الأربعاء، 7 ديسمبر 2022

الهون أبرك ما يكون...!

 الهون أبرك ما يكون...!

خواطر صعلوك

محمد ناصر العطوان

في دراسة قامت بها أستاذة علم نفس الطفل في جامعة تمبل في فيلادلفيا، بولاية بنسلفانيا، لمئة وعشرين طفلاً أميركياً في سن ما قبل المدرسة، اكتشفت فيها أن الأطفال الذين كانوا يلعبون ويتعلمون من خلال اللعب والتفاعل الاجتماعي مع أصدقائهم، أكثر استقراراً وحرصاً على التعلّم وأكثر قدرة على التفكير المستقل، من الأطفال الذين ركز أهاليهم على إدخال أطفالهم حضانات تركز على التحصيل الدراسي وحفظ المعلومات مبكراً.

وجدت الباحثة أن الأطفال القادمين من بيئات أكثر استرخاء وبطئاً هم الأقل قلقاً.

لماذا قامت الباحثة بهذه الدراسة؟

لقد لاحظت أن الكثير من الآباء والأمهات يعانون من حالة اسمها «فرط الأبوة والأمومة» وهي المحرك القهري الذي يجعل الآباء يحشرون أبناءهم وهم مازالوا صغاراً في برامج وأنشطة بشكل مُبالغ فيه... تعليم العزف على البيانو، تعلم لغة الإشارة، دروس في ألعاب رياضية مثل الغوص والغولف، تعلم لغات أجنبية مبكراً جداً مثل اللغة الإنكليزية والفرنسية والإسبانية... إنها رغبة الآباء والأمهات في دفع أطفالهم للنضوج المبكر في عالم سريع، واستخدام الوقت بأكبر قدر من الكفاءة.

أضف على كل ذلك هوس «جحيم الامتحان» والذهاب إلى معاهد للدروس الخصوصية، ويلهث الأطفال الذين هم في عمر اللعب ما بين الدروس والأنشطة متنقلين من نشاط إلى آخر، فلا يتبقى لهم وقت للاسترخاء واللعب وإطلاق خيالهم، ويتعلمون مبكراً جداً أنه لا وقت للتمهل وأن الحياة سريعة جداً.

تشير الباحثة في كتاب لها منشور عام 2003م بعنوان «آينشتاين لم يستخدم بطاقات التعلم: كيف يتعلم أطفالنا حقاً، ولماذا هم بحاجة إلى الإكثار من اللعب والإقلال من الاستظهار» إلى أن أسطورة التعلم المبكر والتسريع الأكاديمي من أجل بناء عقول أفضل والاستفادة من كل لحظة وبأن الأسرع هو الأفضل... اعتقاد خاطئ.

تشير الأدلة العلمية الحديثة أن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل، ويطوّرون شخصيات أكثر غنى وتنوعاً عندما يتعلّمون بطريقة أكثر استرخاء، وأقل صرامة، وأقل تعجلاً.

إنني عزيزي القارئ، وبحكم عملي في وزارة التربية طوال خمسة عشر عاماً بين طلاب المرحلة المتوسطة، استطيع أن أؤيد هذه الدراسة ونتائجها مما شاهدته ولاحظته في مساري المهني... بل أستطيع أن أقول بلا مبالغة إنه مثلما هناك بعض أولياء الأمور لا يعرفون شيئاً عن أبنائهم ولا يهتمون أصلاً بتحصيلهم الأكاديمي أو أنشطتهم وهواياتهم، فكذلك هناك بعض أولياء الأمور الذين يخنقون أبناءهم بكم من الأنشطة والفعاليات والمهارات والدفع نحو أن يكون الأول في كل شيء حتى يفقد الطفل طفولته بالكامل، ويفقد ثقته في نفسه، ويصبح دائم الشعور بالقلق والاكتئاب والتلبك المعوي وضعف التواصل الاجتماعي.

أذكر أني ذات يوم في إحدى المدارس التي كنت أعمل فيها، جمعت الطلاب الفائقين، وكانت الفكرة أن يقول الطالب كلمة شكر لوالديه ويعبر لهما عن حبه من خلال مقطع فيديو نقوم بتصويره، وأذكر أن الطالب الأول على المدرسة ظل صامتاً بل ورفض أن يعبر عن حبه لوالديه... وقال بتعالٍ:«لماذا أشكرهما... هذا مجهودي»، فعرفت أنه وصل مرحلة من الضغط جعلته ينفر بكل مَن حوله. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

ملاحظة:

هذا المقال غير مستهدف أولياء الأمور الذين نسوا أبناءهم بين «الآيباد والبلاي ستيشن، والهواتف الذكية...» آناء الليل وأطراف النهار.

Moh1alatwan@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق