الأربعاء، 7 ديسمبر 2022

إستراتيجية بايدن للأمن القومي الأميركي (7) العوالم السبعة

إستراتيجية بايدن للأمن القومي الأميركي (7) 

العوالم السبعة


بعد أن أفاضت إستراتيجية الرئيس جو بايدن للأمن القومي الأميركي، في الحديث عن التحديات الكبرى والتحديات المشتركة التي تواجهها بلاده وحلفاؤها، وعلى رأسها التهديد الأكبر الذي تمثله كل من الصين وروسيا، والذي يعتبر تهديداً وجودياً، ليس للولايات المتحدة فحسب، وإنما للحضارة الغربية الراهنة والنظام العالمي الذي تهيمن عليه بمواثيقه واتفاقياته ومعاهداته ومنظماته وقراراته؛ بعد أن انتهت هذه الإستراتيجية من استعراض التحديات، والخطط والسياسات التي أعدتها لمواجهتها، انتقلت في الجزء الرابع منها للحديث عن إستراتيجية بايدن تجاه المناطق الجغرافية الرئيسية في العالم، ورؤيته القائمة على الشراكة العالمية مع جميع دول العالم لمواجهة تحديات العقد الجاري، الذي أشارت الإستراتيجية، في عدة مواضع، إلى أنه عقد حاسم في تاريخ البشرية. دون أن توضح لماذا اكتسب هذا العقد هذه الصفة، وما الذي نتوقع حدوثه أو إنجازه في السنوات المتبقية من هذا العقد؟

تعتبر إستراتيجية بايدن أن منطقة المحيطين الهندي والهادي ستكون بؤرة الجغرافيا السياسية في القرن الـ 21 م، وأن مصلحة الولايات المتحدة، باعتبارها القوّة الرئيسية في المحيطين، تكمن في تحقيق منطقة مفتوحة ومترابطة ومزدهرة وآمنة ومرنة

خارطة النفوذ والهيمنة

تقسّم إستراتيجية بايدن العالم إلى 7 مناطق تمثل العمل الإستراتيجي الدائم للولايات المتحدة، موضّحة أن الأميركيين يعتمدون على علاقات الولايات المتحدة الواسعة والعميقة في كل منطقة من هذه المناطق، ويستفيدون منها في الاستثمار والتجارة والدراسة والعمل والعيش في معظم دولها. وهذه المناطق هي:

دول منطقة المحيطين الهندي والهادي

تعتبر الإستراتيجية الأميركية أن منطقة المحيطين الهندي والهادي ستكون بؤرة الجغرافيا السياسية في القرن الـ 21 م. وباعتبار الولايات المتحدة القوّة الرئيسية في هذين المحيطين، فإن مصلحتها الحيوية تكمن في تحقيق منطقة مفتوحة ومترابطة ومزدهرة وآمنة ومرنة فيها. وتشدد هذه الإستراتيجية على أن الولايات المتحدة ستعمل مع الدول الإقليمية الأخرى لإبقاء هذه المنطقة مفتوحة، وسهلة الوصول، مع ضمان أن دولها حرة في اتخاذ خياراتها الخاصة، بما يتفق مع التزاماتها تجاه القانون الدولي، في إشارة إلى الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة المهدد الأكبر لاستقرار هذه المنطقة ولسيادة دولها.

وأوضحت إستراتيجية بايدن أن الولايات المتحدة تعتبر، منذ فترة طويلة، رائدة في التجارة والاستثمار في المنطقة، وأنها لمدة 75 عامًا حافظت على وجود دفاعي قوي وثابت فيها، وأنها ستواصل العمل على تحقيق استقرارها وسلامتها. وأكدت على التزامات الولايات المتحدة الصلبة، تجاه حلفائها في معاهدة المحيطين الهندي والهادي (أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلند).

أوروبا

تشير الإستراتيجية الأميركية إلى أن العلاقة مع أوروبا متجذّرة في القيم الديمقراطية المشتركة، والمصالح المشتركة، والروابط التاريخية، وأن أوروبا، كانت وستظل، الشريك الرئيسي في معالجة التحديات العالمية. ومن هنا فإن الولايات المتحدة على أجندة عالمية مشتركة وفعّالة مع أوروبا، وستقوم بتعزيز حلف شمال الأطلسي، ورفع مستوى الطموح في العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والوقوف معاً في الدفاع عن "النظام الدولي القائم على القواعد" الذي يقوم عليه أمن وازدهار وقيم الطرفين.

وستعمل الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي على تعزيز التجارة والاستثمار والتعاون التكنولوجي القائم على القيم الديمقراطية المشتركة، وعلى تعزيز الاقتصاد العالمي المنفتح والشامل، ووضع معايير عالية للتجارة، وضمان المنافسة العادلة، ودعم حقوق العمال، والتخلص من الكربون، ومحاربة الفساد، وحماية الابتكارات من الاستخدامات التي تتعارض مع مصالح وقيم الطرفين.

وتشدد إستراتيجية بايدن على التزام الولايات المتحدة بالمحافظة على أوروبا موحدة وحرة وفي سلام، وتعتبر الغزو الروسي لأوكرانيا تهديداً خطيراً لأوروبا، ولذا تؤكد هذه الإستراتيجية على تصميم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دعم أوكرانيا في الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها.

نصف الكرة الأرضية الغربي (الأميركتان)

تعتبر إستراتيجية بايدن هذه المنطقة الأكثر تأثيراً على الولايات المتحدة، حيث تصل التجارة السنوية معها إلى 1.9 تريليون دولار، فضلاً عن القيم المشتركة والتقاليد الديمقراطية، والروابط الأسرية، والتي تجعل هذه المنطقة، وخاصة في أميركا الشمالية، من المساهمين الرئيسيين في ازدهار الولايات المتحدة ومرونتها. وترى هذه الإستراتيجية أن من الضروري للولايات المتحدة العمل على تنشيط شراكاتها في دول الأميركتين لبناء المرونة الاقتصادية والمحافظة عليها، وتعزيز الاستقرار الديمقراطي، والحفاظ على أمن المواطنين.

وتشير إستراتيجية الرئيس إلى أن الولايات المتحدة ستواصل تحديث بنيتها التحتية الحدودية، وبناء نظام هجرة عادل ومنظم وإنساني، مع شراكة جريئة مع دول المنطقة، تتمحور حول مبدأ تقاسم المسؤولية والاستقرار ومساعدة المتضررين. كما ستواصل مهمة توسيع المسارات القانونية للهجرة ومكافحة التهريب غير المشروع للبشر، والاتجار الذي يفترس المهاجرين المستضعفين.

بروح تفاؤلية عالية وغير واقعية؛ تؤكد إستراتيجية بايدن أنه عن طريقها ستتمكن الولايات المتحدة من مواجهة التحديات الكبرى والمشتركة، ومن تعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، والنجاح في تحقيق متطلبات وأولويات هذا العقد الحاسم

الشرق الأوسط

نظراً لخصوصية المنطقة وعلاقتها المباشرة بالجمهور العربي، أفردت له في مقال سابق، والذي أوضحت فيه: كيف أن إستراتيجيات الولايات المتحدة تتعامل مع الشرق الأوسط كخزان وقود وممرات مائية إستراتيجية، ليس أكثر. وقد عملت الإدارات المتعاقبة بشكل حثيث على تغيير معادلات الصراع في المنطقة، بما يحقق مصالحها ومصالح دولة الكيان الصهيوني، وإنهاء حالة العداوة بينه وبين الدول العربية، لتتوجه بصورة مشتركة نحو إيران التي أصبحت بالفعل ذلك العدو الذي يزعزع استقرار المنطقة، ويهدد سلامها وأمنها وازدهارها، بينما صار الكيان الصهيوني شريكاً إستراتيجياً، ومحوراً حيوياً لتحقيق أمنها وازدهارها.

أفريقيا

تضم قارة أفريقيا أكثر من 60 دولة وإقليما، وهي الأكثر بين القارات، ورغم ثرواتها الهائلة فإنها القارة الأكثر فقراً، وتخلفاً، واستبداداً، وحروباً، ومعاناة، رغم الخطط والقرارات الإقليمية والدولية العديدة، التي لم تتمكن حتى الآن، من إيقاف النزاعات وإحلال السلام وتحقيق الاستقرار ودفع عجلة التنمية.

وفي إشارة لافتة، تشدد إستراتيجية بايدن على أن تعزيز المصالح الوطنية الأميركية في أفريقيا لا يتوقف على العمل فقط مع حكومات الدول الأفريقية، ولكن أيضًا بشكل أوثق مع الهيئات الإقليمية، كالاتحاد الأفريقي، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص ومجتمعات الشتات. وستركّز الولايات المتحدة على الاستثمار في أكبر دول المنطقة، مثل نيجيريا وكينيا وجنوب أفريقيا، مع العمل على تعميق علاقاتها مع الدول المتوسطة والصغيرة. كما تؤكد على العمل مع الدول الأفريقية كشركاء متساوين، لتحقيق الأولويات المشتركة، مع الضغط على الشركاء بشأن حقوق الإنسان أو الفساد أو السلوك الاستبدادي، وستعمل على تعميق الشراكات مع الدول التي تحرز تقدماً نحو حوكمة أكثر انفتاحاً وديمقراطية.

القطب الشمالي

وتشهد منطقة القطب الشمالي منافسة إستراتيجية بين روسيا والولايات المتحدة منذ عهد الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي سابقاً، وتشير الإستراتيجية الأميركية إلى أن روسيا بشكل كبير (عززت) وجودها في القطب الشمالي على مدار العقد الماضي، حيث قامت بتحديث بنيتها التحتية العسكرية وزيادة وتيرة التدريبات وعمليات التدريب، مما أدى إلى زيادة التوترات الجيوسياسية في هذه المنطقة، ونشوء مخاطر جديدة لنشوب صراع غير مقصود، وإعاقة التعاون الدولي، كما سعت الصين أيضًا إلى زيادة نفوذها في القطب الشمالي من خلال زيادة استثماراتها هناك.

وتؤكد إستراتيجية بايدن على أن الولايات المتحدة ستعمل على تعزيز وجودها في المنطقة، والمحافظة على استمرار تمتعها بالسلام والاستقرار والازدهار والتعاون، وتقليل المخاطر ومنع التصعيد، مع زيادة النشاط الاقتصادي المسؤول للقطاع الخاص من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، للاستثمار في البنية التحتية، وتحسين سبل العيش، وكذلك تحسين فرص الاستثمار لأغراض الأمن القومي.

حماية البحر والجو والفضاء

تشدد إستراتيجية الرئيس على أن الولايات المتحدة ستدافع عن حرية الملاحة والطيران، ودعم حماية البيئة، وستستمر في معارضة ممارسات الصيد المدمرة في المياه البعيدة، وستعمل على تعزيز التمسك بالقوانين والأعراف الدولية، وعلى تعزيز مكانة القارة القطبية الجنوبية كقارة مخصصة للسلام والعلم وفقًا لأحكام معاهدة أنتاركتيكا لعام 1959م.

وتوضح الإستراتيجية الأميركية أن استكشاف الفضاء واستخدامه سيفيد البشرية، ويزيد من إيجاد فرص اقتصادية لتطوير تقنيات جديدة لمراقبة تغيرات المناخ، مؤكدة على أن الولايات المتحدة ستحافظ على مكانتها كرائدة في الفضاء، تعمل جنبًا إلى جنب مع الحلفاء والشركاء والمجتمع الدولي لضمان استدامة الفضاء وسلامته واستقراره وأمنه، وتطوير سياسات وأنظمة تمكّن قطاع الفضاء التجاري الأميركي من المنافسة دوليًا، من أجل حماية المصالح الأميركية في الفضاء، وتجنب سباقات التسلح المزعزعة للاستقرار، وتحقيق إدارة بيئية للفضاء بشكل مسؤول.

وبروح تفاؤلية عالية غير واقعية؛ تؤكد إستراتيجية بايدن في الخاتمة ثقتها في أن الولايات المتحدة، إلى جانب حلفائها وشركائها، قادرة على النجاح في تحقيق نظام عالمي حر ومنفتح ومزدهر وآمن، وأنه عن طريق هذه الإستراتيجية ستتمكن الولايات المتحدة من مواجهة التحديات الكبرى والتحديات المشتركة، ومن تعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، ووضع قواعد جديدة وعادلة للطريق للتكنولوجيا الناشئة، والأمن السيبراني، والتجارة والاقتصاد، مع الاسترشاد بحقيقة أن قوة وجودة المشروع الأميركي في الداخل مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بقيادته للعالم، ومدى قدرته على تشكيل شروط النظام العالمي. مع التأكيد على أن هذه الإستراتيجية ستجعل الحياة أفضل وأكثر أماناً وإنصافاً للشعب الأميركي، وللدول والأشخاص الذين يشاركوننا رؤيتنا للمستقبل حول العالم.

ومرة أخرى تشير الإستراتيجية الأميركية إلى العقد الحالي الحاسم، الذي عبّرت عنه رؤية إدارة بايدن لما سيكون عليه النجاح في نهايته.

وتختم إستراتيجية بايدن بالقول "هذا ما يجب أن نحققه في هذا العقد الحاسم، كما فعلنا طوال تاريخنا، ستنتهز أميركا هذه اللحظة وترتقي إلى مستوى التحدي، ليس هناك مجال لتضييع الوقت".

(يتبع.. تناقضات إستراتيجية بايدن)






























ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق