الأربعاء، 1 نوفمبر 2023

رحيل الكيان الصهيوني حتميّ وفق سنن الله الغلّابة

 رحيل الكيان الصهيوني حتميّ وفق سنن الله الغلّابة



لا شك أننا نعتقد أنه في نهاية المطاف: 
﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ 

إن أحرار العالم، وأبناء هذه الأمة الباسلة، وشعب فلسطين الصامد، لن يركعوا أمام إرادة المحتل "الصـهيوني"، ولن يستكينوا لظلم واستكبار الحكومات المتحالفة معه، بل شهدنا هبة شعبية من أبناء الأمة الإسلامية والعربية، وأحرار العالم، من كل القارات والدول والثقافات والمذاهب؛ علت أصواتها لوقف التدمير والعقاب الجماعي بحق الشعب الفلسطيني، وتفجرت طاقات الخير والعطاء والتضحية، والدعوة لتحقيق العدل، ووقف الظلم، من حصار وقتل وتجويع الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء في غزة وفلسطين. وتكشف أولئك الظلمة والمعتدون، من أعداء الإنسانية، والشرائع السماوية، والقوانين الدولية أكثر وأكثر، ولا شك أن سنة الله تعالى ماضية في أولئك الظالمين، والمستكبرين، والمجرمين.

لقد قدمت الأمة الإسلامية نماذج من أعمال المقاومة والجهاد ومقارعة المعتدين، تحدث عنها أهل الشرق والغرب، وملأت صفحات ناصعة البياض في سجل التاريخ.

لقد جعل الله تعالى أحداث غزة الجارية، مرحلة جديدة في التدافع بين الخير والشر، وطريق النور، ودركات الظلام، بين الحق والباطل. ولا بد أن يعرف أبناء الجيل الجديد ما يحدث في غزة وفلسطين، وما جذور هذا الصراع. وكثيرون يبحثون عن ذلك في كتب التاريخ والصحف، والمقالات، والخطب، والمحاضرات، والمواقع الإلكترونية، والفضائيات …إلخ.

في حرب غزة الحالية، تغيرت الكثير من الاهتمامات، وبدأ التشمير عن ساعد الجد، مع تجلي قيم الثبات والصبر والإيمان المتدفقة عند أهل غزة وفلسطين. فهذا الشعب المؤمن بدينه وقضيته وحضارته وتاريخه وثقافته، يقدم قوافل الشهداء من الأطفال والشيوخ والأبرياء. وضرب مثلا فريدا في التضحية وحب الشهادة، والإيمان بالقضاء والقدر، رغم نقص الإمكانيات في هذا الصراع، وعدم التكافؤ بين معسكر الباطل والحق في عالم الأسباب المادية، فقد صنعوا الأعاجيب، وسطروا صفحات التاريخ من جديد، فالحرية في معتقدهم وثقافتهم وفهمهم، لا توهب ولا تعطى، وإنما تنتزع انتزاعا، وتروى بالدماء، ويضحى في سبيلها – ابتغاء مرضاة الله عز وجل – بالغالي والنفيس.

لا شك أننا نعتقد أنه في نهاية المطاف: ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ [القمر: 45]، وأن الهزائم الأخلاقية، والنفسية، والاقتصادية، والأمنية، والسياسية، والاجتماعية؛ ستلاحقهم، وستتوج بالهزيمة العسكرية عاجلا أو آجلا، في جيلنا هذا أو في الذي بعده. وإن هذه الأمة بطبيعتها العقائدية، وموروثها الحضاري، وعمقها التاريخي، ولديها من الخبرة، والرصيد من المعرفة الإسلامية والإنسانية، يجعلها تستجيب للتحدي الاستعماري "الاستيطاني"، مهما تحالفت ضدها قوى الشر، ويمكنها من مقارعة الظلمة والمعتدين، وتحرير الأرض والإنسان.

لقد قدمت الأمة الإسلامية نماذج من أعمال المقاومة والجهاد ومقارعة المعتدين، تحدث عنها أهل الشرق والغرب، وملأت صفحات ناصعة البياض في سجل التاريخ. وإن هذه المقاومة امتداد طبيعي لجهود القائد الإسلامي التركي أبو المظفر عماد الدين زنكي (رحمه الله)، والذي استطاع انتزاع "الرها" من الجيوش الصليبية بعد ٢٨ يوما من حصارها، واستسلمت القوات الصليبية فيها في ٢٨ جمادى الآخر ٥٣٩ه/ ٢٧ نوفمبر ١١٤٤م، وقد احتلها الصليبيون عام (490ه/1097م)، فحقق عماد الدين زنكي الانتصار الكبير، وتحررت الإمارة بعد خمسين عاما، وبعدها استمر الجهاد لعشرات السنين، حتى تم تحرير بيت المقدس على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله). ومما قيل في فتح الرها ما نقله ابن الأثير في عماد الدين زنكي:

بجيش جاش بالفرسان حتى .. ظننت البر بحرا من سلاح

وألسنة من العذبات حمر .. تخاطبنا بأفواه الرماح

وأروع جيشه ليل بهيم .. وغرته عمود من صباح

صفوح عند قدرته كريم .. قليل الصفح ما بين الصفاح

فكان ثباته للقلب قلبا .. وهيبته جناحا للجناح

لم يتوقع أحد أن يتحقق هذا النصر العظيم ضد الاحتلال الصليبي في تلك الفترة التي كان فيها كيان الأمة ممزقا، وحصونها متداعية، وذلك لعدة أسباب، ومنها:

  • انعدام الوحدة السياسية في العالم الإسلامي.
  • الصراع على السلطة داخل البيت السلجوقي.
  • سقوط الخلافة الأموية بالأندلس.
  • تمرس فرسان الإفرنج على الحرب.

استطاع نور الدين زنكي أن يكمل مشوار والده عماد الدين الراحل الكبير الذي كون لنفسه مكانة خاصة في التاريخ الإسلامي كسياسي بارع، وعسكري متمكن، ومسلم واع، وأدرك الخطر الذي أحاط بالعالم الإسلامي من قبل الصليبيين

ولقد استطاع القائد الشهيد عماد الدين محمود زنكي أن يشكل نواة جبهة مقاومة للاحتلال، تطورت في عهد ابنه الملك نور الدين الشهيد الذي نقل حركة المقاومة من حركة استرداد عسكرية، إلى مشروع حضاري؛ قاوم المشروع الباطني للدولة العبيدية، والمشروع الصليبي الغازي.

استطاع نور الدين زنكي أن يكمل مشوار والده عماد الدين الراحل الكبير الذي كون لنفسه مكانة خاصة في التاريخ الإسلامي كسياسي بارع، وعسكري متمكن، ومسلم واع، وأدرك الخطر الذي أحاط بالعالم الإسلامي من قبل الصليبيين، فقد استطاع أن يوجه الظروف التاريخية القائمة لصالح المسلمين، فقد استطاع نور الدين محمود الشهيد، أن يجمع القوى الإسلامية بعد القضاء على عوامل التجزئة والانقسام، وتوحيد المدن والإمارات المنفصلة في نطاق دولة واحدة، فأوقف الزحف الصليبي، ومن ثم بدأ بالهجوم المنظم على قواعد الصليبيين. وهذه العوامل هي التي دفعت نور الدين إلى اتباع سياسة الهجوم التي بدأها والده بتحرير الرها، والتي تخللتها أحيانا علاقات سلمية، ومعاهدات استدعتها طبيعة الظروف الذي يمر فيها.

وقاد مشروع التحرر من الغزو الصليبي وأتباعهم وحلفائهم في مناطق المسلمين، وقد شهد له المؤرخون، ومن بينهم ابن الأثير الذي قال: "قد طالعت تواريخ الملوك المتقدمين فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز ملكا أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين، وأكثر تحريا للعدل والإنصاف منه، فقد قصر ليله ونهاره على عدل ينشره، وجهاد يتجهز له، ومظلمة يزيلها، وعبادة يقوم بها، وإحسان يواليه وإنعام يسديه".

لقد كان نور الدين محمود، من محبي عبادة الجهاد في سبيل الله، ويجد متعته في جهاد الأعداء والمرابطة في الثغور، قال العماد الأصفهاني: «حضرت عند نور الدين بدمشق ـ في شهر صفر – والحديث يجري في طيب دمشق، ورقة هوائها، وأزهار رياضها، وكل منا يمدحها، ويطريها، فقال نور الدين: إنما حب الجهاد يسليني عنها، فما أرغب فيها».

لقد أتم نور الدين الشهيد مهمته، وحقق أهدافه في حياته، بعدما وحد بلاد الشام، وتواصل مع العراق، استطاع نور الدين أن يوحد الشام تحت قيادته، واستأنف جهاد الصليبيين بنجاح، بعد فتح الرها عام ٥٣٩ه/١١٤٤م، فقد كان لسقوطها ردة فعل عنيفة في الغرب الأوروبي، وباعثا على السرعة في إرسال حملة صليبية جديدة، بعدما أثار سقوطها الرعب في النفوس، فقد جاء سقوطها إيذانا بتزعزع الإمارات الصليبية في الشرق، واستطاع نور الدين مع أهالي دمشق أن يحقق انتصارا كبيرا على الحملة الصليبية الثانية.

إن الأمة تتعرض للاستئصال في تاريخها ووجودها العقدي والحضاري، وأعداؤها لم يكتموا من اعتقاداتهم شيئا؛ لأنهم لم يروا أمامهم ما يبعث على الكتمان أو الحذر. فالكيان الصهيوني يقول: لا أهمية لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل، والمعنى واضح؛ فالهيكل المطلوب هو فوق تراب المسجد الأقصى!

تشجعت القوى الإسلامية بعد انتصارات عماد الدين ونور الدين، مثل سلاجقة الروم، والأراتقة والتركمان على التقدم لمواجهة الصليبيين خاصة في الرها وأنطاكية، بل وتحالفوا أيضا في جهودهم، حتى استطاع نور الدين الزنكي أن يوحد بلاد الشام كلها، تحت قيادته من الرها شمالا، حتى حوران جنوبا، فقامت دولة موحدة مركزها دمشق. وكانت هذه هي الخطوة الأولى نحو تكوين الجبهة التي امتدت من الفرات إلى النيل، والتي تصدت بجدارة لهذا الخطر الصليبي. وانضمت مصر لمشروع التحرير الإسلامي، وتوافد أبطال الأمة بعد ذلك على صلاح الدين الأيوبي الذي واصل الجهاد والكفاح حتى تحرير المسجد الأقصى.

يا أمة الإسلام (شبابها ورجالها وشيوخها): إن أية أمة تريد أن تنهض من كبوتها، لا بد أن تحرك ذاكرتها التاريخية، وتتعرف على زعمائها وقادتها الملهمين، ومجاهديها الأبطال، وعلمائها العاملين، وعلى أهل البذل والعطاء في مراحلها الفاصلة، لكي تستلهم منها الدروس والعبر والسنن، في حاضرها ومستقبلها، والتي من أهمها: معرفة عوامل النهوض وأسباب النصر؛ كصفاء العقيدة، ووضوح المنهج، وتحكيم شرع الله في الأفراد والأسر والجماعات والمجتمعات والشعوب والدول، ووجود القيادة الربانية التي تنظر بنور الله، ولها القدرة على التعامل مع سنن الله، في تربية الأمم وبناء الدول وسقوطها. ومعرفة علل المجتمعات وأطوار الأمم وأسرار التاريخ ومخططات الأعداء، من الصليبيين والصهاينة والملاحدة والفرق الباطنية، وإعطاء كل عامل حقه الطبيعي في التعامل معه دون إفراط أو تفريط.

أيها الإخوة: عليكم بدارسة سير الأبطال، من أمثال نور الدين الشهيد، ممن ملكوا الرؤية النظرية والعملية في الجهاد والتحرر. ويجب أن نعطي لفقه المصلحين في الأمة الأولوية، ونستخرج من سيرهم السنن والدروس، في مجال العلم والسياسة والإدارة والتنظيم؛ والتربية والاقتصاد والمقاومة والجهاد.

إن الأمة تتعرض للاستئصال في تاريخها ووجودها العقدي والحضاري، وأعداؤها لم يكتموا من اعتقاداتهم شيئا؛ لأنهم لم يروا أمامهم ما يبعث على الكتمان أو الحذر. فالكيان الصهيوني يقول: لا أهمية لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل، والمعنى واضح؛ فالهيكل المطلوب هو فوق تراب المسجد الأقصى! وها هم الصليبيون الجدد يقولون: خلقت إسرائيل لتبقى.

هكذا قاوم أجدادنا، قديما وحديثا، الغزاة بالأساليب الجهادية الممكنة، وبالتمسك بالقيم والمعاني الإيمانية والإنسانية الرفيعة، والمستمدة من عقيدة الإسلام وفلسفته وحضارته، ولقد انتصروا بفضل الله وأخذهم بأسباب النصر والتمكين، وبمثل بما انتصروا به أمس، ننتصر به اليوم (إن شاء الله).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق