في استطلاعات الرأي الإسرائيلية. وبالتالي، فإنّ فرص بايدن في إطاحة نتنياهو أقلّ من قدرة اليمين الصهيوني على إسقاط بايدن في نوفمبر/ تشرين الثاني المُقبل، فضلاً عن أنّ كلاً منهما يشاطر الآخر عقيدة حتمية الإجهاز على روح المقاومة الفلسطينية.
لا أحدَ يتمنّى استمرار الحرب الإسرائيلية المجنونة على الشعب الفلسطيني، ولا أحدَ ينكر الكُلفةَ الباهظةَ من الدماء والبناء، غير أنّ أيّ صيغةٍ تستبعد حقّ الشعب الواقع تحت الاحتلال في المقاومة، مستقبلاً، لا يمكن الاعتداد بها خطّةَ سلام، بل المُؤكّد أنّها مشروع استسلام إضافي لعديد اتفاقيات الاستسلام المحفوظة في أرشيف المفاوضات، والتي يبدو أنّها تُبرَم من أجل أن يلغيها الاحتلال، ثمّ يستدعي الجميع لإبرام أخرى، في دائرة عبثية من المبادرات والاتفاقات التي تلتهم كلّ واحدة منها قضمة من الحقّ الفلسطيني في التحرير.                                                                  
في نهاية المطاف، تبقى المقاومة الفلسطينية عصيّةً على الاستدراج إلى كمائن الصفقات المُبهمة، وتدرك جيداً أنّ أقصر طريق لإيقاف الحرب هو الصمود في هذه الحرب، من دون أن يهتزّ يقينها في تحقيق الانتصار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق