ما يخبرنا به التاريخ عن تحرّر الشعوب
في عمر الشعوب الطويل، ومسيرة التحرّر التي تخوضها، أنار تاريخها الكثير من النقاط التي كانت محطات مضيئة على طريق الخلاص.. لحظات خُلِّدت في ذاكرة الأجيال، فصارت حارسًا مخلصًا وإرثًا عزيزًا، ومَنعة لا يُؤتى من طرفها، لمستقبل مكلَّل بالعزِّ والفخار والحرية.
التاريخ هو المرآة الصادقة التي نرى فيها كفاح الأمم والشعوب في سعيها الدؤوب لتحقيق الحرية والاستقلال. تُلهمنا صفحات التاريخ بحقيقة راسخة: الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع بعزيمة لا تلين، وإرادة لا تنكسر.. فلا انتصار دون تضحية، والشهادة هي بوابة العبور نحو الحرية المنشودة.
يستحضر الشعب الفلسطيني اليوم ذلك التاريخ العظيم لأمتنا، رافعًا راية الرفض للذل والمهانة. إنها محاولة جسورة لجعل تاريخنا المجيد يتدفق نحو حاضرنا، ليشهد أبناؤنا في المستقبل أن آباءهم كانوا أوفياء لهذه الأرض المقدسة؛ وهذا جوهر ما يرويه لنا التاريخ حين نستلهم تجارب الشعوب الثائرة.
في البوسنة، نجد مثالًا حيًّا على هذا النضال البطولي.. واجه البوسنيون بصدور عارية حملة إبادة جماعية واحتلالًا غاشمًا، لكنهم صمدوا بشجاعة أسطورية أمام هذا العدوان الهمجي.
يلخص الرئيس البوسني الراحل، علي عزت بيغوفيتش، هذا الموقف البطولي قائلًا:
“الحرية ليست شيئًا يُعطى، إنها شيءٌ ينتزع، إنها ثمن ندفعه بدمائنا وعرَقنا ودموعنا.”
أما في الجزائر، فقد سطَّرت ثورة التحرير الجزائرية ملحمة خالدة في تاريخ حركات التحرر في القرن العشرين.. قاد الشعب الجزائريّ الأبيّ مقاومة ضارية ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، مقدِّمًا قوافل الشهداء على طريق الحرية. يقول الزعيم الجزائري أحمد بن بلة: “إن الشعب الذي لا يقاوم ليس شعبا حرا.. الحرية تأتي بالتضحيات، وكل تضحية هي خطوة نحو الاستقلال.”
وفي فييتنام، تجسَّد نضال الفيتناميين الأبطال ضد الاستعمارين الفرنسي ثم الأمريكي في شخصية القائد الملهم “هو تشي منه”، الذي قاد المقاومة بشجاعة وتصميم.
يقول “هو تشي منه”:
“لا شيء أعلى ثمنا من الاستقلال والحرية، كل تضحية نبذلها هي خطوة نحو تحقيق هذا الهدف المقدس.”
كذلك، تقدم جنوب أفريقيا نموذجًا ساطعًا يوضح كيف يمكن للنضال الطويل أن يثمر حرية وكرامة..
نيلسون مانديلا، الذي قضى ٢٧ عامًا في غياهب السجون من أجل حرية وطنه، يؤكد:
“إن الحرية لا تمنح ببساطة، يجب أن نناضل من أجلها.. التضحيات التي قدمناها هي الثمن الذي دفعناه لتحقيق هذه الحرية.”
تُعلِّمنا هذه النماذج الملهمة أن كل الشعوب التي رزحت تحت نير الاحتلال قاومت بشراسة، وأن المقاومة حتمًا تستلزم تضحيات جسيمة. هذه التضحيات ليست نكوصًا عن المقاومة، بل هي جوهرها النابض.. وعبر صفحات التاريخ، تتكرر هذه الحقائق الناصعة لتكون نبراسًا للأجيال القادمة في مسيرتها نحو الحرية والاستقلال.
اليوم، وفي خضم الأحداث الجسام في فلسطين، وفي ظلال معركة “طوفان الأقصى”، تتجلى القضية الفلسطينية كنموذج حي لنضال الشعوب من أجل الحرية.. يقدم الشعب الفلسطيني الصامد تضحيات جسيمة في مواجهة المحتل الغاصب، مؤكدًا أن الحرية تُنتزع ولا تُمنح.
يقول أحد أبطال المقاومة الفلسطينية:
“نحن لا نقاتل لأننا نحب الحرب، بل لأننا نحب ما ندافع عنه؛ حريتنا وكرامتنا.”
إن صمود الشعب الفلسطيني اليوم يستحضر في الأذهان بطولات الجزائر والبوسنة وفيتنام وجنوب أفريقيا.. كل قطرة دم تُراق، وكل شهيد يرتقي، هو خطوة جديدة نحو فجر الحرية. ويعلمنا التاريخ أن العدالة ستنتصر حتمًا، وأن التضحيات الجسام التي تقدمها الشعوب على طريق الحرية لن تذهب سُدى.
ستظل معركة “طوفان الأقصى” شاهدًا على إرادة لا تقهر، وعزيمة لا تنكسر. وجيلًا بعد جيل، سيواصل الفلسطينيون نضالهم الباسل من أجل حريتهم، مستلهمين من تاريخ الأمم التي ناضلت وانتزعت استقلالها. وقد قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “نحن لا نريد أن ننتصر، نريد أن نعيش بكرامة.”
في نهاية المطاف، التاريخ ليس مجرد سرد لأحداث غابرة، وقصص تُروى، بل هو منارة تنير طريقنا نحو المستقبل. وتبقى الحقيقة الساطعة أن الحرية تستحق كل تضحية، وأن الشعوب التي تقاوم الظلم والاحتلال ستنتصر حتمًا، وسيشرق فجرها، مهما طال الليل وعظمت التحديات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق