حين أرحل
تصحيح مفهوم الموت
الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: السلام عليكم، مساكم الله بالخير يا أحبابي في فيس بوك حيثما كنتم.
مساء جميل، مساكم ربي بكل خير ورحمة وسرور وبر، ورزق وعطاء ومغفرة وتوفيق، وهداية وكرم وجود لكم ولمن تحبون من أهل وولد ووالد وجار وصديق وزميل وشريك، يا رب الطف بهم وأسعدهم.
أمس البارحة أرسل لي شاب اسمه محمد من فرنسا من أصل مغربي، يقول: إنه عنده فوبيا من الموت، دائماً عنده مخاوف من الموت، فذكرني بمقطع كنت عملته أيضاً في وسم، أمس سمعتكم وسماً (مثلك أنا) عن العنصرية، اليوم أريد أسمعكم مقطعاً أيضاً قصيراً أربع دقائق عن الموت، وسم: (حين أرحل)، وذكرني بقصتي مع الموت إن صح التعبير؛ لأنه فعلاً عندي قصة شبيهة بالقصة التي يسأل عنها محمد في الطفولة، أذكرها لكم بعد قليل وذكرني أيضاً ببعض الوعاظ الذين ربما يتعاملون مع الموت بطريقة بشعة، إنهم دائماً يبالغون في الحديث عن آلام الموت، بينما الإمام ابن حزم مثلاً عنده كتاب في إبطال ألم الموت، يقول: الموت ما له ألم الألم للمرض الذي يصيب الناس، صحيح، أما الموت ليس له ألم إنما له سكرة: (( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ))[ق:19]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الله أكبر إن للموت لسكرات )، فالسكرة هي شيء يذهب العقل والتركيز ولكن ليس ألماً، وإنما الألم يكون للمجرمين، يكون للظالمين يكون للكافرين، إشارة إلى أنه دقت ساعة الحساب، دنت ساعة الحساب، ولذلك في القرآن الكريم الله سبحانه وتعالى قال عن المؤمنين: (( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ))[النحل:32]، وكذلك يقول الله سبحانه وبحمده: (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ))[فصلت:30] يعني: في حياتهم، (( تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ))[فصلت:30] عند النزع عند الموت، (( أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ))[فصلت:30].
إذاً لا تخافوا على ما أمامكم وأنتم مقدمون على شيء غامض، وما أنتم عارفون حقيقته، وما تدرون إلى أين يذهب بكم، لا تخافوا، هذه بشارة من الملائكة عند الاحتضار،((وَلا تَحْزَنُوا ))[فصلت:30] أيضاً لا تحزنوا على ما وراءكم، عيالكم وزوجاتكم وأعمالكم وبرامجكم الخيرة، الله تعالى يقيظ لها من يرعاها وتستمر وتدوم بإذن الله تعالى، ((وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ))[فصلت:30]، فهذا بالنسبة للمؤمنين.
إنما في المقابل الله تعالى قال عن الكافرين: (( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ))[النحل:28]، قال سبحانه: ((فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ))[محمد:27]، وجاء هذا في غير ما موضع من القرآن الكريم، وجاء في السنة النبوية ما يشهد لهذا المعنى أنه الإنسان الظالم والمجرم، والناس الذين أشبعوا الدنيا عدواناً وظلماً وجوراً وقتلاً، وجرأة على الله واعتداء على عباده، وعيدهم قريب في الدنيا قبل الآخرة، هم في الدنيا لا يخرجون منها خروجاً عادياً وإنما يخرجون منها بألم مبرح يدل على ما بعده: (( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ))[فصلت:46].
والموت هو ساعة انكشاف، ولذلك بعض السلف يقول: الناس نائمون فإذا ماتوا انتبهوا، ولذلك الله سبحانه وتعالى قال: (( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)) [ق:19]، وقال سبحانه: (( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ))[ق:22] حاد قوي، فيصبح الإنسان يرى ما لم يكن يرى من قبل يرى الملائكة مثلاً، ولما يقول سبحانه: (( تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ))[فصلت:30] معناه: أنهم يرون الملائكة.
إذاً المقصود الآن أن الموت ما هو بشيء مؤلم بالنسبة للمؤمن، والأنبياء مثل يوسف عليه السلام قال: (( تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ))[يوسف:101]، وعائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت: يا رسول الله! أكراهية الموت؟ فكلنا يكره الموت، قال عليه الصلاة والسلام: لا يا عائشة! لا يا ابنة الصديق! ولكن الموت إذا حضر عند النزع يبشر بلقاء الله وبالجنة، فيحب لقاء الله ويحب الله لقاءه، والكافر يبشر بالنار فيكره لقاء الله ويكره الله لقاءه ).
الموت ليس فيه ما يخيف وليس فيه ما يدعو إلى القلق والتوتر، الموت هو انتقال من ضفة إلى ضفة، الموت هو لقاء الله، الموت بالنسبة للمؤمن هو راحة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مستريح ومستراح منه )، المؤمن يستريح من تعب الدنيا ونصبها والكافر يستراح منه، تستريح منه البلاد والعباد والشجر والدواب والهوام.
(فخلك) يا محمد! ويا كل أحبتي وأبنائي وبناتي! أن يكون عند الإنسان صلة مع الله، وهذه فرصة أني أذكركم بالصلاة، أعظم صلة بعد التوحيد الصلاة، أنه لا تترك صلاتك، ابق على علاقة دائمة مع الله تجعل انتقالك إليه إذا حضر الموت ما هو بشيء مخيف، أو أنك مثل الإنسان الذي مجلوب بالقوة إلى أهله وهو هارب منهم لا، أنت تأتي مرتاح والصلة موجودة أصلاً، وأيضاً نقطة ثانية: أحسن ظنك بربك، أحسن ظنك بالله، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ).
عندي مقال في كتابي أنا وأخواتها، عنوانه: حين أرحل، اقرأه يا محمد من فرنسا، وعندي مقطع أيضاً اسمه حين أرحل، وسم في اليوتيوب، أنت يا محمد! ويا كل أحبابي وأبنائي وبنياتي! شاهدوا المقطع هذا، الآن أنا سأعرضه عليكم لكن بعد ذلك شاهدوه؛ لأن مثل هذا المقطع مركز أربع دقائق فيه أفكار لن تفهمها من أول وهلة، اسمع مرة ومرتين وثلاثاً حتى تستوعب فكرة المقطع، وسم حين أرحل أعرضه لكم الآن.
الوسم: الشخص الذي فكرته عن الحياة خاطئة ستكون فكرته عن الموت خاطئة أيضاً.
ألقى التحية ثم سأله: كم عدد أفراد أسرتك؟
- سبعة يا عم، خمسة في الداخل واثنان عند الشجرة.
- لا أرى أحداً عند الشجرة.
- تحت التراب هناك.
- أنتم خمسة إذاً؟
- لا، نحن سبعة.
كان الصغير يتعامل مع الرحيل على أنه امتداد طبيعي للحياة، وأنه انتقال من مكان لآخر، من حلم لحلم، كان يعلم أن الرقم لا يكسر بهذه السهولة، سبعة هم، اثنان فتحوا بوابة مرحلة أخرى والبقية تحت ظل شجرة الحياة.
في أي لحظة في أي زقاق قد يصافحك الموت ممسكاً بتذكرة رحلتك، تبتسم وتعبر الجسر لبقية الأصدقاء هناك، حيث العدالة المطلقة ونهاية تجربة عابرة.
يمكنك أن تعامل الموت كأستاذ علمك أن الحياة وجه آخر للموت، وأن الموت وجه آخر للحياة، وأن الشباب موت الطفولة، وأن الشيخوخة موت الشباب، وأن الموت جسر للخلود، وأنت من مرحلة لأخرى تصعد السلم دون شعور.
- أين ذهب جدي؟
- لقد تأخر.
- يجيب الأب: إنه هناك على مقربة منك يمكنك أن تزوره في أي وقت.
كان الأب يهندس لصغيره صفقة الموت مع الحياة، الراحلين مع الأحياء المسافة بينهم، وأنت الباقي الآن في حياتك يمكنك أن تعضد أصدقاءك، أن تطمئن على أسرتك، أن تتواضع أكثر، أن تعمر هذه الأرض، أن تملأ تلك الحياة، أن تحبها، أن تغرس فسيلة، يمكنك الآن أن تتصالح مع الرحيل، مع الموت صافحه، لا تجعل منه شبحاً مطارداً لك.
حين أرحل أتمنى أن أكون رتبت أولوياتي بشكل مختلف، حين أرحل أتمنى أن أكون قلت الكلمة الأخيرة.
هذا هو المقطع، وإن شاء الله تكونون استفدتم منه وسمعتموه بشكل جيد، وأتمنى أكثر أنكم تكونون على اتصال مع قناتي وسم في اليوتيوب، وتشاهدون هذا المقطع وتشاهدون بقية المقاطع أيضاً إذا أعجبتكم.
والمقصود تكرار المشاهدة: أن الإنسان يفهم معاني يمكن ما كان فهمها لأول مرة.
طبعاً الحياة نفسها نفهمها جيداً إذا فهمنا الموت جيداً أو العكس صحيح، بمعنى: أن المؤمن يحب الحياة، ما هو بالمؤمن أنه يعيش نوعاً من النكوص، لا، (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ))[البقرة:201]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( خيركم من طال عمره وحسن عمله )، ويقول صلى الله عليه وسلم: ( إن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيراً )، فالحياة مزرعة.
ولذلك أجد هذه فرصة أني أذكركم بموضوع مهم جداً، موضوع الصلاة؛ لأن الإنسان الذي يموت هو يرتحل يذهب إلى الله، فلابد تكون صلتك بالله قائمة، خمس صلوات في اليوم والليلة لا تتركها، وكثيرون يسألون: كيف أحافظ على الصلاة؟ يا حبيبي! ما يكفي أنك تسأل ولا يكفي أنك تسمع مني كلمتين ثلاثاً عابرة، لازم تعالج هذا اقرأ،
قلت لك: يوجد كتاب اسمه قناديل الصلاة للفريد الأنصاري قرأته؟ ما قرأته، لماذا يا حبيبي؟ انتصف رمضان اقرأ الكتاب، هناك أيضاً أخ مصري لا أذكر اسمه عنده كتاب أظن عنوانه حين صليت لأول مرة، تجده في قوقل قصير، اقرأه، عندي مقال اسمه خمس محاولات، اقرأه تجده في قناتي في حسابي في تويتر في صفحتي في الفيس بوك خمس محاولات، خطبة إذا كنت لا تقرؤها اسمعها، لازم يصير عندك تحفز للصلاة، لازم تفهم ما معنى الصلاة.
الصلاة هذه تجعل علاقتك مع الله دافئة، بحيث أنه في الدنيا وأقسم لك بالله تجربتي الشخصية: حينما أقترب من الله وأستشعر الله أكون أكثر سعادة بأكلي وشربي ونومي ومع أولادي ومع أسرتي وفي بيتي، في دنياي أقسم لك بالله، وأيضاً أكثر قدرة على مواجهة التحديات والصعاب والاستهانة بها.
رقم ثلاثة: أكون أكثر إنسانية، أستشعر آلام القريب والبعيد والأطفال والشيوخ، والذي أعرف والذي ما أعرف، والبر والفاجر والمؤمن والكافر؛ لأنه كل أحد يتألم تتألم لألمه، إلا اللهم الفجرة الذي تود أن الله يخلص الإنسانية منهم، فـتكون أكثر إنسانية حينما تكون أكثر قرباً من الله.
إذاً ممكن تفهم قضية الإيمان وقضية الموت بهذا الاعتبار، والموت هو جزء من الإيمان، يعني الإيمان بالموت هو من الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، من الإيمان باليوم الآخر أن تؤمن بالرحيل وهو كل أحد يعرف أنه يرحل، لكن تؤمن بأن الرحيل هو ليس فناء ولا عدماً، وإنما هو انتقال من مكان إلى مكان ومن ضفة إلى ضفة ومن عالم إلى عالم ومن حلم إلى حلم كما قلنا في المقطع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق