السبت، 29 يونيو 2024

الغزيون والغريزيون

 الغزيون والغريزيون

نور الدين العلوي

بلاد العرب (أمة وأقطارا وشعوبا) مقسومة بين الغزيين والغريزيين؛ الغزيون رؤوسهم وقلوبهم ومهجهم في غزة، وينتشرون في الأقطار بين باكٍ وداع ومبلبل الفؤاد؛ خجلا من عجزه أمام أشلاء أطفال غزة. والغريزيون يصطفون طوابير أمام حفل راغب علامة في قرطاج. انقسام وفرقة غُطيت بغطاء الأيديولوجيا مرة وبغطاء الدولة مرات، لكنه انقسام يقوم على اختلاف النظرة إلى حياة وإلى كيفية عيشها بين حياة العزة والكرامة في الحرية، وحياة الشبع والسكينة تحت أي ظل، بما في ذلك ظل الذل والمهانة وقلة القيمة.

نمطان من حياة وخيالان متناقضان لا يتعايشان، رغم وحدة المكان إلا كما يتعايش الأعداء. في هجير غزة، يجد البعض متعة وفرحة في الرقص على غناء نسمعه مند أربعين سنة لم يتجدد، وجب أن نسمي الأشياء بأسمائها، ولا نرتبك من تهمة المزايدة، هؤلاء قوم بلا نخوة.

ما أسهل خطاب المزايدة

وهل اطلعت على قلوب الناس لتحكم بتخوينهم؟ سمعتك تقولها وأجيبك: لا أحتاج أن أشق على قلوبهم لأحكم، هناك قضية إنسانية إن لم يجمعك بها جامع الإسلام وجامع العروبة، فإن أخلاق الإنسان لا يمكنها أن تخطئها؛ فتجعلك تخجل من رقصك على جثث الموتى الذين يتعاطف معهم عالم لا يعرفهم كما تعرفهم، ولا يربطهم بهم عرق أو لغة أو دين أو تاريخ، لكنهم يناصرونهم ويضربون عن الطعام من أجلهم. أنت لم تفعل وظللت تتصيد فرص المتعة، فلم يفتْك منها شيء وتبرر بلا خجل. وليت متعتك جديدة ليتدبر لك المرء عذر الشغف بالجديد، ولكنك تنفق وقتا ومالا على إعادة سماع مغنى يتكرر منذ أربعين سنة.

في قرطاج أو جرش أو أي مهرجان مماثل، أنت تعلن الانتماء إلى غير الإنسان وإلى غير قضايا الحق والحرية، وهنا أراك لا تتجدد ولا تتطور، فأنت وقفت ضد الديمقراطية، ومنعت تبلور مشروع الحريات الكبير الذي مات من أجله قوم كثير، وسميتَ الربيع العربي بالعبري، لتنجو من استحقاقات الحرية بتخوين من ثار، ولتواصل البحث عن متعتك الغريزية فوق جثث الناس في غزة.


في قرطاج أو جرش أو أي مهرجان مماثل، أنت تعلن الانتماء إلى غير الإنسان وإلى غير قضايا الحق والحرية، وهنا أراك لا تتجدد ولا تتطور، فأنت وقفت ضد الديمقراطية، ومنعت تبلور مشروع الحريات الكبير الذي مات من أجله قوم كثير، وسميتَ الربيع العربي بالعبري، لتنجو من استحقاقات الحرية بتخوين من ثار، ولتواصل البحث عن متعتك الغريزية فوق جثث الناس في غزة.

جمهور المهرجانات العربية الممتد عبر الخريطة نعرفه جيدا؛ كان في أول الصفوف المطالبة بالزيادات في الأجور زمن الديمقراطية الوليدة، وهم من أضرب وعطل مسار البناء الديمقراطي، مغاليا في المطلبية ومتناسيا جوع المفقرين الذين بذلوا أبناءهم من أجل إسقاط الأنظمة الفاسدة. هم من وصف الدكتور المرزوقي الزاهد بالطرطور، وهم من علق البرسيم على باب قصر مرسي، وهم من صفق للعسكر بعد ذلك طربا على تسلم الأيادي. إنهم نفس الفئات الاجتماعية التي تزعم الترقي الاجتماعي، بمجرد الحصول على رواتب عالية أو السكن في أحياء راقية، إنهم السعداء الكَذَبة بوهم الانتماء إلى الطبقات الراقية، حيث تبذل الأرواح من أجل الظهور الاستهلاكي، إنهم تربية شلة الدكتاتوريات الفاسدة التي تترجم الحرية زيادة في الرواتب للتمتع بمهرجان.

الأمر ليس جديدا

الشواهد كثيرة حتى قبل انتشار صور السيلفي، زمن الاحتلال المباشر كانت فئات من التونسيين ومثلها في مصر وبقية الأقطار المحتلة، تتباهى بالذهاب إلى مسارح الفرنسيين والظهور إلى جانبهم بملابس تشبه ملابسهم والرطن بلغتهم، حتى شرب القهوة ومسك السيجارة بمبسم طويل على طريقتهم.

لا نحتاج استدعاء ابن خلدون لتفسير تقليد المغلوب للغالب، الأمر لم يكن بالغلبة، بل كان بالذل الغريزي. استعدادات غريزية للمتعة الحسية دون سؤال عن إطارها الأخلاقي، شيء يشبه أخلاق الضبع، حيث الشبع أولا، ولو دون صيد شجاع أو الوقوع على الجيف.

ليس جمهور المهرجانات الآن سليل الذين ذهبوا إلى مسارح البلد المحتل ورقصوا على موسيقاه، فربما اندثرت تلك السلالة، لكنها تركت أثرا تلقفه هؤلاء الأثرياء الجدد (الحقيقة أنهم يتشبهون بالأثرياء وهم موظفون مرهونون للبنوك التجارية)، وصورة العالم عندهم صنعها البلد المحتل مثل سابقيهم، فهم لا يرون أنفسهم خارج ثقافته ونمط استهلاكه، وفي كل خطوة يخطونها، يودون لو يراهم مثالهم (إلههم الفرنسي)، ويشكرهم على إتقان تقليده/ عبادته. إن مُهَجهم في باريس وليست في غزة، (والقياس جائز على بقية العواصم المحتلة والجمهور الغريزي)، ويسمون ذلك تقدمية، حتى إنك تجد بينهم نجوم اليسار الستاليني، فبعض هذا اليسار يحرص على حضور دورة رولان غاروس للتنس وبحذاء التنس وقبعته.

وهل نجا الكاتب من الخيانة إذ لم يذهب إلى مهرجان؟

كان يمكن لمثل راغب علامة وكاظم الساهر وأضرابهم، إعلان موقف فني نضالي وربح جمهور واسع، وقيادة هذا الجمهور نحو قضية الحرية، كان يمكن لجمهورهم أن يتغير جذريا؛ فأنصار غزة ليسوا غربانا حزينة ترفض الفرح. تحويل المهرجانات إلى مؤتمرات سياسية من أجل الحرية وفي سياقات التضامن الإنساني، كان إمكانية لولادة فنية أخرى، ولو بأغان قديمة.


يتعلق الأمر بالحياء أمام عذابات الإنسان المظلوم، يتعلق الأمر بالانتماء إلى قضية الحرية الكبرى، كما يفعل الآن فنانون كبار يضحون بعقود عمل مربحة وبجمهور ثابت، ويسيرون في المظاهرات مع عوام الناس من أجل قضية حرية. كان يمكن لمثل راغب علامة وكاظم الساهر وأضرابهم، إعلان موقف فني نضالي وربح جمهور واسع، وقيادة هذا الجمهور نحو قضية الحرية، كان يمكن لجمهورهم أن يتغير جذريا؛ فأنصار غزة ليسوا غربانا حزينة ترفض الفرح. تحويل المهرجانات إلى مؤتمرات سياسية من أجل الحرية وفي سياقات التضامن الإنساني، كان إمكانية لولادة فنية أخرى، ولو بأغان قديمة.

لم يذهب كاتب المقال إلى غزة لا مقاتلا ولا متضامنا سلميا، ولكنه يخجل أن يرقص على جثث أطفال غزة، وهذا هو الحد الأدنى الأخلاقي المتاح حتى الآن، وهو المطلوب إنسانيا وعربيا من جمهور متعلق مصيره، مهما جهل السياسة، بنتائج الحرب على غزة.

لا بأس، تمتعوا بالرقص، نحن نعرفكم جيدا، غيابكم عن غزة يخفف عنها أثر القنابل. سننتظركم كالعادة في فجوات الحرية القادمة بعد غزة لتطالبوا بالزيادة في الرواتب، لتحضروا حفلات فنانين بلا مشروع فني وبلا أخلاق فرسان. والحمد لله الذي طهّر غزة من تعاطفكم، فغزة تنصر بالعقل لا بالغريزة.

من أطفأ أنوار القاهرة؟

 من أطفأ أنوار القاهرة؟

يوسف الدموكي

صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما في كلية الإعلام بجامعة مرمرة

ساهرة منذ نشأتها، لا تكفّ عن السمر والتسليّة، تُؤنسُ سكانها ويؤنسونها، ولعلّها كانت قبل اختراعِ الكهرباء، تضوّي قمرها الخاص لحاملي الشموع وسارجي القناديل كلّ مساء، تنامُ على نورٍ خافت، يهدأ وميضه لكنّه لا يختفي أبدًا. 

ثمّة شعاعٌ يربط بين النهار والليل، يتسلّل بين قطعتي اليوم كخيط دقيق، ليغزلَ الشمسَ بالقمر، ويصل أهل الصباح بأهل الليل، ويسلّم كلّ منهما القاهرة أمانةً إلى الآخر، بينما لا تكفّ المدينة المتعَبة طوال اليوم عن الضحك، ولا تتراجع عن إلقاء النكات السوداء مهما أثارت المرارة في حلوقِ وآذان السامعين، هكذا تعيش القاهرة الساخرة الساهرة بطريقتها المفضّلة للحياة!

لكنها، منذ ليلٍ دمويٍّ غائرٍ في فصوصِ مخّها وثنايا ذاكرتها، استحال فيه الكحل إلى أحمر قانٍ، وهي تحاول ألّا تملأ نيلها كلّ ليلةٍ بالبكاء، حتى لا يفيضُ فيغرق أهله على ضفتيه بماءٍ مالح رغم أصله العذب، فتكتمُ وتصبرُ وتسكتُ طويلًا، بينما تفرج من حين إلى آخر عن نكتةٍ سوداء من نكاتِ الماضي، ليضحكَ الجميع رغم الدمعات المتحجّرة في عينيه، على ضوئها اللامع ذاته، كأنّ تلك الدموع هي نفسها الأضواء التي تبدو لراكبِ الطائرة في السماء.

لكن ذلك الوجع المتعمّق في قلبها، المشتعل في فؤادها، المتوغّل في صدورِ أهلها، المُمثّل بجثامين الأمواتِ على قيد الحياة في شوارعها، أطفأ أيّ دمعةٍ في عيونها وعيونهم، البكاء رفاهية، والصراخ رفاهية، والتعبير رفاهية، والتنفيس رفاهية، ثمّة انفجار داخلي عارم مكبّل ينهش في أحشاء المكلومين المكتومين، ثمّة فيضانات كنهر النيل ألف مرّة في دواخل أهل النيل، ثمّة جمر متقد لا يكف عن التوهّج في رئاتهم كلّ ساعة.

البكاء رفاهية، والصراخ رفاهية، والتعبير رفاهية، والتنفيس رفاهية

وهناك، في العاصمة التي لا تنطفئ أنوارها أبدًا، حيث يظنّ مسعّر النار أنّه أحكم قبضته على الجميع، وأطفأ وجوه المتوضّين، وجفّف منابع النور في قلب القاهرة وأخواتها، ونثر التراب على الرماد، وأخمد الجمر في المواقد كلّها، سيُفاجأ ببركانٍ تنيرُ حممه كأنّ كلًّا منها شمس منفصلة، تصهر بما حوت من شعَلٍ تلك المدينة السرطانية بالكامل، بينما تُوقظ موتاها في طريقها ليقوموا، ليحملوا عظامهم عصيًّا في أياديهم، ويحملوا رفاتهم فوق أكتافهم، ويطيروا نحو المدينة الوحيدة المنيرة في الوطن المعذّب، حينها ستغمر تلك الجبال من جمرٍ المدن المهندمة، وتدهسها، وتدوسُ أنوارها المصطنعة تحت أقدامها، وهناك فقط، عند انطفاء عيونِ ذلك الدجال إلى الأبد، ستنير القاهرة من جديد، ويسير المسافر في أسوان على أضواء الإسكندرية، وتحبل القاهرة بقمرٍ جديد.

ذلك القمر الذي لن يقبل أبدًا، مجددًا، أن يشهد كما شهد سابقُه ليالي أخرى، يتلوّن فيها المساء بالدماء، وتنازع ضحكاته صرخات الأيامى والثكالى والأيتام والقتلى، ويموتُ الكبار والعجائز بين السماء والأرض في مصاعد معطلة، ويموت الصغار والرضّع كالدمى في حضّانات مقفلة، وإنّما سيشترط القمر ألا يسمح الطيّبون المتعبون المنهكون تحته بأن تركبهم غمامةٌ سوداء من جديد، وألا يسرق النور من عيونهم أيّ لص عابر، وألا تعبث بالأسرجة أصابع أولاد الحرام!

المجاعة قادمة... المجاعة هنا

 المجاعة قادمة... المجاعة هنا

حمّور زيادة

اتهم خبراء في مجال حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة الأطراف المتحاربة في السودان باستخدام الجوع سلاح حرب، وسط تحذيرات متزايدة من كارثة قادمة. 

منذ إبريل/ نيسان 2023 يعيش السودان فوضى عارمة تقود الدولة المضطربة نحو الانهيار والتفكّك. قُتل في 14 شهراً من الحرب نحو 15 ألف شخص وأصيب 33 ألفاً آخرين، وفقاً للأمم المتحدة، لكن نشطاء حقوقيين يقولون إن عدد القتلى قد يكون أكثر.

بحسب المؤسّسات الدولية فإن "الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يستخدمان الغذاء كسلاح وتسببا في تجويع المدنيين". 

لا يردّ طرفا الحرب على هذه الاتهامات، رغم وجود تسجيل مصوّر لقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان يؤكد فيه عدم دخول أي مواد غذائية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع إلا بعد وقف القتال. ورغم امتناع قوات الدعم السريع عن تصريحات مشابهة إلا أن سلوكها على الأرض لا يختلف كثيراً، فتُنهب قوافل الدعم الغذائي وتُمنع من المرور، ويفرض عليها مقاتلون ينتمون لـ"الدعم السريع" رسوماً لحمايتها!

رصدت تقارير واسعة النطاق العنف الجنسي وغيره من الفظائع التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مثل جرائم النهب الممنهج والقتل التي تسبّبت مع جرائم اخرى ومع انعدام الأمن والخدمات في أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث أجبر أكثر من 11 مليون شخص على الفرار من منازلهم وأماكن إنتاجهم، ما هدّد الموسم الزراعي في البلاد وترك أكثر من 25 مليون مواطن يعانون من المجاعة، ويحتاجون مساعدات إنسانية عاجلة.

لمقاومة الجوع الزاحف نشأت مطابخ جماعية لمساعدة مئات الآلاف من الأشخاص في العاصمة المحطّمة وغيرها من المدن، حيث توفر وجباتٍ منتظمة بقدر الإمكان وسط مجاعة متفاقمة.

تعاني المطابخ، التي تديرها مجموعات مساعدة من متطوعي الأحياء، من نقص التمويل، والتهديدات الأمنية، وانقطاع الاتصالات والكهرباء. نتيجة لهذه التحدّيات، مطابخ عديدة لا تقدّم سوى وجبة في اليوم، في حين خفّضت مطابخ أخرى عدد الوجبات المقدّمة إلى وجبة واحدة في الأسبوع، وأغلقت مطابخ أخرى أبوابها مؤقتاً حتى في ظل الحاجة الماسّة لها. تهاجم المجموعات المسلحة المطابخ وتعتقل المتطوّعين، وتتعرّض التبرّعات للسرقة وتُنهب قوافل الطعام. ويواجه المتطوعون اتهامات بالتخابر لصالح أطراف النزاع، ويتعرّض بعضهم للاعتقال والتعذيب.

تعرّضت المطابخ في بعض مناطق سيطرة قوات الدعم السريع للنهب، وأطلق الرصاص على أحد المتطوعين، بحجّة أنه يعمل مع الاستخبارات العسكرية. ويحدُث مثل ذلك في مناطق سيطرة الجيش. في هذا الجو المليء بالخوف، يعمل المتطوّعون لتوفير وجبة واحدة على الأقل للمحتاجين.

"الخدمة التي نحصل عليها من المطبخ منقذة للحياة، لكن كمية الطعام لا تكفي الجميع"، بحسب مواطنة من أم درمان استطلعتها "رويترز". قالت إن مطبخ حيها قادر حالياً على تقديم وجبة واحدة فقط في الأسبوع، عادة ما تكون من الفول أو العدس. 

في بعض الأحياء، مات كبار السن من الجوع داخل المنازل المغلقة بعد هجرة الجيران. وزادت نسبة وفيات الأطفال بسبب انعدام الغذاء. 

بحسب الأمم المتحدة "حجم الجوع والنزوح الذي نشهده في السودان اليوم غير مسبوق ولم نشهده من قبل".

حذّر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي من خطر المجاعة الذي يهدّد 14 منطقة في السودان، منها العاصمة ودارفور وكردفان. وبحسب تقرير المرصد الدولي يعاني 75% من أطفال السودان من الجوع. 

لكن هذا الأمر لا يشغل بال حملة السلاح في الدولة التي تحاول منذ استقلالها في 1956 أن تفر من دون جدوى من قبضة الحكم العسكري لتأسيس حكم مدني ديموقراطي فعلي.

حين يتعرّض عشرات الالاف لخطر الموت بسبب نقص الغذاء ينشغل حملة السلاح بنقاش حدود سلطتهم ونفوذهم التي تسمح بتوزيع المساعدات الغذائية تحت إشرافهم فقط.

لم تعد المجاعة في السودان خطراً مستقبلياً، إنما أصبحت واقعاً اليوم. مع استمرار تجاهل المتحاربين، ومحاولة توظيف الجوع لصالح العملية العسكرية. وتواجه جهات المساعدة الدولية صعوبة في توفير كل البيانات اللازمة بشكل دقيق، مع صعوبة تأمين عمل المتطوعين على الأرض.

هكذا يواجه السودانيون الموت بين الرصاص والجوع!

الجمعة، 28 يونيو 2024

دعوة ملغومة للحلفاء العرب

دعوة ملغومة للحلفاء العرب

  

علمنة الإسلام وأسلمة العلمانية!

 علمنة الإسلام وأسلمة العلمانية!

مختار محمود البرعى

 لا ضيرَ أن تكونَ مؤمنًا أو غير مؤمن، هذا شأنكَ وحدَك، فلا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى، ولكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغنيه، ولكن ليس من حقك أبدًا أن تتقمصَ دور «المهدى المنتظر» و«المُجدد المُرتقب» والمُنظِّر الذي يفقَهُ كل شيء، وأنت لا تفقه شيئًا مذكورًا، وتخلط ما هو سماويٌّ بما هو شيطانيٌّ، فهذا سَمتُ المنافقين الذين يقولونَ ما لا يفعلونَ، ويُبطنونَ ما لا يُظهرون، وينطبق عليهم قول الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا}.

 

 كنْ مُؤمنًا، أو علمانيًا أو ملحدًا أو عدميًا، أو أي شيء آخر، أنت حرٌ ما لم تضر، ليس لأحدٍ سلطانٌ عليك، حسابك عند ربك ، آمنت به أو لم تؤمن، وابقَ واضحًا غير متلوِّن، ولكن عندما تُهينُ الإسلامَ، وتهبطُ به من عليائه السماوي إلى مُنحدر العلمانية السُّفلي، وتزعم مثلاً أن الإسلامَ دينٌ علمانىٌّ، كما يروجُ سَدنة الإفكِ هذه الأيامَ، فأنتَ -حينئذٍ- كذَّابٌ أشِر، والله تعالى يقول: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}.

الأسلوبُ القديمُ الذي تتبعه التياراتُ العلمانية المُتغرِّبة في مواجهة الإسلام حاليًا، لم يعد يُجدي ولا يؤتي ثمارَه المرجوَّة، ولا ينطلي على أحد؛ فقد تبينُ الرشدُ من الغيِّ، لذا لجأت هذه التياراتُ المُنحرفة إلى تغيير زاوية الاقتراب إلى الهجوم، فبدلًاً من تنحية الإسلام وإبعاده قسرًا عن كلِّ شئون الحياة، لجأوا إلى علمنته، أو إلى أسلمة علمانيتهم، وربما كانت النسخة الأحدث في هذا الإطار هي مؤسسة «تكوين» حديثة النشأة قديمة المنهج، حيث سعى القائمون عليها إلى أن يؤسسوا لنا إسلامًا على هواهم، ويفرضوه علينا فرضًا، وكأنهم يتماهَون دون أن يدروا مع قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

 «علمنة الإسلام وأسلمة العلمانية»، التي تختفي وراء دعاوى التجديد الذي يبغونه.. نظرية شيطانية تحملُ في داخلها مقوماتِ فشلها الذريع؛ فكيف يُمكنُ أن يُوصَفَ الإسلامُ بأنه «دينُ علمانيٌّ» دونَ أن يعني ذلك أنه دينٌ يلغي نفسَه بنفسِه؟! إنَّ علمانية الإسلام «المزعومة»، تتلخص في أنه دينٌ ليس له قوامٌ أو كيانٌ أو هوَّية مُميزة تُفرَضُ على الحياة وتُسيِّرُها، بل هو خاضعٌ للتشكُّل والتغيير والتبديل إلى حد الإلغاء والعزل من الوجود، وهذا هو الهدف الحقيقي لأصحاب تلك الدعوى، ومُرادُهم الذي يطمحون إليه صباح مساء. هم لا يبحثون عن تجديد أو عقلانية أو تحرر، بل يهدفون إلى نسفٍ وتحطيمٍ وتسفيهٍ، وصدق مَن قال فيهم وعنهم: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}.

إضفاءُ صِبغة العلمانية على الإسلام، تلغيه وتخصمُ من رصيده لمصلحة العلمانية؛ وهذا ما يطمحونَ إليه؛ لأنَّ جوهرَ هذه العملية الفكرية المُعقدة، هو إفراغٌ مُنظَّمٌ لجميع المبادئ والقيم والمفاهيم الإسلامية من مضامينها الثابتة والمستقرة، واستبدالها بمضامينَ علمانيةٍ مُتغربة تناقضُ معناها، أو تركها خاوية مائعة؛ لتتخذ بعد ذلك شتى المضامين.

سوف أضربُ لك الأمثال بمفهوم «الاجتهاد»، الذي يحيد عن معناه الشرعي في الإسلام؛ ليُصبح في عقيدة العلمانيين: «أداة لتطويع أحكام الإسلام الشرعية؛ لتتناسبَ وتتوافقَ مع التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغربية العلمانية»، فيُصبحُ كل حرامٍ حلالاً، وكلُّ مذمومٍ محمودًا، وسُبحان مَن كشف مكنون نفوسهم الأمَّارة بالسوء عندما أنزل: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ}.

إنَّ الإصرارَ المُخادعَ على عملية التداخل بين الإسلام، باعتباره دينًا سماويًا، وبين العلمانية، بوصفِها منهجًا بشريًا سُفليًا غوغائيًا، يهدفُ إلى تذويب الأول في الثاني، وإلغائه تدريجيًا؛ حتى تصبحَ المجتمعاتُ المُسلمة، بلا دينٍ حاكمٍ، وتشيع الفوضى الأخلاقية بين أبنائها. وطالما طالعنا كتاباتٍ علمانيةً تسعى إلى تقنين وشرعنة ما حرم الله من الكبائر مثل: الخمر والزنا والمثلية، {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}‏.

قد تسألُ: وما الهدفُ من علمنةِ الإسلام أو أسلمةِ العلمانية؟ والإجابة باختصار: هو استمرارُ الحربِ الفكرية ضدَّ الإسلام من خلال تجريده من الطابع المُقدس، ونزع أي روابطَ تصله بالوحي الإلهي المُنزَّل ثابتِ الصياغة والتحقق، وهي المعاني التي تذخره بها كثيرٌ من المقالاتِ والحواراتِ والمعالجاتِ الصحفية والإعلامية التي تخوضُ مع الخائضينَ في هذا المضمار، إما عن جهل مُطبق، أو سوء نية مُحكم، وبدا ذلك جليًا في منتجات مؤسسة «تكوين»، أو في نتاج أعضائها منفردين من قبل ممن كنتَ تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى!

هم يقصدونَ بـ«علمنةِ الإسلام» اعتبارَه غيرَ مُحدد الملامح والقسمات، وأنه قابل للتغيُّر والتشكُّل وفقَ الظروفِ والأحوال الجغرافية والتاريخية، وأنه يتركُ مساحاتٍ واسعة من الشؤون الحياتية مفتوحة لكلِّ اجتهادٍ ورأيٍ أيًّا كانَ، دونَ ضوابطَ حاكمة، حتى وجدنا من يتم التمكين لهم إعلاميًا، ليبشروا المسلمين بـ«إسلام ممسوخ»، مقطوع الصلة بالجوهر الحقيقي للدين الخاتم، {إنَّ الدينَ عندَ اللهِ الإسلامُ، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين}.

الطرحُ، الذي يبدو في ظاهره، وكأنه يتوافق مع الأصل الإسلامي الذي يربطُ بين الدين والدنيا، يرمي إلى تأسيس فصل الدين عن الحياة من خلال تمييع الإسلام نفسِه، وتقليص مساحته، وردِّه إلى مجرد كيان هُلامي شفَّافٍ أقربَ إلى العدم، يتشكلُ مع كلِّ ظرفٍ وحالٍ؛ حتى لا يكونَ له وجودٌ مُستقلٌ أو مُميزٌ أو هويةٌ. {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

الذين يحاولون الآنَ الربطَ بين الإسلام، وبين العلمانية كـ«بديل»، هم أنفسُهم الذين احتشدوا من قبلُ وسوف يحتشدون لاحقًا لرمي الإسلام بكل نقيصة، وإهانةِ المسلمين القدامى والمُعاصرين والتحقير منهم، والتشكيك في القرآن الكريم والتحريض عليه، وإهالة التراب على السُنة النبوية الشريفة، والنيل من جميع الثوابت الدينية الإسلامية والتهوين منها، وازدرائها، في مقابل التعظيم والتفخيم والتقدير للعلمانية واعتبارها: «دين الأديان» و«قدس الأقداس».

ولنعمل جميعًا لمثل هذا المشهد القرآني: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} صدق الله العظيم.


جورجي زيدان كبير مزيفي التاريخ الإسلامي

 جورجي زيدان كبير مزيفي التاريخ الإسلامي

 

صلاح الإمام

حقائق يجب أن تعلمها وتعلمها لأولادك:

جورجي زيدان (1861 ـ 1914).. أحد أكبر من زيفوا التاريخ الإسلامي..

صحفي وأديب.. ولا مؤاخذة «مؤرخ» لبناني عاش جل عمره في مصر..

هو مؤسس مجلة الهلال بمصر التي صارت لاحقا دار صحفية كبيرة بإدارة ابنه اميل زيدان..

زيدان هذا هو الذي اخترع ما يقال عنه (روايات تاريخية) رغم أن التاريخ أحداث ووقائع إذا عرضته من خلال رواية يكون مجرد حكاوي وأكاذيب..

زيدان كان مسيحيا متطرفا ومن أعمدة الماسونية في الشرق..

زيدان هو الذي أطلق مسمى (الدولة الفاطمية) على الدولة العبيدية التي ذكرتها كل كتب التراث الإسلامي بهذا المسمى (العبيدية) وبعض المؤرخين قالوا عنها (الدولة الخبيثة) والبعض قال (الدولة اليهودية) لكن زيدان زيف التاريخ وصورها على انها دولة كانت تبنى ثقافة وحضارة!!

زيدان هو الذي شوه تاريخ هارون الرشيد وصوره رجل لهو وخمر ونساء وهو الخليفة المجاهد الورع..

هو الذي شوه تاريخ الصحابي الجليل سيف الله المسلول خالد ابن الوليد رضى الله عنه..

وهو الذي شوه سيرة عمرو ابن العاص رضى الله عنه..

وتعاون مع الشيعة الرافضة في تشويه معاوية ابن أبى سفيان رضى الله عنه..

وهو الذي نشر كل ما يقال الآن من أكاذيب عن البطل المجاهد صلاح الدين الأيوبي رضى الله عنه..

وهو الذي أطلق على السلطان عبد الحميد لقب (السلطان الأحمر)!!

الغريب أن المدعو يوسف زيدان يسير على نهجه في أيامنا هذه وتفتح له الفضائيات أبوابها ليؤكد أكاذيب جورجي زيدان..

والغريب أكثر أن جورجي زيدان تجد له مكانة بارزه في مناهجنا التعليمية في حين أن كاتبا بحجم أنور الجندي لا وجود له رغم أنه أول من فضحه على رؤوس الأشهاد..

إنها فتن آخر الزمان …


الملاحم الكبرى الدجال موجود بيننا الآن (الجزء الثاني)

الملاحم الكبرى

 الدجال موجود بيننا الآن (الجزء الثاني)

  فايز الكندري










فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟

 فوق السلطة  395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟         



فوق السلطة- رضيت بالتنسيق الأمني والتنسيق لم يرض بالسلطة الفلسطينية


أعلنت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، في خطوة أثارت جدلا واسعا حول أسبابها وتداعياتها.

وألقى عزام الأحمد، القيادي في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة فتح، باللوم على إسرائيل، مدعيا أنها هي من أوقفت التنسيق وليس السلطة.

وانتقد الأحمد وسائل الإعلام العربية، متهما إياها بعدم فهم طبيعة التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال.

وأوضح أن سكان الضفة الغربية والقيادات السياسية لا يستطيعون التنقل بين المدن أو السفر خارج البلاد إلا بإذن من إسرائيل، مما يبرز -حسب قوله- الطبيعة المعقدة لهذا التنسيق.

كما تناولت حلقة 28-6-2024 من برنامج "فوق السلطة ما يلي:

– ناكر الجميل صفة جديدة لنتنياهو في البيت الأبيض.

– متحدث جيش الاحتلال: حماس فكرة ولا نستطيع القضاء عليها.

– ماذا فعلوا بالأسير المدني المفرج عنه بدر دحلان؟

– نخب عسكرية إسرائيلية تحذر من حرب لبنان: إنه الانتحار.

– الأمم المتحدة تقرأ درسا في الأخلاق على المقاتلين السودانيين.

– هل منعت طاجيكستان الحجاب والاحتفال بعيدَي الفطر والأضحى؟

– أبو تريكة يضع كفّه على عينيه، كي لا يرى فشل تنظيم بطولة أوروبا.

تقديم: نزيه الأحدب

تحالف النصارى والأقليات في واقعنا المعاصر

 تحالف النصارى والأقليات في واقعنا المعاصر

د.محمد جلال القصاص


بسم الله الرحمن الرحيم

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

مع الاحتلال الغربي للعالم الإسلامي انتشر الأقليات من النصارى والطوائف في نواحيها (الثقافة، والاقتصاد، والسياسة).. فعّلَهم الاستعمار الغربي واتكئ عليهم في إحداث تحولات جذرية في الأمة الإسلامية.. بمعنى أن حضور النصارى لم يقتصر على التنصير المباشر (كجوزيف قزي [أبو موسى الحريري] وزكريا بطرس، والذين من قبلهم). بل جل فعلهم في الداخل الإسلامي.. يتحدثون من الداخل.. يقدمون قراءة نقدية للإسلام من داخله.. أو: يطوّرون “التراث” من منظورات غربية وشرقية!!

 وبعد إعادة النظر مرة بعد مرة في مخرجات هؤلاء نستطيع أن نقول أن عامة المذاهب الفكرية المعاصرة مصدرها النصارى أولًا ثم تعاون معهم فيها أهل الطوائف، ثم جاءهم نفر من السمّاعين لهم (المأثرين بخطابهم)، ولا زال فعل هؤلاء مستمرًا إلى اليوم.. لا زال هؤلاء يعملون بجد على تحريف الكلم عن مواضعه- كما كان أجدادهم-.. يحاولون دمج الشريعة في المذاهب الفكرية المعاصرة.. لازال هؤلاء الأكثر أثرًا في عقل الأمة، بفعل الدعم المادي والإعلامي الذي يقدم لهم، فالقوة قوة أدوات، والمكانة بالمكان.

 ومن أوضح الأمثلة المعاصرة النصراني الماركسي «عزمي بشارة» والعلوي «وجيه كَوْثَراني». والحديث هنا عن «كوثراني» هذا.

من مواليد (1941م)؛ وحاصل على دكتوراة من السوربون ودكتوراة من جامعة نصرانية (جامعة القديس يوسف) في لبنان. وترأس أكبر الأكاديميات المعنية بـ«البحث العلمي»: في «مركز دراسات الوحدة العربية» وهو أحد أهم مراكز البحث في العالم العربي قبل ظهور عزمي بشارة؛ ثم جلبه «عزمي» إلى «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» وقدّمه على غيره.

يهتم «كوثراني» بدراسة «تاريخ الاجتماع»، أو «اجتماع التاريخ»، في الدول الإسلامية، ويتمحور حول مقولة رئيسية وهي «هشاشة مؤسسة الخلافة»، يزعم أن الخلافة انتهت بنهاية الراشدين!! وأن الحكم بعدهم لم يكن إلا حكمًا عاديًا (ملكًا جبريًا)، وأن الحكم العثماني أخذ لقب الخلافة متأخرًا جدًا، وبالتالي لا مجال للحديث عن الحكم الإسلامي!!

ماذا يفعل؟!

كالذين علّموه من النصارى في السوربون و«القديس يوسف» حينًا يكتم الحق، وحينًا يلبسه بالباطل كما قال الله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (آل عمران: 71).

وهذه بعض النقاط في مناقشة مقولته (هشاشة مؤسسة الخلافة):

أولًا: المسميات تأتي لاحقًا، فبنوا أمية لم يسموا حكمهم «الخلافة الأموية» ولا «الدولة الأموية» ولم يفعل ذلك مَن بعدهم بما فيهم العثمانيون.. هذه المسميات جاءت لاحقًا. وهذا طبعي ويكاد يكون مضطردًا.. عندنا وعند غيرنا.

وإن غياب المسمى لا يعني غياب حقيقة الشيء، فحين حذف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصف الرسالة، في صلح الحديبية، لم يعن هذا زوال ماهية الرسالة عنه، صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: هشاشة مؤسسة الخلافة في التاريخ الإسلامي لشيء آخر يعرفه «كوثراني» ويكتمه، وهذا الشيء هو الذي ميّز النموذج الإسلامي عن غيره، وهو أن حجم السلطة (الخلافة) في الإسلام محدود جدًا، والجزء الأكبر في النموذج الإسلامي أخذه المجتمع.. الأفراد، فالإسلام مكّن الأفراد من كل شيء تقريبًا، وقلل جدًا من حجم السلطة، وهذا مشروح بالتفصيل في أطروحة البروفيسور جميل أكبر.

ولم تستطع السلطة (مؤسسة الخلافة) التوغل على الأمة حتى في أشد مراحل ضعف الأمة، وذلك أن السلطات التي تجمعت في يد أكبر خليفة مستبد أقل بكثير من أصغر مستبد يحكم أصغر دولة الآن، وهذا الفهم ذكره بالنص أحد أبرز الكارهين للدين والمتدينين من المعاصرين وهو “برنارد لويس” في حوار تلفزيوني منشور على اليوتيوب.

ثالثًا: يحاول كوثراني القول بأن هشاشة مؤسسة الخلافة يعني غياب الحكم الإسلامي. وغير صحيح، وهو من تلبيس الحق بالباطل. وذلك أن هشاشة مؤسسة السلطة أحد مظاهر الحكم الإسلامي، ونستطيع التعبير عن هذا المعنى بصيغة أخرى، وهي تمكين الفرد.. تمكين المجتمع.. أو: تحرير الفرد من تسلط أصحاب المال والنفوذ.. تحرير الفرد من استعباد غيره من بني آدم. تمامًا كما قال «ربعي بن عامر» وهو يشرح رسالة الإسلام للفُرس يوم القادسية: “الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام).

والتلبيس (الإفك) الذي يمارسه كوثراني يتمثل في الحديث عن السلطة (الخلافة) دون الحديث عن المجتمع.. في القول بهشاشة السلطة دون القول بقوة المجتمع وتمكن الفرد من كل ما يستطيع أن يفعله ما لم يضر بغيره.. بمعنى حرية تامة لا يصدها إلا الضرر بالغير والتعدي على محارم الله. وكوثراني متخصص في تاريخ الاجتماع ولذا يصعب أن نتقبل قوله بحسن نية.

رابعًا: في ذات المشهد الذي يحضر فيه كوثراني وقومه يحضر أهل الوعظ.. نعم أعني هؤلاء الطيبين الذين يعظون الناس ويذكرونهم بالله. فملخص الوعظ أن الفرد العادي هو السبب في البلاء الذي نزل به لأنه لا يذكر الله، ولأنه لا يستغفر ويتوب ويلتزم بالشعائر.. لأنه يستجيب للشبهات المنتشرة في كل مكان. والحقيقة أن هذه من الأسباب، ومن الأسباب اللاحقة وليست الأسباب الأصيلة. فلو أن الفرد لم يحرم من حقوقه.. لو أنه أخذ ذات الإمكانات التي أخذها الإنسان الأول (السلف الصالح) الذي يدعوننا للتشبه به والسير على دربه، لعاش عزيزًا واستطاع أن يعبد الله ويعمر الأرض.

محمد جلال القصاص

رجب 1445هـ

إضاءات منهجية وأسئلة سياسية

إضاءات منهجية وأسئلة سياسية

هل يزاحم ملالي إيران «سايكس بيكو» وأمريكا لإعادة ترتيب المنطقة؟

بقلم: مضر أبو الهيجاء

أبدأ بالإشارة لنموذج مرسي والغنوشي وأردوغان وجدلية علاقة أمريكا بإيران.

 ينتسب القادة الثلاثة للمرجعية والخلفية والبنية الفكرية والتجربة الإخوانية.

1/ الدكتور محمد مرسي الرئيس المصري والزعيم الإخواني.

2/ الشيخ راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي، ومؤسس الاتجاه الإسلامي ثم حركة النهضة الإسلامية التونسية.

3/ السيد أردوغان رئيس الجمهورية التركية ابن التجربة الإسلامية التركية وتلميذ المفكر نجم الدين أربكان ومؤسس حزب العدالة والتنمية الحاكم في السياسة التركية.

رغم الفروق الواضحة بين الشخصيات الثلاثة حيث يعتبر مرسي أكثرهم أصولية وإسلامية وسلفية في الفكر والممارسة، كما يعتبر الغنوشي رائد مدرسة التجديد الأصولي على خطى شيخه الترابي، كما يعتبر أردوغان أكثرهم براغماتية وتماهيا مع المشروع السياسي العلماني في جانب الممارسة.

ورغم رفض مرسي التجاوب مع الإدارة الأمريكية في صياغاته المنهجية والفكرية والدستورية والسياسية دون أن يدخل معها في احتراب، ورغم غزل الغنوشي الإدارة الأمريكية في كل جوانب الحياة السياسية والدستورية كل صباح ومساء، ورغم قبول أردوغان وجود قاعدة أمريكية في تركيا وتجاوبه السياسي والعسكري معها في ضبط حدوده وتفاعلاته مع قضايا المنطقة الساخنة وعدم تجاوزه لإرادتها ورؤيتها في عدة ملفات.

إلا أن الثلاثة كانوا ولا يزالون أعداء في المنظور والسلوك السياسي الأمريكي، حيث تعاملت أمريكا من الناحية السياسية والعسكرية وفق مسطرة القياس والعداء الديني، فانقلبت وقتلت كبيرهم السلفي، ثم انقلبت وسجنت أوسطهم التجديدي، وانقلبت وخنقت وضيقت وحاصرت ثالثهم الإسلامي العلماني.

من الواضح أن الرؤية الأمريكية تزداد قسوة وصلابة وصرامة في التعامل مع الشخصيات الإسلامية النافذة بحسب مدى ثباتها وتمسكها بالتصور القرآني والإسلامي وبحسب انحيازها لأمتها ودفاعها عن قضاياها خارج المفهوم القطري والعرقي والجهوي، وبناء عليه قتلت مرسي وسجنت الغنوشي وخنقت وضيقت على أردوغان.

في المقابل كيف تعاملت الإدارات الأمريكية جميعها وخلال كامل نصف القرن الأخير مع ملالي إيران وحرسها الثوري وميليشياتها التي تطلق شعارات ضخمة في العداء الديني لأمريكا معلنة الاحتراب السياسي معها، بل وتضرب وتهدد سفنها وقواعدها؟

إن السؤال لا يحتاج إلى جواب لأن واقع التجربة خلال الحرب العراقية الإيرانية ثم قبل الربيع العربي وإسقاط بغداد ثم أثناء حقبة الثورات لاسيما في اليمن والشام وصولا لمرحلة ما بعد الربيع العربي، يشير بوضوح إلى أن أمريكا التي جلبت الخميني من باريس قبل نصف قرن، لم ولن تتنازل عن مركزية الدور الإيراني في المنطقة، ورفد المشروع الإيراني بما يلزمه ليبقى قويا في ضبط وإدارة شؤون المنطقة العربية إلى جانب إسرائيل الهشة والمكلفة والضعيفة.

تاريخ وسلوك سياسي يشير إلى حجم مخاطر المشروع الإيراني على الهوية الثقافية الإسلامية الجامعة للأمة، وحجم التهديد والإفشال لوحدتها السياسية المستهدفة من كل الجماعات الإسلامية وعموم المكونات العربية.

فهل سينتبه التيار السلفي المتهاون في النظر للعلاقة بين القضية الفلسطينية وإيران ويعي عمق وحجم المخاطر (الشيخ فايز الكندري نموذجا)، وهل سيكف الإسلاميون الجدد عن تسطيح الوعي الإسلامي بتسويغ علاقة حركة حماس مع العدو الإيراني من خلال قصة لجوء النبي صلى الله عليه وسلم للمشرك -غير المعادي- المطعم بن عدي -المختار الشنقيطي نموذجا-؟

إن المشروع الإيراني بعد ثورات الربيع العربي يشكل خطراً وجوديا على الهوية العربية الإسلامية، فإيران قبل الربيع العربي كانت في حاجة لأمريكا لتحمي توسعها من المحيط العربي، ولكن أمريكا بعد ثورات الربيع العربي هي الأحوج لإيران وملاليها لتضبط دول المنطقة كما برهنت على ذلك في معركة الطوفان، ولتضمن أفول الحلم العربي والإسلامي الذي كان عنوانا حقيقيا لكل ثورات شعوب المنطقة.

من الفاجع ألا يتوقف الغافلون أمام موقف سياسي وخطوة ثقافية، فأما الأول فهو تناغم وتخادم إيراني أمريكي حيث تنازلت إيران عن غزة وحماس حتى تحقق سقوط غزة وهلاك أهلها وتقزمت حركة حماس حتى أصبحت مكتبا صغيرا في طهران، وأما الثاني فهو الحديث والتوجيه العالي لخامنئي بفرض عيد الغدير في العراق وطلبه للأمة الإسلامية للاحتفال به انطلاقا من أن مقام الولاية أعلى من مقام النبوة!

إن غياب عقول كثير من السياسيين والدعاة -حيث طارت عقولهم مع الصواريخ الإيرانية فلم تنفجر الصواريخ ولم ترجع العقول- كما أن خفوت دور العلماء سيتسبب في انزياح طوعي سياسي لشباب وشعوب المسلمين نحو إيران ثم ينتقل إلى تبشير ثقافي يبدل هويتهم وأفهامهم الدينية، ليصبحوا بعدها حرابا سنية تقطع رؤوسنا في بلادنا العربية متقربة الى الله وحالمة بتحرير فلسطين!

مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 28/6/2024

غثاء السيل؟!

 غثاء السيل؟!
أحمد الشريف

كان المسلمون في زمان “نور الدين محمود زنكي” [٥١١-٥٦٩هـ/١١١٨-١١٧٤م] في محنة عظيمة وضعف رهيب شجع أمم أوروبا بقيادة فرنسا وألمانيا وانجلترا بمهاجمة بلادهم وشن الحملات الصليبية واحدة تلو الأخرى عليهم في جرأة واستهانة وعدم خشية من رد فعل للمسلمين أو عاقبة لذلك العدوان الغاشم واحتلال معظم بلاد الشام وفي القلب منها القدس الذي ذبحوا فيه آلاف المسلمين وجعلوا المسجد زريبة للبهائم والخنازير زهاء قرن من الزمان منذ نهاية القرن الحادي عشر الميلادي وحتى أواخر القرن الثاني عشر!

ومع مجيء القرن الثالث عشر الميلادي انضمت القبائل التتارية الآسيوية إلى الأمم المتكالبة على بلاد الإسلام وتدمير مدينة بغداد عاصمته الزاهرة، صارت دولة الإسلام حرفياً في عصر “غثاء السيل” الذي تحدث عنه النبي ﷺ قائلا: «يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟!.. قال لا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ»!.[١]..

ومع ذلك عندما رأى أصحاب “نور الدين محمود” كثرة إنفاقه على العبّاد والزهاد والقراء والفقراء والمساكين والضعفاء، وراجعوه في ذلك قائلين: لو استعنت بهذه الأموال على الأمور الحربية والعسكرية لكان أفضل وأصلح!

لم يقل لهم إن هؤلاء هم غثاء السيل ولكنه ردّ بغضب وحزم: «والله إني لا أرجو النصر إلّا بأولئك، كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطئ؟ (يريد الدعوات)، والجند يقاتلون العدو بسهام قد تُصيبه بفضل الله تعالى وقد تخطئه»!.[٢].

لقد كان نور الدين نموذجاً عظيما يحتذى به في تاريخنا الإسلامي، فلم يكن ملكاً عظيماً وقائدا شجاعا ومحاربا قديرا وسياسياً حكيماً فحسب، بل كان أيضا فقيهاً عارفاً بمذهب الإمام أبي حنيفة ومحدثًا وزاهداً وعابداً يتشبه بالعلماء ويقتدي بالصالحين وبسيرة من سلف منهم، متميزا بعقل متين ورأي ثاقب رزين.[٣]

ولذلك لما احتجّ على “نور الدين” أحد المتنطعين معاتبا بسبب مشاركته مع قادة جيشه في لعبه الكرة على ظهور الخيل قائلا: ما كنت أظنك تلهو وتلعب، وتتعب الخيل دون فائدة دينية. ردَّ عليه بذكاء وبصيرة وفقه رائع: «والله ما يحملني على اللعب بالكرة اللهو والبطر، وإنما نحن في ثغر، والعدو منا قريب، ولا يمكننا ملازمة الجهاد ليلا ونهارا، صيفا وشتاء، إذ لابد من الراحة للجند، فنحن نركبها ونروضها بهذا اللعب فيذهب جمامها، حتى إذا وقع صوت تكون الخيل قد أدمنت على سرعة الانعطاف بالكر والفر، فإذا طلبنا العدو أدركناه، وهذا الذي يبعثني على اللعب بالكرة.» [٤]..

وفي ذلك دليل على أنه مهما ظهر من أعمال بعيدة عن الجهاد وطلب صلاح الأمة ولا قيمة لها للوهلة الأولى والنظرة السطحية، فإنه إذا توفرت النية الصالحة صارت جزءا لا يتجزأ من الصورة الكبيرة التي تشمل قضايا المسلمين وجهادهم في الأرض من أجل الإصلاح وإعلاء كلمة الله.. حيث أول شروط إطلاق مصطلح “غثاء السيل” على قوم هو إصابتهم بالوهن أي حب الدنيا وكراهية الموت، ولا يكره الموت إلا من أخذته الدنيا وكره لقاء الله بسبب تقصيره الدائم وتكاسله عن العبادة..

والجهاد دون شك هو ذروة سنام الإسلام وهو الدرع الذي يحمي الأمة من كل اعتداء عليها وينفي عنها خبث الوهن. ولكن للجهاد صور كثيرة غير مباشرة تساعد على إتمامه وبلوغ غايته وهو ما فهمه المجاهد العظيم “نور الدين محمود” قديمًا كما أسلفنا، وما استوعبه المفكّر الإسلامي والتّربوي الأردني الكبير “ماجد عرسان الكيلاني” عندما تصدى لكتابة درته الماتعة “هكذا ظهر جيل صلاح الدين.. وهكذا عادت القدس” حيث أفرد لدور المدرسة الغزالية أكثر من مائة صفحة في تبيان دورها الكبير في الإصلاح والتجديد من أجل تحرير البلاد وإصلاح المجتمع الإسلامي قائلا في مقدمته:

«وكلمات الله التي ابتلى (امتحن) بها أبا الأنبياء هي مدى استعداده للتضحية بنفسه وولده واستقراره في سبيل الله. وعندما نجح “إبراهيم” عليه السلام في الابتلاء وكافأه الله برتبة الإمامة دعا ربه أن يجعلها أيضاً في ذريته، فجاءه الجواب: لا ينال عهدي الظالمين.

والظالمون من ذريته الذين حجب الله رتبة الإمامة عنهم هم الذين يفشلون في الابتلاءات الثلاثة، ويشرون بآيات الله ثمناً قليلاً، والثمن القليل -عند ابن عباس- هوالدنيا كلها.

وهذا ما استلهمه قولاً وعملاً وحالاً علماء حركة الإصلاح التي أخرجت جيل “صلاح الدين” وأبرزهم “أبو حامد الغزالي”..» [٥]..

مع العلم أن أكبر المآخذ على الإمام “الغزالي” [٤٥٠-٥٠٥هـ/١١١١م] مجدد القرن الخامس الهجري، أنه لم يفرد بابًا للجهاد في مجلده الضخم “إحياء علوم الدين” على الرغم من الحملة الصليبية المرعبة على الأمة، ولكن المفكر القدير “ماجد عرسان” لم ير في الإمام امتدادًا لغثاء السيل بل عدّه المؤسس لتيار الصحوة وتربية جيل التحرير بقيادة الناصر صلاح الدين..

في النهاية يجب التأكيد على أن تلك الفترة العصيبة التي تداعت فيها الأمم على بلاد الإسلام، وظن الغالبية العظمى من المسلمين أنها من علامات الساعة ولا أمل في هذا الغثاء من المسلمين إلا مع ظهور جيش المهدي وملاحم آخر الزمان، قد أعقبها فترة طويلة من علو الإسلام بقيادة أمراء المماليك قطز وبيبرس وقلاوون. قبل أن يأتي العثمانيون ويجتاح “محمد الفاتح” بجيوشه معاقل أوروبا في عقر دارها حتى فتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، ووقف بخيله على أبواب الفاتيكان في واحدة من أعظم أيام الله والإسلام فخراً وعزة وأكبر أيام الكفر ذلاً وخزيًا!

ومن ثمّ وجب علينا ألا نترك عملاً يؤدي إلى تحرير فلسطين نسير به جنبا إلى جنب مع المجاهدين في المقاومة الباسلة إلا فعلناه..

فمن استطاع أن يدعو ويخلص لله في دعائه من أجل القضية فليفعل، فرُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمرَينِ، لا يؤبه له، لو أقسمَ على اللهِ لأَبرَّهُ، كما قال رسول اللهﷺ وكما فعل في غزوة بدر، عندما تضرع خاشعا لله سبحانه: «اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا.. وما زال يَستَغيثُ ربَّهُ عزَّ وجلَّ ويَدْعوه حتى سَقَطَ رِداؤُهُ، فأتاهُ أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فأخذ رِداءَهُ فرَدَّاهُ، ثم الْتَزَمَهُ مِن وَرائِهِ، ثم قال: يا نَبيَّ اللهِ، كَفاكَ مُناشَدَتُكَ ربَّكَ؛ فإنَّهُ سيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ..

وبالفعل أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: الآية ٩]..

ومن استطاع أن يقاطع البضائع الصهيونية ويدعو لذلك بإخلاص نية واستمرارية حتى بعد إنهاء العدوان، ولو ظل وحيدا وملّ من حوله المقاطعة فليفعل.. فإن القضية لن تنتهي إلا بزوال الاحتلال وتحرير كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر،

ومن استطاع أن يبذل ماله فيخلف الأسر الفلسطينية المحاصرة والمشردة في أبنائهم المنتشرين في البلاد يتعلمون وقد انقطعت بهم السبل عن التواصل مع أهاليهم فليفعل، بنية صناعة جيل النصر والتمكين فليفعل.

ومن استطاع أن يبذل ماله في صناعة تنافسية ضد المنتجات الصـهيونية بنية توفير البدائل للشعوب المقاطعة فليفعل ولو لم يربح من ورائها إلا الأجر عند الله تعالى، وما أعظمه..

﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة..﴾ [التوبة: الآية ١١١]..

ومن استطاع أن يجعل همه تخليص وطنه من الفاسدين والطغاة ومجابهة الظالم وزعزعة حكمه ويجعل نيته في ذلك مواجهة الظلم مع القضاء على داعمي الصهيونية فليفعل..

ولقد وقف شيخ الأقصى المجاهد “رائد صلاح” يخطب في الأردن يوم الجمعة ٩ أغسطس ٢٠١٣م، الموافق لثالث أيام عيد الفطر ١٤٣٤ه‍ـ، (قبل خمسة أيام فقط من مذبحة فض اعتصام رابعة) يدعو الشعب المصري للصمود والتصدي والثبات ضد الانقلاب، ليس من أجل مستقبل مصر وحدها ولكن من أجل فلسطين والقدس أيضا..

وهو ما لم نلبث إلا قليلا حتى رأينا صدقه خلال العدوان على غزة في يوليو ٢٠١٤م، ومدى تعاظم محنتها بسبب إحكام الحصار أثناء الحرب التي استمرت لخمسين يومًا متصلة وراح ضحيتها أكثر من ألفي شهيد ونحو اثني عشر ألف جريح.. وحتى بعد الصمود الأسطوري للمقاومة ومن ورائها شعب غزة الأبيّ، مما أجبر العدو على الانسحاب واللجوء لعقد هدنة مع حكومة غزة. رفضت مصر تضمين اتفاق وقف إطلاق النار في ٢٤ أغسطس ٢٠١٤م، أي بند يتعلق بفتح معبر رفح وإنهاء الحصار!

ويشهد الجنرال “جادي شماني” قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال وقتذاك، بأن إسـرائيل كانت على وشك الاستجابة لبعض مطالب حـماس خلال الحرب إلا أن “السيسي” هو مَن أنقذها مِن ذلك بإصراره على رفض الاستجابة لهذه المطالب. ومن ثمّ يرى “شماني” أن بقاء “السيسي” في الحكم أكبر فترة ممكنة يُمثّل نافذة مهمة لإسـرائيل ويُحسّن من قدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية!.[٦]..

ونرى صدقه الآن أكثر بعد نحو ٢٥٠ يوماً من الدمار والحصار والتواطؤ والصمت العاجز على مجازر العدو التي أودت بحياة أربعين ألف شهيد ومائة ألف مصاب حتى الآن!

فبهذه الأعمال وبغيرها يتحول #غُثاء_السَّيْل إلى طوفانٍ هادرٍ يُنهي أيام الاستعمار والاستبداد أو نلقى الله على ذلك، فإن كل إنسان يسأل عن نفسه، كما أخبرنا الله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [فاطر الآية ١٨]..

كتبه الفقير إلى عفو الله/ أحمد الشريف

١٢ ذو الحجة ١٤٤٥هـ/ ١٨ يونيو ٢٠٢٤م

#معركة_الوعي_أم_المعارك

هوامش المقال:

[١] صحيح الجامع، الألباني، رقم ٨١٨٣

[٢] بتصرف يسير من كتاب “وقفات مع الأبرار ورقائق من المنثور والأشعار”، للدكتور محمد بن لطفي الصباغ، صـ١٠٥، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت سنة ١٤١٣هـ/١٩٩٢م، نقلاً عن “خطط الشام” محمد كرد علي، جـ٢صـ٤٤.

[٣] نور الدين محمود الرجل والتجربة، الدكتور عماد الدين خليل، صـ٣٦، دار القلم، دمشق ١٤٠٠هـ/١٩٨٠م

[٤] نور الدين محمود زنكي.. شخصيته وعصره، د. علي محمد الصلابي، صـ٣٧، مؤسسة اقرأ، ٢٠٠٧م/١٤٢٨م

[٥] هكذا ظهر جيل صلاح الدين، ماجد عرسان الكيلاني، صـ١٥، دار القلم، الإمارات العربية المتحدة، ١٤٢٣هـ/٢٠٠٢م.

[٦] العلاقات المصرية الإسرائيلية، الدكتور صالح النعامي، صـ١٢٩