عبيد أفيخاي أدرعي
سعدية مفرح
.. وآية غزّة الكبرى أنها كاشفة.
كشفت غزّة أدعياء الليبرالية ومثقفي الغفلة والمنادين بحقوق الإنسان الذي يحبّهم ويحبّونه فقط.
إنسانهم الأوروبي الأبيض الذي لا يرى إلا بعينٍ واحدة، هي العين المصوّبة باتجاه أهدافه هو وحسب.
في أحداث غزّة أخيرا، والتي ما زلنا نعايشها عن قرب وعن بعد، عادت هذه المدينة الأسطورية الصامدة لتمارس هوايتها الأثيرة؛ الكشف عن المنافقين المدّعين الذين صدّعوا رؤوسنا بحكايات الحرّية والسلام وحقوق الإنسان، وغيرها من مصطلحاتٍ اتّخذوا منها شعاراتٍ لاختراق عوالم لا ينبغي أن يعيشوها.
ضحكوا على الجماهير في كتاباتهم وأحاديثهم باعتبارهم مثقّفين أحرارا، وعاشوا الدور الذي رسموه لأنفسهم أمام الجماهير من دون أن يكشفوا عما يفعلونه من وراء الكواليس.
ولكنهم سقطوا في اختبار غزّة البسيط. سقطوا، لأن الدور هذه المرّة بدا أكبر من إمكاناتهم على التمثيل، وأوسع من مقاساتهم الضئيلة.
سقطوا وسقطت أقنعتهم البرّاقة مع سقوط أول مستوطنةٍ سقطت بيد المقاومة الباسلة صباح 7 أكتوبر/ تشرين الأول، فبانت سوءاتهم لنكتشف قبح الوجوه وسود القلوب، ولنعرف الحقيقة التي كانوا يخبئونها بطلاقة ألسنتهم وبيان لغاتهم.
لقد كشفتهم غزّة من دون أن تقصد ذلك، فهي لا تراهم أصلا، ولم تضعهم يوما في حسبانها، وهي تتقدّم نحو هدفها المقدّس إلى قلب فلسطين حرّة مستقلة. لكنها كشفتهم، مصادفةً وبعفوية الروح المقاومة.
كشفتهم للذين وقعوا، من دون أن يدروا في شباك دعاياتهم، وفخ أكاذيبهم طويلا، فصدّقوا ما يقولونه، وهو ما جعلهم ينفرون من فكرة المقاومة في غزّة، بل وفي فلسطين كلها، وينتقدون الأسلوب من دون أن يقتربوا من الهدف.
ظلّت فلسطين الحرّة المستقلة حلما كبيرا دائما في قلوب الجماهير العربية، وكل جماهيرها في العالم، حتى وهم يختلفون في كل ما دون ذلك وما قبله وربما ما بعده.
وكان هذا الهدف يكفي لوحدتهم في أي أزمة وجودية تمرّ بها القضية... حدث هذا كثيرا من دون أن يثير القلق.
وكان الاختلاف الذي تبدّى بين الأحزاب والتيارات والتوجّهات والقوى السياسية وبين الكتّاب والشعراء والصحافيين ورسّامي الكاريكاتير والفنانين والناس أجمعين أوضح من أن يُنكره أحد، وأصحّ من أن يسعى إلى إخفائه أحدٌ آخر.
الاختلافات تحت سماء القضية هو ما حافظ على سموّها في كل منعطفاتها التاريخية المؤلمة.
اختلف الأمر في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ عادت الروح الى قطار التطبيع الذي توقّف منذ منتصف التسعينيات تقريبا، إثر الفشل تلو الفشل في مخرجاته، وتحقّق وعود القائمين عليه، فكانت أوضح النتائج ظهور طبقة المتصهينين العرب علنا، ربما لأول مرّة في تاريخ القضية. وبحججٍ وتسمياتٍ مختلفة مضوا في مهمتهم الحقيقية للتشكيك بكل ما يمتّ للمقاومة وأساليبها المختلفة وتجلياتها المتنوّعة وأطيافها في الفضاء الفلسطيني العام، بهدف شيطنة الفلسطينيين وتحقير مقاومتهم والسخرية من دماء أطفالهم والإمعان في تمجيد المحتل الصهيوني، إلى درجة الانسحاق تحت حذاء هذا المحتلّ برخصٍ تبدّى في اللغة والصوت وأسلوب الحديث الذليل.
أعرف أن كثيرين من الناس يشاركونهم الأسئلة الشائكة بحسن نية. ولكن، في النقاط الزمنية المفصلية التي نعيشها لا مجال لحسني النيّات، ذلك أن عبيد أفيخاي أدرعي العرب يستفيدون من وجودهم النادر لإضفاء نوع من الموضوعية المزيّفة على هذا النوع من النقاشات، وصولا إلى الوقوع في فخّ التصهين القميء بغباء.
لقد نجح المتصهينون العرب، في السابق، باحتلال مساحة مميزة لهم في الوجدان العربي العام عبر نقاشاتٍ عامة حول الأفكار الشائكة المتعلقة بالمقاومة الفلسطينية في شقّها الموجود في غزّة، قبل أن تكشفهم أحداث غزّة وتسقط أقنعتهم المهترئة، عن حقيقتهم الغارقة في عبودية الصهاينة ووحل التطبيع. ولعل هذا من أهم ثمار السابع من أكتوبر المجيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق